العبودية والرِّق نقيض الحرية، فالعبد المملوك خلاف الحر في لسان العرب، والعبد من لا يملك حريته أيًا كان جنسه، أو لونه، أو عرقه، فمن الذي اختزل العبد، -وهو بهذا المفهوم الواسع- ، مشيرًا به إلى عرق دون غيره، وإلى لون محدد من بين كل الألوان؟!
عانى السود عبر التاريخ من نظرة تفوقُ العبودية حينما يُنظر إليهم بوصفهم جنسًا مغضوبًا عليه كما تنص بعض الروايات الأسطورية والدينية والتاريخية -في تواطؤ بينها- على تكريس هذا المفهوم ، انطلاقاً من انتسابهم إلى حام بن نوح على سبيل المثال، واكتساب ذريته هذا اللون إثر مخالفة حام لوالده نوح عليه السلام باجتيازه الرماد الذي وضع بين النساء والرجال بعد أمره باعتزال النساء ، ودعاء نوح عليه بأن يسوّد الله وجهه، ووجه ذريته، حتى ولدت امرأة حام غلاماً أسود سمّاه كوشا ، أو كما تقول الرواية الأخرى من انكشاف عورة نوح عليه السلام عندما كان نائماً ، ورؤية حام لها وضحكه منشغلاً بالقهقهة عن تغطية والده!
صاح سام على أخيه حام عندما نظر إلى هذا المشهد، وعندما علم نوح بالأمر دعا على حام أن يكون كنعان وولده سوداً مشوهين عبيداً لإخوة حام.
هاتان الروايتان وغيرهما تكرسان مفهوم العبودية كنتيجة حتمية لخطيئة سالفة، وكما يمنهجها القديس بولس في العهد الجديد في وعد لحياة أخرى يكون الجميع فيها متساوين بعد خضوع السود للقدر المحتوم عليهم بطاعة سادتهم البشريين بخوف وارتعاد، ومن قلب صادق كمن يطيع المسيح، ولك أن تقف قصيراً أو طويلاً إن أردت أمام السادة البشريين والتنصيص على ذلك!
إن منهجة هذا الأمر على الصعيد الديني يسوّغ ما جرى عبر التاريخ، ويكرِّس الرؤية الدونية التي نُظر بها للسود ورقودهم وراء التاريخ، والتفاف بلادهم بحجاب الليل الأسود، ولذلك رسف السود في قيد من حلكة وسواد باحثين عن بصيص أمل، للخروج من الكهف المطبق عليهم عقوبة لذنب لم يقترفوه.
البحث عن الخلاص
مرت مناهضة العبودية بمحطات متعددة عبر التاريخ، لكن أقوى المراحل كانت في العصر الحديث؛ إذ تشكلت حركات لإلغاء العبودية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر في أمريكا. وهي معركة عتق طويلة وصعبة، كما ذكرت الباحثة الإيطالية باتريسيا ديلبيانو، غير أن المعارك الطويلة ستأتي بنتائج مجزية.
توثيق الرحلة
لا شك أن أمريكا بثورتها السينمائية أسهمت في توثيق حوادث جرت طوال الرحلة الطويلة والصعبة، وبأساليب مختلفة في عرض القضية، وبعدسات تنطق برؤى من يقف خلفها تجاه القضية، ومن ذلك ما قدمه Quentin Tarantino في فيلم Django Unchained الذي حصل به على الأوسكار في فئتين أحدهما السيناريو، بفضل ما تحمله القصة من تعقيدات، وتصوير العبودية وتناقضاتها في شخصية جانجو الذي يقوم بدوره Jamie Foxx ، وستيفن الذي يقوم بدوره Samuel L. Jackson . يسعى الأول إلى خلاص زوجته من يد الإقطاعي الأبيض كالفين كاندي الذي يقوم بدوره Leonardo DiCaprio، بينما الثاني عبد لدى كالفين، ولا يتم خلاص زوجة جانجو إلا بمعونة أبيض آخر هو رفيق رحلته الدكتور كينج شولتز صائد الجوائز الذي يقوم بدوره الألماني Christoph Waltz.
يُظهر الفيلم معضلة الخلاص والتسليم، إذ يسعى العبد جانجو لخلاصه أولاً، وخلاص زوجته ثانياً دون طموح أكبر من ذلك في ظل سعي ستيفن لإبطال ذلك والوشاية بهم عند سيده كاندي في ظل قبوله وسعادته بالوضع الذي يعيش وسط ترقيته في مهنة تفوق بني جنسه والعمل داخل القصر بينما يعيشون خارجه!
أمام هذا الاختلاف بين بني العرق الواحد لا شك أن الرحلة تطول وتطول متى ما اختلفت وجهات النظر، وسبل الخلاص، فحين يقبل ستيفن الخضوع مقابل ترقية، وجانجو يكتفي بخلاصه وخلاص زوجته، لا شك أن الطريق سيكون طويلاً وطويلاً جداً، فالرحلة طويلة وصعبة مليئة بالمطبات والخذلان، وتحتاج إلى كثير من التضحيات.
تبادل الأدوار
يظهر جانب من الرحلة في فيلم الكتاب الأخضر Green book من إخراج الأبيض Peter Farrelly، وبطولة الأبيض Viggo Mortensen في دور الإيطالي توني ليب، والأسود Mahershala Ali في دور الموسيقي الدكتور دونالد شيرلي.
هذا الفيلم مقتبس من قصة حقيقية تُقدم فيها صورة العبودية من زاوية مختلفة ومغايرة، إذ أن توني ليب إيطالي فقير يعمل حارساً لملهى كوبا كابانا بنيويورك عام 1962م، يُسرّح توني من عمله، فيبحث عن وظيفة، فيجدُ فرصة جديدة للعمل يسعى إليها، وتحدث المفاجأة!
يصوّر الفيلم توني ليب بالإيطالي العنصري الذي يقرف من السود، حدَّ رميه للكأسين اللذين شربا منهما عاملين أسودين أتت بهما زوجته لإصلاح المطبخ، فكيف يقبل بالعمل لدى أسود، ويضطر إلى صحبته في رحلة طويلة صعبة وشاقة على قلبه؟!
إن قرف توني ليب وليد نظرة عامة تنطلق من أسرته التي استيقظ ذات يوم ليراهم في منزله حماية لبيته أثناء نومه ووجود سود يعملون في منزله!
تبدو العنصرية والقرف من خلال الحوار بلغة إيطالية لا يفهمها السود إذ يصف توني ليب هؤلاء السود بالباذنجان مثلاً، ويصغي إلى تحذير والد زوجته (العجوز) من أن ينام مطمئنا بينما هؤلاء الزنوج في بيته وبرفقة ابنته!
إن هذه الريبة والقرف لا باعث لهما سوى الاختلاف، ولا يمكن أن يزولا إلا بتقارب، ولا يحدث هذا ما دام النأي بين الأطراف موجوداً ، لذا سار الفيلم في معادلة جديدة تقتضي قلب الأدوار، وذلك حين يجد توني ليب هذه الفرصة للعمل لدى الأسود الدكتور دونالد شيرلي الذي يعيش في منزل فخم للغاية، ويمتلك خدما وسيارة فاخرة، ليكون سائقه وحارسه الشخصي في رحلة موسيقية يقدمها الدكتور شيرلي في جنوب أمريكا، مستعيناً بكتاب أخضر يدلهما على ما يتاح للسود من سكن في منطقة عنصرية لا تسمح للسود بدخول كل مكان، وفي هذه الرحلة بدأ الأمر يذوب شيئاً فشيئاً حين اقترب توني ليب من الدكتور شيرلي، فإن كانت الكراهية وهي مرحلة تفوق القرف تزداد، كما يقول سبينوزا، متى ما تمت مقابلتها بكراهية مضادة؛ عندها لا سبيل إلا لتوسل مذيب للكراهية، يعمل على تفتيتها، ولا أقرب من المحبة القادرة على ذلك، فالقرف سيزول حتماً بالتقارب والتفاهم اللذان لا يحدثان إلا بتجربة كتلك الرحلة التي كانت بين ليب وشيرلي، ولذلك اصطبغت عتبة الفيلم بلون محايد يسمح بالانتقال إليه للتعرف على بعضهما البعض.
الأخضر
يحمل الفيلم اللون الأخضر في عنوانه مشيراً للكتاب الذي يقيه من أي اعتداء أبيض، (أو لتلطيف اللغة من رفض أبيض)، فاللون الأخضر لون يتعلق بالسود فضلاً عن رمزيته؛ إذ في الثقافة العربية تُطلق الخضرة على نفي البياض باتجاه السواد كما في بيت اللهبي:
وأنا الأخضر، من يعرفني أخضر الجلدة من بيت العرب
وقد استثمر الروائي محمود تراوري اللون الأخضر في التعبير عن قضية السود في روايته الثانية (أخضر يا عود القنا)، لذلك يبدو اللون الأخضر الأقرب للتعبير، والأكثر تلطفاً من الأسود وصورته النمطية المتعلقة بالخطيئة والتشاؤم والشر في مقابلة مع الأبيض المتعلق بالنور والضياء في الخير.
يحمل الفيلم هذا العنوان بينما لا يمر إلا لمحاً، ويظل أثره انطلاقاً من بداية الفيلم التي تغيّب شيرلي وتبرز ليب، ليكون مبرراً لقبول رحلة طويلة وصعبة بهذا المهاد العدائي، وأن يكون شريكاً لواحد من جنس من رمى الكأس بعد شربهم، ولتكون الرحلة هادية لنهايتها. توني المختلس لحجر كريم أخضر اللون من طبيعته خوض التجارب والتحديات من أجل كسب لقمة العيش؛ إذ يبادر إلى ادخار سيجارته متى ما سنحت له فرصة لاستعارتها من آخر، فهو من لا يمانع أن يخوض تجربة أكل 26 برغر في جلسة واحدة منتصراً على البدين وكاسباً 50 دولاراً!، كل ذلك يفعله توني وقسمات وجهه تعكس صورة التلذذ لا العناء والعنت.
المتعة
يعيش توني ليب حياة بائسة مادياً، ولكنه يجعل كل شيء حوله وسيلة للكسب والمتعة معاً، فهو يظهر بصورة المحتال الذي يتكسب باحتياله دون أن يضر بأحد، فإخفائه للقبعة والعودة بها لصاحبها في اليوم التالي، تمنحه مكانة عند صاحبها، وسرقته لحجر أخضر، وملاحظة رفيق شيرلي له، وأمر شيرلي له بإعادته يُلغي هذه المتعة التي يستشعرها، لذلك يخبره بأنه لم يسرقه وإنما وجده في الأرض، يأمره شيرلي فيوهمه بأنه أعاده، ويطلب شيرلي أن يشتريه له، فيخبره توني بأنه لا يريده وأن لا يزعج شيرلي نفسه في هذا الأمر إذ بفعله جرد الأمر من متعته.
إن ما يمكن التقاطه من الفيلم هذا القدر من التشبث بالمتعة لدى توني دون شيرلي، بينما التدله والاستمتاع في أحلك الظروف هي سمة يعيشها السود من خلال التعايش مع ما مرَّ بهم من مآسي، وتوطين أنفسهم على نفض الهم والغم بدقة طبل أو رنّة وتر، وهذا ما يفقده شيرلي الأسود إذ يشترط نوعاً محدداً من البيانو (ستاينواي) الذي يعزف عليه، بينما يستنكر من يستمع هذا الشرط، فالزنوج يعزفون على أي شيء أمامهم! ويشترط أن يشرب كل مساء الويسكي الأسكتلندي كاتي سارك دون تغيير، بينما السود لا ينبغي لهم ذلك في نظر البيض، يظل شيرلي بجلده الأسود وسماته البيضاء يسير في قالب واحد يومياً من العزف والشراب والسهر!
التزييف
يفضل ليب في رسالة لزوجته عزف شيرلي على العازف الأمريكي الأبيض الشهير فالنتينو ليبراتشي، ولم يضير ليب أن يعرف العازفين السود المميزين بموسيقاهم الخاصة أيضاً، إذ يبدو توني ليب أبيضاً في هذا الفيلم بثياب سود بينما شيرلي على نقيضه.
يظهر توني ليب نزقاً فوضوياً في أكله وتصرفاته، يبتهج برؤية كنتاكي بقلب طفل، فيشتري دجاجاً مقرمشاً، ويحاول أن يعطي شيرلي قطعة انطلاقاً من حب السود لهذا النوع من الطعام، ويصرح بذلك، بينما شيرلي لم يتذوقه من قبل، ويرد على ليب بقوله: (أنت تقيمني بطريقة محددة يا توني) وهي النظر إلى لونه، وضمه لدائرة يبدو خارجها من خلال هندامه وأناقته وما يأكله ويشربه ويعزفه.
لا يعرف شيرلي الفنانين السود وموسيقاهم مثل : ( إريثا فرانك، تشبي تشيكر، ليتل ريتشارد، سام كوك) ، وهنا تنقلب المعادلة، أو بصورة أخرى لونا من التزييف في صورة الأسود والأبيض من خلال القلب، إذ يرى جيل دولوز في كتابه (سينما الصورة-الزمن) أن على الصور أن تنتج دون النظر إلى أن يكون الماضي حقيقياً بالضرورة، فالمزيِّف يأخذ شكلًا لا حدود له، فهو حتمًا يراه مؤثراً في الفيلم أي فيلم، ومن ذلك نستطيع القول بأن مشاهد فيلم الكتاب الأخضر يبصر تبادل الأدوار بين الأبيض والأسود في فيلم مقتبس من قصة حقيقية ، في مساحة لا يمكن التحقق من مقدار الصدق والزيف، إذ يبدو ليب عبثيًا يأكل بطريقة مقرفة تقتضي قرف شيرلي، حتى ينطلق شيرلي معه في التجربة ويأكل، ويستمري الطعم والعبث، فيرمي ببقايا الطعام من النافذة؛ لتأكلها الحيوانات والحشرات، ولكنه القبول المشروط الذي لا يمرر رميه للكوب الورقي الذي لا يأكله أحد ولا تحلله الأرض، فيأمره أن يعود ليلتقطه.
يظهر ليب بمبرر لكل أمر، فحتى الكوب يرى أنه من الممكن أن تأكله السناجب، فالمتعة عند توني وليدة اللحظة، ولهذا كان يأكل بنصيحة والده كآخر وجبة يأكلها، وأن يتحصل على المال حيلة بمهارته، ولو كان شيرلي قادراً ومبادراً لإعطائه لو طلب! إلا أنه يجد الحصول على المال منحنياً مغبِّرا بنطاله أكثر متعة، لذلك لا بد أن يعيش المتعة كاملة، وينسى كل شيء، وهذا ما لا يعيشه شيرلي الذي انفجر في لحظة غضب أمام توني:
” إذا لم أكن أسوداً بما فيه الكفاية، ولم أكن أبيضاً كذلك، ولم أكن رجلاً كذلك، فقل لي يا توني من أكون ؟!”
هذه الحالة التي تعيدنا للغراب الذي أضاع مشيته في تقليده للحمامة، ولم يدرك مشيتها! إنها حالة الشتات التي تضعك في المساحة الوسطى التي يؤولها من يراها بأنها دائرة الفوز الثمين في رقعة السهام، بينما هي في الحقيقة الدائرة الأصغر المنبوذة من كل الأطراف، فشيرلي في نظر ليب لا يعرف السود الذي ينتمي إليهم، لأنه يرى نفسه كبيراً عندما يعزف للبيض الأثرياء، وهذا ما يقلب الصورة النمطية التي يراها المشاهد دون كلام.
يطلعنا جاك أمون في كتابه (الصورة) على قدرة الصورة الخرساء في إبقاء اللحظة وحضورها من خلال قدرتها على التجلي والإبهار، وهذا ما يمكن أن يقدمه إطار واحد من إطارات الفيلم عندما تعطلت سيارتهم بجوار حقل يعمل فيه سود، فقام توني بالإصلاح بينما شيرلي يتفرج في صورة غريبة حد الحيرة، ومعبرة دون كلام، بل تكفي تلك النظرات المتبادلة بين شيرلي الأسود الأنيق، وعمال الحقل السود الكادحين!
النصر
ليست كل المعارك منتهية بنصر صرف، وإنما بقدر ما، فإصرار شيرلي على صعود المسرح ابتداء وعزف موسيقى البيض، وهو من ضُرب قبلاً عندما عزفها، وأُنزل مهزوما، بينما يقوم اليوم برحلته، مع يقينه بتكبده كل العذابات التي هو في غنى عنها بما يمتلك من ثروة.
إن شيرلي لا يرضى أبداً بما وصل إليه، بل يسعى مهرولاً في سبيل تحقيق هدف يراه ولا يراه توني، فشيرلي هو من فرض نفسه في محافل البيض، وإن كان منبوذًا!
إنه يدرك أنه مختلف، فهو أبيض على المنصة، زنجي إذا نزل، منبوذ من البيض، ومنبوذ من بني جلدته، ولكنه يوقن أنه منتصر كل يوم عندما يعزف، وهذا نصر لا يراه توني من يتعجب من شيرلي كيف له أن يصافح هؤلاء البيض المتعجرفين مبتسمًا!
فيجيبه الموسيقي الذي يرافق شيرلي:
(لأن الأمر يتطلب شجاعة لتغيير قلوب الناس!)
هذه الشجاعة التي يمتلكها شيرلي لاقتحام المنطقة المحظورة على أمثاله، بل واعتلاء منصاتهم برضاهم. لم يكن الأمر هيناً أن ترتقي هذه المكانة، وتخرج بعدها لتكون منفياً كسقط المتاع، أو يُسمح لك بالغناء دون أن تتناول الطعام معهم، فكل ذلك يعمّق الألم الذي يعيشه شيرلي المنهزم من الداخل وإن بدا متماسكاً، إنها المعركة التي يخوضها وحيدًا مثخنًا بالجراح، ولم يجد ما يداوي به جراحه إلا برفقة توني في هذه الرحلة الطويلة والصعبة، والتي خرج مستفيدًا من توني حين نصحه:
(كل واحد يمكن أن يعزف لبيتهوفن، ولكن أنت الوحيد القادر على صناعة موسيقاك)، وهذا ما صنع عزفه المختلف ارتجالًا في حانة للسود، بعد تحدي النادلة السوداء، بأن يريها دون أن يتحدث عن نفسه ، مشيرة إلى البيانو الرخيص في طرف الحانة؛ ليعود لأهله وناسه، ويعزف معزوفته الأولى مختاراً، ليعزف بعدها مرغماً بعد انضمام بقية العازفين فارضين موسيقاهم، ليدخل مضطراً ومنسجماً؛ ليعزف واقفاً، وليخرج كاسراً الذروة بعد أن رقص قلبه فرحاً، وأرقص الحضور، وخرج دون أن يجد من ينبذه، ولكن تظل الصورة السوداء معلقة، بترصد سود خلف سيارته، مترقبين حضور هذا الثري، ليخرج توني مسدسه مخالفًا شرط شيرلي بعدم حمله أي سلاح، عير أنه السلاح الذي أرغم اللصوص على الفرار.
انتصر توني أيضًا مثل شيرلي تمامًا، ولكن بمخالفة القواعد دائمًا، وبالغش المكشوف حين أرسل رسائله بلسان شيرلي لزوجته، وهو من لا يجيد هذه اللغة، ولكنه نجاح وانتصار بتحقيق رغبة زوجته في إرسال الرسائل، وهي من تعي عدم قدرته على ذلك، فهو فوز من تدرك يقينا عدم قدرته على تحقيق هذا الهدف، غير أنه الهدف الذي لا تعيره بالاً عندما ترى ما هو أكبر منه، وهو حضور شيرلي لحفلة رأس السنة في منزلهم، واستقبال شيرلي له.
إنه حقاً النصر الذي تحدث عنه شيرلي عندما كان غاضباً في المطر:
(أنت لا تنتصر بالعنف، بل تنتصر عندما تحافظ على كرامتك)
الخطوة الأولى
نصح توني ليب الدكتور شيرلي بالخطوة الأولى التي تبدد وحدته التي يعيشها، ويخشى الإقدام عليها، وفضيلة توني دائما اتخاذه هذه الخطوة، فهو المبادر دوماً، من أجاب شيرلي بعدم تحسسه إطلاقاً من العمل لدى السود، وتذكر مباشرة الحادثة التي رمى فيها كأسي الأسودين، فأخبر شيرلي أنه في رفقة أسودين مع زوجته بالأمس لاحتساء الشراب.
هذه الخطوة التي يراجع فيها نفسه، وابتدأها بهذا التزييف، وأعقبه برحلة طويلة تنتهي باحتساء الشراب مع شيرلي وزوجته لتكون حقيقة لا زيفاً.
إنها الخطوة التي نجد فيها الحجر الأخضر في كف شيرلي، وهي الخطوة التي يترقبها العالم بأسره دون أن تكون حقيقة، فالرحلة طويلة جداً وصعبة، ولا سبيل إلى جمع العالم كله في سيارة واحدة يقتربون فيها من بعضهم أكثر.