مقالات

أساليب التعلّم الناجعة: كيف تفهم ما تدرسه حقّ الفهم؟

ترجمة: نورة العندس - مراجعة: أمل المظاهر

أخبِرني وسوف أنسى، علِّمني وقد أتذكر، أشرِكني وسأتعلم. – بنجامِن فرانكلِن.

أدّى ظهور الإنترنت إلى خلق بيئة يمكننا الوصول من خلالها إلى مصادر كافية لتعلم أي موضوع، لكن مجرّد التعرّض لهذه المواد التي لها علاقة بموضوع اهتمامك ليس كافيًا، وبدلًا من مجرد التعرّض لها، توجد أساليب دراسة أخرى مثبت فعاليتها أكثر من غيرها لكي تفهم ما تروم تعلمه حق الفهم. سنقوم بالتحدث عن هذه الأساليب في هذه المقالة وتوضيح بعض معالمها.

  • اِسترجع ما تعلمت، لا تُعِد قراءته

تعتبر القراءة السلبية أحد أساليب الدراسة الشائعة شيوعًا واسعًا، إذ يدرك كثير من القراء أن قراءة المواضيع الجديدة أو الصعبة مرةً واحدةً لا تكفي؛ لذا يقرأ الكثير منهم المادة عدة مرات؛ ظانين أن ذلك سيكون مفيدًا وكافيًا، ولكن تكرار القراءة أسلوب تعلمٍ فاشل. يشرح الكاتب بيتر براون سلبيات تكرار القراءة في كتاب (ترسيخ المعرفة أو المعلومة -عنوان التعلم الناجح Make it Stick – The Science of Successful Learning):

“إعادة القراءة لها ثلاثة عيوب؛ فهي تستهلك وقتًا طويلًا، ولا ينتج عنها ذاكرة متينة، وكثيرًا ما تنطوي على خداع الذات دون قصد بسبب أُلفة النص وليس إتقان المادة”. (ترسيخ المعرفة أو المعلومة -عنوان التعلم الناجح)

لتكوين ذاكرة متينة فإن التذكر أو اِسترجاع ما تعلمت أسلوب فعّال أكثر من إعادة القراءة، وأساس الاسترجاع هو أن تختبر معرفتك بالمادة المقروءة؛ إما بوضع أسئلة تجيب عنها، أو باستخدام بطاقات التذكر (flashcards)؛ ففي فعل التذكر أو الاسترجاع فائدتان عظيمتان؛ الأولى: إنَّه يخبرك بما تعرف وبما لا تعرف، وبذلك تعرف أين تركز دراستك القادمة لتحسين نقاط ضعفك؛ الثانية: إنَّ استرجاع ما تعلَّمتَه يجعل عقلك يوطّد الذاكرة، مما يقوي ارتباطه بما تعرفه مسبقًا، ويسهل عليك التذكر والاسترجاع مستقبلًا. في الواقع، اختبار القدرة على الاسترجاع يعارض النسيان” (ترسيخ المعرفة أو المعلومة -عنوان التعلم الناجح).

أدرك الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو فوائد الاسترجاع منذ أكثر من ألفي عام، حيث كتب “التمرن على تذكر الشيء بشكل متكرر يقوي الذاكرة”.

  • باعِد بين فترات تعلُّمك

من الممارسات الأخرى المفيدة هي أن تسمح بمضي وقتٍ كافٍ بين جلسات الدراسة؛ حتى تنسى بعضٍ مِن المادة.

وهذا النسيان يجعل استرجاع المادة المقروءة خلال جلسة الدراسة القادمة أكثر صعوبة، وبذلك يتطلب منك مجهودًا أكثر.  وذلك يشبه زيادة كتلة العضل نتيجة الرياضة بسبب الجهد المبذول فيها. وتظهر الدراسات أن الجهد المبذول أثناء الدراسة يؤدي أيضاً إلى تعلم أقوى.

  • لا تَدرس شيئاً واحدًا فقط

ومن أساليب التعلّم المثمرة والفعًالة أن تقوم بالتبديل بين موضوعين أو أكثر. أثناء جلسة الدراسة بدِّل بين عدة مواضيع متقاربة بدلاً من التركيز على موضوع معين وحيد. مثلًا، إذا كنت تدرس الجبر، لا تقم فقط بحل التمارين الموجودة في آخر الفصل الذي أتممتَ قراءته للتو، ولكن قم بحل مسائل من ذلك الفصل بالإضافة إلى بعض المسائل من الفصول السابقة، مُراوحًا بين أسئلة الفصلين. هذا سوف يقودك إلى بذل مجهود أكبر أثناء دراستك، وبذلك يَنتُج فِهِم وإتقان أكبر للمادة.

  • خُذْ وقتًا للراحة

عندما تتعثر بمسألة رياضية صعبة ما، أو تعاني من حالة انقطاع الكتابة، أو لا يمكنك فهم موضوع معقد؛ فالطريقة الفعالة للتغلب على صعوبات مشابهة هي أخذ وقت للراحة. تشرح باربرا أوكلي في كتابها (عقل للأرقام: كيف تتفوق في الرياضيات والعلوم  A Mind for Numbers: How to Excel at Math and Science) كيف أن أخذ وقت للراحة يُنشِط ما تُسميه “نمط التفكير الموَّزَع”، وهو نوعٌ من التفكير المُعزِز للإبداع.

” منذ بداية القرن الواحد والعشرين، حقّق علماء الأعصاب تقدمًا عظيمًا في فهم نوعين من الشبكات يقوم الدماغ بالتبديل بينهما؛ شبكة تُعنى بحالات الانتباه العالية، وأخرى بحالات الاسترخاء والراحة. سَنُسمي عمليات التفكير المتعلِقة بهذين النوعين من الشبكات بنمط التفكير المُرَكّز للحالات الأولى، ونمط التفكير الموزع للحالات الثانية، وهذان النمطان مهمان في التعلّم” (عقل للأرقام، باربرا أوكلي)

تجري حالة الانتباه العالي -أو نمط التفكير المُرَكّز- أثناء العمل المباشر على شيءٍ ما. أما نمط التفكير المُوزّع فيجري عندما تتوقف عن نشاط وتبدأ بآخر، فيسمح لك بالاسترخاء، ويسمح لعقلك بالتطواف؛ ومن الأنشطة التي تُفعّل نمط التفكير الموزّع المشي في الطبيعة، وأخذ قيلولة، والاستماع للموسيقى. وما يلفت النظر معظم الأحيان أنه حين نقوم بالانتقال إلى نمط التفكير الموزع يستمر دماغنا بالعمل على ما كنا نعمل سابقًا أثناء تركيزنا، ولكن بشكل لا واع. تقترح أوكلي أن نمط التفكير المُوزّع يحفز على الإبداع، وقد يقود إلى لحظات الاكتشاف التي تبدو بعيدة المنال حينما نركز بشكل كبير على شيءٍ ما.

اعتاد توماس إديسون (المخترع العظيم) على أخذ قيلولة قصيرة عند علوقِه في مشكلة ما؛ ليحفِّز الإبداع، بينما عُرِف الكاتب تشارلز دِكنز بأخذ جولات مشي طويلة محاولًا إيجاد الإلهام لرواياتِه.

  • اِعلم أن قدرتك الذهنية ليست ثابِتَة

يقع الناس غالبًا في فخ الظن أن موضوعاً معينًا صعبٌ عليهِم بشكل كبير، أو أنهم لا يملكون “العقل” الكافي لتعلم موضوع معين. ولكن أظهر البحث الذي أجرته الأخصائية النفسية كارل دوِك أن الذين يحافظون على إيمان في تحسين قدرتهم الذهنية يؤدون بشكل أفضل بكثير عند تعلمهم مهارات جديدة، من الذين لا يملكون هذا الإيمان. يكثُر بين الناس الاعتقاد بأن قدرتهم الذهنية محددة بجيناتهم، وأعمارهم، أو أي عوامل أُخرى خارجة عن سيطرتهم، وبالرغم من وجود عوائق كهذه؛ فإنها ليست بالسوء المعيق كما كان يُعتقد سابقًا، ويظهر بحث دوك أن مجرد وعينا بهذه الحقيقة يجعلنا متلقّين أفضل للعلم!

توصلت دوك في بحثها إلى أهمية السعي إلى ما سمته “بأهداف التعلم” بدلًا من الهوس بالأداء، وقد لخصَ بيتر براون هذه النتائج في كتابه: (ترسيخ المعرفة أو المعلومة -عنوان التعلم الناجح):

وجدت دوِك أن بعض الطلاب يركز في عملية تعلمه على أهداف متعلقة بالأداء، بينما يسعى طلاب آخرون إلى أهداف مُتعلّقة بالتعلم؛ في الحالة الأولى، أنت تعمل لإثبات قدرتك؛ بينما في الثانية، أنت تعمل لاكتساب معرفة أو مهارات جديدة. الأشخاص الذين يركّزون على الأداء يحدّون من إمكانياتهم بشكل لا واع؛ فإنْ تمحورَ تركيزك حول إثبات نفسك أو التباهي بقدرتك فإنك ستقوم باختيار تحديات أنت متأكد من قدرتك على إنجازها؛ لأنك تريد الظهور بمظهر الذكي، وبذلك ستقوم بعمل نفس الشيء مراراً وتكراراً. ولكن عندما يكون هدفك هو زيادة وتحسين قدرتك؛ فإنك تختار تحديات أكبر بشكل مستمر، وتتعامل مع اِخفاقاتك كتجارب مفيدة قادرة على مساعدتك في شحذ تركيزك، وزيادة إبداعك، وزيادة عملك بشكل أكبر” (ترسيخ المعرفة أو المعلومة – عنوان التعلم الناجح).

 


المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى