كلمات مفتاحيّة: جهاد، حرب، إسلامويّة، فقه، فلسفة، تصوّف
تبدو فكرة الجهاد ملتبسة، فهي تُشير في آنٍ إلى الصراع المسلّح وإلى المجاهدة الروحيّة. غير أنّه لا يمكننا استبعاد المعنى العسكري الذي يتجاوز مجرّد صياغته الفقهيّة، والاقتصار على معنى الجهد في سيطرة الفرد على نوازع نفسه وأهوائها.
ومع اندفاع مفهوم الجهاد – وفكرة الجهاديّة أو الجهاديّين التي تنبثق عنها – إلى قلب الأحداث اليوميّة واحتلالها مكان الصدارة في المشهد الدولي، انتشرت لدى الرأي العامّ فكرة تختزل الجهاد في عنف مسلح يُمارس باسم عقائد الإسلام. وعلى الرغم من هذا الاستقرار الظاهر، فإنّ تضخّم الخطابات المكرّسة لهذه المواضيع ساهم بشكل كبير في تعتيم المفهوم بدلاً من اقتراح تعريفات واضحة له، بما في ذلك في بعض الأحيان، صلب المجالات الأكاديميّة “الأكثر تمرّسًا”. فنجد البعض يتحدّث عن الجهاد المسلّح الذي يتكشّف أمام أعيننا، لكنّه يُضفي عليه معنى يراه مثبتًا في النصّ القرآني؛ فيما يُعارض آخرون هذا المعنى مؤكّدين أنّ الجهاد الحقيقي ذو طبيعة روحيّة، وهو ما يجعله من فضائل الروح البعيدة كلّ البُعد عن تلك الدلالة العسكريّة العرضيّة أو اللاحقة (1). كما يُماثل بعض الباحثين الآخرين ودون أيّ تحفّظ بين الجهاد والحرب المقدّسة [في معناها المسيحي]، إن لم يعتبروه مجرّد عنف عسكري يتمّ باسم إسلام دعوي لا يعترف بالقواعد القانونيّة والأخلاقيّة التي تشترك فيها الإنسانيّة قاطبة، في حين يرى فيه آخرون معادلاً لعقيدة الغرب حول الحرب العادلة، ويجعلون منه شكلاً من “حرب فاضلة” تُخاض لفائدة الإنسانيّة ومن أجل سعادتها (2).
وتدلّ هذه الاختلافات على وجود مشكلة تتعلّق بتحديد مفهوم الجهاد وبما قد ينجم عنه من جوهرانيّة لغويّة أو ثقافيّة، وبمدى تلبّس المفهوم بوقائع كارثيّة تمنع دراسة تراث الإسلام الكلاسيكي وتعدّد النصوص التي تمثّله على الوجه الصحيح. كما تدلّ على وجود مشكلة تتعلّق بالمزايدات الدينيّة حول أفضل علاقة بين الدين والعنف، إن لم يكن بين الدين والحضارة. لذا، فإنّ طموحنا في هذا العمل يتمثّل ببساطة في كشف موانع إنجاز قراءة واضحة وناقدة لهذه المشكلة.
ولنبدأ في هذه السبيل بالإشارة إلى مأزق غالبًا ما تقع فيه أكثر الدراسات في العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة رصانة، وهو اعتبار مصطلح الجهاد جزءًا من ترسانة كلمات صنميّة (الخلافة، الحجاب، الشريعة، الخ) يُعزى إليها القدرة على تقديم حلول جذريّة للشّرور الاجتماعيّة والسياسيّة التي عانت منها العديد من الدول العربيّة الإسلاميّة طوال قرنين (الاستعمار والإمبرياليّة واحتلال العديد من الأراضي والتدخّلات بجميع أنواعها، وجمود الفقه والأنظمة القانونيّة، وعجز السياسات، الخ…). وتُسند الإيديولوجيا التي ولدت في النصف الأوّل من القرن العشرين (الإسلامويّة) وعرفت في الثمانينات ذروة مجدها مع الثورة الإيرانيّة لهذه الكلمات القدرة على حلّ جميع المشاكل، وهو ما يمنحها ما يُشبه القوّة السحريّة على تغيير المجتمع وتخليصه من أمراضه. وبهذا يُؤدّي تصنيم الجهاد إلى صعوبة التدقيق فيه بشكل مستقلّ عن الخطابات التي ترى فيه وسيلة لتغيير العالم. وهذا الانتزاع من السياق الحالي هو ما يهدف إليه عملنا تحديدًا في هذه المقالة، لا من أجل إنكاره والقول بأنّ ما يجري أمام أعيننا لا علاقة له بالإسلام، بل من أجل فهمه بشكل أفضل في ضوء تحليل نقدي لما تتذرّع به في كثير من الأحيان تلك الخطابات التي تزعم أنّها “إسلامويّة” أو “جهاديّة”.
فلسفة فعل
أشار العرب في فترة ما قبل الإسلام إلى النشاط الحربي من خلال مصطلحين محدّدين في معناهما وهما “الحرب” و”الغزو”. إلاّ أنّ النصّ القرآني سيستخدم في بداية القرن السابع للميلاد للإشارة إلى هذا الأمر مفردات تحمل في طيّاتها فكرة الصراع والخصومة (القتال، الجهاد). ويُمثّل هذا الاستخدام الدلالي في حدّ ذاته تطوّرًا مهمًّا لأنّ القرآن وإن استخدم الجذر “حرب” ستّ مرّات، فإنّ الجذر “قتل” الذي يُشير إلى القتل والجذر “جهد” الذي يعني الصراع والجهد هما الأكثر حضورا بما لا يُقاس في وصف النشاط الحربي. وقد اعتبر اللغويّون العرب في العصر الوسيط الشغوفون بإيجاد المعنى الأصلي المشترك للألفاظ المشتقّة من كلّ جذر – وهو مبحث دلالي يقوم على جمع كلّ المعاني التي يُحيل إليها الجذر وإعادتها إلى مصدرها الأصلي – أنّ الجذر “جهد” يُشير إلى معنى أساسي هو العناء والتعب الشديد (3).
وواضح أنّ هذا المعنى اللغوي يجعل الجهاد يدور بشكل عامّ حول فكرة الصراع أو القتال. لكن هذا المعنى أبعد من أن يكون الوحيد، إذ نجد مصطلح الجهاد يُغطّي العديد من المجالات الاجتماعيّة والسياسيّة (لصالح المجتمع)، والأخلاقيّة (جهاد الفرد لصدّ الميول السيّئة وأهواء النفس وانفعالاتها مثل الجشع أو الجُبْن في مواجهة عدوّ) والعسكريّة (قتال عدوّ محدّد). وقد استقرّ في العصر الإسلامي الوسيط معنيان للجهاد، وهما الجهاد الروحي (ضدّ أهواء النفس) والجهاد المسلّح، وذلك بعد أن أضحى الجهاد يُشير كمفهوم فقهي إلى النشاط العسكري الذي تنظّمه الدولة. لكن هذا لم يمنع مفهوم الجهاد، في مختلف الاستخدامات، من الاحتفاظ بمعناه الأساسي الذي يُشير بطريقة محايدة إلى فكرة الجهد الشديد والتعب المرهق. ويوضّح أبو بكر الرازي (865-925 م) هذه المسألة في موسوعته الطبيّة الحاوي في الطبّ، فيحدّثنا عن الجهد الشديد الذي تبذله الطبيعة الجسديّة و”شدّة مجاهدة الطبيعة” (4). كما يستخدم الرئيس ابن سينا (980-1037 م) أيضًا نفس الكلمة لوصف أعراض المرض الذي يسبب مجهودًا مرهقًا للجسم ويصفه بأنّه “جهادٌ مُتْعِبٌ” (5). ومن جانبه، يؤكّد أبو حيّان التوحيدى (932-1023 م) أنّ الإنسان في مواجهة أهوائه “في جهاد دائم وكدح متّصل” (6).
ومن هنا، فإنّ حضور المعنى الأوّلي في العديد من الاستخدامات والمدوّنات اللغويّة يدلّ على التباس في المفهوم، حيث استمرّ إضافة إلى إشارته إلى الحرب في المصنّفات المتخصّصة (خاصّة في الفقه وعلم الحروب) في الإشارة إلى فكرة بذل الجهد الشديد. ومن وجهة النظر هذه، فإنّ ضديد الجهاد باعتباره رؤية شاملة للحياة متجذّرة في فلسفة فعل نشطة، هو الكسل واللامبالاة أو الفتور. ويعتمد المعنى لوجودي بطبيعة الحال، على ما يبذله ناس أو ثقافة أو مجتمع مّا من جهد في سبيل دفع الفرد والجماعة إلى بلوغ السموّ في جميع درجاته والكمال في مراتب الوجود. ولعلّه يجب التأكيد هنا أيضًا أنّ بلوغ هذه المرتبة يقوم على حبّ الحياة، حتى وإن أدّى بالشخص الأخلاقي إلى التضحية بالنفس من أجل قضيّة: وهذا موقف فعل في مواجهة مشكلات الوجود التي لا تنتهي، لا موقف انفعال؛ فهو موقف معادٍ للعدميّة بشكل أساسي، وهو ما نجد له بعض صدًى في الممارسات من خلال إطلاق اسم “جهاد” على البنين والبنات سواء في التقاليد الإسلاميّة أو المسيحيّة.
إنّ هذه التدقيقات من حيث المعاني والاستخدامات اللغويّة مفيدة للتأكيد على جانب هامّ: ففي حين يتميّز الجهاد ببعض الالتباس الذي يطبع أيضًا العديد من المفاهيم الكلاسيكيّة (7)، فإنّنا نجد الحرب – وهي النقيض الموضوعي للسلم أو السلام أو الصُّلْح – مصطلحًا واضحًا لا لبس فيه. وإذا كان المصدر (الجهاد أو المجاهدة) المشتقّ من الفعل جاهد، قد خُصّص للدلالة على الحرب بشكل خاصّ، فذلك يعود إلى أنّ هذا النشاط كان اندرج منذ القرن السابع للميلاد ضمن مفهوم الجهاد الأشمل والأكثر دلالة على الصراع، والذي قد يختلف استخدامه باختلاف المجالات التي ينطبق عليها. ويسمح التذكير بهذه النقطة أيضًا بالقول إنّه إذا كانت كلّ حرب تنطوي بالضرورة على صراع مسلّح، فإنّ الجهاد أوسع بكثير من ذلك. ولكن الاستخدام الأكثر انتشارًا في الواقع يُشير إلى “الحرب” كما يتّضح من مصنّفات الفقه والتفسير ومجاميع الحديث ونصوص الآداب السلطانيّة والنصوص الفلسفيّة ورسائل الفروسيّة وفنون الحرب والأعمال التاريخيّة. فمعظم هذه النصوص تستخدم مصطلحي الجهاد والحرب دون تمييز، وهذا ما يتّضح مثلاً من رسالة ابن رُشْد (1126-1198 م) في الفقه بداية المجتهد ونهاية المقتصد، حيث وضع أحد فصولها تحت عنوان “كتاب الجهاد” ليبدأه بـ”الجُملة الأولى في معرفة أركان الحرب” (8). وتشهد هذه الملاحظة على حقيقة أنّ مفهوم الجهاد لم يكن منحصراً في معنى فقهي وحيد، وأنّه لم يكن يعني نوعًا محدّدًا من الحروب يختلف عمّا كان يُمارسه البشر من حروب بغضّ النظر عن أديانهم أو ثقافاتهم. وقد كانت هذه التعدديّة في فكر الحرب سمة من سمات الفقه منذ ولادته كما يظهر عند ابن رشد في مناقشته مختلف المذاهب، وكما يتّضح أيضًا على سبيل المثال، من كتاب الإمام الحنفي أبو يوسف (735-795 م)، أحد ممثلي المدرسة الفقهيّة العراقيّة، والمكرّس لدحض كتاب سلوك الحرب (السِّيَر) للأوزاعي (707- 774 م)، إمام أهل الشام في زمانه (9).
تعدّد أبعاد الحرب
وبموازاة هذا، فإنّ انطلاق التقاليد الفكريّة المذكورة (التاريخ والفلسفة وعلم الكلام والفقه وفنون الحرب والهندسة العسكريّة) من مسلّمات معرفيّة متمايزة أشدّ التمايز، هو أبلغ دليل على مدى ثراء الفكر المتعلّق بالحرب. وعلى سبيل المثال، فقد دافعت مصنّفات فنون الحرب وكتب الآداب السلطانيّة (10) عن رؤية سلميّة للعلاقات بين الدول قائمة على أهميّة تجنّب اندلاع الأعمال العدائيّة ما أمكن، من خلال التفاوض والدبلوماسيّة أو استخدام الحيلة. ومع هذا التقليد المتمثّل في رفض استخدام العنف قبل استنفاد الأشكال السلميّة الأخرى لحلّ النزاعات، نكون بعيدين كلّ البعد عن النزعة الحربيّة التي عبّر عنها بعض اللفقهاء باسم قراءة معيّنة للنّصوص الدينيّة المقدّسة، وهي النزعة التي تبنّتها العديد من الدراسات المعاصرة باعتبارها سمة مميّزة للإسلام. لذا، فإنّ اعتماد مقاربة تُركّز فحسب على العلوم الدينيّة باعتبارها المصدر الوحيد للمعايير في الإسلام، يُؤدّي إلى استنتاج وجود طابع ثابت للحرب المدفوعة دومًا بـ”العقيدة” للقتال “في سبيل الله” كما تحدّده المصادر المقدّسة. غير أنّه إذا كان من الواضح أنّ ميكيافيلي لا يُقارب الحرب مثلما يفعل القدّيس توما الأكويني أو هوغو غروتيوس (Hugo Grotius)، فإنّ التفكير في موضوع الحرب بكلّ تعقيداته وانطلاقًا من مسلّمات غير مبرهنة، يتمّ التعتيم عليه حين يتعلّق الأمر بدراسة الإسلام. ذلك أنّه يتمّ في البداية اختزال الحضارة في الدين، ثمّ يتمّ داخل الدين ذاته محاولة إعادة إنتاج الرؤى المتشدّدة وجعلها المركز الذي يسمح باستيعاب الحقيقة النهائيّة للنّشاط الحربي. وهذه لعمري مقاربة تُعيد إنتاج آراء المتشدّدين، بل أكثرهم تطرّفًا، في حين كان ينبغي عليها الابتعاد عن هذه الخطابات ومساءلة رهانات تشكلّ بنية التشدّد ذاته.
وفي هذا الإطار، نُشير إلى أنّ الاختلافات تبدو صارخة بين مقاربة فيلسوف مثل الفارابي (870-950 م)، ومصنّف في فنّ الآداب السلطانيّة مثل الطرشوشي (1059-1126 م)، أو فقيه مثل السرخسي (1106 م) أو مؤرّخ مثل ابن خلدون (1332-1406 م) (11). فمن منهم يُمثّل الإسلام؟ سيقول لنا معظم الباحثين، على غرار ألفريد مورابيا (Alfred Morabia)، إنّ الفقه والشريعة الإسلاميّة وعلم الكلام هي الأسس التي يقوم عليها الإسلام. ومن هنا، فإنّ مقاربة مورابيا تمنح البُعد الديني الأولويّة داخل هذا المجموع المعقّد الذي يُشكّل حضارة الإسلام الكلاسيكي، وتجعل منه مصدر المعايير حصرًا. ووفقًا لهذه المقاربة، سيكون رجال السياسة مجرّد دُمى تُنفّذ بدقّة أوامر الفقهاء المتشدّدين الداعين إلى غزو العالم باسم العقيدة، وإذا ما لوحظ بعض التراخي في تحقيق هذه الأحكام، فسيُعزى ذلك إلى عدم أخذ هؤلاء الأمراء بما ورد من أحكام مطلقة في القرآن والسنّة، وهذا ما يجعل من كلّ مسلم ساعٍ إلى احترام مبادئ دينه، جهاديًّا مفترضًا:
“لا تُسعفنا العبارات بما يكفي لنقول إنّ المسلم هو شاهد فاعل، وإنّه يتحوّل كلّما لزم الأمر إلى داعية للدّين الحقّ […] ونحن نعرف أنّ العقيدة الإسلاميّة لم تعترف بأيّ حالة حياد. فالعقيدة تستحوذ على الأمّة في مجملها وتدفعها للقتال في سبيل الله. لقد أعطى الجهاد وآثاره النفسيّة لدين الحق دفعًا هو ما ساهم في ازدهاره وديمومته” (12).
ويتوافق هذا المنهج مع رغبات الفاعلين الزاعمين النطق باسم النصوص المقدّسة، لكنّه لا يُترجم الروابط بين الحرب والسياسة، ولا الطريقة التي تمّ بها بالفعل التنظير للحرب في مختلف النصوص التي تُمثّل الإسلام سواء في العصر القديم أو المعاصر.
ومن هنا، فإنّ المشكلة الأولى التي يواجهها المرء عند دراسة موضوع الجهاد، هي القراءة الدينيّة للسياسة في الإسلام. ويتمثّل الخطأ الرئيسي لعديد الأعمال التي أعادت إنتاج رؤى علماء الدين المعاصرين بشأن الإسلام، في العمل على خلق رابط بين الأفق الأخلاقي والفقهي للحرب، ثمّ اختزال ذاك الرابط في مصطلح الجهاد بسبب قوّة دلالاته الدينيّة وحضوره في النصّ القرآني. وبهذا يغدو النصّ القرآني المصدر الذي يُبرّر ما يعتبره البشر، في أوقات مختلفة ولاحتياجات كثيرة خارج سياق القرن السابع، حربًا مشروعة. لكن هذا السعي لإضفاء المشروعيّة على العنف المسلّح لا يعدو في الغالب سوى خُدعة تُحمّل النصّ القرآني دلالات لا يتضمّنها، وتُسقط على سياق القرن السابع الميلادي اهتمامات منبثقة عن الزمن الحاضر. والنتيجة من ذلك هي بروز تعريفات ماهويّة ومغالطات تاريخيّة من جميع الأنواع، بدءًا من إنتاجات المفكّرين الإسلامويّين الذين يقومون من خلال لعبة اقتباس النصوص القديمة واستحضار كاتب أو عقيدة، بحرف المعاني أو توسيعها، مع إعطاء الانطباع بأنّ نفس الخطاب يتكرّر منذ ولادة الإسلام والحروب التي اندلعت بين النبيّ وأعدائه.
وفي جانبها الحربي، فقد تلبّست فكرة الجهاد، تحت أشكال مختلفة باختلاف المؤلّفين والممارسات، إمّا فكرة الحرب المقدّسة [بالمعنى المسيحي]، أو الحرب العادلة، أو حرب الفتح، أو الحرب الدفاعيّة، أو الإرهاب، أو حرب الدولة ضدّ الخارجين عليها، أو صراع متمرّدين ضدّ دولة يعتبرونها غير شرعيّة.
ويُمثّل هذا التعدّد في دلالات مفهوم الجهاد ومرونته المفرطة، الحجّة الأولى لعدم الانسياق إلى مقاربة موضوع الحرب بحصره في إطار ديني يُفترض أنّه الحاسم في إضفاء الدلالة، والعمل بدل ذلك على ربطه بالمجال السياسي. ذلك أنّ إدراجه ضمن منطق تمثّل السيادة وضمن مختلف نظريّات السلطة التي صيغت داخل الإسلام، هو ما يسمح بفهم أفضل لفكر الحرب الذي أنتجته الثقافة الإسلاميّة. كما أنّه يُظهر أيضًا أنّ ذلك الفكر يمكنه أن ينضمّ إلى تقاليد كونيّة على غرار التقاليد الغربيّة المتعلّقة بحقوق الناس (jus gentium) التي أمكنها التطوّر بشكل كبير بين القرنين السادس عشر والثامن عشر مع فقهاء لاهوتيّين مثل فرنسيسكو دي فيتوريا (Francisco de Vitoria) وهوغو غروتيوس وإيمير دي فاتيل (Emer de Vattel). فمساءلة المفاهيم وتقصّي الاستخدامات اللغويّة ودراسة كيفيّات تشكّل التقاليد ووضع نماذج مثاليّة كبرى للفكر السياسي، هو ما يُمكّن من إخراج النقاش حول الحرب في الإسلام من دائرة الأفكار المسبقة، وأجدى من اعتماد هَذَرٍ يقوم على فقهٍ مُفَوَّتٍ وخارج التاريخ، ومن السعي إلى التألّق الإعلامي والإثارة.
تاريخ خطّي؟
ولعلّ من بين الأعمال التي تستحقّ التنويه لتميّزها بالصرامة العلميّة والفحص المتعمّق لمسألة الحرب في الإسلام، هو عمل ألفريد مورابيا الذي يُمكن اعتباره أدقّ محاولة من الناحية المنهجيّة لدراسة مفهوم الجهاد في المصادر الدينيّة للعصر الكلاسيكي. لكن اعتماده على المصادر المقدّسة أو التي تُعتبر مقدّسة دون غيرها من النصوص (13)، أدّى إلى بناء موضوع يتعالى على التاريخ والسياسة وجميع مجالات الحياة الأخرى، لصالح مبدأ واحد أضحى هو المغذّي الوحيد لكائنيّة الإنسان الإسلامي (homo islamicus).
ويبدو الجهاد مُفَوَّتًا في سياق القرن الواحد والعشرين ومختلفًا بصفة جذريّة عمّا كان عليه في العصر الذي شهد صياغة عقيدته ثمّ تقنينها. ولكن دعونا لا ننسى أنّ عدم تطبيق حكم شرعي لا يُفقده صفة الحكم الديني في الوعي الإسلامي، وأنّه يجب العمل على إيجاد الظروف التي تسمح بتنفيذه في أسرع وقت ممكن (14).
وبهذا، فإنّ الحكم الديني يظلّ دائم الحضور في لاوعي المسلمين ومؤثّرًا في سلوكهم: وهذا ما يجعل الجهاد يُفهم بوصفه قاعدة إلهيّة قد تتجسّد أحيانًا في التاريخ، وقد تُعلّق أحيانًا أخرى، مع احتمال ظهورها مجدّدًا في أيّ وقت كلّما ظهر ما يُوجب ذلك.
ولهذه الرؤية ميزة فصل الحرب عن السياسة وعن الصراع الذي يُهيكل مجال الفعل الإنساني بشكل عامّ، وعن التفاعلات بين الأفراد والجماعات، فهي تفترض جهد أمّة مصطفّة وراء فقهائها ومجنّدة لتدمير العدوّ الخارجي واستبطان النشاط القتالي الذي يتركّز بالنتيجة على إبادة كلّ من يُهدّد وحدة تلك الأمّة. ويُتيح هذا التجانس المصطنع والملفّق، رسم محور بدأ فيه الجهاد حربًا (في القرنين السابع والثامن للميلاد) ليُصبح صراعًا أخلاقيًا وروحيًا (بين القرنين التاسع والحادي عشر للميلاد) قبل أن يستأئف طابعه العسكري أثناء الحروب الصليبيّة. وبعد هذه المرحلة من العسكرة، سيعرف الجهاد مرحلة تجريد من طابعه العسكري مع ظهور الصوفيّة، ثمّ عسكرة جديدة في أيّامنا هذه. ومن أجل التصدّي لهذه الدلالة الحربيّة، فإنّه يجب علينا العودة إلى المعنى الصوفي! وهكذا يتمّ تفسير تاريخ الإسلام من خلال حُكْم ديني يطبّق في الفترات التاريخيّة المزدهرة ويُهمل في فترات الأزمات والضعف. وهذه المغالطة التاريخيّة المتعرّجة تجعل من جهاد أهواء النفس بديلاً عن الإخفاق في إمكانيّة الجهاد المسلّح ضدّ الكفّار. أضف إلى ذلك أنّ مقولة العسكرة والتخلّص من العسكرة تقوم على افتراض ضمني يعتبر الجهاد حكمًا دينيًّا كان هدفه دومًا استبعاد مسالمة غير المسلمين، وأنّه لم يتمّ تحييده إلاّ بسبب ما حدث للمسلمين من أزمات وما عاشوه من ضعف سياسي حال دون تحقيقه. لكن كيف يُمكن تبنّي هذه القراءة، والحال أنّه لا يوجد أيّ شك في أنّ المعنى الأخلاقي والوجودي للجهاد لم ينتظر ضعف المسلمين عسكريًّا لكي يتطوّر ويزدهر؟ ثمّ لا بدّ من التذكير بأنّ هذا المعنى لم يكن من ابتداع التصوّف وأنّه لم يظهر بعد أن استنفذ الإسلام الطاقات الحربيّة التي ولّدها خلال القرون الثلاثة الأولى. ومن هنا فإنّ هذه القراءة تتناقض مع الاستخدامات القديمة لمصطلح الجهاد والتي تُظهر تعايش معانيه الأخلاقيّة والوجوديّة والحربيّة جنبًا إلى جنب.
وعلى العكس من ذلك، وعلى خلاف منظرّي الجهاديّة، فإنّ الأطروحات التي تختزل مفهوم الجهاد في معنى صوفي بحت وتُدير ظهرها لمختلف المعاني الأخرى التي شهدها في العصر الإسلامي الوسيط، تطرح مشكلة إنكار المظهر العسكري للجهاد. وبقطع النظر عن الانطلاق من نوايا محمودة في مكافحة كلّ عنف مسلّح باسم الدين، فإنّ القول بأنّ الجهاد “الحقيقي” أو “الصالح” هو الجهاد الروحي، لا يعكس حقيقة الاستخدام اللغوي قديمًا ولا حديثًا، ولا يسمح بمقاربة هادئة لمفهوم الجهاد العسكري. ومن هنا، فإنّ الترويج للتصوّف بوصفه أدبًا غير متقيّد بحرفيّة النصوص لا يمكنه أن يحلّ وحده المشكلات التي تطرحها تحوّلات العنف الأخيرة داخل الإسلام.
تدبير النفس
لعلّ أهمّ شيء في ما يتعلّق بموضوعنا هو ملاحظة أنّ التصوّف لم يكن وراء ابتداع مفهوم الجهاد الروحي، إذ هو في الواقع مجرّد تعبير ديني إسلامي أو مؤسلم لأخلاقيّة كونيّة التزم بها الإسلام منذ ولادته حين استوعب التيّارات الفيثاغوريّة والرواقيّة والأفلاطونيّة والمشائيّة والهندوسيّة، الخ، التي تتعلّق بالأدب الأخلاقي والروحي. وقد اختلط هذا الأدب مع فلسفة تدبير النفس التي كانت تُعتبر أساس تدبير الآخرين، وهو الموضوع الذي كان حاضرًا على سبيل المثال عند ابن المقفّع (720-757 م) مترجم الكتاب الشهير كليلة ودمنة وأحد الآباء الروحيّين لهذا الأدب العربي الخاصّ بمرايا الأمراء (الآداب السلطانيّة). ففي كتابه الأخلاق الكبير، يُشير ابن المقفّع إلى “مجاهدة الأهواء والشهوات” (15)، وهو ما يؤكّد أنّه كان لمصطلح الجهاد منذ بدايات القرن الثامن الميلادي (ودون شكّ خلال القرن السابع) هذا المعنى الأخلاقي الدالّ على مغالبة النفس ومواجهة الغضب والحسد والحميّة والانتقام. كما يستخدم مسكويه (932-1030 م) نفس المصطلح في كتابه تهذيب الأخلاق (16)، فيما يخصّص له معاصره الماوردي (974-1058 م) فصلًا في رسالته عن تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق المَلِك وسياسة المُلْك (17).
ووفقًا لهذا الأدب، فإنّ من يعجز عن حكم نفسه في مواجهة أهوائها ولا تكون أفعاله وقراراته مرآة نفس مطمئنّة يُسيطر عليها ويعرفها حقّ المعرفة، هو أعجز عن تدبير غيره.
ويدلّ الاستخدام المبكر لهذا المفهوم في الأدبيّات الأخلاقيّة السياسيّة على وجود تعايش بين المعنى الأخلاقي للجهاد ومعناه القتالي العسكري الذي تطوّر في نفس الفترة سواء عند فقهاء الإسلام أو في مصنّفات الآداب السلطانيّة. وهذا التدقيق هو ما يسمح بالتعليق على الحديث الشهير المنسوب إلى النبيّ، والذي ينصّ على وجود “جهاد أكبر” و”جهاد أصغر”. فقد رُوي أنّ النبيّ قال لأصحابه في طريق عودته من إحدى الغزوات: “قَدِمْتُم مِنَ الْجِهَادِ الأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الأَكَبَرِ. قِيلَ: وَمَا الجهاد الأكبر؟ قالَ: مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ عَنِ الهَوَى”. وقد اعتمد الباحث ريمي براغ (Rémi Brague) في مقال له بعنوان “وسط العصر الوسيط” على غياب هذا النصّ عن كتب صحاح الحديث (وهو بالتالي موضوع) ليستنتج أنّ المعنى الأخلاقي للجهاد لم يحظ بأهميّة كبيرة في الإسلام مقارنة لما اعتبره المعنى الحقيقي لـ”الجهاد”، وهو الحرب الماديّة:
“لم يشذّ عن هذا سوى عدد قليل من المتصوّفة الذين قاموا بتلفيق هذا الحديث الشهير حول الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر” (18).
لكن الأهمّ قد يكون في أنّ فكرة الجهاد الروحي تلتقي في العمق مع الموضوع الكوني لتدبير النفس الذي تطوّر بشكل كبير في الإسلام، سواء في التقاليد الفلسفيّة أو في النصوص الدينيّة والصوفيّة. كما أنّ بعض العبارات الأخرى مثل: ” القويّ من يملك نفسه“، ” أعدى أعدائك نفسُك التي بين جنبيك“، أو قولة الخليفة عليّ بن أبي طالب: “جاهد نفسك، فإنّ أقوى الناس من قَوِيَ على نفسه” تؤكّد أساس الأدب الأخلاقي الذي يتناول تدبير النفس من خلال مقارعتها ويستخدم مصطلح الجهاد متعدّد المعاني الذي يصف الحرب أيضًا للدلالة على ذاك الصراع المستمرّ مع النفس لإخضاعها إلى مقتضيات العقل. ومن هنا نكون في غنًى عن مناقشة مدى صدق هذا الحديث وفق مقاييس أهل الحديث من أجل إثبات وجود هذا المعنى في الفكر الكلاسيكي للإسلام. فهذا التصوّر القائل بأنّه يجب على المرء في المقام الأوّل ودائمًا بأن يكون في حرب مع نفسه، يُترجم عن علاقات العداء داخل النفس أو الروح التي تُضحي بذلك عدوًّا، وهو تصوّر حاضر في جميع الأدبيّات السياسيّة الكونيّة التي تؤكّد عدم ارتباط القوّة والضعف بمدى امتلاك الأسلحة، بل يتعلّقان في المقام الأوّل بمجالات القوى المتعارضة التي تُشكّل روح الفرد. فـ” العاجز من عجز عن سياسة نفسه” على ما جاء في الأثر المنسوب إلى الخليفة عمر بن الخطّاب حسب ما يورده الماوردي في كتابه أدب الدين والدنيا (19) .
ونعود إلى أطروحة ألفريد مورابيا، فنقول إنّه لا يكفي أن نرى في هذا الجهاد الأخلاقي مجرّد تعليق للجهاد الحربي وتحويل مؤقت للعنف ضدّ الآخر في انتظار اجتماع الشروط السياسيّة التي تسمح بإبادته. وعلى نحو مماثل، نرى أنّه من الأفضل عدم التعامل مع جهاديّة الأزمان الحاضرة باعتبارها تطبيقًا للمبادئ المُعبّر عنها في القرن السابع أو إعادة إحياء لعقيدة كانت سائدة في العصر الوسيط. ونحن لا نقول هذا لمجرّد القول إنّ هذه الممارسات لا علاقة لها بالإسلام، بل لكي نتوجّه نحو تفكيك أفضل للخطابات الإسلامويّة التي تُقدّم في كثير من الأحيان على أنّها تكرار لشيء قديم، والحال أنّها لا تُعبّر إلاّ عن زمانها. فالإسلامويّة – ونحن نُطلق هذا المصطلح على العقائد التي وُلدت بين الثلاثينات والخمسينات من القرن الماضي مع الهندي الباكستاني أبي الأعلى المودودي والإخوان المسلمين وسيّد قطب – لم تُحيي مفهومًا قديمًا للحرب صيغ منذ قرون، بل ابتدعت مفهومًا جديدًا من خلال إعادة تعريف الإسلام في مجمله، بحيث لم يعد الإسلام هو الدين أو الحضارة التي يمكن دراستها بكلّ تعدّدها وتعقيداتها، بل نظامًا شاملاً وتفكيرًا كلّيًّا يُنافس أكبر إيديولوجيّات ذاك الزمان، أي الشيوعيّة والرأسماليّة. لذا، فقد كانت هذه النتيجة الحديثة ثمرة تقاطع بين الإيديولوجيا والطوبى، مع ما لذلك من وظائف متعدّدة سبق أن أكّد عليها بول ريكور (Paul Ricœur) في دراسته لمثل هذه الظواهر (20). ولعلّ مثال طائفة القائلين بتجديد العماد (anabaptistes)، وبشكل خاصّ توماس مونتزر (Thomas Müntzer) الذي يعتمد عليه ريكور في تحليله، قريب الشبه بما يُمثّله سيّد قطب وغيره من المفكّرين الإسلامويّين الذين يسعون إلى إقامة مملكة الله على الأرض من خلال مفهوم “الحاكميّة” و”العبوديّة”. وقد يكون مثل هذا المفهوم الثوري للدّين والمهدوي للتّاريخ قد وُجد في العصر الكلاسيكي للإسلام، غير أنّ الفقهاء الكلاسيكيّين الذين اعتبروا المشركين عدوًا يجب قتله، لم يعتبروا الحرب نشاطًا اعتباطيًّا يقوم به أفراد منعزلون أو عصابات منظّمة، بل أداة فعليّة في يد الدولة تستخدمها لتحقيق أهداف سياسيّة وتخضع لأشكال متعدّدة من عقلانيّة الدولة.
وعلى عكس هذا التصوّر، فإنّ الجهاد كما يُمارس حاليًّا من قبل العديد من الجماعات المسلّحة المارقة، يهدف إلى تدمير الدولة ولا يقدّم في نهاية المطاف رؤية سياسيّة تتجاوز ما يسعى إلى خلقه من فوضى بعمله على إلغاء مختلف أشكال الاجتماعات السياسيّة ومحاولة استبدالها بجماعات دينيّة تتشكّل حسب تصوّرات خاصّة لمسألة الشريعة.
المصدر:
Makram Abbès, « Pour un djihad contre le djihadisme », Esprit, n° 12, Année 2016, p. 64-75.
الهوامش:
1 – نسمح لأنفسنا بالإشارة إلى العمل الذي تناولنا فيه مختلف مقاربات “الصراع والجهد والقتال”، في:
Makram Abbès et al., la Civilisation arabo-musulmane au miroir de l’universel. Perspectives philosophiques, Paris, Unesco, 2010, p. 361-372.
2 – Hilmi M. Zawati, Is Jihad a Just War ? War, Peace, and Human Rights Under Islamic and Public International Law, New York, The Edwin Mellen Press, 2002.
3 – الفراهيدي (أبو عبد الرحمان، الخليل بن أحمد)، كتاب العين، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2003، ج 1، ص 268-269.
4 – الرازي (أبو بكر، محمّد بن زكريّا)، الحاوي في الطبّ، تحقيق: محمّد محمّد إسماعيل، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2000، ج 1، ص 43.
5 – ابن سينا (أبو عليّ، الحسين بن عبد الله)، القانون في الطبّ، وضع حواشيه: محمّد أمين الضناوي، دار الكتب العلميّة، 1999، بيروت، ج 1، ص 196.
6 – التوحيدي (أبو حيّان، عليّ بن محمّد بن العبّاس)، المقابسات، دار سعاد الصباح، 1992، الكويت، ص 254.
7 – على سبيل المثال، مفهوم “الأدب” يعني قاعدة السلوك والتربية والمَثَل السائر وآداب السلوك والأخلاق الحميدة والأدب، في حين يُشير مفهوم “التدبير”، إلى جانب أشياء أخرى، إلى سياسة الدولة والحكم والسلوك الأخلاقي والرعاية الطبيّة وتحضير الأدوية أو المستحضرات الكيميائيّة وإدارة الميزانيّة.
8 – ابن رشد (أبو الوليد، محمّد بن أحمد)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، دار المعرفة، بيروت، 1982، ج 1، ص 380.
9 – انظر: أبو يوسف (يعقوب بن إبراهيم الأنصاري)، الردّ على سِيَر الأوزاعي، عُني بتصحيحه والتعليق عليه: أبو الوفاء الأفغاني، ط 1، لجنة إحياء المعارف النعمانيّة، حيدر آباد الدكن، 1938.
10 – صنف من الأدب السياسي الكوني موجّه إلى الأمراء والسياسيّين، يُقدّم جملة من النصائح الأخلاقيّة ومن المأثورات المتعلّقة بصناعة تدبير الناس وإدارة الدولة.
11 – من أجل تحليل شامل لهذه الأفكار، نسمح لأنفسنا بالإشارة إلى مقالنا:
Abbès (Makram), « Politique et droit de la guerre. Peut-on parler de guerre juste en Islam? », in Julie Saada (sous la direction de), La Guerre en question. Conflits contemporains, théorie politique et débats normatifs, Lyon, Pul, 2015, p. 161-189.
12 – Alfred Morabia, Le Gihad dans l’Islam médiéval, Paris, Albin Michel, 1993, p. 339.
13 – يولي البعض، على غرار الحنابلة، أهميّة كبيرة للحديث، بينما يهتمّ آخرون بالمبادئ الفقهيّة للمذهب ويرفعون آراء الأئمّة إلى مرتبة القداسة. كما يهتمّ البعض الآخر بالمسائل الكلاميّة ويجعل من الأشعريّة، على سبيل المثال، العقيدة المقدّسة للإسلام ويعتبر نقدها خروجًا عن الدين. لذا، فإنّ سجّل القداسة وتقديس النصوص والمعارف يختلف باختلاف الأزمان والمذاهب والمقاربات.
14 – A. Morabia, le Gihad dans l’Islam médiéval, op. cit., p. 342.
15 – ابن المقفّع (أبو مٰحَمَّد، عبد الله)، الأدب الكبير، دار المعارف، سوسة (تونس)، 1991، ص 128.
16 – مسكويه (أبو عليّ، أحمد بن محمّد)، تهذيب الأخلاق، تحقيق: قسطنطين زُريْق، الجامعة الأمريكيّة في بيروت، بيروت، 1966، ص 50. وانظر النسخة الفرنسيّة من ترجمة محمّد أركون:
Miskawayh, Tahḏīb al-aḫlāq, traduit par M. Arkoun, La réforme de l’éthique, Damas, Institut français de Damas, 1988, p. 82.
17 – Al-Mâwardî, De l’éthique du Prince et du gouvernement de l’État, trad. M. Abbès, Paris, Les Belles Lettres, 2015, p. 347-352.
18 – Rémi Brague, Au moyen du Moyen Âge, Paris, Flammarion, 2006, p. 250.
19 – الاقتباسات من كتاب الماوردي، أدب الدنيا والدين، شرح وتعليق: محمّد كريم راجح، دار إقرأ، ط 4، بيروت، 1985، ص 244.
20 – Paul Ricœur, l’Idéologie et l’Utopie, traduit de l’anglais par Myriam Revault d’Allonnes & Joël Roman, Paris, Seuil, 1997.