أستخدم أنا وأصدقائي موقعًا مخصصًا للألعاب التمثيلية على الطاولة (وكنت أفكر في لعبة “زنزانات وتنانين”)، وعند إنشاء شخصية للعبة “سيد الخواتم”، وجدت صورة على الإنترنت بدت مثالية: محارب ذو مظهر قروي بأسلوب ألفونس موكا.
نحاول أن ننسب الفن إلى أصحابه كلما استطعنا، وأي شيء يُباع نتجنبه أو ندفع ثمنه فقط. يبدو أن هذه القطعة متاحة في متجر إتسي فقط، إذ يستخدم على ما يبدو- تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوليد الصور. السعر رمزي: بضعة دولارات، ومع ذلك، لا أستطيع إلا أن أفكر في أن أولئك الذين يصنعون الفن الذي يُنتج بوساطة الذكاء الاصطناعي يأخذون أعمال فنانين آخرين، ويعيدون خلقها ثم يربحون منها.
لست متأكدًا مما يجب فعله. إحدى المبررات لفن الذكاء الاصطناعي هي أن البشر يخلقون مطالبات الذكاء الاصطناعي التي تنتج الصور؛ لذا فإن القطع الناتجة تُعدّ أعمالًا جديدة، لكن يبدو أن ذلك خاطئ؛ إذ يمكنني أن أُحضر صورة مولدة تُعجبني بوساطة الذكاء الاصطناعي إلى فنان بشري وأطلب منه “إعادة أنسنتها” لي، لكن ذلك لا يبدو صحيحًا أيضًا – الاسم محجوب
من الأخلاقيات:
هناك شعور بأن مولدات الصور بالذكاء الاصطناعي -مثل: DALL-E 3 وMidjourney وStable Diffusion- تستخدم الملكية الفكرية للفنانين الذين تم تدريبهم على أعمالهم، لكن الشيء نفسه ينطبق على الفنانين البشريين، إذ إن تاريخ الفن هو تاريخ الأشخاص الذين يستعيرون ويعدلون التقنيات والمواضيع من الأعمال السابقة مع لحظات عرضية من الأصالة العميقة، وقد أثرت أعمال ألفونس موكا في فن البوستر الجديد في كثيرين، وتأثرت هي أيضًا بالعديد.
هل يقوم نظام الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يعدّل أوزان نموذجه بطرائق دقيقة عند تدريبه على مواد جديدة، بما يعادل النسخ واللصق للصور التي يجدها؟ ستكون مقارنة أقرب هي الفنان الذي يدرس الأساتذة القدامى ويتعلم كيفية تمثيل الوجوه؛ ففي الواقع، يقوم النظام بتحديد الميزات المجردة لأسلوب الفنان ويتعلم إنتاج أعمال جديدة تحتوي على تلك الميزات، صحيح أنّ حقوق الطبع والنشر تحمي صورة مدّة معينة (مدّة معينة فقط: أعمال موكا الآن في الملكية العامة)، لكنها لا تُغلق الأفكار المستخدمة في تنفيذها، وإذا كان أسلوب معين مرئيًّا في عملك، فيمكن لشخص آخر أن يتعلم منه أو يقلده أو يطور أسلوبك. لن نرغب في إيقاف هذه العملية؛ إنها شريان الحياة للفن.
ربما تشعر بالقلق من أن مولدات الصور بالذكاء الاصطناعي ستقوض قيمة الفن الذي يصنعه الإنسان، إن مثل هذه المخاوف لها تاريخ طويل؛ ففي مقاله الكلاسيكي عام 1935م “عمل الفن في عصر النسخ الميكانيكية”، أشار الناقد والتر بنيامين إلى أن تقنيات إعادة إنتاج الأعمال الفنية قد تم اختراعها على مر التاريخ، وفي العصور القديمة كان لدى اليونانيين مصانع لإعادة إنتاج البرونز، ومع مرور الوقت، تم استخدام الطباعة الخشبية على نطاق واسع لصنع نسخ متعددة من الصور، ثم أضاف النقش والطباعة الحجرية والتصوير الفوتوغرافي إمكانات جديدة، وقد أثارت هذه التقنيات سؤالًا بشأن ما أطلق عليه بنيامين “هالة” العمل الفني الفردي، وإن قلقنا بشأن أصالة اللوحة -هل هي حقًّا من عمل دا فينشي؟- مرتبط بفكرة كونها المنتج الفريد لفرد تاريخي؛ لذا اعتقد بنيامين أن النسخ الجماعية ستقلل من هالة الأصل، لكن الملايين من النسخ الفوتوغرافية لـ “موناليزا” لم تمنع الناس من التوجه لرؤية اللوحة الفعلية.
يمكن أن ترتبط هالة بالنسخ نفسها. إن قيمة “الصورة الأصلية” لجوليا مارغريت كاميرون لا تتضاءل بسبب إعادة إنتاجها في الكتب والمجلات، لقد تخصص ألفونس موكا نفسه في الرسوم التوضيحية التي كانت مخصصة للتكاثر بكميات كبيرة، وكانت الملصقة التي جلبته إلى الشهرة الواسعة في باريس قد أنشئت عام 1894م لعرض بطولة سارة برنهارد، وقد صنعت منها آلاف النسخ. يقدّر الجامعون تلك الطباعة الملونة القديمة، في العصر الرقمي، تم استخدام أدوات مثل “NFTs” (الرموز غير القابلة للاستبدال) لخلق تأثير مماثل من الندرة والخصوصية. ومع ذلك، لا تزال هالة الأصل قائمة.
لا تستبعد الناس أيضًا، ومع انتشار أشكال الذكاء الاصطناعي انتشارًا مُتزايدًا، نحتاج إلى التعود على ما يُسمّى بنماذج “السانتوار”؛ التعاون بين الإدراك البشري والآلة، فعندما تجلس خلال تتابع الأسماء في نهاية فيلم بيكسار، سترى أسماء مئات البشر المشاركين في الصور التي كنت غارقًا فيها؛ إنهم يعملون مع أنظمة رقمية معقدة جدًّا، ويقومون بالبرمجة والتوجيه والتنظيم. إن حكمهم مهم، فقد يكون الشيء نفسه صحيحًا، على نطاق أصغر، بالنسبة إلى الشخص الذي باع لك هذا الملف الرقمي مقابل رسوم رمزية، ربما كان قد جرب مجموعة من المطالبات التفصيلية، وولّد كثيرًا من الصور المختلفة ثم متغيرات تلك الصور، وبعد تقييم دقيق اختار الصورة التي كانت الأقرب لما كان يأمل فيه، فهل يجب أن تُعدّ جهوده وخبرته بلا قيمة؟ يعرف كثير من الناس -كما أعلم- أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تُعدّ ببساطة طفيليّة على الإبداع البشري وينكرون أنها يمكن أن تكون في خدمته، وأنا أعتقد أن هناك شيئًا خاطئًا في هذه الصورة.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة نيويورك تايمز).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.
الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.