بقلم: ميغان رايت
النقاط الرئيسية:
- يسلك الناس مسارات أطول وأكثر تنوعًا لبلوغ سن الرشد وأثناءه.
- لم تعد الأحداث التقليدية التي تُميِّز مرحلة البلوغ الآن متعلقة ببلوغ الناس سن الرشد.
- تُعرّف مرحلة البلوغ والرشد في القرن الحادي والعشرين بشكل أفضل عن طريق الخصائص النفسية.
يُقاس سن الرشد والبلوغ في المجتمعات الغربية عادةً بالأحداث الاجتماعية والديموغرافية، مثل: العمل الثابت وشراء منزل والزواج والإنجاب، لكن تقل فرص تحقيق هذه الأحداث في الوقت الراهن؛ إذ يقضي الشباب مدّة طويلة في الدراسة، ويعتمدون مادّيًّا على آبائهم لمدّة أطول، فيجدون صعوبة في شراء شقة أو منزل خاص بهم، كما أنهم اليوم أكثر انخراطًا في تأخير الزواج والإنجاب مقارنة بالأجيال السابقة.
وثّقت البيانات السكانية توجهات الشباب هذه، فعلى سبيل المثال، انخفض عدد الزيجات في إنجلترا وويلز إلى النصف بين عامي 1972 و2020م. أما اليوم، فيخطط الناس للزواج للمرة الأولى عادةً عندما يصلون إلى أوائل الثلاثينيات من العمر، لكن في سبعينيات القرن كان الناس يتزوجون في الغالب في سن 23 عامًا، كما ارتفع متوسط العمر الذي تنجب فيه المرأة طفلها الأول بعقد من الزمن تقريبًا؛ إذ إنّها كانت تنجب في سن 24 في ستينيات القرن في حين أصبحت تنجب في سن 31 في عام 2021م، ولا ينحصر هذا التغير في توجه الشباب في المملكة المتحدة وحدها، فقد لوحظت أنماط من التأخر في الزواج والإنجاب في عديد من البلدان الأخرى، بما في ذلك: الولايات المتحدة والسويد واليابان وتشيلي.
ظهرت عديد من النماذج النفسية التي نستخدمها لقياس التطور في ستينيات القرن الماضي، هذه المدّة التي كانت تتميز بالازدهار الاقتصادي عندما كان الشباب يتجه إلى الزواج في أوائل العشرينيات من العمر وشراء منزل والاستقرار في عمل ثابت والإنجاب، وهذه الأمور كلّها بشكل متتابع. كانت الأحداث الاجتماعية والديموغرافية التقليدية لسن الرشد أكثر يسرًا وتحققًا في ذلك الوقت.
شهدت مسارات سن الرشد منذ ستينيات القرن الماضي تغيرات جذرية، لذلك علينا إعادة تعريف ما يعنيه أن يكون المرء بالغًا في القرن الحادي والعشرين، وبدلًا من تعريف مرحلة الرشد بأنها مجموعة من الأحداث الاجتماعية والديموغرافية، يجب أن ننظر إليها على أنها مدّة من التطور المستمر الذي تحدده الخصائص النفسية الفردية.
ولمعرفة ما إذا كانت هذه الأحداث الاجتماعية والديموغرافية التقليدية في سن الرشد ومرحلة البلوغ ما تزال مهمة بالنسبة للراشدين اليوم، أجرينا استطلاع آراء 722 شخصًا من سكان المملكة المتحدة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و77 عامًا، وبحثت الطبعة الأولى من دراستنا هذه متى شعر الناس أنهم بالغون، ولماذا يشعرون بأنهم كذلك، وما إذا كانوا يرون أن مرحلة البلوغ مرحلة إيجابية أو سلبية في الحياة.
متى يشعر الناس بأنهم بالغون؟
توصلت الدراسة إلى أن متوسط العمر الذي يبدأ فيه الناس بالشعور أنهم بالغون هو 25 عامًا. وكما هو متوقع، كان المشاركون كبار السن أكثر ميلًا للشعور بأنهم بالغون، في حين كان المشاركون الأصغر سنًا في الدراسة أقل احتمالًا للشعور بأنّهم بالغون، هؤلاء في الواقع يبلغون من العمر 18 عامًا وهم يعدّون بالغين من الناحية القانونية، وعلى الرغم من أن كبار السن شعروا بأنهم بالغون في المتوسط، فإنّ الفئة العمرية الأكبر سنًا، أي: أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و77 عامًا، أفادوا بأنهم ما يزالون لا يشعرون بأنهم بالغون طوال الوقت.

طُلب من المشاركين في دراستنا إكمال جملة “أشعر بأني بالغ…” بإحدى الإجابات التالية: “دائمًا” أو “غالبًا” أو “أحيانًا” أو “نادرًا” أو “أبدًا”. يوضح هذا الرسم البياني متوسط إجابات المشاركين عبر الفئات العمرية من 18-29 سنة حتى 60-77 سنة. المصدر: ميغان رايت.
لماذا يشعر الناس بأنهم بالغون؟
قدمنا للمشاركين في الدراسة 47 خاصية من خصائص البلوغ، من أجل قياس لماذا يشعر الناس بأنهم بالغون استنادًا إلى أبحاث سابقة، وطلبنا منهم تقييم ما إذا كانت هذه الخصائص مهمة أم لا للشخص البالغ، وتضمنت خصائص البلوغ الأحداث الاجتماعية والديموغرافية مثل: الزواج والأبوة، وبعض العلامات القانونية لمرحلة البلوغ مثل: السن القانوني للبلوغ، وهو 18 عامًا في المملكة المتحدة، وبعض العلامات النفسية التي تتصف بها مرحلة البلوغ، مثل: “تحمل مسؤولية عواقب أفعالي” و”القدرة على الاعتناء بنفسي”.
وقد عدّت الخصائص النفسية أكثر أهمية بكثير لبلوغ سن الرشد مقارنةً بالأحداث التقليدية، مثل: الزواج والأبوة، أو العلامات القانونية للبلوغ، مثل: بلوغ السن القانوني.

النسبة المئوية للمشاركين الذين وافقوا على أن هذه الخصائص تجعل الشخص بالغًا؛ إذ تشير نسبة 100% إلى الموافقة، و0% إلى عدم الموافقة، واتفق المشاركون على أن الخصائص النفسية -باللون الأزرق الداكن في الرسم البياني- تحدد سن الرشد أكثر بكثير من الأحداث الاجتماعية والديموغرافية، أو العلامات القانونية للبلوغ، كلاهما باللون الأزرق الفاتح. المصدر: ميغان رايت.
كيف يشعر الناس تجاه بلوغهم سن الرشد؟
تضمنت الدراسة سؤال المشاركين عما إذا كانوا يرون سن الرشد والبلوغ بوصفها مرحلة إيجابية أو سلبية في الحياة، وذلك عن طريق قياس مواقفهم تجاه الرشد.
وجدنا أن المشاركين الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا فأكثر كانت لديهم أكثر المواقف إيجابية تجاه بلوغهم سن الرشد في دراستنا، ووافقوا على عبارتي: “مرحلة البلوغ هي مرحلة مرغوب فيها” و”أنا أستمتع بكوني بالغًا”. أما المشاركون الذين تراوحت أعمارهم بين 18 و29 عامًا في دراستنا فقد كانت آراؤهم الأكثر سلبية؛ إذ اعتقدوا أن مرحلة البلوغ “مرحلة غير مرغوب فيها” في حين اتفقوا مع عبارة: “أنا لا أستمتع بكوني بالغًا”. وشكلت نسبة 25% من المشاركين في دراستنا مواقف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و77 عامًا تجاه مرحلة البلوغ، والتي كانت أكثر إيجابية من مواقف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا.
تمثل المرحلة العمرية من 18 إلى 29 عامًا نقطة خاصة في نمو البالغين، ويطلق عليها مرحلة الرشد الناشئ، وهي مرحلة عمرية مرتبطة بمشاعر عدم الاستقرار والحيرة والبحث والاستكشاف، وقد يعاني هؤلاء البالغون أو يقاومون الانتقال إلى مرحلة البلوغ؛ لأنهم لا يشعرون بالانتماء إلى فئة البالغين. وجدت إحدى الدراسات الحديثة أن وجود ما يسمى بـ “الإحساس بالرشد”، أو الشعور بالانتماء إلى فئة البالغين، يؤدي إلى رفاهية أفضل، ولذلك، فإن الطريقة التي نشعر بها حيال حالتنا كوننا راشدين قد تؤثر على سعادتنا.
تنبأت المواقف تجاه سن الرشد في دراستنا بحالة البلوغ؛ أي أن الأشخاص الذين لديهم مواقف أكثر إيجابية تجاه سن الشد كانوا أكثر عرضة للتفكير في أنفسهم بصفتهم بالغين، بصرف النظر عن أعمارهم أو جنسهم، وكانت هذه العلاقة بين المواقف الإيجابية تجاه سن الرشد والشعور بالبلوغ قائمة لدى الأشخاص المتزوجين أو غير المتزوجين، والذين لديهم خمسة أطفال أو ليس لديهم أطفال، ويشير هذا إلى أنه إذا كان الناس يعتقدون أن مرحلة البلوغ هي مرحلة إيجابية في العمر، فمن المرجح أن يشعروا بأنهم بالغون.
تعدّ هذه النتيجة أساسية؛ لأن المواقف تجاه مرحلة البلوغ قابلة للتغيير، أي أنها قد تتغير، وتقترح دراستنا أن تعزيز المواقف الإيجابية تجاه سن الرشد يمكن أن يزيد من حالة الأشخاص بوصفهم راشدين، وإذا أثبتت الأبحاث المستقبلية أن حالة الشخص الذاتية بوصفه راشدًا مرتبطة بالرفاهية، فيمكن استخدام المواقف تجاه مرحلة البلوغ في التدخلات لتحسين حالة الشباب الذاتية بوصفهم راشدين، وبالتالي رفاهيتهم.
إذن، ما الذي يجعل الشخص بالغًا؟
تُظهر الأبحاث أن مرحلة البلوغ هي أكثر من مجرد تسميات اجتماعية وديموغرافية مثل الموظف والزوج والأب، فهي مرحلة غنية وديناميكية ومجزية في الحياة تتميز بالتغير النفسي المستمر، ويمكن أن يكون للشعور بالنضج تأثير إيجابي على رفاهيتك، بصرف النظر عما يعنيه ذلك بالنسبة لك.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة سيكولوجي توداي).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.

الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.