خلود عيد لصحيفة نيويورك تايمز
تأمل هذه الحقيقة من حقائق الحياة المعاصرة، إن جميع المنتجات التقنية التي نشتريها ونستخدمها تقريبًا مصممة مع الأخذ في الحسبان التقادم الفني المخطط له، إذ يتم تصميمها بحيث تنتهي كفاءتها بعد فترة قصيرة نسبيًّا سنة واحدة، أو سنتين، أو ربما خمس سنوات، وإذا كنت تشك في ذلك، فكر في عدد المرات التي يتعين عليك فيها استبدال هاتفك الذكي، فقد تم تصميم الأجهزة لتنتهي صلاحيتها.
ولكن ما يثير السخرية أن ثقافة منطقة وادي السيليكون نفسها التي تنتج هذه الأدوات تبدو مهووسة بالعيش إلى الأبد.
تضم حركة “إطالة الحياة” في الوقت الحاضر رجال أعمال رياديين مثل الملياردير التقني بيتر تيل الذي يضخ الأموال في الشركات الناشئة التي تعمل على مكافحة الشيخوخة وإطالة العمر، (بينما تبين بأن الشائعة التي تفيد أن السيد تيل يتلقى عمليات نقل الدم من الشبان البالغين 18 عامًا كانت غير صحيحة، وإن هناك بالطبع شركة فعلية –أمبروسيا بلازما (Ambrosia Plasma)- تقدم بالفعل حُقن البلازما الشابة مقابل 8000 دولار للتر)، وقد أطلقت جوجل شركة التقنية الحيوية كاليكو (Calico) لزيادة “فهمها لعلوم الحياة التي تتحكم في العمر”، وعززت هذا الهدف من خلال إجراء البحوث حول فأر الخلد العاري الذي يعيش لفترة طويلة، وهو النوع الذي لا تظهر عليه سوى علامات ضئيلة أو معدومة للشيخوخة.
وقد برز في السنوات الأخيرة مجال الانجذاب نحو عرقلة الموت، فقد كان بول بينيت، وهو شريك في شركة الاستشارات التصميمية IDEO، من بين أولئك الذين استغلوا ذلك لصالحهم، ووصف موجز في مجلة ذا كاليفورنيا صنداي في عام 2015م فكرة من أفكاره، وقال لنفسه “أوه، أنت تحتاج إلى إعادة تصميم الموت”، ومنذ ذلك الحين، ازدهر سوقٌ جديدٌ بشكل كلي، فأصبح الموت وسيلة للابتكار ومعرضًا مشاركًا ومبدأً تنظيميًّا لاجتماعات التواصل، كما أصبح تطبيقًا.
وهناك الآن أشخاص يطلقون على أنفسهم مسمى “أصحاب مشاريع طويلة العمر”، وهؤلاء لا يرون الموت كمشكلة، بل كشيء يجب القضاء عليه، وأنه بدلًا من السعي وراء الموت الجيد، لماذا نموت أصلًا؟ ويبدو أن السبب وراء السعي للحياة الأبدية هو عدم رغبة مؤيدي هذه الفكرة في تخيل العالم بدون وجود أنفسهم فيه.
وبشكل أساسي، تعد هذه الرغبة غير إنسانية.
خلود عيد لصحيفة نيويورك تايمز
وقد كتبت بربارة إرينريك في كتابها الجديد بعنوان “Natural Causes: An Epidemic of Wellness, the Certainty of Dying, and Killing Ourselves to Live Longer“: “يمكنك أن تفكر في الموت بمرارة أو باستسلام، ويمكنك أن تعده انقطاعًا مأساويًّا لحياتك وتقوم باتخاذ التدابير الممكنة كافة لتأجيله، أو -بشكل أكثر واقعية- يمكنك التفكير في الحياة بوصفها انقطاعًا للعدم الشخصي الأبدي، واغتنام ذلك كفرصة قصيرة لمراقبة العالم الحي المليء بالمفاجآت والتفاعل معه”.
ولقد أذهلني ما قالته السيدة إرينريك، إذ تبين أن تجربتنا في الحياة، على الرغم من كونها فريدة بالنسبة لنا، إلا أنها مجرد جزء من سلسلة متصلة أوسع، وأن الوقت الذي نعيشه هنا هو مجرد لحظة، وأن العالم سيستمر في الدوران عندما نغادر، وعلى هذا النحو، فإن تقدير حياتنا له علاقة كبيرة بالوعي المتزايد باستمرار بمدى قصرها، وهذا -الوعي والقبول لموتنا- هو ما يجعلنا بشرًا، وأعتقد أن هذا هو الدافع لعيش حياتنا على أكمل وجه.
وقد كانت هناك فترة وجيزة في حياتي –لم تتجاوز عامين– إذ تزوجت فيها، وفقدت والدتي بسبب السرطان، وتعرضت للإجهاض، واشتريت منزلًا، وأنجبت طفلًا، وإن تجربة هذا كله في فترة زمنية قصيرة جدًّا جعلتني أشعر بأنني بشرٌ تمامًا، وقد جعلني هذا الوابل من النهايات والبدايات مدركة لهشاشة الحياة، كما جعلني مفتونةً بقوتها المجيدة، فلقد خسرت واكتسبت الكثير في الوقت نفسه، واليوم، هذا الوعي بالطبيعة الزمنية لكل شيء يجعلني مصممةً على الاستفادة من الأيام المتبقية، وإن معرفة مدى سرعة تغير الأشياء أو اختفائها بشكل مأساوي في بعض الأحيان، هو ما يغذي رغبتي الملحة في البقاء في الحاضر.
عندما كنت في سن المراهقة، أتذكر أنني كنت أشكو من مدى فظاعة الحياة وعدم عدلها، وأجاب والداي بأن المرء لا يستطيع تقدير الخير دون تجربة السيئ فيها، وقد أزعجني ذلك عند سماعه آنذاك، ولم يتغير الأمر حتى بعدما كبرت، لكنه صحيح تمامًا.
خلود عيد لصحيفة نيويورك تايمز
نادرًا ما نفكر بالتحديات التي سنواجهها لو لم يكن هناك نهاية لوقتنا على الأرض، فهل ستؤثر حالة أجسادنا على حالة عقولنا؟ وهل سيعيش الجميع إلى الأبد، أم فقط أولئك الذين يمتلكون الوسائل لتحقيق ذلك؟ وهل يمكنك الانسحاب من الحياة الأبدية؟ وهل ستتلاشى عدم المساواة، أم ستصبح مشكلة لا يمكن حلها بعد؟ وهل سنستمر في اكتساب العواطف والحكمة والبصيرة التي تأتي مع التقدم في العمر؟
يمكن للاختراقات التقنية أن تغير الحياة، ولكنني أعتقد أن طبيعتنا البشرية ترتبط بشكل لا يمكن فصله بحقيقة وجودنا الفاني، ولا يمكن لأي منبع علمي للشباب أن يتسبب في تغيير ذلك.
أليسون أرييف: كاتبة مساهمة في صحيفة نيويورك تايمز، متخصصة في التصميم والهندسة المعمارية.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة نيويورك تايمز).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.
الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.