تقديم ([1]) :
قلنا في مقالة سالفة إن متن الجمهورية مقسم – وفق تقليد ثراسيل – إلى عشرة كتب؛ التي من الملاحظ أن موضوعها الأبرز هو المسألة السياسية. وقد طرقها أفلاطون بعد أن عايش أنظمة مختلفة خيبت آماله. فبالنسبة للحكم الأوليغارشي كان أفلاطون شاهد عيان في أثينا على اختلال “حكومة الثلاثين”، التي كانت حكمًا طاغيًا. وقد كان ذا حصافة وبصيرة عندما دُعي من تلك الحكومة لكي يتسلم منصبًا سياسيًا، فرفض. كما كان شديد المعارضة للحكم الديموقراطي الذي أعدم أستاذه سقراط، حيث لم يرَ في الديموقراطية سوى حكم الغوغاء… فانتهى إلى الاقتناع بأن لا سبيل لحل المشكلة السياسية الإغريقية إلا بأن تحكم الفلسفة، ولا طريق إلى ذلك إلا بأن يستلم الفلاسفة الحكم أو يصير الحكام فلاسفة بفضل التعليم.
لكن القضية في هذا المتن ليست مجرد دفاع عن وجوب شخصية فلسفية تستلم الحكم، بل ثمة برنامج سياسي يعتزم أفلاطون بيانه بالتفصيل. لذا نراه في “الجمهورية” حريصًا على تقديم برنامج مجتمعي موسع يُبَيِّنُ أدق مفاصل الدولة وقوانينها؛ فقدم بذلك صورة للدولة المثالية التي ينبغي أن تقوم في الواقع. غير أن النصّ لا يخلو من عبارات تفيد استعصاء تنزيل هذه الصورة المثالية.
يشير أفلاطون في الكتابين الثاني والثالث إلى أن هذه المدينة المثالية لا وجود لها في الواقع ولا سبق لها أن وجدت خلال التاريخ، ولذا لابد من أن تؤسس بالتنظير والتخييل. فينساق الحوار خلال الكتب اللاحقة (الرابع والخامس والسادس والسابع) نحو بيان ملامح فئات مدينة العدل، والصفات الواجب توفرها في حكامها، والبرنامج التربوي والتعليمي الذي يجب أن يؤطرها…
وبما أنه بأضدادها تعرف الأشياء، فلن تعرف قيمة المدينة الفاضلة إلا باستحضار نقيضها. لذا توسع أفلاطون في الكتابين الثامن والتاسع، في بيان نظم المدن غير العادلة، وبيان الاختلالات التي تؤدي إلى زوالها.
وبعد أن استوى وصف المدينة العادلة، وتحديد نظمها وقيمها، كان لا بد من نفي ما يخدشها. ومن ثم يؤكد أفلاطون في الكتاب العاشر على وجوب استبعاد الشعراء؛ لأن في المعرفة الفلسفية غَنَاءً عن الشعر.
وهكذا يتبين من ظاهر متن الجمهورية مركزية مفهوم العدل، وذاك ما سوّغ لثراسيل أن يضيف اللفظ (في العدالة) إلى العنوان الأصلي للمتن (بوليسيا) كتسمية فرعية لموضوعه. هذا وإن كانت مداخل التأويل قادرة على مغايرة اجتهاد ثراسيل بالإلماح إلى أحد الموضوعات الأخرى بوصفه أدل على مقصد أفلاطون وغرضه. وهنا يمكن أن نقتصر على الإشارة إلى أحدث القراءات التأويلية المعاصرة، أعني بها قراءة أندري لاكس الذي أشار إلى أن موضوع “الجمهورية” ليس المدينة/الدولة، بقدر ما هو “التوتر بين المدينة والفلسفة” ([2])، أي أن مقصد أفلاطون هو معالجة إشكالية وضعية الفيلسوف في المدينة.
إن علاقة الفلسفة بالمدينة موضوع حاضر بقوة في المتن الأفلاطوني، وهو ما حدا بتشكيل تأويلات أخرى تدور في هذا المدار، منها على سبيل المثال تأويل ماريو فيجيتي Mario Vegetti الذي يقول بأن أفلاطون يحاول في “الجمهورية” ” أن يجيب عن سؤالين اثنين هما:
- ما الذي يجب على الفلسفة أن تفعله من أجل المدينة؟
- وما الذي يجب على المدينة أن تفعله من أجل الفلسفة؟” ([3])
اختلاف تأويلي مشروع؛ لكن يمكن للقارئ المنتهج لتأويل ثراسيل أن ينافح عن أولوية موضوع العدل بالقول بأن المطلب الظاهر في المتن هو المدينة العادلة، حيث يبدو مفهوم العدل كموضوع للسجال الدلالي بين المتحاورين لتحديد معناه وكيفية تحقيقه في المدينة/الدولة. ومنتهى الحوار هو أنه لن يتمكن من إدراك دلالة العدل إلا الفيلسوف، ولن يستطيع إنجازه في الواقع السياسي إلا هو.
لكن أليست هذه الأطروحة متعارضة مع التصور الأفلاطوني للفيلسوف الذي يترفع عن جزئيات الحياة إلى الدرجة التي تجعله لا يعرف حتى التفاصيل اليومية القريبة منه؟
فكيف برر أفلاطون صيرورة الفيلسوف إلى حاكم يدير مدينة بجميع تفاصيلها وإشكالاتها الجزئية؟
لنفصل قليلًا في قراءة المتن.
-1-
نحن الآن في القرن الخامس قبل الميلاد، على أطراف مدينة أثينا في بيت تاجر السلاح كيفالوس ([4]). أجل كان من عادة أفلاطون في بناء نصوصه الحوارية أن يشير إلى الأمكنة التي تجري فيها، وتسمية حتى أصحاب البيوت التي تستضيف جلسات الحوار. ومن عادته أيضًا أن يجعل أثينا هي المحل([5])، لكنه في هذه المحاورة، نلقاه يدفع بالمكان قليلًا ليجعله في ال”بيرايوس”، أي تلك المنطقة التي تقع خارج أثينا، أو بالضبط عند بوابتها البحرية التي هي منطقة تجارية، حيث لا يسكن المواطنون الأثينيون بل يسكنها الميتيكيون Metics ([6])، أي أولئك الأجانب الذين وفدوا على أثينا واستوطنوا في هامشها مشتغلين بالتجارة والصناعات الحرفية.
وتموضع المحاورة هناك نراه أمرًا حافزًا للاستفهام، إذ لماذا جعل أفلاطون حوارية “الجمهورية”، التي هي سجال سياسي، تجري خارج المدينة لا داخلها ! ثم أكثر من ذلك، لماذا جعل المحاورة تجري داخل بيت ميتكي لا بين جدران بيت أثيني؟!
هل كان بذلك يشير إلى خطر استعمال المال في التأثير السياسي، وقدرة الغريب على اكتساب النفوذ والتأثير وإن لم يكن مواطنًا (والمثال هنا الثري كيفالوس([7])، وابنه بوليمارخوس ([8]) الذي سيكون أحد المشاركين في ثورة الثلاثين) ؟!
ثم إضافة إلى الحوار العابر الذي تبدأ به “الجمهورية” بين سقراط وكيفالوس، نلقى في المحاورة جمعا من الشخوص بعضها ناطق مشارك، وآخر صامت يراقب الحوار الذي يدور بين سقراط ومساجليه. وإذا نظرنا إلى مبدأ الحوار، سنلحظ أن المحادثة تنطلق أولًا بين سقراط وصاحب البيت، ثم سيستلم الحوار ابنه بوليمارخوس، قبل أن يتدخل ثراسيماخوس في الأخير. أي لدينا في الكتاب الأول ثلاثة شخوص ([9]) تتعاقب على الحوار مع سقراط. وفي ترتيب ظهورها يلحظ بعض الشراح أن ثمة منطقًا محركاً لتَتَالِيهَا في السجال، وهو أن كل شخصية لاحقة تظهر ما تضمره الشخصية السابقة، إلى أن يأتي ثراسيمخاوس فيكشف عن الفكرة بكل فجاجة وسفور، أي فكرة العدالة كقوة لا تَمْتَثِلُ لأي قيمة أخلاقية. لكنه عجز عن إثبات مشروعية أطروحته؛ فظل تحديد دلالة مفهوم العدالة عالقًا.
وإذا كانت الشخصية المحورية التي جادلت الفيلسوف في الكتاب الأول هي السوفسطائي ثراسيماخوس، فإنه بدءًا من الكتاب الثاني حتى العاشر سيكون المحاوران الرئيسان لسقراط فردين من أسرة أفلاطون، هما أخويه غلوكون وأديمانتيس، مع حضور عابر لثراسيماخوس في الكتاب الخامس.
-2-
يبدأ الكتاب الثاني (357أ-445 هـ) باستعادة لذلك السؤال العالق (ما العدالة؟)، للتباحث فيه من جديد، مع تغيير في شخوص المحاورة، حيث كما سبق أن أشرنا، سيكون المحاوران الرئيسان لسقراط هما الأخوان غلوكون وأديمانتيس. والدور الذي سيقومان به هذان التلميذان السقراطيان ([10]) هو استعادة أطروحة السوفسطائي ثراسيماخوس، والدفاع عنها، ليس اقتناعًا بها ولكن مشاكسة لسقراط قصد مزيد بيان نقده للأطروحة السوفسطائية؛ ولكي يقدم أطروحته البديلة.
يبدأ غلوكون بتقديم تمييز بين ثلاثة أصناف من الخيرات ([11]):
- خيرات تطلب لذاتها،
- وخيرات تطلب لذاتها، وكذا لما تقدمه من فوائد،
- ثم ثالثًا خيرات تطلب لفوائدها لا لذاتها.
وبعد هذا التمييز يستفهم غلوكون عن طبيعة العدالة، إلى أي صنف من الأصناف الثلاثة تنتمي ([12])؛ فيجيب سقراط بأنها من خيرات الصنف الثاني، أي التي تطلب لذاتها ولما تحققه من فوائد. لكن غلوكون يُذَكِّر سقراط بأن أكثرية الناس تتجنب العدالة لذاتها، ولا تطلبها إلا حينما تكون مفيدة لهم. وفائدة العدالة على العموم هي تحقيق الأمن لمواطني المدينة/الدولة. أي إن العدالة هي فقط وسيلة اصطنعتها المدينة لكي تمنع تعدي بعض مواطنيها على بعض ([13])؛ لأن الناس لا يمتثلون للعدالة تلقائيًا، بل يمتثلون لها خشية العقوبة، أو بسبب العجز عن ممارسة الظلم. وفي هذا السياق يستحضر غلوكون أسطورة جيجيس Gygès ذلك الراعي الذي عثر على الخاتم السحري، الذي مكنه من التخفي؛ فقتل الملك وتزوج الملكة ([14]).
وقياسًا على ذلك يقول: “هب أن لدينا من هذا الخاتم اثنين، استحوذ على أحدهما العادل، وعلى الآخر الظالم. فمن المحال أن نجد من توافرت له من العزيمة الحديدية ما يجعله يثبت على العدالة. ولن تجد مخلوقًا تعفّ يده عَمَّا لا يملك، إن كان في وسعه أن يستولي دون أن يخشى شيئًا، على ما يشتهيه من السوق، أو يتسلل إلى البيوت ويضطجع مع من يشاء كما يهوى… عندئذ تصبح أفعال العادل مماثلة لأفعال الظالم، وينتهيان معًا إلى نفس النتيجة. وهذا في رأينا خير دليل على أن العادل لا يكون عادلًا باختياره، أو لأنه يرى العدالة خيرًا له بوصفه فردًا، وإنما هو عادل رغم أنفه. إذ أنه حيث يبدو له اقتراف الظلم مأمونًا، يغدو بالفعل ظالمًا. فالجميع يؤمنون في قرارة نفوسهم بأن الظلم أنفع للفرد من العدل. ولا جدال في أن هذا صحيح.” ([15])
وحياة الظالم – يقول غلوكون – تبدو أنجح من حياة العادل ([16]). وهي الفكرة التي سيعالجها من زاوية أخرى أديمانتيس ([17])، مستحضرًا تناقضات الشعر الديني في بيان حال العادل بعد الموت. وإزاء هذه الالتباسات يترجى أديمناتيس سقراط بأن يقدم مفهومه للعدالة ([18]). فكانت أول إشارة قدمها الفيلسوف هي رفضه للأطروحة التي تغفل عن الأصل الطبيعي للعدالة، وتختزلها إلى مجرد أداة مصطنعة لتحقيق فائدة ما. وفي هذا الربط بين العدالة والطبيعة، توكيد أولي للمنهجية التي سيتناول بها أفلاطون العدالة لاحقًا، حيث سيبين أن نظام المدينة /الدولة لا يجب عليه سوى أن يعكس الطبيعة، إذ في عملية الانعكاس هذه تتحقق العدالة.
وتأسيسًا لهذا المسار في التفكير، يبدأ سقراط بالاعتراض على طريقة البحث، مؤكدًا أنه ليس بذي فائدة أن نستحضر أسطورة جيجيس، ولا أن نوغل في تعداد فوائد العدالة أو مضارها على فرد من الأفراد، لذا بدلًا عن بحث العدالة من زاوية فردية، ينبغي أن تُبحث من زاوية الجماعة/ المدينة؛ لأن فرصة تَبَيُّنِ دلالتها على صعيد أكبر (المدينة) أقرب من فرصة تبينها على صعيد أصغر (الفرد).
يقول سقراط مستفهما: أليست الكلمات المكتوبة بخط كبير مرئية بشكل أفضل وأوضح من تلك المكتوبة بخط صغير؟!
إذن ينبغي أن “نبحث عن طبيعة العدالة أولا كما تتبدى في الدولة، ثم نبحثها بعد ذلك في الفرد، فننتقل من الأكبر إلى الأصغر، ونقارن بين الاثنين”([19]).
-3-
لدراسة العدالة على مستوى جمعي؛ يبدأ سقراط من حيث يكون البدء، أي من الاستفهام عن السبب الذي يضطر البشر إلى أن يعيشوا مجتمعين. وحاصل جواب هذا السؤال هو أن الدافع إلى التجمع وتأسيس مدن هو عجز البشر عن سد حاجاتهم إذا ما عاشوا منفردين. ولذا يجتمعون ليتقاسموا العمل، بحيث يتخصص كل فرد في مهنة محددة.
وهكذا يتخصص البعض في الحرف والمهن وآخرون في الزارعة، بينما يتخصص البعض في الدفاع عن المدينة وحمايتها. وكل وظيفة من هذه الوظائف تتطلب تربية خاصة تمكن المتعلم من أداء دوره في العيش الجمعي.
وعلى سبيل النظر النقدي في السائد التربوي في المجتمع الاغريقي يلاحظ سقراط أن المحتوى التربوي لبعض أشعار هوميروس وهيزيود وأيسخيلوس مثقلة بالمعاني اللاأخلاقية التي تفسد ولا تصلح. وأنه لا بدّ من الاحتراس من إذاعتها على الأطفال. ومن تلك المعاني الصورة التي تقدم بها الألوهية، إذ ليس ثمة أي أثر طيب في نفسية الطفل بحديث هيزيود عن الإله كرونوس الذي عاقب أباه أورانوس بأن قطع خصيته بمنجل!
وعليه، لابد للمدينة لكي تترقى تربويًا من أن يضع حكيمها “القوالب العامة التي يجب أن يصب فيها الشعراء أقاصيصهم، ويضع لها الحدود التي ينبغي أن نلتزمها في الكلام عن الآلهة”([20]). ومن ثم يجب تصحيح صورة الألوهية ([21])، بأن تقدم بصفات الكمال.
ويتابع أفلاطون في الكتاب الثالث بحث المحتوى التربوي فيشدد في نقد الشعر الميثولوجي الذي يصف الآلهة بتوصيفات قدحية. ويستحضر في بداية هذا الكتاب تلك الأشعار الواصفة لـ”هادس” (مملكة الموتى) وما فيها من فظاعات؛ مؤكدًا وجوب تجنب استحضارها في الحديث إلى الأطفال؛ وذلك لأن الأثر التربوي لتلك الأشعار هو تكوين نفسية وجلة مضطربة جبانة، وذلك أمر بالغ الخطورة بالنسبة للمدينة، إذ يفقد أهلها فضيلة الشجاعة ويجعلها عرضة لتغول العدو الخارجي.
ثم لابد للمدينة أيضًا من أن تحرص على استدخال الرياضة البدنية والمهارات العسكرية ضمن برنامجها التربوي، لتربية النشء وتأهيله لأداء دوره.
والقصد من هذه التربية هو الصحة البدنية. وهذا يتطلب انتقاءً طبيعيًا؛ لأن ضعاف البنية من الأطفال وبال على المدينة ولا حاجة لها بهم. وكما أن القاضي يحكم بالإعدام على المجرمين ذوي النفوس الشريرة، فإنه “لا مانع من أن نترك ذوي الأجساد السقيمة يموتون” ([22]) !
إن الأدوار متنوعة، إذ كما سلف التوكيد أن البشر ما تجمعوا في مدن إلا لأنهم عاجزون عن سد جميع الحاجات. وهكذا لابد للمدينة من توزيع دقيق للمهام والوظائف، بحيث تكون هناك فئة تختص بالحكم، وأخرى تختص بالدفاع، وفئة ثالثة تختص بإنتاج المنافع المادية (فلاحين وصنّاع). أما فئة الحكام وفئة الجنود فلا يجب أن يتملكوا ملكيات خاصة، بل تمنحهم المدينة حاجاتهم ليتفرغوا لأداء دورهم القيادي.
ولتبرير هذا التوزيع وتمايز اختصاصات فئات المجتمع، يستحضر سقراط أسطورة فينيقية تفيد بأن البشر صنعوا من خليط من المعادن (ذهب، فضة، حديد، نحاس)؛ للتوكيد على أنهم مؤهلون بالطبيعة لأداء أدوار ووظائف مختلفة.
-4-
بعد هذا الإيضاح نلقى سقراط في الكتاب الرابع يهتف فجأة وكأنه وجد شيئًا ثمينًا:
“مرحى يا جلوكون! يبدو لي أننا قد اهتدينا إلى الأثر الذي سنقتفيه … وأن العدالة لن تفلت من أيدينا… إنها كانت أمامنا منذ وقت بعيد … ولكنا لم نرها. إن حالنا ليدعو إلى السخرية حقًا، وكأننا شخص يبحث طويلًا عن شيء يمسك يه في يده.
- ماذا تعني؟
- كنا ندرك العدالة منذ وقت طويل دون أن ندرك أننا إنما نتكلم عنها …فنحن قررنا وأكدنا مرارًا أن على كل فرد أن يؤدي وظيفة واحدة في المجتمع، هي تلك التي وهبته الطبيعة خير قدرة على أدائها.”([23]). و”إذا اقتصرت كل من الطوائف الثلاث: الصناع والمحاربين والحكام على مجالها الخاص، وتولت كل منها العمل الذي يلائمها في الدولة، فهذا… هو العدل، وهو ما يجعل الدولة عادلة.” ([24])
هكذا يقدم أفلاطون تعريف مفهوم العدالة بوصفها التزامًا وتنفيذًا لما تقتضيه الطبيعة. ومن ثم فالتقسيم الطبقي نظام طبيعي لا يجوز التلاعب به إن أردنا الانتظام السليم للمدينة. ولذا نفهم سبب نقده للنظام الديموقراطي؛ إذ يعتقد أنه مناف للطبيعة البشرية؛ حيث أن البشر بحكم تكوينهم الطبيعي متفاوتون في القدرات والطبائع، فمنهم من لا يليق به إلا أن يحكم، ومنهم من خلق للجندية وحماية المدينة، ومنهم من هو مؤهل للعمل اليدوي.
وجوهر العدالة هو المحافظة على تلك الطبقية، أي أن يعمل الفرد ما هو مؤهل له بحكم طبيعته.
وفي سبيل مزيد بيان هذا النظام الطبيعي، وبعد أن حدس الفكرة من خلال بحث المدينة/الدولة، عاد سقراط/أفلاطون إلى بحث الفكرة على مستوى طبيعة الفرد؛ هذا مع موافقته على إيراد غلوكون للمثل الشائع: “إن الأشياء القيمة صعبة المنال دائمًا” ([25])، أي أن بحث طبيعة النفس البشرية موضوع صعب.
ولمباشرة البحث النفسي، يبدأ سقراط بتحديد الفضائل الأخلاقية للمدينة؛ حيث يقول بأنها أربع فضائل هي: العفة، والشجاعة، والحكمة، والعدالة. وتلك الفضائل الثلاث الأولى تقابل على مستوى الفرد ثلاثة أجزاء مكونة لنفسيته وهي: الرغبة، والغضب، والعقل. أي إن “النفس أيضًا شأنها شأن الدولة التي تشتمل على طبقات ثلاث هي الصناع والمحاربون والحكام.”([26]).
وكما أن عدالة المدينة تتحقق بأن يسيطر الحكام العقلاء على الجند والصناع، فكذلك النفس العادلة هي التي يتحكم عقلها في الرغبة والغضب.
وإذا كانت فضيلة العدالة تتحقق في بنية الفرد بالانسجام بين المبادئ الثلاثة؛ فكذلك الحال على مستوى المدينة. وكما أن لكل قسم من أقسام النفس الفردية فضيلة تقابلها، فالشأن ذاته في فئات المجتمع: حيث أن “الحكمة” هي فضيلة طبقة الحكام، و”الشجاعة” فضيلة طبقة الحراس (الجند)، و”العفة” فضيلة الصناع والفلاحين.
أما الفضيلة الرابعة، أي العدالة؛ فهي أن يقوم كل فرد بما هو مؤهل له ومناسب لطبيعته. إذ بذلك يتحقق انسجام المدينة وتكاملها.
-5-
بعد بحث قيمي لنظام المدينة، وتحديد فضائلها، نلقى سقراط في بداية الكتاب الخامس، حريصًا على أن ينتقل إلى التفكير في كيفية حفظ المدينة واستمرار وجودها، أي بحث مؤسساتها. لكن بناء على طلب من بوليمارخوس وأديمانتيس وغلوكون، ثم من ثراسيماخوس ([27]) أيضًا، سيضطر إلى الاستجابة لمطلب الحضور والحديث في شأن وضعية النساء والأطفال داخل المدينة العادلة.
وهنا يقدم أفلاطون آراء بالغة الطرافة، حيث يتحدث عن النساء دون تمييزهم جوهريًا عن الرجال، إذ يرى بأنهن يجب أن يتلقين ذات التربية، ومن ثم يتولين ذات المناصب، مع الأخذ بعين الاعتبار ضعف بنيتهن الجسدية. أما حصر وظيفية المرأة في إدارة البيت فهو ليس مُبَرَّرًا.
أجل: “إن طبيعة المرأة … مختلفة عن طبيعة الرجل، ومع ذلك فنحن نُصِرُّ على أن تقوم هاتان الطبيعتان بنفس الأعمال.”([28])؛ لأن ” هناك … نساء وهبن القدرة على الرياضة البدنية والحرب…ونساء محبات للحكمة … ونساء يتصفن بالشجاعة.” ([29])
وعليه فإن” المرأة قادرة بطبيعتها على كل الوظائف، وكذلك الرجل، وإن تكن المرأة في كل شيء أدنى قدرة من الرجل.”([30])
وبما أن الطبقات تختلف اختصاصاتها، فلابد من تميز وضعية المرأة أيضًا بحسب موضعها الطبقي. وهكذا فوضعها في طبقة الجند يجب أن يكون مشاعًا؛ إذ لا يجب لأي واحد من طبقة الجند أن تكون له امرأة معينة يرتبط بها وترتبط به. ولهذا حتى الأطفال الذين يولدون من نساء الجنود يجب أن يكونوا مجهولي الأب، ليتحقق وجودهم كأطفال للمدينة ككل. وبهذه المشاعية يتحقق للدولة مقوم الوحدة الحقة، فتتصرف وكأنها جسد واحد.
أما عن كيفية التزاوج فيذهب أفلاطون إلى حد ضبط سن الزواج وتوقيت الجماع! بل نراه يفكر في التوالد البشري بذات الطريقة التي يتم بها ضبط توالد الحيوان، وهو ما يصرح به في الفقرة (459أ) قائلًا:
“يا جلوكون … إنني أرى في بيتك عديدًا من كلاب الصيد والطيور الأصيلة … ألا يوجد بين هذه الحيوانات ذاتها ما هو خير من الباقين…؟
- بالطبع.
- فهل تسمح بأن يتناسل الجميع دون تمييز، أم أنك تحرص على أن يتناسل أصلحها فحسب؟
- الأصلح.”([31])
إن من مقومات حفظ المدينة انتقاء التجانس للتوالد؛ وعليه لا ينبغي التكثير من الأطفال الضعفاء، بل لا يجب أن يعطى لهؤلاء حتى الأسماء. إذ التركيز يجب أن يكون على الاهتمام بالأقوياء وتسهيل نموهم وتوالدهم ليتكاثروا، حتى تتقوى المدينة بهم ([32]).
وكأن أفلاطون أحس أن في أفكاره هذه صرامة زائدة تجعلها صعبة التنزيل، نجده يعترف بصعوبة الجزم في شأن إمكان تطبيقها في الواقع، لكنه مع ذلك يُقِرُّ بوجود وسائل يمكن أن تقرب الفكرة من التجسيد وأهمها هو أن يصل الفيلسوف إلى الحكم.
وعند هذه اللحظة من الحوار، يطرح الاستفهام:
من هو الفيلسوف؟
-6-
ينتقل سقراط/أفلاطون إلى البحث عن الخصيصة المميزة للفيلسوف عن غيره؛ فيلقاها في تجاوزه للحسي إلى الشيء ذاته، بينما يهتم غيره بجزئيات الحياة الحسية ومنافعها المادية. ولذا فنمط المعرفة عند الفيلسوف مختلف عن نمط التعرف الذي ينهجه الانسان العادي. حيث أن معرفة الأول “علم”، ومعرفة الثاني مجرد “ظن”. أي إن معرفة الفيلسوف هي “فيلو – صوفيا”؛ بينما معرفة الانسان العادي هي “فيلو – دوكسا”.
لكن في بداية الكتاب السادس نلقى أديمانتيس يعترض على التقريظ الذي قدمه سقراط في حديثه عن الفيلسوف، قائلًا بأن الفلاسفة يظهرون بلا فائدة للمدن التي يعيشون فيها ([33])، حيث أن :”… الواقع الفعلي يثبت بوضوح أن كل من تفرغ للفلسفة، ظل عاكفًا على دراستها أطول مما ينبغي، بدلًا من أن يكتفي بدراستها في حداثته بوصفها جزءًا من تعليم عام ثم يدعها بعد ذلك جانبًا، أقول إن كل من فعل ذلك يبدو في نظر معظم الناس مخلوقًا شاذًا بحق، إن لم يصبح بغيضًا إلى نفوسهم، على حين أن أولئك الذين يبدون أعقل الناس لا يجنون من تلك الدراسة التي أطنبت في مدحها سوى العجز عن خدمة الدولة “([34]).
لكن سقراط يجيبه بأن الفلاسفة لا يصيرون بلا فائدة بالنسبة للمدن التي يعيشون فيها إلا بسبب أن تلك المدن تجاهلتهم، ولم تحاول أن تستفيد منهم ([35])، فحالة المدن/الدول السائدة حالة انحطاط وفساد، ومن ثم فإن:” الأمر يصبح مدعاة لمزيد من الدهشة لو كانوا مكرمين فيها”([36]).
واللوم في ذلك لا يقع على الحكماء/ الفلاسفة.
ثم يستفيض في بيان تربية الفيلسوف ونمط التعليم الذي يجب أن يتلقاه، كما ينتقد نقيض التفلسف أي السفسطة مبينًا خطر السوفسطائي وزيف معارفه. بينما الفيلسوف عاشق للمعرفة الحقة ” و… لا يقف عند تلك الكثرة من الأشياء التي يتوهم الناس أنها حقيقة، بل يظل يسعى وراء الحقيقة بلا كلل، ولا يفتر عشقه حتى يصل إلى ماهية كل شيء في ذاته.”([37]) وعلى رأس الماهيات جميعها ماهية الخير. أي تلك القيمة المتعالية التي يصعب تحديد معناها لذا لابد من تقريبها بتقنية التمثيل ([38]). وفي سياق ذلك التقريب قدم سقراط/أفلاطون في الكتاب السادس “مثالين” ([39]) اثنين هما “مثال الشمس” ([40]) و”مثال الخط” ([41]).
في المثال الأول يشبه وظيفة مبدأ الخير بوظيفة الشمس، إذ هو الذي يضيئ الوجود. وكما أن ضياء الشمس يكشف لنا خطأ تصورنا السابق لشيء ما سبق أن لمحناه في الظلام، فإن الخير يضيء لنا الحقائق، فيتبين الحق من الباطل. ولذا فالفيلسوف أحق بحكم المدينة؛ لأنه هو الذي له قدرة الرؤية الواضحة التي تمكن من حسن قيادتها. ولا يجب أن نتعداه لغيره، إذ إن فعلنا كنا كمن يعطي الأعمى وظيفة القيادة، بدل أن يعطيها للمبصر.
وفي المثال الثاني، مثال الخط، يقدم صورة لأربعة خطوط، اثنين منها من العالم المحسوس والأُخْرَيَيْن من العالم المعقول. والخيط الأول من خَطَّيْ عالم الحس يمثّل الظل، وانعكاس الأشياء المحسوسة، كظلالها على سطح الماء، وهو ما يناسب معرفة التخيل.
أما الخط الثاني فيمثل موجودات فزيائية حسية. وهو ما يناسب مستوى معرفة “الاعتقاد أو الإيمان”([42]). وحاصل المعرفة في هذين الخطين هما المعرفة الظنية.
أما الخط الأول من خَطَّيْ عالم المعقول فيمثل المعارف الرياضية، والحاصل منه هو “معرفة الفهم “.
بينما يمثل الخط الثاني “مجموع المثل”، وأعلاها فكرة الخير المطلق. وهذه هي المعرفة الفلسفية الجدلية، وهي معرفة التعقل، الذي تكون نتيجته هي اليقين.
وهكذا نلحظ أن المعرفة المعقولية نوعان، معرفة رياضية ومعرفة فلسفية جدلية. لكن مع فارق دقيق. حيث أن المعرفة الرياضية تظل دون مستوى العلم، لأنها في الأصل تستعمل صور و أشياء العالم الحسي. صحيح أنها في استدلالها لا تفكر في هذه الصورة الحسية المرسومة، بل في الصورة الأصلية، حيث أن الاستدلال لا يخص المثلث المرسوم، بل يخص المثلث في ذاته؛ لكن رغم ذلك يظل نمط الاستدلال في الرياضيات دون مستوى علمية المعرفة الفلسفية الجدلية، لأن التفكير في الرياضيات يترقى من مسلمة إلى أخرى حتى يصل إلى النتيجة. فتبقى في مبتدأ الرياضيات مسلمات لا ترقى إلى مبدئها.
أجل إن الجدل قد يبدأ من مسلمات أو فرضيات، لكنه يترقى حتى يصل إلى مبدأ يقيني مطلق وليس مجرد فرض. وهنا تكون للفيلسوف إمكانية منهجية أخرى، إذ بدل الجدل الصاعد يمكنه انتهاج الجدل النازل الذي يستنبط من المبدأ اليقيني الأعلى.
وهكذا فإن الذي ينقص المعرفة الرياضية لتصير علمًا حقًا هو أساس يقيني غير افتراضي. وذاك ما يتوفر للفلسفة، وهو ما يجعلها علمًا.
-7-
بعد أن بَيَّنَ في الكتاب السادس من يحق له الحكم (أي الفيلسوف)، وسبب امتيازه بهذه المهمة، أي اقتداره على إدراك الحقيقة، يبتدئ أفلاطون الكتاب السابع بمجاز أو أسطورة ([43]) الكهف (من الفقرة (511 أ – حتى الفقرة رقم 517 أ)، التي يقرب بها فكرة التقابل بين عالم المثل وعالم الحس. والوضع الصعب الذي يوجد فيه الفيلسوف. الذي قد يصل مصيره إلى الإعدام، مشيرًا بذلك إلى تجربة سقراط الذي أراد تحرير مجتمعه من المعرفة الخاطئة، وترقيته إلى المعرفة الفلسفية.
لكن رغم خطورة ممارسة الفلسفة في مجتمع جاهل، فإن ذلك لا يلغي وجوب أداء تلك الرسالة، بل نرى أفلاطون، بعد ضرب المثال السابق يؤكد وجوب التعليم الفلسفي. وهكذا فالفلاسفة الذين تمكنوا من رؤية مثال الخير، يجب أن ينزلوا إلى مساجين العالم الحسي؛ لأن من مقتضيات المدينة الفاضلة أن تسودها السعادة لا أن تبقى السعادة رهينة فئة محدودة ([44]). من هنا يؤكد مرة أخرى أن واجب الفلاسفة أن يحكموا.
وإيجاد الفلاسفة يحتاج إلى تعليم فلسفي. وهكذا يتوسع أفلاطون في الكتاب السابع في إيضاح البرنامج التعليمي، حيث يقدم منهاجًا تعليميًا يتضمن معارف متنوعة منها الحساب والهندسة والفلك والموسيقى والجدل. لكن تلك المعارف على مراتب وانتظام زمني دقيق. فالعلم الفلسفي – حسب أفلاطون – لا ينبغي أن يعطى للأطفال؛ لأنهم بحكم السن غير مؤهلين لتلقيه ([45]). ولذا فتعليم الفلسفة لا يبدأ الا في سن الثلاثين ([46]).
ويمتد هذا التعليم لمدة عشرين سنة، وعندما يبلغ المتعلم سن الخمسين ([47]) يكون بذلك قد تأهل معرفيًا، ونضج ليؤدي وظيفة الحكم.
وهذا التركيز على التعليم يفيد بأن تأسيس المدينة الفاضلة ليس بالأمر السهل، ويتطلب تعليمًا وتربية صارمين.
-8-
في الكتاب الثامن يفصّل أفلاطون في بيان أنواع أنظمة الحكم. مميزًا بين خمسة أنواع جميعها فاسدة باستثناء واحد منها هو الحكم الأرستقراطي. أما الأنظمة الأربعة الفاسدة فهي: التيموقراطي، والأوليغارشي، والديموقراطي، والاستبدادي. ويرتب أفلاطون هذه الأنظمة وكأنها صيرورة متتالية، حيث لما يعجز النظام الأرستقراطي عن الحفاظ على استقراره يؤول إلى الانقسام، الذي قد يصل إلى حد نشوب حرب أهلية، فينشأ “النظام التيموقراطي “. ثم مع صيرورة الوقت يدب الخلاف، فينهار النظام التيموقراطي وينشأ نظام جديد هو النظام الأوليغارشي، الذي يقوم بفئة من الطبقة الحاكمة تسيطر بفضل قوتها الاقتصادية. ثم إن هذا النظام أيضًا له اختلالات تؤدي به إلى الانهيار، إذ تتسع فيه الهوة بين الفقراء والأغنياء؛ فينهار لينشأ بدلًا عنه “النظام الديموقراطي”، وهو نظام يعتوره اختلال جوهري، يتمثل في كون توزيع وظائف الدولة يتم فيه بالاقتراع لا بمعيار التميز والأهلية الطبيعية. وبانهياره يظهر النظام الاستبدادي الذي هو أسوأ أنواع الحكومات وأحطها. وهو النظام الذي يستعيده أفلاطون في الكتاب التاسع، حيث يقدم تحليلًا نفسيًا لشخصية المستبد، منتهيًا إلى أن سعادة المدينة تتحقق بسيادة العدالة، وبؤسها بسيادة الظلم.
-9-
بعد أن بَيَّنَ أفلاطون أنواع الحكومات، وأفاض في إيضاح ملامح المدينة الفاضلة التي يحكمها الفلاسفة، حان له أن يطرد منها ما يخدشها. وهكذا يخصص الكتاب العاشر لنقد نمط المعرفة الشعرية على نحو موصول بنظرية المثل التي عبر عنها سابقًا، فيحدد مرتبة الشعر في مستوى خافض، قائلًا بأنه لا يمكن أن يعبر عن الحقيقة، بل هو مجرد صورة شعرية للوجود الحسي وليس للوجود في ذاته ([48]).
وهو بهذا يجاوز المرتبة التي أكد عليها في الكتاب الثالث، حيث نقد الشعر من حيث مضموناته المعرفية والأخلاقية، أي نقد بعض الأشعار لا الشعر ذاته. بينما هنا تراه يقارب الشعر من حيث ماهيته كنوع من الزيوف والأوهام، أي قاربه إبستيمولوجيًا وليس أخلاقيًا فقط. فجوز لنفسه أن يطرد الشعراء من المدينة الفاضلة؛ لأنها مدينة المعرفة الفلسفية الحقة، ولا حاجة فيها إلى معرفة واهمة كالتي يذيعها الشاعر.
وبما أن الشعراء أساؤوا للآلهة وأساؤوا توصيفهم للعالم الآخر، فإن أفلاطون يختم بأن عالم ما بعد الموت، هو عالم يُجازى فيه الأخيار العادلين بجزاء حسن، ويعاقب فيه الأشرار. وللحجاج على ذلك يختم باستحضار أسطورة إر البامفيلي Er of Pamphylia ([49]) (614 ب – 621 د)، ذلك الجندي الذي مات في الحرب، ثم عاد إلى الحياة بعد اثني عشر يومًا، ليحكي ما رآه في العالم الآخر، حيث تحدث عنه كعالم ماورائي ترتحل اليه الأرواح لتتلقى جزاءها على ما فعلت قبل الموت. إنه العالم الآخر الذي يتم فيه الجزاء والعقاب بعدل.
[1] – في هذا الوجيز لن نستحضر محصول القراءات الفلسفية التي تفاعلت مع النص، ولن نوغل في العرض والموازنة بين اختلاف تأويلاتها، إنما القصد هو تقديم موجز نختصر به محتوى الكتاب فقط. هذا مع إدراكنا بأن نص الجمهورية هو من الغنى بحيث يجعل كل إيجاز محكومًا حتمًا بالنقص والاختلال.
[2] – André Laks,Médiation et coercition. Pour une lecture des Lois de Platon, Septentrion, 2005,p34.
[3] -Mario Vegetti ,Le règne philosophique, in Michel Fattal, La philosophie de Platon ,Harmattan ,Paris 2003,p12,et p265.
[5] – لعل ذلك بفعل كون الشخصية المركزية في محاورات أفلاطون هو سقراط. إذ معلوم أن هذا الأخير لم يكن يحبذ السفر، بل ليس لنا في النصوص القديمة أي إشارة إلى ارتحاله خارج أثينا، باستثناء ثلاث مرات كانت رفقة الجيش، حيث خاض ثلاث معارك أبان فيها عن شجاعة مدهشة. وعليه فرغم أن افلاطون كان له تجوال وأسفار خارج أثينا حيث زار صقلية وليبيا ومصر … فإنه لم يوطن أي محاورة من محاوراته خارج اليونان، بل التزم بالجغرافية المحدودة التي تحركت فيها الشخصية المركزية لمحاوراته أي سقراط.
[6] – الميتيكي في اللسان اليوناني يعني الشخص الذي غير محل سكناه. واصطلاحًا استعمل الاسم لنعت مرتبة وسطى بين الغريب والمواطن. فالميتيكي هو يوناني مقيم في غير مدينته، ولكنه لا يعد غريبًا كما لا يعد مواطنًا، إنما هو مقيم. وكان على الميتكي ضريبة خاصة يؤديها ليسمح له بالتجارة في الأغورا.
[7] – كان كيفالوس قد اكتسب ثروة كبيرة من تجارة الأسلحة؛ ومن ثم فالسؤال المتكرر في المتن عن علاقة الثروة بالسلطة لعله يشير ضمنيًا إلى هذه الوضعية.
[8] – بوليمارخوس أحد الذين سيعدمون في ثورة الثلاثين.
[9] – من بين المشاركين في المحاورة في الكتاب الأول أخ أفلاطون غلوكون، لكنها مشاركة عابرة اقتصرت على الضغط على ثراسيماخوس لكي يستمر في الحوار.
[10] – يمكن القول أيضًا إن ثمة فائدة مضمرة لهذا التبديل في الشخوص، فحضور غلوكون وأديمانتيس توكيد على أن من تتلمذ على سقراط متمهر على السجال أكثر من السوفطسائيين أنفسهم؛ هذا مع الحرص على الإيحاء بأن تلامذة سقراط يستعملون تقنيات السجال لمقصد تبيان الحقيقة لا التلاعب بها.
[11] – أفلاطون، الجمهورية، 357 ج – د.
[12] – أفلاطون، الجمهورية، 357 لج – 358 د
[13] – أفلاطون، الجمهورية 358 هـ – 359 ب.
[14] – أفلاطون، الجمهورية،359ب 360د.
[15] – أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، دار الوفاء، الإسكندرية 2004، ص216.
[16] – أفلاطون، الجمهورية،360 هـ – 362 ج
[17] – أفلاطون، الجمهورية، 362 د – 363 هـ
[18] – أفلاطون، الجمهورية، 366د – 367 هـ
[19] – أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، م س، ص 225.
[20] – أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، م س، ص 339.
[21] – أفلاطون، الجمهورية، 377د – 378هـ.
[22] – أفلاطون، الجمهورية، 408 د – 410 أ.
-[23] أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، م س ،ص 304.
[24] – أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، م س، ص 306-307.
[25] – أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، م س، ص 308.
[26] – أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، م س، ص308.
[27] – طيلة صيرورة الحوار الذي شغل الكتب الثلاثة (الثاني والثالث والرابع) نلاحظ أن ثراسيماخوس لزم الصمت، ثم فجأة ينطق في الكتاب الخامس بعبارة وجيزة يوافق فيها على مطلب بوليمارخوس وغلوكون وأديمانتيس!
[28] – أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، م س، ص 338
[29] – أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، م س، ص 330 – 331.
[30] – أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، م س، 330
[31] – أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، م س، ص335
[32] – يبدو لنا أن أفلاطون استلهم هنا الثقافة الإسبرطية، حيث كانت إسبرطة تذهب إلى حد قتل الأطفال الضعفاء، حتى يبقى النسل جيدًا.
[33] – أفلاطون، الجمهورية، 487 ب – 502 أ
[34] – أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، ص 371
[35] – أفلاطون، الجمهورية ،488أ – 489د
[36] – أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، م س، ص373.
[37] – أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، م س، ص374.
[38] – أفلاطون، الجمهورية ،504 هـ – 506 هـ
[39]– نستعمل لفظ المثال هنا بمدلوله اللغوي كوسيلة للتشبيه والتقريب، لا بمدلوله الأفلاطوني، أي كفكرة كلية ماهوية.
[40] – أفلاطون، الجمهورية ،507أ -509 د
[41] – أفلاطون، الجمهورية ،509 د – 511 هـ
[42] – أفلاطون، الجمهورية، ترجمة فؤاد زكريا، م س، ص 402.
[43] – الشائع في وسم هذا المثال الأفلاطوني هو “أسطورة الكهف”. لكن إن أردنا التدقيق لغويا فالأصوب هو وسمها ب”مجاز” لا ب”أسطورة”؛ لأن لهذا اللفظ الأخير مدلول خاص، لا يتوفر في ذلك المثال المتخيل.
[44] – أفلاطون، الجمهورية، 519 ج – هـ
[45] – أفلاطون، الجمهورية 536 د – 537 ج
[46] – أفلاطون، الجمهورية 537 د – 539 هـ
[47] – أفلاطون، الجمهورية 539 هـ.
[48] – أفلاطون، الجمهورية، 595 أ – 608 ج.
[49] – من العناصر التي ترد في الأسطورة، يتضح أنها أسطورة مثقلة بالدلالات الأورفية والفيثاغورية.