“الفن هو القوة الناعمة التي تمتلك القدرة على تغيير العقول وبناء الجسور بين الثقافات” الكاتب
في خطوة تعكس التحولات الثقافية اللافتة التي تشهدها المملكة، أعلنت الهيئة العامة للترفيه بقيادة معالي المستشار تركي آل الشيخ عن إطلاق “جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيرًا”. هذه الجائزة، التي تركز على الأعمال الروائية الأكثر شعبية والقابلة للتحويل إلى أعمال سينمائية، تهدف إلى تعزيز العلاقة بين الأدب والسينما، وتمثل جسرًا لنقل الإبداع المكتوب إلى الشاشة الكبيرة.
ومن واقع خبرتي كصانع أفلام سعودي، تمتد تجربته الإخراجية لسنوات طويلة، أدرك تمامًا أهمية مثل هذه المبادرات التي تربط بين الأدب والسينما. وقد جاءت هذه الجائزة في وقت مهم تلمس فيه تطلع المشهد الثقافي السعودي والعربي لنوع من التحفيز المثمر وتركز على الحلقة المفقودة بين الأدب والسينما، ما يتيح للأقلام السعودية والعربية الواعدة الفرصة للظهور والاحتفاء بها.
منذ إطلاق رؤية المملكة 2030، بات من الواضح أن الثقافة والفنون تلعب دورًا محوريًا فيها. وتحت قيادة ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان، تبنت المملكة رؤية استشرافية تعترف بأهمية القوة الناعمة في الحراك الثقافي والمجتمعي. إذ تعتبر القوة الناعمة أحد أهم أدوات التأثير في العصر الحديث، فهي تعكس القدرة على إحداث التغيير في المجتمع من خلال الثقافة، والفنون، والتعليم، والإعلام. ولي العهد، سمو الأمير محمد بن سلمان، يدرك تمامًا قوة هذه الأدوات وأهميتها في تعزيز صورة المملكة على الساحة الدولية، ومن خلال الدعم الذي يقدمه لقطاع الثقافة والفنون، يؤكد سموه التزامه بتطوير هذا القطاع، وجعله عنصرًا محوريًا في رؤية المملكة 2030.
تهدف الجائزة إلى دعم العلاقة بين الرواية والسينما، وهي بمثابة الجسر الذي طالما حلم الكتّاب الحالمون بعبوره. ومن الرائع حقًا أن تنطلق هذه الجائزة من وطننا الغالي، الثري بالإبداع والثقافة والفن. فوجود مثل هذه الجائزة يعزز من مكانة المملكة كمنارة ثقافية ويظهر للعالم القوة الناعمة التي تمتلكها السعودية، والجهود التي يبذلها معالي المستشار تركي آل الشيخ في هذا الصدد. الجائزة مقسمة إلى عدة فئات تشمل: أفضل رواية رومانسية، أفضل رواية إثارة وغموض، أفضل رواية كوميدية، أفضل رواية حركة، أفضل رواية فانتازيا، أفضل رواية بوليسية، بالإضافة إلى جوائز أفضل سيناريو مقدم من عمل أدبي وأفضل عمل روائي مترجم. ومثل هذا التنوع يعكس مدى اهتمام الجائزة بتغطية جميع جوانب الأدب والسينما، ودعم الإبداع في كل أشكاله.
ولا شك أن هذه الجائزة ستسلط الضوء بقوة على العلاقة التفاعلية المثمرة بين الأدب والسينما، بل ستدفع هذه العلاقة التاريخية بقوة إلى الواجهة. فقد شهدت صناعة السينما العالمية العديد من الأعمال الروائية التي تحولت إلى أفلام ناجحة ولها قيمة مجتمعية كبيرة، ناقشت قضايا مهمة وأثرت في المجتمع بشكل كبير. ومن أبرز هذه التجارب رواية “ذهب مع الريح” (Gone with the Wind) للكاتبة مارغريت ميتشل، التي تحولت إلى فيلم حقق نجاحًا هائلًا وأصبح من كلاسيكيات السينما العالمية. حيث يناقش الفيلم قضايا اجتماعية وتاريخية مهمة تتعلق بالحرب الأهلية الأمريكية وتأثيراتها. أيضًا، رواية “العراب” (The Godfather) لماريو بوزو، التي تحولت إلى سلسلة أفلام شهيرة من إخراج فرانسيس فورد كوبولا. وقد عالجت قضايا الجريمة المنظمة وتأثيرها على العائلة والمجتمع، وأصبحت من أبرز الأعمال السينمائية التي ناقشت قضايا معقدة بأسلوب فني مميز. وكذلك رواية “فهرنهايت 451” (Fahrenheit 451) للكاتب راي برادبري والتي تحولت إلى فيلم يناقش قضايا حرية الفكر والرقابة، ويعرض لرؤية مستقبلية لمجتمع يحرق الكتب كوسيلة للسيطرة على الأفكار.
إن تحويل هذه الروايات إلى أفلام ناجحة ليس مجرد عملية إنتاج فني، بل هو تأكيد على الدور المحوري للأدب في مناقشة القضايا المجتمعية وتحفيز الحوار الثقافي. وبهذا الشكل تسعى جائزة القلم الذهبي لتحقيق الهدف نفسه من خلال تشجيع الأدب الذي يمكن أن يُحوَّل إلى أفلام تعكس واقعنا وتناقش قضايانا، وتربط بين الإبداع الأدبي والسينمائي بشكل يعزز من قيمتهما وتأثيرهما في المجتمع.
وبالإضافة إلى الدعم المالي المقدم، ستتيح هذه الجائزة للمبدعين منصة مهمة لعرض أعمالهم والتفاعل مع الجمهور والنقاد، ما يعزز من تطورهم المهني والفني ويساعد في بناء جيل جديد من المبدعين الذين يستطيعون تقديم أعمال تعكس هوية وثقافة المملكة والعالم العربي. ولازلت أذكر حتى الآن، وسأظل، كلمات سمو ولي العهد محمد بن سلمان لي عام 2011 بعد صدور فيلمي “مونوبولي”، عن أهمية مناقشة الفن للقضايا الحيوية بصورة تعكس حرص الفنان على تقديم رؤى إبداعية قد تجد طريقها للتطبيق يومًا ما. ومثلما أضاف فيلمي “مونوبولي” لوعي المجتمع السعودي أهمية فرض الضرائب على الأراضي البيضاء لمواجهة احتكارها، ومثلما تمت الموافقة على اللائحة التنفيذية لنظام رسم الأراضي البيضاء من مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه المولى في عام 2016، فإنني على ثقة بأن هذه الجائزة ستمنح الفرصة لتجارب مماثلة سيكون لها عظيم الأثر على مجتمعنا وهويتنا السعودية والعربية.
أخيرًا، تعد جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيرًا نموذجًا ساطعًا للقوة الناعمة السعودية، وبدون شك، ستلعب دورًا كبيرًا في إحياء الأقلام السعودية والعربية الواعدة، ومنحها الفرصة للتألق على الساحة الثقافية العالمية.