
1- مؤسس ومدير مهرجان أفلام السعودية ومؤسس ونائب رئيس مجلس إدارة جمعية السينما، الشاعر أحمد المُلا يسعدنا ويشرّفنا استقبالك لإجراء هذا الحوار؛ بدايةً حدّثنا عن بدايات تجربتك السينمائية؟
البداية هي البحث عن معنىً يختلف عمَّا اتفق عليه مَن هُم حولي، خاصةً المعنى المرتبط بحياتي. لم أتقبّل أنّي وُلدت هكذا، صدفةً أو مزاجًا عابرًا في ليل، ومن ثمّ راودتني الظنون بأني وحدي أمام هذا كلّه. مبكرًا ظننتها لعبة، فعشقت كرة القدم؛ شابًّا، حتى شجّ رأسي، وأثناءها شككت ورافقت الكتب في أوقات تغفل فيها الأعين؛ ومنها أعدت الانتباه للمعنى، ليس كما اتُّفق عليه؛ بل كما أشتهي وأتمنَّى، ثمّ رويدًا رويدًا انكشف الشِّعر أمامي وفيّ، وفي كل شيء، وعند ذروته عرفت أنّ السينما خلاصته؛ مِن هنا بدأت رحلتي.
2- باعتبار السينما، كما ذكر المخرج الفرنسي إريك رومير: «الملاذ الأخير للشِّعر، والشكل الفنّي المعاصر الوحيد الذي لا يزال من الممكن أن تنبثق منه الاستعارة بشكلٍ طبيعي وعفوي». ما السينما العالية ذات الطابع والتأثير الكبير في شِعريتك؟ أمثلة على ذلك.
بدأت مستمتعًا بأفلامٍ تحرض على التفكّر وتصقل الذائقة، لاحقًا اكتشفت أنها تُسمَّى: «السينما الشِّعرية». لكنّي دربت اهتماماتي على مختلف التيارات الفنية؛ بشرط تحقّق معنى الشِّعر، وذاك هو المتعة في كل تجلِّياتها.
نعم، السينما كتناول بصري أثَّر في كتابتي أيَّما تأثير وترك بصمة لا تمّحي، من تأثير المونتاج وحركة الزمن، وسرد المشهد حسيًّا كما تصف العين/الكاميرا. وحتى لا أضيّق واسعًا، عند طرح الأمثلة، فيمكن القول: من «Dream» أكيرا كيروساوا، و«الأميرة مونونوكي» لـ هياو ميازاكي، مرورًا بأشكالٍ سينمائية متنوعة من كل الأطياف الفنية والجغرافية، حتى «سليق» أفنان باويان، و«حدّ الطار» لـ عبدالعزيز الشلاحي.
3- علاقة جذريّة وطيدة ربطت الأدب بالسينما؛ لذا ما الفرق بين الاقتباس والاستنساخ بين العمل السينمائي والعمل الأدبي، وما الذي يحدّد التباين بين العمَلين؟
أعتقد أن ليس هناك استنساخ أو اقتباس كما يعنيه المصطلح في اللغة الأدبية، إذا نقلناه إلى الفنون البصرية والموسيقى. ربما هي محاولة أو رغبة ولكنّها بالضرورة لن تحقّق ما اصطلح عليه. الصيغة المذكورة جاءت من الأدب ومع الفارق الكبير في أدوات التعبير بين السرد اللغوي وبين السرد البصري، الذي يُنجي السينما من أيّة مرجعية نقدية نشأت في سياقاتٍ أدبية، إلاّ أنّ المصطلح ذاته «الاستنساخ» – «الاقتباس»، لا يُمكن حتى تطبيقهما حرفيًا في مضمار الأدب حيث ابتُكِر المصطلح؛ لذا يُمكن اجتراح جملة تقارب المقصود في السينما وهي: «مَبنيّ على…»، ويُشار إلى ما بنيت عليه، سواءً: قصة واقعية، رواية، أو حتى لوحة… إلخ، فالبناء كلّه منحاز لصانعه.
4- ما المهارات الفنية والتقنية التي يحتاجها العمل السينمائي لتجسيد النصّ الأدبي، وما الأدوات السيمولوجية والنظريات السردية التي تساعد في قراءة الأعمال السينمائية كنصوص بعيدًا عن علاقة النصّ بالسياق؟
العمل السينمائي ليس في حاجةٍ إلى تجسيد ولا استنساخ المنتج الأدبي (نادرًا ما أتطرف إلاّ للضرورة الفنية)، المنتج السينمائي مستقلّ بذاته وأدواته عن المنتج الأدبي، وأيّ استسهال في الخلط بينهما يضرّ كليهما ولا نفع فيه لأحد.
حتى مَن يحاول أن يضع السيناريو السينمائي بصفة الجسر بينهما عليه أن يتريّث قليلاً، فالسيناريو أحد أدوات السينما التي لا يخالطها أيّ مرجعية أخرى إلاّ ما يعنيه انفتاح أيّ صانع مبدع في مجاله على الفنون الأخرى. على السابق أن يترفّق باللاحق -أعني ذلك-، يمكن للفكر وللأدب أن يساهما في تكوين المشهد السينمائي دون استلابه إلى مسارهما عنوة، فذاكرتنا الأدبية والفكرية التي استقرّ مسارها نوعًا ما، مقارنةً ببدء تشكّل المسار السينمائي، مطالبة هي أولاً بالترفّق بالسينما وصُنّاعها. وما أتمنّاه أن ينهل كل فن بقوّة من منابع الفنون الأخرى، دون تسلّط أحدهم على الآخر.
5- برأيك، لمَ قلّ الاهتمام بتحويل الأعمال الأدبية والفكرية إلى سينمائية عربيًا، متى سيتمّ الاهتمام بتوفير البديل الثقافي من دون النظر لشبّاك التذاكر؟
مفهوم المنتَج السينمائي أنّه عمل جمعي على عكس الفردية في المنتج الأدبي؛ من هنا تأتي جلّ التعقيدات بين الأدب والسينما. ورغم اتفاقي جزئيًا مع ما نلحظه من ابتعاد السينما عن الأعمال الأدبية، إلّا أنّ السبب الرئيس هو غياب الرؤية -والتخطيط- التي يحتاج إليها المنتَج السينمائي بصفته مشروعًا يعتمد على الانضباط مع اعتبارات عدة: الزمن، الاقتصاد، الإدارة، التعدد والمشاركة.. وعلى ما أظن، يمكن إنتاج أفلام مبنيّة على منتجاتٍ أدبية وفكرية، في حال توفّرت مشاريع مخطَّط لها كما يليق.
6- «يحقّ للنادي الأدبي أن يعرِض أفلام وثائقية ثقافية». من هذا المنطلق، ما ملامح الحكاية الغير مرويَّة خلف تدشين مهرجان أفلام السعودية، وكيف ساهم منذ أول دورةٍ له في نشر الوعي بالمجال السينمائي لدى أفراد المجتمع وتطوير قدرات المساهمين في صناعة الأفلام المحلية؟
تلك العبارة المهجورة في نظام وزارة الثقافة والإعلام، اتخذتها ذريعة لأوّل عروض أفلام على جمهورٍ عام، في نادي المنطقة الشرقية الأدبي عام 2005، حيث انطلق برنامج أسبوعي (مساء كل يوم أحد)، لعروض الأفلام العالمية المختارة، ومن ثمّ التجارب السعودية.. واستمرت التجربة بكل ما تعنيه من تجربة، سواءً فنيًا، اجتماعيًا، إداريًا وحتى وعيًا ثقافيًا؛ ما أنتج الكثير من الأفكار التي تولَّد منها مهرجان أفلام السعودية، بنسخته الأولى عام 2008.
نعم، هناك مسارات عدة لرواية تلك الحكاية، أحيانًا أسلك باب الساخر منها، ومرّات باب التعلّم والتدرب والأخطاء، وربما رغبة في المواساة مع الذات ألجأ إلى تذكّر المصاعب والمواجهات المؤذية والصعبة، لكنّي دائمًا ما أستبعد هاجس التشفّي بما آل إليه ذلك الصراع المرير وما يوحي به التحقّق من فرصة.
ربما أيضًا هناك عدة أبواب لحكاية المهرجان، عبَرَها أو طرقَ واديها آخرون لهم دورهم الأصيل فيها. قبل هذا وبعده لست مِمَن يدوِّن أو يتذكّر النواقص والصعوبات بقدر احتفائي بالجميل منها، بما في ذلك أخطائي، قبل أخطاء الآخرين.
أمّا كيف ساهم المهرجان في نشر الوعي، وتطوير قدرات صُنّاع الأفلام، فذلك تمّ تلقائيًا من خلال تحقّق المهرجان وتطوره كمنصة تحتوي الصُنّاع والمهتمين، حيث كان (ولا يزال على ما أعتقد) بيت السينمائيين السعوديين الأول، تتشكّل فيه ومنه ذاكرتهم ومعارفهم وصداقاتهم الأولى، إضافة إلى ما زخرت به برامج المهرجان من معرفةٍ وتطوير للمهارات، خاصةً ما يقدّمه من سلسلة الكتب السينمائية المترجمة والمؤلَّفة المُستمرة منذ الدورة الأولى حتى التاسعة، بأكثر من 50 عنوانًا.
7– كـ نائب لرئيس مجلس إدارة جمعية السينما، ما الصناعة السينمائية التي تعملون على تقديمها من خلال إثراء المحتوى المعرفي والثقافي السينمائي، وما الدور الأبرز لجمعية السينما في ظلّ وجود هيئة الأفلام، ما المعايير المختلفة التي تسير عليها؟
الصناعة السينمائية التي نتطلّع إليها ونسعى جاهدين لتحقيقها، تلك الصناعة ذاتها، حيث تساهم الجمعية في تحويل المشهد، من اجتهاداتٍ فردية (مهمة بالتأكيد)، إلى فعلٍ جماعي منظَّم له أُسس بنيويّة في تكوين صناعة السينما.
الجمعية اختصاصها الجانب الفنّي؛ لذا ستعمل على المساهمة الفعّالة في تأصيل هذا الجانب معرفيًا وتأهيليًا، من حيث البرامج الإبداعية طوال العام: المهرجانات، إصدار الكتب، الورش المختصَّة، الندوات، الحوارات، والعروض السينمائية.
بالتأكيد تَعي الجمعية أنّ دورها نابع من كونها جمعية أهليّة مختصَّة، غير ربحية، وتعمل بتكاملٍ وتعاونٍ تامّين مع هيئة الأفلام التي تمثّل وزارة الثقافة، باعتبارها المظلَّة الرسمية للقطاعات الثقافية والفنية السعودية، إلى جانب الجِهات ذات العلاقة في القطاعات الأخرى.
المعايير التي تعمل عليها الجمعية خاضعة لِما يَراه مجلس إدارتها، وبالتأكيد الجانب الفنّي والإبداعي الجمالي هو أحد مستهدفاتها الكبرى.
8- «يشهد العالم تراجعًا سينمائيًا، فيما عدا بلَدين، هُما السعودية والصين». استنادًا على ذلك، ما وجه الشبه بين النهضتين، وبخلاف الأخرى، لمَ أصبحت السينما الصورة الأكثر وضوحًا في المملكة رغم التسارع الذي تشهده في قطاعاتٍ ثقافية أخرى؟
تشهد السعودية كما يراها كل مُنصف نهضة كبرى، شاملة على كل الأصعدة والمجالات، ليس أقلّها المجال الثقافي والفني، سواءً عبر ما نشهده من تخطيطٍ وإنتاجٍ وممارسةٍ في الحياة العامة، إلى جانب سَنّ القوانين والتشريعات المؤسِّسة للتحولات العميقة والمُستدامة.
وما نراه في المشهد السينمائي السعودي منذ إطلاق استراتيجية هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة، من حِراكٍ متطورٍ آخذ في التراكم كمًّا وكيفًا، في حين يشهد العالم تراجعًا ملحوظًا في هذا المجال -في بقيّة أنحاء العالم- باستثناء الصين.
وجه الشبه بين الحالتين (السعودية، الصين) ربما لأنَّنا في حالة استثمارٍ وبناءٍ على أرضٍ مُتعطشة ومتقبِّلة للسينما، في حين أنّ الصين لم تتأثَّر بما يُصيب السينما من تراجع المشاهدة كسائر أنحاء العالم.
أمّا بروز السينما كمؤثِّر ثقافي في السعودية رغم النهضة المُمتدة في سائر المجالات الثقافية؛ يعود لأهمية الصورة والسرد البصري ومخاطبة الحواسّ، في عصرنا هذا الذي عماده السرعة، والاختزال عبر الإيحاء وحريّة المخيّلة، بدلاً من الخطابات التقليدية المباشرة.. وهكذا تكون السينما خلاصة الخطاب الثقافي.
9- «إنّ “إثراء” آمن مبكرًا في مستقبل صناعة الأفلام وضرورة دعم السينما السعودية». استنادًا إلى دور مكتبة إثراء العالمية، إلى أيّ مدى ساهم/سيساهم مهرجان أفلام السعودية معرفيًا من خلال طباعة وتوزيع الكتب بالمجان في إثراء المكتبة العربية السينمائية؟
منذ الدورة الثانية لمهرجان أفلام السعودية عام 2015، تلاقت أهدافه مع الاهتمام الفريد من قبل مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، وتدرَّجت العلاقة بينهما حتى وصلت إلى الشراكة القائمة على اتفاقية مذكّرة تفاهم رسمية بين المنظّم جمعية السينما وإثراء شريكًا.
ليس من الصُدف أن انطلاقة المهرجان في دورته الأولى يوم 17 مايو 2008، كان يوم وضع حجر أساس إثراء، في احتفاءٍ بمرور 75 عامًا على تأسيس أرامكو السعودية. هكذا أرى العلاقة الأصيلة بين المهرجان وإثراء، تلك العلاقة العميقة، السابقة للاتفاقيات واللاحقة بعدها، وهو ما يشهده كل متابع لما وصل إليه المهرجان من تطورٍ وثراء. وكما في أصعدةٍ شتَّى من مخرجات المهرجان، يأتي تطور الجانب المعرفي المُتمثّل في إصدار سلسلة الكتب السينمائية، منذ دورته الأولى 2008، (كتابان)، وحتى دورته التاسعة 2023، (17 كتابًا)، بين التأليف والترجمة.
أعتقد أنّ برنامج سلسلة الكتب السينمائية فريد من نوعه على مستوى الإصدارات في مهرجانات السينما العالمية، وجاء استجابة إلى الحاجة الماسَّة إلى مثل ذلك عربيًا.
10- من خلال اختيار ثيمة «الكوميديا»، كعنوان للدورة التاسعة لمهرجان أفلام السعودية في ظلّ الغياب الكوميدي، ما الحاجة الماسَّة لهذا العمق في تكوين السينما المحليّة، وما التطور الكبير على المستوى التقني والأدائي والنصيّ بجانب الكثير من الإمكانيات التي تحتاجها صناعة الأفلام المحلية؟
يختار المهرجان ثيمة أو محورًا لكل دورة (منذ دورته السابعة)، حيث سبقته سينما الصحراء، ثمّ السينما الشِّعرية. يتمّ اختيار المحور عطفًا على أهميته ومدى الاحتياج إليه في الدورة ذاتها.. منه يتمّ الإعداد لتسليط الضوء عليه عبر النقاشات، الحوارات، التدريب، الإصدارات المختصَّة، العروض الممثَّلة له، دعوة الشخصيات المؤثِّرة فيه… إلخ.
من هنا نعنى بالأساس بتناول المحور لأهميته لصُنّاع الأفلام وللسينما السعودية الصاعدة، وضرورة فتح الأبواب لمناقشة هذا المحور أو ذاك، عبر التخطيط وإعداد البرامج ثمّ التلاقي حوله.
11– برأيك، كيف ساهم عرض الفيلم السعودي القصير «سليق»، كأول فيلم عربي من نوع «ستوب موشن أنيميشن»، يُعرض في افتتاح مهرجان، في لفت انتباه الجمهور العربي إلى هذه النوعية من الأفلام والأفكار التي يمكن مناقشتها من خلال هذا الأسلوب؟
لم يكن اختيار المهرجان لفيلم «سليق»، ليكون عرض الافتتاح لدورته التاسعة رغبة في التفرد بصفة أوّل مهرجان عربي يعرض هذه النوعية في افتتاحه؛ سليق تحقَّقت فيه عناصر عدة أهَّلته لذلك، مثل: الاستحقاق الإبداعي والجمالي، العرض الأول عالميًا، المسيرة المتصاعدة لصانعة الفيلم، بجانب إجماع لجنة الاختيار عليه.
يهدف مهرجان أفلام السعودية إلى توفير الفرصة لمستحقّها، إبداعيًا أولاً، ومن ثمّ الانتباه إلى توسيع الآفاق التجريبية، وشقّ الطرق غير المطروقة.
12- من خلال «سوق الإنتاج» ما الثقة الكبرى التي منحها مهرجان أفلام السعودية لزيادة سيولة شركات الإنتاج من خلال دعم المشاريع السينمائية المحلية واستقطاب المواهب والارتقاء بها، وما الأثر المَلموس في ذلك؟
لنتفق أنّ ما حقَّقه سوق الإنتاج من تصاعدٍ ملحوظ في دعم الشركات للمشاريع المتأهِّلة من دورةٍ إلى أخرى؛ إنّما يأتي من ثقة الشركات في المهرجان، وإيمانها بتطور صناعة الأفلام السعودية.
المهرجان يخطط وينظّم ويسعى إلى استدامة العلاقة الحيويّة بين الشركات وجِهات التمويل والدعم وبين صُنّاع الأفلام. ويؤكّد المهرجان أنّ كل المساهمات والدعم الذي تقدّمه الشركات والجِهات المشارِكة في سوق الإنتاج، سيتمّ توثيقه وأرشفته ليدوَّن في تاريخ السينما السعودية.
13- باعتبار أنّ «الحركة الإنتاجية لا تصنع المهرجانات»، برأيك، ما الحركة الخاصة التي صنعتها/ستصنعها المهرجانات السعودية كـ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي ومهرجان أفلام السعودية، وكيف أثَّر الإنتاج والدعم الضخم في ذلك؟
المهرجانات لما خُطِّطت له، هل تسعى لخلق حركةٍ ما في المشهد، وهل بتأثيرٍ مباشر؟ أعتقد بأنّ مهرجان أفلام السعودية وُلِد ليكون منصة تعبير حيث لم تكن هناك منصة، ومن ثمّ أصبح ينمو وتنمو معه طموحاته وأهدافه دورة بعد أخرى، على كل المستويات، ونلمس الآن أثره المباشر وغير المباشر عيانًا. ومثل ذلك سنجد الأثر لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.
وبالتأكيد على كل مهرجان أن يرصد مخرجاته، ويرفع من مدى تحقّق أهدافه؛ معرفيًا، إبداعيًا، جماليًا، من ثمّ اقتصاديًا واجتماعيًا، محليًا وعالميًا.. في اعتقادي أنّ هكذا يقاس أثر أيّ مهرجان.
14- «لن يتطور مهرجان أفلام السعودية إلاّ في حال وجود احترافية في صناعة الأفلام»، من هذا المنطلق، متى ستصِل السينما السعودية إلى «رصيدٍ نوعيّ يُبنى عليه خطابًا سينمائيًا يمثّلنا»، ومتى يمكننا القول بأنّ هذا الأمر قابل للتحقّق في المدى المنظور؟
ها قد رأينا المهرجان يتطور دورة بعد أخرى، ودائمًا أشير إلى أنّ ذلك عائد إلى تطور الأفلام المستقلّة والمهرجان انعكاس لها. منذ البدايات زرعنا الأحلام، مراهنين على تحقّقها في المستقبل، وها هي قد جاءت أسرع من الأمل. علينا أن نطلب الأجمل والأبقى، وأيضًا ليس من العدل أن نتقصَّى النواقص ولا نقدّر ما يتطلّبه الكمال (المُعجز) من وقتٍ وتراكمٍ نوعيّ.
ونعم، يمكنني القول بناءً على مسايرتي القريبة لمسار صناعة الأفلام السعودية: «سنشهد منتجًا سينمائيًا سعوديًا نباهي به ونَبني عليه خطابًا سينمائيًا يمثّلنا». وأرى أنه بعد أقلّ من 4 سنوات فقط، من إطلاق هيئة الأفلام لـ استراتيجيتها (بما فيها من انقطاعٍ سبَّبته الكورونا)، شهدنا نقلاتٍ نوعيّة واضحة في مسيرة صناعة الأفلام السعودية، وأعتقد بناءً على هذا الحِراك سيتحقّق المُستهدف، ويستمرّ متصاعدًا قبل 2030.
15- كيف ساهمت/ستساهم التماثلات مع المهرجانات الدولية بجانب الدعم المادي والمعنوي في الرفع من قيمة المهرجانات السعودية لتصِل لمصافّ المهرجانات الدولية، ومتى يمكننا القول بأنها قد تمكّنت من إيجاد هُويّة لها تمثّل الخطاب السينمائي المحلّي في المهرجانات؟
ربما اجترح مهرجان أفلام السعودية مزاجه وأسلوبه عبر تجربته الذاتية، من مرحلة البدايات الصعبة التي صقلته، وعبوره الجسر رويدًا رويدًا، حتى تعاوناته المحلية، المتمثّلة في شراكة إثراء، ودعم هيئة الأفلام، وثقة مختلف الرعاة. وبالتأكيد استفاد ولا يزال من المهرجانات السينمائية الأخرى. وفي اعتقادي أنّ على كل مهرجان أن ينوّع مصادر التمويل؛ ليقوى وينجو.
من زاويةٍ أخرى، المهرجانات هي خلاصة المعرفة والخبرة في الإدارة والسياسات الثقافية، التي تتراكم وتتطور، وبالضرورة تبني على علمٍ إداري وتخطيط استراتيجي؛ حينها يمتلك المهرجان شخصية واضحة، ويقف كعلامة فارقة في مصافّ أنداده من المهرجانات الكبرى في العالم.
16- بالرغم من تأثير المناخ الثقافي العام للمملكة في انتعاش النقد الفني، كيف تفسِّر غياب كتابات بعض النقاد العرب عن المشهد السينمائي لأفلام مهرجان أفلام السعودية رغم تواجدهم في بعض دوراته بجانب الاحتفاء به، ما الدور الموضوعي المفقود في ذلك؟
أتمنَّى أن يتناول النقد السينمائي الأفلام السعودية، متى ما تمّ عرضها على الجمهور، في أيّ مهرجان، وصالة عرض عامة، وليس مهرجان أفلام السعودية فحسب.
وكما لاحظنا أنّه بدأ التناول النقدي مع بعض الأفلام أثناء المهرجان وبعده، وكذلك تمّ تناول تلك الأفلام المشارِكة في مهرجاناتٍ دولية أخرى أيضًا. نعرف أنّ النقد المتتابع هو ما يَلفت الانتباه، وهذا يأتي بعد الإنتاج المتواصل المثير لأدوات الناقد السينمائي.
17- «السنة القادمة سأشارك في المهرجان بفيلم». من هذا السياق، هل يكفي التطلَّع الذي يعكس الواقع في تقديم المشارَكات، ما معايير الحرفية الفنية لقبول المشارَكات في مهرجان أفلام السعودية بعيدًا عن طور شرف المحاولة؟
كم أحبُّ هذه العبارة: «السنة القادمة سأشارك في المهرجان بفيلمي». إنّها عبارة تقع في القلب منّي وكأنها دعامة استمرار ومساندة، أراها صكًّا أصيلاً في المشاركة والمسؤولية، وعد يمدّ المهرجان بزيت الأمل كلما ضاق به الليل. لم لا.. أراها هكذا، ولا أشجع عليها فحسب، بل أعتبرها وعدًا أتابعه حتى يتحقّق.
أمّا القبول والاختيار للعرض في المهرجان، فذلك الأمر في يد فريقٍ فنّي وإدارة مختصَّة للاختيار وأخرى للاستقطاب. هكذا تعتبر الرغبة بالمشاركة إشارة لما بعدها، وما أجملها من إشارة.
18- باعتبار المملكة ثريَّة بالتراث الأدبي والشِّعري والتاريخي والديني، كيف ساهمت صناعة السينما السعودية من خلال معمل السيناريو في تقديم وتطوير القصص والأفكار التي تمسّ المجتمع بكل شفافية؟
هذا الثراء الثقافي الذي نمتلكه يحتاج إلى جسورٍ عديدة، وتعبيد طرق لكيفية تحويل كل حكاية وقصة وفكرة إلى سيناريو.
المهرجان يستقبل في كل دورة مئات السيناريوهات غير المُنفَّذة بعد، ومن خلال لجنة تحكيم كل دورة، نرشّح الفائزين بالدخول في معمَليّ تطوير للفيلم القصير والطويل.
وبالتأكيد نحتاج إلى تطوير هذين المعمَلين أيضًا، وإلى مزيدٍ من المختبرات المختصَّة للكتابة وتطويرها. الورق هو الأصل، وعلينا أن نواصل البحث وتجربة السُبل المُثلى لتطويرها، على أن لا نكتفي أبدًا.
19– كلمة أخيرة لمعنى، وما التطلّعات الأدبية والسينمائية التي سنرى نتاجها قريبًا؟
شكرًا لمعنى التي تُعيد النظر وتَستعيد الانتباه العميق للمعنى، شكرًا على هذا الحضور المعرفي والفعل الثقافي، في مختلف المسَارات الأدبية والفكرية والفنية.
وسنرى دورة عاشرة مختلفة لمهرجان أفلام السعودية عام 2024. يسبقها افتتاح مقرّ إبداعي لجمعية السينما في مدينة الخبر؛ يعتبر انطلاقة نوعيّة للبرامج السينمائية طوال العام، ويكون ملتقىً لصُنّاع الأفلام السعوديين.