أصلحتُ ربطة عُنقي وقرعتُ الجرس والحماس يغمرني للقاء أصدقائي وزملائي القدامى في حفلةٍ أقامها صديقٌ لي بمناسبة انتقاله لمنزلٍ جديد. وقبل أن يُجيبني صديقي، لاحظت وجود لافتة لشركة مشهورة متخصصة بالأمن المنزلي. لقد كنت مهتمًّا بالأنظمة الأمنية، فسألت صديقي عن مدى رضاه عنها، وقال بضحكةٍ مكتومة: «لم نشتريها. لقد احتفظنا بلافتة المالكين السابقين في الفناء عندما انتقلنا إلى هنا لإبقاء المتسللين بعيدًا.»
كان عليَّ أن أضحك لأني أرى نفسي أفعلُ الشيءَ ذاته: الاعتماد على وهم السيطرة لزيادة إحساسي بالأمان. من الطبيعي أن نفعل كل ما بوسعنا لنكون «مسيطرين». قد أجازف وأقول إنها طبيعة بشرية ولا سيَّما في الأوقات العصيبة.
لنأخذ الكلاب على سبيل المثال، تُظهر الأبحاث أن كثير من العائلات الأمريكية كانت تمتلك كلابًا عدوانية – النظام الأمني الأصلي – في أواخر الستينيات المُضطربة مقارنةً بأواخر الخمسينيات الهادئة نسبيًّا.
وقبل عقود، شهدت الكنائس ارتفاعًا في الحضور بنسبة الثلثين خلال فترة الكساد العظيم مقارنةً بالفترات الأكثر استقرارًا من الناحية الاقتصادية في القرن العشرين.
المقصود هو أننا نريد أن نشعر بأننا مسؤولون عن مصائرنا، لذا نحن نركِّز على فعل الأشياء «الصائبة» الآن لتخفيف قلقنا بشأن المستقبل.
لكن ماذا سيحدث لو اقتحم اللص منزلك رغم تخطيطك الدقيق؟ ماذا سيحدث عندما تُدرك أنه ما مِن نظامٍ أمني أو كلبٍ عدواني أو جماعة كنسية يمكنها حمايتك من صعوبات الحياة؟
ماذا سيحدث لو أدركت أنك لا تملك زمام السيطرة على الإطلاق؟
وهم السيطرة
ستكون هناك دائمًا أجزاء في حياتنا لا يمكننا السيطرة عليها بغض النظر عن مدى دقتنا في التخطيط. فلا مفرَّ من المشقة والألم لأنهما سيكونان دائمًا جزءًا من وجودنا، ومقاومتهما تشبه مقاومة شروق الشمس أو تغيير فصول السنة. الأمر ببساطة غير ممكن.
ومع ذلك، ما يزال الكثير منَّا يقضي حياته في محاولة تفادي التعرض للأذى. إننا نفضِّل العيش في وهمِ تسيير كل مآل بدلًا من التسليم باستحالة التنبؤ بظروف الحياة (التي غالبًا ما تكون موجعة وفوضوية).
يكتب الشاعر ديفيد وايت:
«بالرغم من أننا قد ندرك بالمنطق مدى أهمية الضعف لحياتنا ولكل مظهرٍ بارزٍ لها، إلا أننا ما زلنا نرفض بشدة أن نكون عُرضةً للأذى، حيث ننفق موارد هائلة على بناء دفاعات مدروسة ووهمية بالأساس ضدَّ هذا الشرط الأساسي للبقاء على قيد الحياة.»
إن مساعينا لتجنب التعرض للأذى تثمر عن نتائج عكسية، في الواقع، بل ومُضرة أحيانًا رغم أنها تُشعرنا بالأمان، لأن محاولة السيطرة على حياتنا تحول دون استمتاعنا بالأشياء التي نحاول حمايتها في المقام الأول.
لنقل مثلًا إنك تسعى لحماية عائلتك، وهذا طبعًا قلقٌ نبيل. غير أن هذا القلق يأخذ في النمو وسرعان ما يستهلك حياتك، إذ تقضي وقت فراغك في بناء سياجٍ طويل يصد كل أذى عن أحبائك. وعندما يحدث ذلك، فأنت تُكرِّس كامل طاقتك للبحث عن أفضل الأنظمة الأمنية المتاحة.
والآن وقد كبُر أطفالك دون أن تعي ذلك، فقد فاتك وقتٌ ثمين كان بإمكانك قضاؤه معهم لأنك ركزت اهتمامك على التأكد من عدم حدوث أي أمرٍ فظيع لهم. والأسوأ من ذلك، أنك قد تكون ضحية فيما تحاول باستماتة ألا تكون كذلك.
يكتب يونغ كانغ تشان: «بما أن حريتك تعتمد على الشخص أو الشيء الذي تريد السيطرة عليه، فإن الشيء أو الشخص يقرر كيف تشعر. ألست إذن ضحية وخاضع لسيطرة الشخص أو الشيء؟»
تذكر أن القلق بشأن المستقبل لا يمنع من وقوع الأمور السيئة بغض النظر عن مدى فظاعة العواقب المستقبلية. إنه يصرفك فقط عمَّا لديك الآن: الحاضر.
يوجز أستاذ الفلسفة ماسيمو بيلوتشي هذه الفكرة إيجازًا جيدًا في سؤاله:
«ما الذي تنالُه من القلق بشأن أمرٍ لا يمكنك السيطرة عليه؟ أو من الغضب من مآلٍ لم يكن لك يدٌ فيه؟ أنت ببساطة تؤذي ذاتك متعمدًا، مما يؤثر سلبًا على اطمئنانك وسعادتك.»
تقبُّل المخاطر
إن التركيز على تفادي الأمور السيئة يحول دون حدوث الأمور الجيدة. التعرض للأذى شرطٌ أساسي للإنسان، لأننا نحتاجه للتواصل مع الآخرين وابتداع الفنون وتوليد أفكار جديدة تُمكِّن من التحول الثقافي. فمن دون التعرض للأذى لا يوجد خطر وبدون خطر لا يوجد نمو.
يكتب المؤلف والباحث الاجتماعي برين براون: «أمضيت سنوات عديدة في محاولة تجنب التعرض للأذى بجعل الأمور أكيدة ومحددة؛ إما أبيض أو أسود، سيء أو جيد»
«عجزي عن تقبُّل المشقة التي تكتنف التعرض للأذى يحدّ من شمولية تلك التجارب الهامَّة المجبولة على الإبهام والغموض؛ كالحب والانتماء والثقة والبهجة والإبداع، وغيرها الكثير.»
إن عدم التعرض للأذى سيمنعك من التواصل مع نفسك والآخرين، كما أنه سيحول دون التواصل مع الشخص الذي تريد أن تكونه. ذلك لأن تحسين الحياة يستلزم توجهًا استباقيًّا، بينما تتعلق السيطرة بالتوجه الاستجابي. بعبارة أخرى: لو كان فريق كرة قدم بأكمله في حالة دفاع، فكيف سيتمكن من تسجيل الأهداف؟
فكِّر في آخر مرة حققت فيها «نجاحًا» كبيرًا في حياتك المهنية أو الشخصية. ربما أنك قدمت فكرة جريئة لرئيسك ولم تكن متأكدّا من تقبله لها. أو ربما قدمت مقالةً للنشر مع علمك بإمكانية رفضها.
في كلتا الحالتين، تطَّلب «النجاح» شجاعة، أليس كذلك؟ إن أكبر منجزاتك في الحياة ستنشأ من بذل قدرٍ متساوٍ من الجهد والتنازل؛ بأن تبذل قصارى جهدك للتأثير إيجابيًّا على الموقف مع الاستعداد للمجازفة بأمرٍ سلبي.
الأمر الوحيد الخاضع لسيطرتنا
لن نتمكن أبدًا من رسم أقدرانا، وهذه حقيقة يصعب تقبلها. لذا، عوضًا عن السعي إلى جعل كل منحىً من حياتنا مقاومًا للنوائب، سيكون من الأفضل لنا استكشاف ما يمكننا السيطرة عليه، وهي استجاباتنا للنوائب التي لا تقع إلا كل حينٍ وحين.
قد يقتحم شخصٌ ما منزلك رغم لافتة الأمان التي وضعتها في فناءك، وقد يرفض رئيسك فكرتك رغم الساعات الطوال التي أمضيتها في إعداد العرض التقديمي. ماذا ستفعل عندما تأتيك الأخبار السيئة؟ كيف ستكون استجابتك؟ نأمل أن تزداد نضجًا.
بدلًا من محاولة تفادي النتائج السلبية، وفِّر طاقتك للتغلب على تلك النتائج بعد وقوعها. عندما تتقبل حقيقة أن الحياة لا تصفو لنا دائمًا وتتعلم كيف تتعامل مع هذا الحال بفاعلية، لن تزداد مرونتك في التعامل مع الأمور على المدى الطويل فحسب بل ستصبح كذلك أكثر إبداعًا.
إدراك فقداننا للسيطرة على ظروفنا قد يثير لدينا القلق. إنها طريقة جديدة للتفكير وهي غير مريحة أحيانًا. ولكن عند النظر في ذلك من منظورٍ آخر، يظهر لنا أن في فقدان السيطرة نوعٌ من التحرر. فالكف عن هدر طاقتك العقلية في إدارة كل صغيرة وكبيرة في حياتك يُمكِّنك من استثمار تلك الطاقة في أمور أكثر قيمة، كأن تصبح الشخص الذي تريده.