إلى أيّ مَدى تَفهم العَالم؟
هل تَعتَقدُ بأنّك تدرك الواقع إدراكًا جيّدًا؟
قَدّم الفيلسوف الإغريقي أفلاطون نَظريةً مَعروفة عن المعرفة يُمكن تَمثيلها بِسُّلّمٍ مِنْ أربع دَرجات؛ إذ من يصعد سُلّم الوضوح هذا، مُتَرقيًا من درجة إلى أخرى، مُراكِمًا على المعرفة التي اكتسبها من الدرجة السابقة؛ فإنّه ينتقل من الجهل إلى المعرفة الحقيقية.
بالنسبةِ لأفلاطون، الوهم أدنى درجاتِ هذا السُلّم، والوهم آراءٌ مبنيّة على معلوماتٍ مِنْ مصادر أخرى. ففي العصرِ الحَديث مثلًا، فإنّ ذلكَ يَشمل الصور، والصحف، والتلفزيون وما إلى ذلك. فعلى سبيلِ المثال، حينَ تقرأ صحيفة أو تُشاهد في التلفازِ حدثًا وتبني رأيكَ بناءً على ما قرأتْ أو شاهدتْ، فأنت لم ترَ الحدث مباشرة ولا تعرف ما إنْ كانَ قد حدث فعلًا. إنّ صورة الواقع لديكَ مُشَوّشة؛ إذْ اختلط عليك الواقع بالصورة، والظل أو الانعكاس بالجسم المادي. وبالنسبةِ لأفلاطون، فإنّ تَشكيل رأي قائمٍ على هذا النوع من الوهم، هو أدنى درجة مِن درجاتِ المعرفة؛ بل إنّه الجَهل الخالص.
الدرجة الأعلى من السُلم هي تَشكيل رأي يَستند على الأشياء الماديّة، على سبيلِ المثال بدلًا من اكتسابِ المعرفة عن العالم مِنْ خلال التلفزيون والسينما، تكتسب المعرفة من خلال التفاعلِ المباشر مع العالم. فَتخوض محادثاتٍ مع أناس من لحمٍ ودم، وتتفاعل بشكلٍ مُباشر مع الطبيعة، وتتأملُ النجومَ في سماءِ الليل وتَتفكّر في وجودك. ولكنْ لسوءِ الحظ، إنّ التفاعل المباشر مع الأشياء الماديّة مقيّد بحواسنا؛ حاسّة البصر والشمّ والسَمع، وغالبًا ما تَخدعنا هذه الحواس. علاوة على ذلك، فإنّ العالم الماديّ متَغيّر باستمرار، لذلك مِن غير المُرجَّح أن تكون الاستنتاجات المُستخلصةُ مِنه دقيقة.
إذن، لن نَبدأ في تشكيل فَهمٍ حقيقيّ عن العالم إلا حينَ نَصعد إلى الدرجةِ الثالثةِ مِنْ السُّلَم. إنّنا بهذا نَنتقِلُ مِن العالم المرئِي -عالم الأشياء المادية وانعكاساتها- إلى العالِم المُدرَكِ بالأفكارِ المُجرّدة والرياضيات والهَندسة. على العكسِ من العالم الفوضويّ المُتَغيّر، فإنّ الأفكار المُجرَدّة تمتلكُ نوعًا من الثباتِ والديمومة يَفتقرُ إليه العالم الماديّ. خُذ مثلًا فكرة استبدال المنزلِ المرئي برسمهِ المِعماري، بما في ذلك الأبعاد الرياضيّة والأوزان والخطوط الهندسيّة وجميع التفاصيل الأخرى. ولكنْ حتى بالوصولِ إلى هنا، فإنّنا ما زلنا بعيدين عن قِمة سُلّم المعرفة؛ ذلكَ لأنّ الرياضيات ما تزال قائمة على افتراضات.
كيف إذن نَكتَسِبُ الفهم الحق؟ كيف يُمكننا بلوغُ قِمّة السُّلَم؟ يتصوّر أفلاطون أنّنا لن نبلغ فهمًا حقيقيًّا إلا حينَ تَكفّ معرفتنا عن الاستنادِ على الافتراضات بشكلٍ تامّ، ونبدأ باستقاءِ هذه المعرفة مِن خلالِ الفهم الفلسفي المُستنِدِ على أفكارٍ مجرّدة عن الطبيعةِ كَكل، وليسَ عن الأشياء الماديّة أو الكائناتِ المُحددة. حيث تُشكِّل هذه المعرفة الأساس الثابِت لفهمِ جميع المستوياتِ الأخرى. فعلى سبيلِ المثال، عليكَ أولًا أنْ تفهم فكرة العدالة لتحيا حياةً عادِلة. ومِنْ خلال التَفكيرِ الفَلسفيّ قد نفهم معنى الخير الذي نَستَخِلصُ مِنه الحِكمةَ والشجاعة والعَدالةَ والاعتدال. فكما كَتب: «شَكلُ الخير هو أهم ما يجب علينا معرفته، بدونِ فَهمِ الخير، لا يُمكننا فهم مفاهيمٍ أخرى مِثلَ الحقيقةِ والوجودِ». إذن، فإنّ أفلاطون يَعتقدُ أنّ أذهاننا قد تمتلكُ القُدرة على تحقيقِ فَهمٍ حَقيقيّ للعالم ووجودِنا فيه إنْ نَحنُ تجاوزنا وَهم العالمِ السُفلي ببلوغِ عالمِ التَفكير الفَلسفيّ.
New Philosopher: Issue #10: fame