مقالات

الفريق الآخر ليس غبيًّا: أنحن على حقّ في كل شيء؟

شين بلاندا ‏- ترجمة : نورة آل طالب

هناك لُعبة ممتعة أحب أن ألعبها مع مجموعة من أصدقائي الموثوقين اسمها «الرأي المثير للجدل»، وقواعدها بسيطة: يُمنع الحديث فيما قيل خلال اللعبة بعد انتهائها، كما يُمنع «الجدال»، ولا يُسمح إلا بالسؤال عن سبب اعتقاد الشخص بالرأي الذي عبَّر عنه. يمكن أن تتنوع الآراء بين «أعتقد أن أفلام جيمس بوند مُغالى في تقديرها» و«أعتقد أن دونالد ترامب سيكون رئيسًا رائعًا».

عادةً يستجيب أحد اللاعبين لأحد الآراء بـ «يا إلهي! لم أكن أعلم أنك من أولئك الناس!» وهذه طريقة أخرى لقول: «ظننت أنك من فريقي!».

في علم النفس، فكرة أن جميع الناس مثلنا تُدعى «تحيز الإجماع الوهمي». وغالبًا ما يظهر هذا التحيز عندما نرى التقييمات التلفزيونية ونبدي استغرابنا من أعداد المشاهدات لبرنامجٍ لا يُعجبنا، أو في السياسة عندما نتعجب مثلًا من وجود من يخالفنا الرأي بشأن فرض قوانين أكثر صرامة على حمل الأسلحة، أو في الاستطلاعات عندما نستغرب من وجود مصوتين لشخصٍ لا يروقنا.

وهذا التحيز يعني على شبكة الإنترنت أننا قد ننصدم من آراء أصدقائنا أو، على نطاقٍ واسع، من آراء البلاد كلها. وبمرور الوقت يتحول هذا التحيز إلى اعتقادٍ لا واعٍ بأننا نحن وأصدقاؤنا العقلاء وهناك «فريق آخر» معتوه جدير بالسخرية؛ لأنه ببساطة «لا يفهم» ومن الواضح أنه ليس ذكيًّا «مثلنا». ولكن هذا السلوك المرتبط بوسائل التواصل الاجتماعي يأتي بنتائج عكسية، حيث يُفضي إلى تعظيم الذات على حساب الخطاب الفعلي المختلف والمتنوّع، وإذا أردنا اعتبار الخطاب عبر الإنترنت مثمرًا فنحن بحاجة إلى تجاوز ذلك.

ما ينشأ الآن هو أسوأ نوع من غرف الصدى، حيث يزداد من بداخلها قناعةً بأن الجميع يشاركهم نظرتهم للعالم وأن صفوفهم تتنامى في حين أن ذلك غير صحيح. يحدث الأمر بدقة وانتظام: يقع حدثٌ ما ثم تشعر دائرة وسائل التواصل الاجتماعي بالصدمة عندما تتفاعل مجموعة نظيرة من خارج الدائرة مع الأخبار على نحوٍ غير متوقع، ثم يبدأ التهكم على الفريق الآخر بسبب «جهله وعدم اطلاعه» أو «بلاهته».

تطرَّق ريدريك بيدوير، أحد كُتَّابي المفضلين، إلى هذا الموضوع في مقالته Getting Past the Coalition of the Cool حيث كتَب:

يدفعُ الإنترنت الناسَ إلى إلغاء أي تمييز بين حياتهم العملية، والاجتماعية، والسياسية. إذْ يقال: «هذا الشخص الذي يُغرِّد عن برامجي التلفزيونية المفضلة يكره الظلم أيضًا»، وهذا يصبح مع مرور الوقت «أستطيع تحديد حلفائي من برامجهم التلفزيونية المفضلة». حقيقة تمَكُّنك من استخراج محتوى سياسي من فيديو لريانا يُصبح معناها -بذلك النهج الغامض للإنترنت- أن الناس الذين لا يجدون أيّ محتوى سياسي في موسيقى ريانا ليسوا من فريقك.

عندما يُبلغنا أحدهم أنه «يخالفنا الرأي» فإن أول ردُّ فعل لنا هو تفاديه أو نبذه باعتباره أحمقًا. لا شك أن هناك أشخاصًا بغيضين وعنصريين ولا يستحقون منَّا أدنى اهتمام أو حتى التفاتة. إنما أُشير إلى أولئك الذين يؤمنون بوجهة نظر مخالفة لقضية معقدة وهم يفعلون ذلك لأسباب حقيقية ومدروسة، أو على الأقل لأسباب وجيهة كأسبابك.

هذه ليست قضية «لباقة سياسية»، بل رفضٌ أساسي لإمكانية الاعتقاد باحتمالية أن يكون المخالفين لنا على صواب، ورغبةٌ في النظر إلى الفريق الآخر على أنه صورة وهمية كرتونية وليس ذلك الإنسان المركَّب الموجود بالفعل.

ما يحدث بدلًا من الفضول الفكري الحقيقي هو مشاركة روابط المواقع الإخبارية الموجودة أصلًا لإنشاء مواد مُصمَّمة للمشاركة حتى يتمكن الأصدقاء من الإشادة ببعضهم البعض والسخرية من الفريق الآخر، ولسان حالهم يقول: «انظر إلى الفريق الآخر! كم هو غبي وغير قادر على رؤية الأمور مثلما أراها!».

إن مشاركة الروابط الساخرة من مخالفينا لا تشير إلى أننا أكثرُ درايةً منهم، بل تشير إلى أننا نفضِّل أن نكون أوغادًا متعجرفين على أن نتأمل الآراء المخالفة، وأننا نُحبِّذ أن نُظهر لأصدقائنا أننا مثلهم بدلًا من محاولة فِهم أولئك المخالفين لنا.

يستحيل أن تعتبر نفسك فضوليًّا وتكون مساهماتك في وسائل التواصل الاجتماعي على هذا النحو. لا يمكن اعتبار أنفسنا «متفهمين» ونحن نُقلِّل من شأن أولئك المخالفين لنا.

في تويتر وفيسبوك، هذا يعني أننا نعطي الأولوية لنشر الأمور التي ستحظى بموافقة أقراننا بدلًا من تلك العاكسة للحقيقة. إننا نشارك الأمور التي تتجاهل الحقائق الأوسع، أو تنقل معلومات بانتقائية، أو تلك الزائفة كليَّةً. هذا التضليل متفشٍ للغاية حتى أن صحيفة واشنطن بوست توقفت عن نشر عمود التحقق من الحقائق على الإنترنت؛ إذ لا يبدو أن الناس يُلقون بالًا لصحة المواد من عدمها.

كان كشف زيف الأخبار الإنترنت ينطوي سابقًا على بعض عمليات البحث، بينما الآن، بات الأمر بسيطًا ببساطة النقر على صفحة «عن الموقع» أو «إخلاء المسؤولية». وأما تصديق الأكاذيب فيما مضىانت ناشئة من جهلٍ بريء أو فهمٍ خاطئ، لم يعُد هذا هو الحال دائمًا. عناوين مثل « وُجدت كيسي آنتوني مقطَّعة إلى أشلاء في شاحنة» تنتشر انتشارًا واسعًا بدافع الاستمتاع ببلايا الآخرين وحتى الكراهية.

الارتياب من المؤسسات مرتفعٌ للغاية في الوقت الحالي، والتحيز المعرفي مُستفحلٌ دائمًا، بحيث أن المنخدعين بالقصص الإخبارية الزائفة لا يهتمون إلا بنقل المعلومات الداعمة لآرائهم حتى وإن اتضح زيفها.

الحل هو، كما يقول ديبوير: «عليك أن تكون مستعدًا للتضحية بأدائك الاجتماعي المُنسَّق بعناية وتكون مستعدًا للتعامل مع أُناس ليسوا مثلك». بمعنى آخر، عليك التسليم بأن الفريق الآخر مكوَّن من أشخاص حقيقيين. غير أني أريد اتخاذ إجراء آخر يتمثل في وضع احتمالية أن نكون على خطأ مع كل قضية ننخرط فيها.

أليس ممكنًا أن تعاني أنت، قارئ موقع ميديوم ومستخدم تويتر، من هذا الأمر بين حينٍ وآخر؟ أليس ممكنًا ألا نكون على صواب في كل شيء؟ وأن أولئك الذين يعيشون في أماكن لا تعيش فيها، ويشاهدون برامجًا لا تشاهدها، ويقرؤون كتبًا لا تقرأها، أن يمتلك هؤلاء آراءً ومعتقدات فيها من الصحة ما في آرائك ومعتقداتك؟ وأنك قد لا ترى كامل الصورة؟

أتعتقد أن الصوابية السياسيّة فلتتْ من زمامها؟ تابع العديد من الناشطين الاجتماعيين العظماء على تويتر. أتعتقد أن موقف أمريكا من الأسلحة أمرٌ محير؟ اقرأ قصص 31% من الأمريكيين الذين يمتلكون سلاحًا ناريًّا. هذا لا يعني أن الفريق الآخر «على حق» ولكن من الممكن أن يكون لدى أولئك أسبابًا حقيقية لاعتقاد ما يعتقدونه. ولا يمكن خوض نقاشًا حقيقيًا إلا بعد فِهم تلك الأسباب.

مثلما يعلم روَّاد نادي النقاش القُدامى، إن لم تستطع إعادة صياغة فكرة خصمك له؛ فأنت لا تُدرك القضية كما ينبغي. يمكننا أن نتذمر من العرقلة السياسية وكل ما ينقصنا هو إعلام مثير للانقسام، لكننا لن نتقدم تقدمًا حقيقيًّا بوصفنا أفرادًا حتى نبذل جهدًا صادقًا لفهم أولئك المعارضين لآرائنا. ولن تُقنع أي أحد بالاعتقاد بما تعتقده ما لم تحترم موقفه وآرائه.

هذا تحدٍّ للمرةِ القادمة التي تخوض فيها نقاشًا مع أحدٍ يُخالفك الرأي: لا تحاول «الانتصار» ولا تسعى إلى «إقناع» أي أحد بوجهة نظرك. لا تحاول نيل الغلبة بالسخرية منه أمام أقرانك، بل حاول أن «تخسر». أنصت له واطلب منه إقناعك وكن صادقًا في ذلك. لن يُخبر أحدٌ أصدقائك المدافعين عن البيئة أنك اكتفيت بطرح أسئلة تعقيبية بعد أن جادل أخاك لصالح التكسير الهيدروليكي.

أو عندما تشعر أنك مضطرٌّ إلى مشاركة رابط على وسائل التواصل الاجتماعي حول الأحداث الجارية، اسأل نفسك عن دافعك من ذلك. هل لأن هذا الرابط يسلِّط الضوء على معلومات لم تخطر على بالك؟ أم لأنه يؤكد وجهة نظرك عن العالم، ويذكِّر دائرة زملائك العقلانيين أنك لست من الفريق الآخر؟

أناشدك أن تبحث عن نقيضك. عندما تسمع أحدهم يروي «حقائقًا» لا تدعم وجهة نظرك فلا تظن أن هذا «لا يمكن أن يكون صحيحًا!» بل ضع في اعتبارك أن هذا الشخص قد يكون محقًّا وفكرِّ بالأمر مرةً أخرى. لأن الاستنكاف عن فِهم المخالفين لك في الرأي هو كسلٌ فكري؛ بل أسوأ؛ إذ عادةً ما يكون فعلك هذا أسوأ مما تتهم الفريق الآخر به.

 

 


 

المصدر

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى