إن المعجزة الأساسية للأنبياء والعظماء عبر التاريخ تكمن في قدرتهم على خلق رؤى توحد طاقات وأهداف الإنسانية وتجمعها. فالمتأمل لتاريخ الرسل والأنبياء سيجد أن بعثتهم قد جاءت داخل بيئات يسودها الفرقة والنزاع بين قبائل متفرقة ومتخاصمة، بحيث يكون الهدف الأسمى لهم نزع هذه الفرقة والدعوة للوحدة تحت منهجيات وتشريعات ترسخ لمفهوم الأمة الواحدة التي يجمعها وطن واحد. البداية تكون بالكفر! نعم الكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ) مثلما تبدأ (لا إله إلا الله) بالنفي وتنتهي بالإثبات. محاربة الفرقة وتوحيد الناس تحت إطار من القواعد والمصالح المشتركة.
والناظر إلى تاريخ أسرتنا العظيمة، آل سعود، سيجد رسالتها امتدادًا لنهج الأنبياء والصالحين، حيث وحد الملك عبدالعزيز الجزيرة العربية تحت راية «لا إله إلا الله»، مكملاً رسالة آبائه وأجداده. وبالمنطلق نفسه، يواصل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، حفظه الله، وسمو ولي العهد محمد بن سلمان، تلك الرسالة بتجديد القوانين والأنظمة وخلق علاقات دولية تعزز الارتقاء بالإنسانية؛ ذلك هو الجانب المشترك بين كل الأمم.
الله والرسل وتوحيد الأمة
اصطفى الله إبراهيم عليه السلام ليبني أمة عظيمة تقوم بدورها الروحي في تطوير الإنسان. ومن بعده جاء المصطفى عليه السلام ليؤسس حاضنة تجمع الناس في الجزيرة العربية ببناء المسجد النبوي كمركز للحكم والوحدة. واستمر هذا النهج مع آل سعود الذين وحدوا الجزيرة العربية وجعلوها قوة عالمية.
وعلى الخطى نفسها يكمل سمو ولي العهد محمد بن سلمان الطريق برؤيته الإصلاحية. فسموه ليس مجرد حاكم، بل مصلح صاحب بصيرة ورؤية شاملة تستهدف تحسين كافة جوانب الحياة في المملكة ومحيطها. وينطلق في رؤيته من إيمان عميق بأن الإصلاح هو رسالة الإنسان في هذا العالم وترجمة عملية للإمانة التي حملها الإنسان. تجسدت رؤية سموه في مشاريع ضخمة مثل نيوم، الذي يهدف إلى بناء مدينة ذكية ومستدامة تعتمد على الطاقة النظيفة، إلى جانب مشاريع أخرى مثل البحر الأحمر والقدية، وبرنامج التحول الوطني الذي يعزز تنويع الاقتصاد ويرسخ مكانة المملكة عالميًا. كما تشمل رسالته الإصلاحية أيضًا تمكين المرأة، وتحسين التعليم، وتشجيع الفنون والثقافة.
المعاني والقيم
في عصرنا الحالي، تُعرف الوطنية بتوطين العلاقات وضبطها بقوانين معينة تحت مظلة الدولة. غير أنه في الإسلام لابد أن تنضوي وحدة الأمة تحت راية التقوى، حيث يكون الأكرم عند الله هو الأتقى في اتباع القوانين. لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلّا بالتقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). توحيد المجتمع لعبادة رب واحد يعني توحيده تحت قوانين تربوية تنظم حياة أفراده وتزيد من قوتهم.
وقد قدمت أسرتنا الكريمة آل سعود نموذجًا للدور الذي يمكن أن يقوم به العظماء في توحيد الأمة تحت قوانين عادلة، مما أعاد للأمة عظمتها وقوتها. وها هو ولي العهد محمد بن سلمان يسير على النهج نفسه برؤى مستقبلية تعزز من دور المملكة العالمي وتربطها بمصالح إنسانية شاملة.
الرؤية الإصلاحية لولي العهد
أمرنا الله بطاعة ولي الأمر كامتداد لطاعته وطاعة رسوله، حيث قال: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ». لهذا ينبغي على المواطن التقي إكبار رؤية ولي أمره والثقة في أنها مصانة برعاية الله وحمايته. إن رؤية سمو ولي العهد محمد بن سلمان هي امتداد لمشاريع من سبقه من العظماء ممن وعوا قيمة هذا الوطن ودوره العالمي فوضعو رؤاهم لتطوير الإنسانية وخلق روابط لها بالجزيرة العربية. هي امتداد لرؤية إبراهيم عليه السلام حين بنى البيت الحرام مركزًا لتوحيد البشر، ولرؤية محمد صلى الله عليه وسلم في تأسيس المسجد النبوي لجمع المسلمين تحت راية واحدة. فقد جاء اختياره لمشروع نيوم، على سبيل المثال، الواقع في منتصف اليابسة، وكاستثمار لهذا الموقع الاستراتيجي، ليصبح مركزًا للعلاقات الإنسانية ومحورًا للتقدم والابتكار، مجسدًا رؤية استشرافية جديدة للإنسانية تستهدف تطوير الصِلات بين الجزيرة العربية والعالم لتكون حاضنة جديدة تجمع بينها وبين العالم. فقط العظماء قادرون على ابتكار مثل هذه الرؤى وتحقيقها.
إن الإنجازات التي حققتها، وتحققها، الأسرة السعودية الكريمة لا زالت تُشكل مستقبل المملكة. من توحيد الجزيرة العربية إلى الرؤى المستقبلية التي تسعى لتعزيز مكانة المملكة عالميًا، تبقى القيم والمبادئ الدينية والوطنية ركيزة أساسية في هذا البناء المستمر.