مقالات

هل يمكن تدمير المماطلة بثلاث دقائق؟

ترجمة: شوق العنزي  - مراجعة: أروى الفهد

 

«إنَّ المماطلة هي تلك العادة السيئة المتمثّلة في تأجيل أعمال اليوم إلى الغد».

نابليون هيل

جميعنا قد نقع في المماطلة بدرجات متفاوتة، لكن ثمة درجة من المماطلة تُخرج المرء عن السيطرة للحدّ الذي يسلبه المتعة العامة في الحياة. في هذه المقالة سنقوم بدراسة ماهية المماطلة، وأسبابها، ونصائح للتغلب عليها.

ما هي المماطلة؟

يعرّف (تيموثي بايجل) الممطالة بكتابه (Solving the Procrastination Puzzle) بأنها:

«التأخير الطوعي للإجراء المقصود بالرغم من علم المرء بأن هذا التأخير قد يضرّه من حيث أداء المهمة أو من حيث شعوره حول نفسه أو حول مهمته.»

بالنسبة لكثير من البشر، تُصبح المماطلة سلوكًا معتادًا -سلوك التعزيز الذاتي- أي كلما أكثرنا من المماطلة كلما ازدادت احتمالية قيامنا بذلك في المستقبل، مُحفّزًا لحلقةٍ مفرغة من السلوك غير المنتج. فالمماطلة لا تقلل من قدرة المرء على تحقيق أهدافه فحسب، بل تؤثر أيضًا بالسلب على مشاعره تجاه كفاءته الذاتية، وتؤدي عمومًا لحياةٍ يسودها الكرب.

لماذا نماطل؟

يَعتقد البعض أن عدم قدرتهم على الإنجاز ما هي إلا نتيجة مباشرة لمماطلاتهم. غير أنّه من المهم أن ندرك أن المماطلة ليست هي السبب الجذري لسلوك الفرد غير المنتج، بل إنها أفضل وصف للعادات التي نشكلها في محاولة لتفادي الخوف والإجهاد الذي تتسبب به بعض الأنشطة. كما يوضح نيل فيور في كتابه ( The Now Habit):

«خلال عملي مع آلاف المماطلين، استجليتُ بأن هناك سببًا رئيسيًا واحدًا خلف مماطلتنا وهو كونه يمنحنا عتقًا مؤقتًا من الإجهاد. كما أن السبب الرئيس لتعلمنا أي عادة، هو أن حتى العادة التي تأتي بنتائج عكسية كالمماطلة تتبعها مكافأة ما، فهي تقلل التوتر عن طريق إبعادنا عن الشي الذي نراه مؤلمًا أو خطرًا… نحن مدمنون -إلى حدٍ ما- على النزوع للمماطلة بوصفها وسيلةً لتقليل القلق المرتبط بمهام معينة مؤقتة.»

التغلّب على المماطلة

الخطوة الأولى في التغلب على المماطلة هي أن تغدو مدركًا لمحفزات هذا السلوك. فما يثير المماطلة بالنسبة لمعظم البشر هي الأفكار التي تطرأ لتبرير تأجيل الأفعال؛ فالمماطلون لديهم تشكيلة متنوعة من الأعذار بجعبتهم؛ مثل: «بإمكانه الانتظار للغد» أو «لست في مزاجٍ جيد اليوم». حيث من المهم أن تقضي بعض الوقت لتحيط علمًا بمحفزات أفكارك، فالكثير منا يبرر لنفسه من غير وعي بذلك حتى ينقضي اليوم بأكمله دون أن نستشعر ذلك.

عندما يبدأ المرء بالانتباه لمحفزات أفكاره سيكون عندئذ في وضعٍ أفضل لنبذ هذه العادة والشروع باستخدام القليل من قوة إرادته للبدء بمهمته الآنية. ربما يغري البعض التوقف هنا للتفكير: «حسنًا، ها هي المشكلة، لا يمكنني البدء». لكن كما كتب تيموثي بايجل في كتابه ( Solving the Procrastination Puzzle ):

«تعتقد بأنك عاجزٌ عن البدء، غالبًا السبب هو تركيزك على مشاعرك (السلبية منها)، فأنت تفكر بالمهمة بأكملها، حول «إتمامها» عوضًا عن «البدء بها». الخدعة تدور حول إيجادك شيء يمكنك الانطلاق منه.»

بموضوع ذي صلة، يوصي مايكل إبشتاين في كتابه Three) MinuteTherapy) باستخدام تقنية أسماها «ثلاث دقائق لتدمير المماطلة». ولتوضيح أهمية هذه التقنية، يُشبهها إبشتاين بمفهوم القصور الذاتي، أي ميل الكائن إلى البقاء في حالة جمود ما لم يتأثر بمؤثر خارجي. كما يشرح في كتابه:

«هذا يوضح الأساس المنطقي لمعظم تقنيات مكافحة المماطلة: اجعل الجمود يعمل من أجلك. جميعنا، بدرجات متفاوتة، نميل إلى القصور الذاتي؛ نجد أنه من الأسهل مواصلة ما نقوم به بدلاً من تغيير التروس والبدء في عمل شيء مختلف. ولكن بمجرد أن نبدأ في فعل هذا الشيء المختلف، يبدأ الجمود في العمل لصالحك… ممكن أن يطبق هذا المبدأ في تقنية (تدمير المماطلة خلال ثلاث دقائق). في هذه التقنية، عليك ببساطة أن تقضي ثلاث دقائق في العمل على شيء ما، على الرغم من أن ثلاث دقائق لا تبدو مستحقة. لنفترض أنك كنت تؤجل عملاً غير محبب لبعض الوقت. ثم تقرر منحه ثلاث دقائق.»

يتطلب اتخاذ قرار فعلِ شيءٍ ما، لمدة ثلاث دقائق، قليلًا من قوة الإرادة، وكما لاحظ إبشتاين، بمجرد البدء، فإنك على الأرجح ستستمر في المهمة لمدةٍ أطول مما توقعت.

سببٌ آخر يجعل «تقنية الشروع بالمهمة» فعَّالة؛ وهو أن المواقف تتبع السلوكيات في كثيرٍ من الأحيان. قد نشعر بالقلق عند التفكير في الحاجة إلى إتمام مهمة بأكملها، ولكن إذا فقط بدأنا وركزنا على العملية، فإن موقفنا سيتغير وستوفر الإنجازات الصغيرة الأولية في كثير من الأحيان الدافع اللازم لمعالجة الأمور الأكثر صعوبة. قد يبدو الأمر غير متوقع، لكننا في كثير من الأحيان لا نحتاج إلى الانتظار حتى يتم تحفيزنا على العمل، ولكن الحافز سيتّبع الفعل. كما أوضح أوليفر بوركمان في كتابه  (The Antidote) :

«مَن القائل بأنك تحتاج إلى انتظار الشعور بالرغبة لفعل شيءٍ ما من أجل البدء به؟ المشكلة، من هذا المنظور، لا تشعر أنك متحمس؛ إنك تتخيل أنك بحاجة إلى الشعور بالدافع. أمَّا إذا كان بإمكانك اعتبار أفكارك وعواطفك حول العمل الذي تؤجله كحدث عابر، فستدرك أن إحجامك عن العمل ليس شيئًا يحتاج إلى القضاء عليه أو تحويله إلى أمر إيجابي. إذْ يمكنك التعايش معه. يمكنك إدراك مشاعر المماطلة، والتصرف على أية حال.

من المهم الأخذ بعين الاعتبار، كيف أن الطقوس اليومية وروتين العمل للمؤلفين والفنانين غزيري الإنتاج – الأشخاص الذين ينجزون الكثير فعلاً – نادرًا ما تشمل تقنيات «التحفيز» أو «الشعور بالإلهام». بل على العكس تمامًا: فهم يميلون إلى التأكيد على آليات طريقة العمل، مع عدم التركيز على خلق الحالة المزاجية الجيدة، بل على ممارسة بعض الأنشطة البدنية، بغض النظر عن الحالة المزاجية.»

عند تدمير عادة المماطلة فإن تعزيز السلوك الجديد بالمكافآت من شأنه أن يكون مجديًا للغاية. فالمكافآت هي الحاسمة في تشكيل كل من العادات الجيدة والسيئة. فإن مجرد تهنئة الذات أو تكريس قدر ضئيل من الوقت «للتمتع بالذنب»، مثل قضاء خمس دقائق على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن يساعد في تعزيز السلوك الإنتاجي.

ختامًا، أثناء إجراء تغييرات على أنماط سلوكنا وتخليص أنفسنا من المماطلة، ستكون هناك أوقات سنستسلم فيها للإغراءات ونقرر مشاهدة مقاطع فيديو يوتيوب، على سبيل المثال، بدلاً من أن نكون منتجين. عندما يحدث هذا، فمن المهم أن لا تقسو على نفسك. فالعديد من الدراسات أظهرت أن النقد الذاتي يقلل من قوة الإرادة، ويمنع ضبط النفس، ويرتبط بالاكتئاب الشديد. بدلاً من النقد الذاتي، من الأفضل أن ندرك أننا لسنا بمثاليين وأن النكسات أمرها مؤقت فقط. عندما نمارس التراحم الذاتي، بدلاً من النقد الذاتي، ستسهل مسألة «الشروع بالمهمة» في المرة القادمة التي نواجه فيها محفزًا للمماطلة.

 


 

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى