كتب غوته في شبابه: «لا يتعلّم المرء شيئًا سوى ما يحبّه، وكلما كانت المعرفة أكثر عمقًا وأكثر اكتمالًا، كان الحُبّ أقوى وأكثر حيوية، بل هو الشغف بعينه». كرَّر هذه الفكرة طوال حياته بعدة طُرقٍ مختلفة وفي سياقاتٍ لا حصر لها. وهذا ما يجعلنا نستحضر العبارة الشهيرة لليناردو دافشني في دعم وجهة النظر هذه: «كلّ حُبٍّ عظيم؛ هو ابنُ معرفةٍ عظيمة».
اتفق الشاعر الألماني مع عبقرية عصر النهضة – يتفق أيضًا الفيلسوف الإيطالي جيوردانو برونو (Giordano Bruno1)، مع مذهب ليوناردو عن الحُبّ البطولي – في أنّ علاقة الحُبّ والمعرفة علاقة عميقة وتبادلية، يشكل فعل الحُبّ أساسًا للمعرفة لدى غوته، أما بالنسبة لليوناردو تشكّل المعرفة أساسًا لفعل الحُبّ. ومع ذلك، كلاهما يختلف – بحسب ما أرى – مع الحكم البرجوازي الحديث القائل بأنّ الحُبّ يجعل من «المرء أعمى»، بدلاً من أن يُبصر، ولذا لا يمكن اكتساب كل المعرفة الحقيقية للعالم إلاّ بضبط النفس من خلال كبح المشاعر، تزامنًا مع تجاهل الاختلافات في قيمة الأشياء بين التجربة الذاتية والتجارب الأخرى القائمة بالفعل، هذا التناقض الذي يظهر في التاريخ الحديث باعتباره الخلاف القديم بين «الهاوي والمتخصص».
ومع ذلك، لا أحد غير بليز باسكال (Blaise Pascal)، في حديثه عن آلام الحُبّ، يجرؤ على مواجهة هذا الحكم الذي ساد منذ عصر التنوير، بجملةٍ تبدو غير قابلة للتصديق عندما قال: «الحُبّ والعقل شيءٌ واحد». هنا يظهر الرأي الأعمق لباسكال أنه في مسار الحُبّ وصيرورته، لا يكشف لنا سوى الأشياء التي تُعرض على الحواسّ، التي يحكم عليها العقل فيما بعد.
حتى سبينوزا الذي كان ضد جميع وجهات النظر «المجسمة» للعالم إلى درجة إدانة مفاهيم الفعل والقوة والزمن (التي اعتبر تطبيقها على العالم فعلًا «مجسمًا»)، وصوّر المشاعر على أنها «أسطح ودوائر وخطوط». ذهب في معتقده إلى أنّ «أعلى مستويات المعرفة»، في أنّ الروح «تدرك الله ذاته وتستمتع بهذا»، وما عناه بـ «حُبّ الله الفكري – amor Dei intellectualis» اعتباره الإدراك الأكثر شمولاً وملاءمة للوجود حيث تُشكل المعرفة وشغف المحبّ بها الوحدة الأكثر حميمية للتجربة. إذا تجاهلنا الفروق الدقيقة، فإن حلّ هذه المسألة – أيّ علاقة الحُبّ بالمعرفة – يُظهر نوعًا معينًا من التصنيف التاريخي الشمولي، الذي سأشير له هنا بشكلٍ عام دون تتبع لتفاصيله التاريخية.
على الرغم من التناقضات العميقة بين العقول الهندية واليونانية (يشمل ذلك أفكارهم عن الحُبّ)، التي لا يمكن للفرضيات المشكوك بها حول الأصول الشرقية للفكر اليوناني حلّها، يمكن للمرء التحدث عن حلٍّ لهذه المسألة في نوعٍ هندي – يوناني بالمعنى الشمولي التاريخي وغير الجيني، وهي حلول واقعية تجريبية بجانب الحلول النظرية.
نظر الهنود واليونانيين، إلى القيم من الناحية الوجودية، كوظائف للوجود، وإلى الحُبّ من الناحية العقلية كوظيفة تعتمد على المعرفة. بالنسبة لهم فإن أعلى قيمة للكائن هي التسامي على الواقع، الذي يرتفع به إلى كونه مجرد تصوّر، وهذا يجعله أيضًا أعلى درجة في الوجود (ὄντος ὄν)، بالنسبة لأفلاطون 2. لأنّ القيم في حالتيهما تعتبر وظائف للوجود، ولكنها تختلف طرقها جذريًا، أو قد تتعاكس، وهنا تحديدًا تظهر الوحدة الواقعية لمعتقداتهم بشكلٍ واضح.
يعتمد الوعي الهندي في توجهه على الجانب الأنطولوجي بحيث ترتبط فيه القيمة الإيجابية والأكثر مركزية بالعدم. هذا يعني أنّ التقدّم في «طريق الخلاص»، قبل كل شيء يكمن في التجريد المتصاعد للمُعامل الواقعي للعالم من ماهيته ومحتوياته المجردة. في التجربة الهندية يعتبر «معامل الواقع»، هو ما يسحرنا ويغرقنا بعمق واتساع محتويات العالم مما يزيد الشغف والالتزام بها من خلال رغباتنا.
إنّ حقيقة أنّ محتويات العالم ليست سوى الارتباط التجريبي للرغبة الغريزية هي السِّمة الأساسية للفكر الهندي. وعلى هذا يكون العالم «واقعيًا»، أو «غير واقعي» في عمليةٍ مقاومة للرغبة وحدها: واقعي لدرجة أنّه مرغوب فيه بشدة، ولكنه فقير في نفس الوقت إلى الدرجة التي لا يكون فيها واقعيًا. فقط عندما يظهر لنا العالم بصورةٍ غير واقعية، ولا يكون في ذات الوقت محلًّا للرغبات، يصبح ثريًا ويتجلّى اتساعه بالكامل. بحيث يحترق فيه التناقض بين «الواقعي»، و«غير الواقعي»، ويبرد ويختفي معامل الواقع الإيجابي أو السلبي للأشياء. بالنسبة لنا ليس فقط كوننا أرواح معرفية بحتة، ولكن أيضًا بصفتنا كائناتٍ فاعلة مدفوعة بالرغبة أو عدمها، مما يجعل المحتويات المجردة للعالم تأخذ هذا الاختلاف الغريب بين «الواقعي»، و«غير الواقعي»3.
تُكتسب (المعرفة) أولاً، قبل كل شيء بالتغلب المتزايد على اللهجة الواقعية للعالم، من خلال زيادة التشيؤ والتعسف النسكي للرغبات الصحيحة لهذه اللهجات وتسلسل حركاتها بشكلٍ تلقائي للإنسان الطبيعي. مع دفع الرغبة أكثر فأكثر إلى خارج الذات المعرفية البحتة، تختفي اللهجة الإيجابية والسلبية للواقع في العالم.
يأتي ذكر روح الواقع في المهابهاراتا، بكونها تأسر باستمرار الرغبات والأفعال بشكلٍ متجدد. «يحدث العمل بمعزل عن الكينونة الفعلية للإنسان فيه، والحكمة هي أن ينظر المرء إلى الفعل على أنه مجرد حدث في الطبيعة وأنّ الأنا الفعلية منفصلة تمامًا عنه. فقط المعنيين بالأمور الدنيوية يجعلون أساس أفعالهم داخل ذواتهم؛ أما الحكيم المتواضع فلا يعتقد أنه جاني بذاته». 4
يُنظر إلى «الحُبّ» بالمعنى الهندي، في الجانب الموضوعي، من خلال الانتقال وحركة مقاومة «الواقع»، أو مقاومة رغبة معرفة الأشياء التي أصبحت غير واقعية أكثر من أيّ وقتٍ مضى، وهذا التعارض هو ما يزيد من موضوعية المعرفة؛ على أية حال، يصبح الحُبّ من ناحية الفعل، مجرد تجربة للانتقال من الجهل إلى المعرفة. لذلك، تمامًا كما يحدث على الجانب الموضوعي في أداء فعل عاطفة الحُبّ الخالية من الرغبة. بالنسبة للهنود، إن الواقع المتزايد، للصورة المثالية للموضوع (ليس «مجرد فكرة» – بل بالمعنى الذاتي للكلمة). لذا فإن عاطفة الحُبّ هذه بحدّ ذاتها ليست شيئًا مستقلاً، وليست فعلًا إيجابيًا أصليًا للفكر، الذي يؤدي إلى تقدم المعرفة، فهي بشكلٍ أدق؛ مجرد تجربة لذلك النموّ في المعرفة نفسها.
في هذا السياق الأساسي، نفترض هنا وجود عملية وجودية للاغتراب عن العالم وعملية أخرى روحية للإنسان، مما يزيد التراجع والابتعاد عن الرغبات من مركز الأنا، أو تجسيد الرغبة في هذه «المسلمة» للتجربة الهندية في رؤيتها للعالم، ويعد هذا شرطًا أساسيًا لفهم كل ما يُقال عن «الحُبّ» في السرد الهندي. وفقًا لهذا، يجب على الحُبّ أن يظهر في كل مكان كنتيجة، وليس كأصل للمعرفة، حتى ما يكون له قيمة أخلاقية ودينية في الحُبّ، فهو ليس إلا ثمرة هذه المعرفة. لا يلعب الحُبّ هنا دورًا أكثر أصالة من المعرفة، كما كان أصيلاً في «حُبّ الله والجار» في المسيحية.
تتناقض المسلمة الهندية مع المسيحية، التي جعل مفكرها العظيم أوغسطين الحُبّ صراحة القوة الدافعة الأكثر أصالة للحركة الإلهية وكذلك للروح البشرية؛ الذي يقول أيضًا، في تناقض واضح مع عقيدة أرسطو عن النوص 5، بأنه «يقدّسه أكثر من العقل». لذلك فإن فكرة الحُبّ الهندية هي فكرة عقلية بحتة تتشابه مع الأفكار اليونانية كمُثل أفلاطون وأرسطو. بالنسبة لأفلاطون، فإن الإيروس يكون في الانتقال من معرفةٍ أقلّ إلى معرفةٍ أكثر، وفي الميل (الموضوعي) للحسِّ الذي لا تزال الأشياء فيه تنتمي إلى العدم (μὴ ὄν)، أو «المادة» للحصول على أمرٍ وجودي (ὄντος ὄν)، أو «فكرة» جوهرية. إنّ إيروس هو الشوق الدافع نحو «الوجود» كأمرٍ جيد، من «العدم» بوصفه أمرًا سيئًا.
كلا المفهومين الأساسيين للحُبّ والمعرفة – الهندي واليوناني القديم – يؤديان إلى القول بأنّ بداية كل عمليات الخلاص مناقضة لما جاء في المسيحية، في أنها فعل محبّة ونعمة، سبقت كل نشاط بشري بواسطة قوة خارجة عن البشر «الإله»، أيّ جعل الخلاص فعلٌ متسامي، نتج عنه نقل المعرفة الضرورية للخلاص (أيّ «الوحي»). بالنسبة إلى الهنود واليونانيين فإن الخلاص عندهم هو الخلاص الذاتي للفرد من خلال المعرفة، ممَّا يبرر عدم وجود مُخلص في الفكر الهندي يحمل صفات الإله نفسه، ولكن فقط معلم الحكمة الذي تشير تعاليمه إلى طريق «الخلاص».
تأتي هذه النتيجة بالضرورة عندما يُنظر إلى الحُبّ على أنه وظيفة تعتمد على المعرفة. وعلى النقيض من المعرفة المكتشفة ذاتيًا، بالنسبة للمسيحي، فإنّ كل اتصال للمعرفة الضرورية للخلاص تعتمد على حُبّ المُتصل للشخص الذي يتلقى الاتصال. لذلك -في تناقضٍ حادّ مع دائرة الفكر المسيحي بفكرتها عن القيمة اللانهائية والجوهر الحقيقي لكل روح فردية– يكون التحصيل الكامل للمعرفة في التأمل الخالص -في النهاية؛ هناك الوجود (ὄντος ὄν) بالنسبة إلى اليونانيين، وهنا «العدم» بالنسبة للهنود – متزامنًا مع اختفائه في دائرة كائن فوق فردي، والعمل والطريق إلى هذه الغاية مرتبطان كليًا وحصريًا بفعل الفرد.
وفقًا لتفسيرات مولر (Johann Adam Möhler6 )k)، العميقة وغير المفهومة في عمله الأول حول «وحدة الكنيسة»، في المسيحية الأصلية فإن استمرارية الاقتناع الديني في المجتمع الموحد لمحبّة الكنيسة بأكملها يكاد يكون معيارًا عمليًا للعقيدة المتوافقة مع هذا الاقتناع. لذلك لابد أن يكون «الزنديق» مخطئًا بغض النظر عن الأدلة التي قدّمها حول قناعاته. لأنّ العلاقة المسيحية الجوهرية بين الحُبّ والمعرفة، التي تربط كل معرفة «حقيقية» بإمكانية إثباتها في مجتمعٍ محبّ للكنيسة التاريخية والمعاصرة. لا شيء من ذلك تجده في التجربة الهندية: الحُبّ نتيجة وليس شرط للخلاص الذي يكمن في المعرفة فقط.
تطرح المسلمة الهندية المذكورة أعلاه – هنا مرّةً أخرى على النقيض من اليونانية – الشكل الأخلاقي الخاص لفكرة الحُبّ الهندية. وفقًا للتعبير المقتضب الذي يتكرر في مواعظ بوذا، فإن الحُبّ هو «خلاص القلب» 7. أيّ أنه بذاته قيمة إيجابية للخلاص، وليس «إضافة» إلى قيمة إيجابية (تكمن في «الله»، أو في «الجار»، أو في الجمال والحياة في الطبيعة)، باعتباره «الابتعاد عن الذات»، أو نبذًا للواقع، والذي يحدث في التأمل في الذات وخارجها كعمليةٍ وجودية لتحقيق المعرفة مع الفناء التدريجي لـ «الفرد» الذي يفترضه جسده الراغب.
إنّ سبب هذا «الابتعاد عن الذات»، قد يكون من خلال الكائنات البشرية، وقد يكون أيضًا، بسبب الطبيعة الحيّة والميتة، وعلى عكس المسيحية، فإن حُبّ هذه الطبيعة (خاصةً بالنسبة للنباتات والحيوانات) أيضًا، جزء من وصية الحُبّ تمامًا مثل حُبّ أعمال الخير والصدقة. ومع ذلك، فإن سبب فعل الحُبّ هنا دائمًا هو تجربة «الآخر»، «غير الأنا»، وليس ذلك بسبب أيّ قيمة إيجابية قد يمتلكها هذا الكائن الآخر، ولكن فقط لأنه ليس أنا.
يصبح هذا الجزء من المسلمة الهندية الذي تكون فيه الزيادة في قيمة الموضوع نتيجة لفقدان الكائن، فعالاً في تشكيل الطابع الأساسي لعاطفة الحُبّ الهندي. حركة الحُبّ هذه هي «إيثار» بالكامل، أيّ أنها تحدد بالكامل من خلال غايتها الحالية وحدها، غير ذات الصلة بالموضوع، بقدر ما هي سبب لـ «خلاص القلب». من الواضح أنّ مثل هذه «الأسباب» العرضية تلعب دورًا في الانقلاب الجذري للحياة، على سبيل المثال، المواجهات مع المرضى والمتسولين ونحوهم، التي قادت بوذا الشابّ إلى هداه.
ترتبط سِمة ثالثة بهذا المجال للبنية التجريبية الهندية للعالم، التي تحافظ على ثباتها خلال التطورات الغنية والمتعددة للتكهنات الدينية الهندية. وهي أنّ الحُبّ مجرد تابع لعملية المعرفة وعدم المعرفة – باعتبار نموه الخاصّ في أعماق الواقع – وليس تجربة ينطلق منها الفرد الحقيقي ويكون لها غاية. على العكس من ذلك، فإن الحُبّ بالنسبة للهنود هو البصيرة العاطفية في انعدام الوجود الفردي والشخصي في الوجود بشكل عام 8. لأنّ أساس التفرد ليس كما هو الحال في المجال المسيحي، مبدأً مستقلًا وروحيًا وشخصيًا، بل هو الجسد والرغبة مع التعددية التي ترتبط بها بشكلٍ خاصّ بالذات المعرفية والروحية الواحدة والمتطابقة في البشر. في الحُبّ، لا ينبغي لنا أن نفهم بشكلٍ حدسي المعنى والقيمة الإيجابية للكائن الآخر المنفصل عنّا واحتضانه في تأكيد عميق لوجوده وقيمته، بل يجب أن نشعر بوجود الآخر وقيمته الجوهرية في نفس الوقت الذي يرتفع فيه وجودنا؛ حيث يختفي كلاهما معًا في امتلاء «العدم»، نشعر وكأنهما يطفوان بعيدًا. من الناحية الوجودية، فإنّ المعرفة الكاملة المكتسبة، والتي بالطبع يجب أن تترك الحُبّ وراءها، الذي هو مجرد نموّ للمعرفة حتى النهاية، يتوافق مع التعالي النهائي للفرد، بعد إصلاح بوذا للفناء الفردي من خلال دخوله إلى النيرڤانا 9.
على النقيض من هذا العمل العظيم والنهائي للخلاص و«الموت» الحقيقي، فإنّ الموت الجسدي للفرد ما هو إلا مظهر قاتم للموت؛ إنّه في الواقع فقط هجرة الفرد كوحدة عمل ورغبة في سكن جسدٍ جديد، ومن ثمَّ دائمًا بداية حياة في جسدٍ جديد، يجب التغلب فيها باستمرار على الحُبّ والمعرفة.
لم يصبح بوذا المعلم العظيم للخلاص من خلال الاستمرار الفردي، والذي كان يخشى منه العالم الهندي بشكلٍ متزايد مع تسليمهم به – أيّ شيء موجود بالفعل في «نظرة العالم الطبيعية» لهذا العرق – ولكن بإعلانه عن إمكانية وجود، «الموت» النهائي10. في تناقضٍ حادّ مع النوع الهندي البوذي الذي يحدد العلاقة بين المعرفة والحُبّ وبين الوجود والقيمة، يرى النوع اليوناني المعرفة والحُبّ المرتبطين بوجودٍ إيجابي كامل الإيجابية من البداية. ظلَّ هذا التأكيد النهائي للكينونة، بديهية أولية لكل الأديان والتكهنات الأوروبية، كما كان عند اليونانيين.
كلما كانت الكينونة أكثر ثراءً وارتفاعًا كموضوع للمعرفة (فكرة «درجات الزيادة» في الوجود هي فكرة يونانية على وجه التحديد)، كلما كانت المعرفة مطلقة ونقية. ولذلك فإن المعرفة المطلقة هي معرفة الوجود (ὄντος ὄν). القيم الإيجابية للأشياء الموجودة هي مجرد وظائف لملء الوجود فيها، في حين أنّ القيم السلبية مثل: «الشر»، و«الفساد»، و«القبح»، وما إلى ذلك – على النقيض الشديد من البوذية – ترجع إلى افتقارها النسبي إلى الوجود». (القيم هنا لا تشكّل منطقة منفصلة وأصلية من الصفات الملموسة). وبالمثل، فإن الحُبّ (ذاتيًا)، هو توجّه أساسي نحو قيمةٍ إيجابية، أيّ إلى شكلٍ من الوجود له قدر معين من الامتلاء؛ إنه التمكن من الوجود في المعرفة – وليس الخلاص منه كما هو الحال عند الهنود. ومع ذلك، من الناحية الموضوعية، يُفهم على أنّه عامل كوني، كما فهمه دائمًا المفكرون اللاحقون منذ أن وضع أمبادوقليس (ΈμπεδοΚλής11 )، مذهبه في الحُبّ والكراهية باعتبارهما القوتين المحركتين لـ «عناصر» العالم الأربعة، إنّه مبدأ الإنجاب الذي يُنتج أحدث وأغنى أشكال الوجود. كما يقول أفلاطون في محاورة المأدبة، إنّه «إنجابٌ للجمال» – مفهوم يمكن أن يشمل سلّمًا هائلاً ومتدرجًا بدقةٍ من أنواع الإنجاب والأهداف الإنجابية من الإنجاب الحيواني إلى التصوّر الفكري للفيلسوف، والفنان، ورجل الدولة، والعامة. من أقدم عبادات أفروديت (Ἀφροδίτη12 )، إيروس إلى الإبداعات الفكرية لأفلاطون وأرسطو، لا يزال هناك استمرارية ملموسة في مفهوم الحُبّ كمحرك إيجابي للخلق. يتوافق المقياس الوجودي لأنواع الخلق مع المقياس الذي ينجرف فيه الفكر بعيدًا عن طريق الحُبّ من أدنى أشكال العالم المتزايد باستمرارٍ إلى الأعلى، حتى تصل أخيرًا إلى «المُثل»، ومن بين تلك المُثل إلى مثال الخير الجميل نفسه، مما يجعل الوجود ممكنًا، كما سردته ديوتيما (Διοτίμα)13 )، على أسماع سقراط، بدايةً من الخيول الجميلة، ومن خلال أجساد الشباب الجميلة، إلى العادات والأخلاق الحميدة، إلى المثال المجرّد للجمال نفسه.
ومع ذلك، إذا نظرنا إلى الحُبّ من نواحيٍ أخرى لا تقلّ أهمية عمّا سبق، فإن المفهوم اليوناني يحتفظ بقواسم مشتركة مع المفهوم الهندي. أولا يُفهم الحُبّ في حقيقتة على أنّه أمرًا فكريًا يعتمد على تقدم المعرفة، باعتباره انتقالًا و«حركة» من معرفة فقيرة إلى معرفةٍ أكثر ثراءً، الحُبّ كعامل وجودي باعتباره دافعًا العدم μὴ ὄν الفقير، للفوز بالمشاركة في الوجود ὄντος ὄν الثري.
كان لدى سقراط مذهبه عن الإيروس في أغرب تركيبة لا تُنسى من الصداقة الروحية المثيرة، وخطط الإصلاح الاجتماعي التي تبدأ بالكامل من فكرة الإصلاح الداخلي للفرد (وليس من إصلاح المؤسسات الخارجية)، مع تقدّم البحث النظري في السؤال والجواب (الحوار). يعمل إيروس باعتباره مصدر إلهامٍ للبحث الفلسفي والتعليم، وكفنٍّ للتوليد الروحي الذي يتم بواسطته إغراء أرواح الشباب وإحضارهم إلى طبيعتهم الفردية المثالية (معرفة الذات).
إنّ العقيدة الأفلاطونية الإيروس، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفنّ الحوار، لا تنكر مصدرها، بغض النظر عن مدى علوّ مكانتها على عقيدة سقراط. يرتبط الحُبّ عند أفلاطون بالمعرفة، أيّ أنّه «النضال من المعرفة غير الكاملة إلى المعرفة الكاملة»، ممَّا يجعل الفلاسفة φιλοσοφοι وحدهم قادرين على الحُبّ «محبين الحكمة»، أما الجهلاء ومطلقيّ المعرفة (الآلهة) فغير قادرين على ذلك. الحُبّ. إيروس هو ابن الغنى، والفقر، والمعرفة، والجهل؛ وهذا هو السبب في أنّ الألوهية عند اليونان هي موضوع الحُبّ – لا المحبّة بذاتها، كما هو الحال في المسيحية. وحيثما يتكرر هذا المُعطى المزدوج للحُبّ في التاريخ، بحيث لا يسبق الحُبّ المعرفة ديناميكيًا، بل يتبعها، ومن الناحية الغائية ليس سوى وسيلة أو طريقة لهدف تنمية المعرفة، تظهر دائمًا الصورة الخادعة للاهوت الوثني؛ إله جامد، ينظر فقط إلى نفسه، وغير قادر على الحُبّ، الذي هو موضوع عبادة المخلوقات، ولكن ليس الموضوع الذي يسمح بـ «حوار سريّ بين الروح والله»، كما عرّف غريغوريوس النيصي (Γρηγόριος Νύσσης) 14، الصلاة المسيحية. تبنّى سبينوزا هذا المبدأ اليوناني مرّةً أخرى، عندما اعتقد أنه لا يمكن لأحدٍ أن يطلب من الله أن يبادله الحُبّ «amor Dei intellectuahs»، وهي الكلمة التي قادت غوته بقوله على لسان فيلني: «إذا كنتُ أحبّك، فما علاقة هذا بك؟».
إنّ جوهر هذه النظرية بأكملها موجود أيضًا في التعريف الأفلاطوني الآخر للحُبّ على أنه «كفاح» (ومع ذلك، من الناحية الوجودية، فهو ميلٌ من العدم إلى الوجود). في الواقع، كما أوضحت في مكان آخر 15، لا ينتمي الحُبّ والكراهية، وكل ما يثير الاهتمام، إلى مجال كفاحنا العقلي وإرادته، بغضّ النظر عن مدى دعمهم لجميع أشكال الكفاح والدوافع، والشوق، والرغبة، والإرادة. كل «كفاح» يستهلك نفسه في تحقيق ما يسعى إليه، في إشباعه، وفي نفس الوقت يهدف إلى تحقيق شيءٍ جديد ومختلف مقارنة بما حقّقه بالفعل. بالمقابل، يقوم الحُبّ كليًا على كينونة موضوعه؛ إذ لا يريد أن يكون أيّ شيء سوى هذا الموضوع، الذي ينمو بالتغلغل فيه عميقًا. عندما يُنظر إلى الحُبّ على أنه «كفاح» – من أجل المعرفة – أو على أنه «احتياجات»؛ هنا يجب أن يختفي الحُبّ مع المعرفة الكاملة، مع إمكانية أن يكون وجوديًا للإله باعتباره الكائن الكامل الذي لا يفتقر إلى شيءٍ سوى ما «يريد»، وما «يجب أن يكون». حاول سيلسوس (Κέλσος) 16، في نقده للمسيحية من وجهة نظر اليونانية – الأفلاطونية الحديثة (العقيدة الأفلاطونية)، بطريقةٍ منطقية صارمة تفكيك الفكرة المسيحية عن «الإله المُحبّ»، وإثبات أنها فكرة لا معنى لها. من المثير أنّ هذا المفهوم الأفلاطوني للحُبّ باعتباره «كفاحًا»، قد انتقل إلى الفلسفة المدرسية، وهو ما يتعارض كليًا مع المقاصد المسيحية. تمامًا مثلما شكّلت العبارة الأفلاطونية: «كلّ شيء جيد، بقدر ما هو جيد»، على سبيل المثل جزءًا من العقيدة التوماوية 17.
لكن المفهوم الوجودي للإيروس كقوة إنجاب وخلق، حيث يبدو أفلاطون أقرب للفكرة المسيحية عن الحُبّ الذي يخلق العالم، يكتسب الخلق معنىً مُعدلًا في سياق نظامه الفكري ونظام الأفكار الميتافيزيقي اليوناني. ما يسمى «الشهادة»، و«الخلق»، هنا هو في الواقع مجرد صورة «للخلق» – «بالنسبة لنا»، لمجال «التمثيل» (δόξα)؛ من ناحيةٍ معرفية دقيقة (ἐπιστήμη)، فإن «الخلق» ليس إلاّ صورة افتراضية له، و«الإنتاج» مجرد إعادة إنتاج للشكل؛ فقط من خلال النضال الأبدي من أجل «أن تصبح» دائمًا «مادة» عابرة (مثل الارتباط الوجودي للمظهر الحسّي)، واكتساب المشاركة في ديمومة «الشكل» و«الفكرة»، في صيرورة الخلق التي تبدو «لنا» كخلقة، و«إنجاب للجمال» من الناجية الوجودية والذاتية.
يرى أفلاطون الحُبّ في مرحلته الطبيعية كعامل كوني – على سبيل المثال الشهوة الحيوانية – مجرد دافع لمبدأ الحياة الحيوانية للحفاظ على شكل الأنواع في التكاثر من خلال ولادة أفراد جدد باستمرار – وليس لإتقان شكل هذا النوع. حتى في شهوة الحيوان، يرى أفلاطون توقًا للخلود الأرضي في شكله الصلب، الذي تمر من خلاله سلاسل أجيال من الأفراد، كما كانت دورة المادة الميتة عبر شكل الكائن الحي، مثل قطرات الماء على شكل الشلال. كل حفاظ على الشكل في تطور المادة – بما في ذلك الطبيعة الميتة – هو انتصار للوجود، وإيروس المتعطش على الدوام. لذا فإن ما يبدو أنه «خلق» هو في الواقع «حفظ للشكل» فقط. هذه الهيمنة الكاملة للمبدأ الثابت على الديناميكية، للشكل المكاني البلاستيكي على القوى الزمنية الخلاقة، تعود مرة أخرى عند أفلاطون، في أعلى أشكال الحُبّ الفكري. إنّ «شهرة» الفيلسوف والفنان ورجل الدولة – بالمعنى القديم ليست «شرفًا»، أو «احترامًا» كما هي عند المعاصرين، ولكنها الوعي الغامض بالنفس، بصمة الشخص المبدع نفسه في العمل باعتباره بُنية قيمية موضوعية، و«الصورة» المشعة العبقرية في العمل نفسه – نوع من الخلود الأرضي للفرد وليس للنوع فقط. حتى ما يبدو أنه خلق الذات والتحول الذاتي في العمل يُنظر إليه لاحقًا باعتباره حفاظًا للذات على مدى الأجيال. ولكن في النهاية، فإن الهدف الأسمى الذي يمكن أن تؤدي إليه جميع القدرات الفكرية، التي يقودها الحُبّ في أنقى صوره، هي «رؤية أفكار» الفيلسوف، وهو هدف أبعد ما يكون عن «الخلق والشهادة». إنه جزء الجوهر، ومزاوج له. بالنسبة لأفلاطون يمارس الحُبّ في ورشة العمل الداخلية لعقولنا وظيفته بالحفاظ على الذات. إنّ ما يحقّقه الحُبّ من الخلق الوراثي لخصائص الأنواع في الحياة النباتية والحيوانية، يحقّقه أيضًا في النفس الفردية في الذاكرة وتكاثر الأفكار. أكد أفلاطون في المحاورة على فكرة وجود هوية أساسية تجمع الذاكرة بالوراثة (استأنف الحديث عنها لأول مرّة العالم الفسيولوجي هيرنج Ewald Hering)18. فكل ما يظهر في وعينا الحاضر مدفوعًا من إيروس، ما هو إلا حفاظ على محتويات التجارب السابقة، من خلال تذكرها مجددًا عن طريق التكاثر ومن ثمَّ اكتساب الديمومة – تمامًا كما تُحفظ الحيوانات والنباتات في أشكال أنواعها من خلال التكاثر الوراثي.
تختفي فكرة «القوة الخلاقة» للحُبّ أكثر إذا أضفنا لها عقيدة التذكر. ومثلما كان أفلاطون «يفتقر إلى فكرة الوعي والفكر العفوي الإبداعي» (كما قال فيلهلم فيندلباند Wilhelm Windelband)19، فقد افتقر أيضًا إلى فكرة الحُبّ الإبداعي. يتضح هذا بجلاء من خلال عقيدته الرومانسية تمامًا عن توق الروح إلى حُبّ إحياء عالم المُثل الموجود مسبقًا، فالنفس يرضيها تذكر ما شاهدته ذات مرّة في «المكان السماوي»، حيث كانت «المعرفة» لها تفسيراتها المطلقة.
توقع أفلاطون من خلال عقيدته في الحُبّ والمعرفة، الحركة التاريخية العظيمة «للحُبّ الرومانسي» بشكلٍ عام – ذلك النوع من الحُبّ غير الكلاسيكي حيث لا يُنظر إليه على أنه ملكية روحية في المقام الأول، ولكنه الشوق لشيء بعيد، ماضي، ضبابي، ينمو بشكلٍ متناسب كلما زادت المسافة بينه وبين الشيء المحبوب ويتلاشى كلما اقترب منه – مال أفلاطون نحو التصوف الهندي في مفهومه الأسطوري المعروف عن حُبّ الرجل والمرأة باعتباره السعي نحو أحدهما الآخر من جزأيّ الإنسان 19 الذي كان في البداية غير متمايز جنسيًا. إن هذا الحُبّ هو مجرد معرفة حدسية لوحدة الوجود، أو رؤية من خلال الوهم الواقعي بالانفصال، أو الفردية، أو التعددية، أو بشكلٍ أكثر دقة: الحُبّ هو الحركة المتبادلة بين الأجزاء الأصلية لـ «واحد كليّ». هذا الشكل الخاصّ من الخطأ الميتافيزيقي العميق للهنود الذي تبناه أفلاطون، تجده عند كل من اعتقد بمذهب وحدة الوجود من سبينوزا إلى هيجل وشوبنهاور.
من السهل أن نرى وفقًا لهذا المخطط، الذي ظلّ مخطط كل تصوف مزيف حتى يومنا هذا، كيف يُعزى الحُبّ دائمًا إلى الأنانية. فماذا يمكن أن يكون الحُبّ هنا غير الأنانية الواقعية للكل، التي تفترض صورة ظاهرة عن «الحُبّ» بظهور الفرد واستقلاله عن الكل الذي هو في الواقع مجرد جزء منه – ماذا يكون ذلك غير «الأنانية»؟ وعلى ذلك فإن حُبّ الأفراد الظاهرون هو الآخر مجرد حُبّ ظاهر. حتى مفهوم الحُبّ الجنسي بين الرجل والمرأة في الأسطورة الأفلاطونية يكتسب طابعًا رومانسيًا. الاختلاف بين الجنسين ليس شرطًا أو أصل لنوعٍ خاصّ من الحُبّ تكون نتيجته، اختيار الجنس من أجل التكاثر، مما يؤثر في تغيير الأنواع وتعزيزها، بل هو مجرد الاتجاه لـ «العودة»؛ إلى الشخص الكلي الذي لم يتميز جنسه بعد، والذي أصبحت أجزاؤه الآن «تبحث» عن بعضها البعض 20.
وبذلك يعمل الحُبّ على الحفاظ على هذه الأنواع من غير زيادة أو خلق أنواع أخرى. تعتبر الفلسفة الأفلاطونية للحُبّ مظلة تقف تحتها كل المحاولات الطبيعية الحديثة لربط مظهر الحُبّ بالتمايز السابق بين الجنسين، أو بالنظر إليه في جميع أشكاله على أنه مجرد تطور للدافع الجنسي 21. وعلى عكس ذلك، فإن الانقسام بين الجنسين وتفاعلهما في الإنجاب، والدافع وراءه، ما هو إلا إحدى تقنيات الطبيعة، التي من خلالها تنشط القوة الكونية للحُبّ بشكلها الخلاّق للحياة، مستقلة عن هذا الانقسام. لكن الصبغات الرومانسية والصوفية جعلت هذا «الشوق» لمرحلة قديمة (مرحلة الخنوثة غير المنقسمة)، لاستعادة الكل يحمل معه أيضًا، فكرته عن الحُبّ الجنسي، المصمم ليكون بأثرٍ رجعيّ لا مستقبلي.
لا يمكن للمرء أن يقول بأنّ أعظم وأهم تجربة للإنسان الأوروبي، هي ظهور المسيح، الذي جسّد العلاقة بين المعرفة والحُبّ في نوعٍ مثالي متين مثل بنُية التجربة الهندية واليونانية. على الرغم من حقيقة أن بنُية التعاليم للعالم، والجار، وفوق كل شيء الإله، قد تغيرت بشكلٍ جذري في التصور المسيحي أكثر من أيّ وقت مضى في العالم – أكثر تجذرًا مما تضمنه الانتقال من النوع الهندي إلى النوع اليوناني – في هذا المظهر الفكري والفلسفي تحديدًا للثورة الفريدة للروح فشلت المسيحية لأسباب لم تُسبر أغوارها بعد. هذه الظاهرة ليست سوى رابط في الحقيقة الأكثر عالمية وهي أنّ المسيحية لم تستطع إطلاقًا بناء صورة فلسفية أصيلة وتلقائية للعالم والحياة ولو بشكلٍ ضعيف. بهذا المعنى، لا توجد «فلسفة مسيحية» ولم توجد إطلاقًا، ما لم نعني بهذه الفلسفة، كما هو معتاد فلسفة يونانية بزخارف مسيحية، ولكن المعنى الفلسفي الذي نعنيه هو فلسفة نشأت من جذور وجوهر التجربة المسيحية الأساسية من خلال ملاحظة التفكير الذاتي والتحقيق في نظام الفكر العالمي الذي يفهمه. والسبب في ذلك يحتوي على شقين: لم يكن للمسيحيين في القرون المسيحية الأولى لا من حيث النشأة أو الصنعة ميل لاتخاذ مواقف فلسفية تجاه الوجود، ولكن عند نموّ الكنيسة الوثنية والصراع مع الغنوصيين والطوائف الأخرى تطلب ذلك تأسيس مفاهيمي لمحتوى ثابت، كان على التجربة الجديدة لله والعالم أن تستقرّ في مكانٍ في البنية الصلبة للبنية المفاهيمية للفلسفة اليونانية، دون أن تنشئ بنفسها بناءً جديدًا يتناسب مع تعاليمها.
بمجرد أن صيغت هذه العقائد داخل المفاهيم اليونانية للعالم (دُمج اللغوس logoidea مع شخص المسيح في العقيدة الكريستولوجية)، ثمّ محاولات أخرى لتفسير العقيدة فلسفيًا ولاهوتيًا بما تتناسب مع معرفة العالم لتشكيل رؤية عالمية موحدة، وظلّ هذا التجاذب التلقائي بينهما مستمرًا وثابتًا لفترة طويلة كتعبير للعقيدة المسيحية في الفلسفة اليونانية. وبقدر ما ظلّت استمرارية التجربة المسيحية في الكنيسة عميقة وحيوية، بقدر ما كانت هذه الفكرة عن الاستمرارية غير منطقية تمامًا فقد كانت تتمزق لعدة قرون – حتى ظهور لوثر – وبهذا قُضي على الطابع الفلسفي العفوي للكنيسة. باستثناء الجهود التي بذلها أوغسطين ومدرسته نجد مقاربات قوية لترجمة مباشرة لمحتوى التجربة المسيحية إلى مفاهيم فلسفية – أُعيق نجاح هذه المنهجية بالكامل باعتماد أوغسطين العميق والمستمر على الأفلاطونية الحديثة وإرادته الاستبدادية لوحدة الكنيسة، التي تغلّبت على معرفته الاجتهادية.
أوضحت في أماكن أخرى كيف أن التجربة المسيحية صاحبتها تحولات جذرية في الحُبّ والمعرفة، والقيمة والوجود 22. أطلقت عليه «انعكاس حركة» الحُبّ. حيث إن المسلمة اليونانية للحُبّ حركة من الأسفل إلى الأعلى، من العدم (μὴ ὄν)، إلى الوجود (ὄντος ὄν)، من الإنسان إلى الإله الذي لا يرتفع بذاته، من السوء إلى الصلاح. أما في المسيحية تنحدر المحبّة من الأعلى إلى الأدنى، من الإله للإنسان، من المقدّس إلى الخاطئ. الذي يأخذه إلى جوهر «العلوّ»، ومن ثمَّ إلى «الأعلى»، أيّ الإله. في هذا الانعكاس في حركة الحُبّ تكمن الطريقة الجديدة لتأسيس الحُبّ والمعرفة، والقيمة والوجود.
تُعبر هذه الطريقة من الناحية الدينية عن أنّ المعرفة الدينية لم تعد في المقام الأول فعلًا عفويًا للفرد، بل الدافع الأول لها للحركة هو الإله ذاته، أيّ في إرادة الإله العُليا للفداء، وإعلانه اللاحق عن نفسه في المسيح. يصبح الفرد قديسًا من خلال الأعمال الحادثة بين نقطة البداية حيث يدرك «نعمة» الله السابقة لكل نشاط للفرد، ونقطة النهاية عندما تُختم النعمة بـ («التقديس»). تكمن كل الحرية والاستحقاق البشري بين هاتين النقطتين. وبذلك تكون بداية ونهاية جميع عمليات المعرفة الدينية والخلاص معتمدة على الإله. حلّت فكرة الخلاص من خلال الحبّ الإلهي محلّ الخلاص الهندي اليوناني من خلال المعرفة. إنه ليس نقل لمعرفة جديدة أو حكمة عن الإله إلى العالم من خلال المسيح (كما حدث على سبيل المثال من خلال بوذا «المعلم» العظيم، أو من خلال أفلاطون، أو كما تكلم الله مع موسى وأنبيائه وأعطاهم الشرائع، وأيضًا، ليس اتصالًا يكون محتواه فقط وجود إله محبّ ورحيم) 23، بل يُنقل كل المحتوى الجديد للمعرفة عن الله من خلال فعل المحبّة في ظهوره في المسيح، كسبب وأرضية للإبداع الخلاّق. لذلك فإن نموذج «الخلافة» هو المسيح الذي أصبح معلمًا ومشرّعًا، كنتيجة لكرامته كمخلص إلهي، أيّ كشخصية الإله المتجسّد نفسه وإرادته في الحبّ. وفقًا لوجهة النظر المسيحية المبكرة والصادقة، لا توجد «فكرة»، ولا «قانون»، ولا «قيمة مادية»، ولا «سبب» وراء هذه الشخصية، يمكن من خلاله قياسها بها أو قياسها ذاتيًا، لكي تكون «مقدسة» معترف بها، إلاّ أن تتوافق معها بطريقةٍ ما.
المسيح لا «يمتلك» الحقيقة، بل «هو» الحقيقة في كمال تجسده المحسوس. تعتبر الأقوال والخطب والأفعال صادقة ومقدسة وصالحة لأنها خرجت من المسيح. لهذا السبب بالذات، فإن كل الإيمان بمضمون رسالته، والإيمان به كـ «فادي»، و«مخلص»، متجذر ومرتبط بحبٍّ سابق لمحبته الموجهة للجميع، في سياق هذه المحبّة، تنمو في عين العقل الصورة الكاملة لوجوده الإلهي، الذي هو موضوع الإيمان. لم يرَه «الجميع» عندما تحدث إلى مريم المجدلية عند قيامته: رآه حبّها أولاً. لكن البعض لم يروه لأنّ «الله قد غطّى أعينهم». فقط عيون المحبين فُتحت لتراه بقدر حبّهم له. وكما أن شخص المسيح هو الهدف الديني الأول للحبّ، وليس «فكرة»، يمكن قياس هذا الشخص على أساسها، فإن نقطة البداية لمشاعر الحُبّ هي شخص حقيقي وجودي: شخص الإله.
لا يتلاشى شكل وجود الإنسان في تيار الحُبّ، كما هو الحال عند الهنود واليونانيين. هنا لا وجود لما يُسمى «بالعدم الميتافيزيقي» للشخص في عاطفة الحُبّ. على العكس من ذلك، يرتفع في الإنسان نقاء الشخص في محبّة الله أكثر فأكثر عن الخلط الغامض مع الوعي الغريزي الحسي الذي يفكك وحدته إلى سلسلة زمنية من الأحداث، وعن كل التبعات المرتبطة بالطبيعة والمجتمع، التي تريد جر – الإنسان – إلى مسار قوانين الأشياء المجردة. وتقويه لتجعله هو نفسه «مقدسًا»، إذ يكسب الإنسان نفسه عندما يفقد ذاته في الله.
هذا يتوافق تمامًا مع المبدأ الجديد للوعي المسيحي الذي يقضي بأنّ حُبّ الجار يُفترض تلقائيًا مع الحُبّ الحقيقي لله، وفي نفس الوقت كل تعمق معرفي للأمور الإلهية يقوم بالتساوي على حُبّ الله وحُبّ الإنسان. ويمكن القول إنه حيثما يكون الحُبّ جزءًا من طبيعة الإله ويكون الحُبّ الإلهي نقطة انطلاق لكل عملية خلاص ديني بدلا من النشاط البشري العفوي، فإن حُبّ «الله» يشمل جميع البشر، بل وجميع المخلوقات مع الله – ein amare mundum in Deo أن تحبّ العالم في الله – يجب أن يتضمنه في ذاته. «محبّة الله ومحبّة بعضنا البعض في الله – Amor Dei et invicem in Deo»، هي صيغة أوغسطين الثابتة للوحدة غير القابلة للتجزئة لهذا الفعل. إنّ محبّة الإله مثلما هو في الحُبّ اليوناني الإلهي، قاد الإنسان إلى ما وراء المجتمع بشكل عام، ولم يدفعه إلى علاقات مجتمعية أعمق وأشمل مع إخوته، بل يمكن أن ينتهي به المطاف على سفح جبل ينفصل عنه الناسك الوحيد نفسه وعن كل اتصال بشريّ.
المبدأ اليوناني الهندي القائل بأنّ المعرفة تؤسس الحُبّ، له هذه القوة للميل للعزلة والوحدة منذ البداية؛ وفي أيّ مكان، كما هو الحال في الكنيسة الشرقية، سيطر العنصر اليوناني الغنوصي على البنية الجديدة للتجربة المسيحية، نمت «الأنشورية Anachoretent”24» داخل هذه البُنية بسبب الضرورة، وحررت الرهبان أكثر فأكثر من خدمة المجتمع، كما هو الحال اليوم في الرهبنة الروسية الأرثوذكسية. وفقًا للوعي المسيحي، فإن محبّة الله التي لا تنبع بقوة في حُبّ القريب وتصبح مثمرة وفاعلة بما يتناسب مع نموها، لن تكون محبّة لله – الذي هو في جوهره مُحبّ ومن ثمَّ فهو مرتبط بحبّ جميع المخلوقات – بل محبّة وثنية. لهذا السبب، فإن اختبار صحة كل تأكيد يتعلق بالأمور الإلهية في مجتمع المحبّة الديني، أيّ الكنيسة التي يجب أن تصبح قوة التوحيد وليس الانقسام لهذا التأكيد معيارًا للحقيقة والأساس الموضوعي أيضًا.
إنها ليست بأيّ حال من الأحوال ما يسمى بـ «الصلاحية العالمية» التي تتأسس في جوهر كل حقيقة أو حتى تشكّل جوهرها – والتي يمكن بالتأكيد التوفيق بينها إلى أيّ درجة كانت مع الافتقار إلى الصلاحية العامة، ولكنها أساس معرفة الحقيقة عن الحُبّ السابق، الأمر الذي يقود إلى الرأي القائل بأن الزنديق يجب أن يكون مخطئًا ليس بسبب ماهية معتقداته، بل باعتباره مهرطقًا فقط، أيّ ككائن لم يتوصل إلى قناعته عن طريق محبة القريب في مجتمع الكنيسة الخلاصي، الذي يحدد المعرفة الدينية والإيمان الصحيح، بل توصل إلى ذلك عن طريقة ما منعزلة عنها. هذه هي بالضبط الفكرة التي يصعب على وعينا الحديث فهمها. إذ لا يعتاد المرء على رؤية أن أولوية معرفته للكنيسة، ككنسية، موجودة في نواة ذلك المبدأ الأساسي للحُبّ والمعرفة. صيغت هذه الأطروحة في وقتٍ لاحق بشكلٍ دوغمائي بعدة طرق: كالتصريحات التي تنصّ على أن شروط المجامع المسكونية يجب اعتبارها نابعة من «روح قدس» نفسه؛ ومن حيث مبدأ إلزام المرء أولا وقبل كل شيء باتباع الكنيسة في كل الأمور الدينية («ecclesiam Sequi»). يظهر التطبيق العملي لذلك في الاستعداد المسيحي “للتضحية بالعقل dell’intelletto” في مواجهة مقاومة «سُلطة» الكنيسة. لذا فإن كل هذه العقائد ليست سوى إحدى نتائج هذه الجملة المهمة لمعنى وبنية الهيكل الاجتماعي الديني.
لكن الأكثر دهشة أنه على الرغم من أن مبدأ أولوية الحُبّ على المعرفة ينتمي إلى جوهر الوعي الديني المسيحي، ويكمن وراء فكرة الكنيسة وجميع الأخلاق المسيحية (التي على عكس الروح اليونانية، كان فعل الحُبّ النبيل يعتبر أكثر قيمة من فعل المعرفة الصافية، والفضائل الخيرية أكثر قيمة من الفضائل العقلية ” dianoetischen”)، كانت محاولات اختبارها فلسفيًا ونفسيًا في مجال المعرفة والحُبّ خارج نطاق التدين نادرة للغاية. باستثناء الأدب التعبدي الصوفي وبالتحديد التقاليد الأوغسطينية، التي يتم فيها الالتزام بهذا المبدأ عمومًا، فإن ما يسمى بـ «الفلسفة المسيحية» ارتبط كليًا بالنمط اليوناني.
من هنا نشأ التنافر الداخلي بين الوعي الديني والحكمة الدنيوية المرتبطة به. في الصور العميقة للإيمان الورع، يقف السيرافيم 25، المتوهج بالحُبّ أعلى الترتيب الهرمي للملائكة وفوق الشيروبيم 26، العارف عند قدمي الإله (أيّ الأقرب إلى الإله)، لكن في القمة فوق كل الملائكة تقف مريم ممثلة ذروة المحبّة.
استخدم توما الأكويني التعريفات اليونانية التي تشير إلى أن حُبّ موضوع ما، يفترض معرفته مسبقًا، وهذه القيمة ليست سوى وظيفة كمال للوجود (omne ens est bonum)، وأنّ الحُبّ ليس فعلًا أساسيًا للعقل، بل نشاطًا خاصًا من القدرة على الكفاح والإرادة للعقل. وفقًا لذلك، يعترف توما الأكويني بقوتين أساسيتين فقط للروح، الشهوة والقوة العقلية، وكلاهما ينقسم مرّة أخرى إلى كليات فرعية «أعلى» و«أقل»؛ قسم الشهوة إلى رد فعل سلبي للرغبة الحسية لشيء ما، وللغضب الشديد، ومقاومة الضرر الجسدي، كـ «أقل» وفي الإرادة الموجهة عقلانيًا (veile) كقدرة «عُليا»، حيث يكون الاتجاه الأصلي للأخير هو الخير في الكينونة، التواجد في كل الكائنات (“omnia volumus sub specie bonuses”)؛ تنقسم القوة العقلية إلى القوة الإدراكية الحسية، والتي تتوافق معها «الأنواع الحسية» وجوديًا، والقوة المعرفية العقلانية التي تتوافق معها «مفكرات الأنواع» في الأشياء. وفقًا لتوماس، يجب أن يسبق كل نشاط للقوة الجادة نشاط للعقل: من خلال محفز الرغبة في وجود نوع حساس في الإدراك الحسّي، وفي الإرادة كفعل من أعمال الإدراك المتعمد حيث يكمن الجوهر المفاهيمي لشيء ما. يظهر الحُبّ والكراهية، بالإضافة إلى عالم المشاعر بأسره، في ظلّ هذا المفهوم مجرد تعديلات لملكة الروح المكافحة.
من الواضح أنّ الحُبّ في هذا النظام الفكري والنفسي يحتلّ مكانة ثانوية. مما ينعكس أيضًا على لاهوت النظام، بشكلٍ أساسي على عقائد خلق العالم وعلاقة الخلاص بالوحي من خلال الإله. بالمعنى المسيحي الأصلي، خلق «الله» العالم «بدافع الحُبّ». – إنّ تلك «القوة الخلاقة» الحقيقية للحُبّ ليست مجرد «ميل للاحتفاظ»، أو «ميل إلى التكاثر»، كما عند أفلاطون، يؤكد على ذلك بشدة من خلال هذه العقيدة في أنّ الفعل الخلاّق لإرادة الله قائم على محبةٍ سابق. ومن ثمّ فإن الدوافع الطبيعية للمخلوقات نحو خالقها ليست سوى رد فعل على الحُبّ الخلاّق الذي نشأوا منه هم أنفسهم. ومع ذلك، تختفي هذه العقيدة في النظام، الذي تنفصل فيه الروح البشرية عن الإلهية تمامًا في العقل وقوة الإرادة (ممثلة اجتماعيًا في الكهنوت والسُّلطة العلمانية). بالنسبة للأكويني إنّ الله خلق العالم من أجل «تمجيده لذاته»، يظهر هذا الهدف عند خُدامه الأوائل من الكهنة، الذين لم يعودوا خدام متواضعين للمجتمع المسيحي وأتباع المسيح، بل يظهرون الآن على المسرح العظيم في العالم الذي تتوج فيه حياة الكنيسة، كبوابات، وأساقفة، وما إلى ذلك. كما يظهر الحكام الرومان القدامى.
أصبح أتباع المسيح (بمعنى الاقتداء بالمسيح، في الحياة والعمل)، «خلفاء للمسيح»، بسبب استحقاقهم التقليدي القانوني المجرد الذي يربطهم بالمسيح. مثلما يستمد الأمراء «منصبهم»، و«كرامتهم»، بحسب هذا التقليد. في النقطة المركزية الأخرى، لم يعد إعلان الله في المسيح نتيجة فعل فداء إلهي يسترشد بالمحبة والنعمة، الموجهة بشكل خاصّ للفقراء والضعفاء من الناس، وبشكلٍ عام لجميع المخلوقات، التي لا تكون إلاّ بقرب حقيقي من الله، بل أصبح الفداء من خلال المسيح الآن الجزء الأكثر مركزية من «الوحي» نفسه، والذي يُنظر إليه الآن على أنه عقلاني كليًا، المصاغ في العقيدة، جنبًا إلى جنب مع المحتوى المركزي الجديد للفداء بشكلٍ إجمالي. كان من المفترض أن تجعل محبّة الله والجار المسيحيين الأصليين، كأبناء للإله، متفوقين على كل «قانون» و«واجب»، قادرين على تحقيق كل ما يأمر به القانون بحريةٍ من تلقاء أنفسهم دون طاعة للوصايا. لكن على خلاف ذلك تردت محبة الله والجار إلى مجرد محتوى جزئي من «القانون» المنصوص عليه في الإرادة الإلهية. وبدى عيسى كأنه موسى ثانٍ جديد جمع الوصايا العشر في وصية واحدة، في «ناموس المحبّة»، «وصية المحبّة» 27، مع التغاضي عن التناقضات الداخلية لهذه المصطلحات 28. مع استئناف الجملة التأسيسية اليونانية بين المعرفة، والحُبّ والإرادة، التي تعبّر بشكلٍ غير مباشر عن أولوية الإله الأرسطي الحكيم المكتفي ذاتيًا على إله الخلاص المسيحي، وأولوية كهنة التعليم والفِرق للخلافة على الإنسان المتدين، والقوة على الخير، والمكانة القانونية على الحُبّ والتواضع.
إنّ التناقض التوماوي الفرنسيسكاني بين الفكر والتطوع، حيث يجادل المرء فيما إذا كان الله قد أمر بالخير لأنه خير في حدِّ ذاته أم أنه خير لأنه أمر به، مع تغافل لوجهة النظر المسيحية الحقيقية لله والعالم. في البداية كان الأمر مجرد نزاع بين وظائف القيادة والتعليم والقوى داخل الكنيسة، ولكن لاحقًا، وعلى سبيل المثال، مع ويليم أوكام (William of Ockham)، أصبح الخلاف بين القوى العلمانية والقوى الدينية الكنسية بشكلٍ عام. لذا فإن التجديد الفريد لفرنسيس للتجربة المسيحية الأساسية لم يكن قادرًا على تقديم أيّ تجربة مفاهيمية فلسفية مماثلة.
بصرف النظر عن الأدب التعبدي الصوفي، الذي يفتقر إلى حسّ فلسفي محدد، فإننا نجد فقط بدايات جادة لتصور التجربة المسيحية الأساسية للعلاقة بين الحُبّ والمعرفة فيما يتعلق بالمشاكل غير الدينية في تقليد أوغسطين حتى مالبرانش (Nicolas Malebranche)، وبليز باسكال. فمن الخطأ نسبة عقيدة “أولوية الإرادة” (في الله والإنسان)، لأوغسطين وجعله سلفًا للاسكوطية 29 في هذه العقيدة. ما يسميه أوغسطين أسبقية الإرادة هو في الواقع أسبقية الحُبّ على المعرفة وأيضًا على الكفاح والإرادة؛ وفي نفس الوقت هو أسبقية مثيرة للاهتمام، لدوافع أقلّ من «الحُبّ»، كالإدراك والتوقع والتذكر والتفكير، أي قبل كل تلك الأفعال التي تنقل محتوى تصويريًا وذا معنى («الأفكار»). إن أوغسطين أبعد ما يكون عن معتقدات ديكارت والاسكوطية، التي تقرر بأنّ أفكار الخير والشر تدين بمعناها وأهميتها إلى مواقف ووصايا الإرادة الإلهية؛ أيّ أن جوهر الأشياء وأفكارها لم تسبق وجود الأشياء، بل اتبعتها؛ أو أنّ الأفكار كما هو الحال مع الاسكوطية المتأخرين، ليست سوى إبداعات بشرية ليس لها أيّ وجود في مجال الأشياء لتتوافق مع Nominahsm) – الاسمية)، عند ويليم أوكايم. هذه المذاهب جميعها مسندة إلى المبدأ الضروري بأولوية الإرادة في الروح.
(كان من جملة أفكار الاسكوطية المتأخرين، والتي أدت إلى الفلسفة الحديثة، أنّ التعبير المفاهيمي أُعطي لأول مرّة روح العمل غير المقيدة للنشاط البرجوازي الحديث، التي وقفت في مواجهة الطبقة الكهنوتية التأملية-الفكرية). لا ينبغي أن تضللنا عبارة (لذلك أنا أريد) «volo ergo sum»، لأوغسطين باختيار التعبير السيئ «Volo» (أريد)، لحجب حقيقة أن الحُبّ والاهتمام – في النهاية: موجهان ليس إلى السعادة كشعور (كما يساء تفسيره غالبًا)، ولكن إلى «خلاص» روح المرء وروح الآخر كوحدة لا تنفصم بين الخير الشخصي الكامل والنعيم – بالنسبة له هو الاتجاه الأساسي للروح البشرية، مقارنة بالأفكار والمفاهيم التي تمثل محطات للحركة المستمرة للحُبّ التي تتغلغل بشكلٍ أعمق في الله والعالم – مثل ألسنة اللهب الصغيرة لنار مستمرة. نظر أوغسطين إلى كل «كفاح»، و«إرادة” حقيقيين في الحُبّ – كأدوات داخلية وخارجية للتعبير والعمل من أجل الوصول إلى عملية الحُبّ المكتملة.
وهكذا بالنسبة لأغسطس، تتبع الإرادة والتمثيل بشكلٍ متساوٍ الحُبّ باعتباره المصدر الثالث والأكثر أصالة للوحدة لكل وعي. يحدث هذا بطريقة تجعل الحُبّ يحرك الكفاح والإرادة بواسطة المعرفة. وهكذا فإن العلاقة بين المعرفة والإرادة هي نفسها لدى توما الأكويني، وهذا يتناقض بشدة مع كل مذهب السكوطية حول «أسبقية الإرادة على العقل».
يتوافق هذا مع حقيقة أنّ الحُبّ بالنسبة لأوغسطين يشكّل نواة وجوهر الألوهية: أيّ أن الحُبّ نفسه مرتبط «بالأفكار» التي يعتبرها (وفقًا للمعنى الأفلاطوني) «أفكار الإله». وفي ذات الوقت يراه صور نمطية للإرادة الإبداعية، التي لا يزال يسبقها ويحددها. وهكذا يصبح الخلق «بدافع الحُبّ»، و«وفقًا للأفكار»، الفكرة الأساسية للخليقة في لاهوته. لأول مرّة يُفصح عن فكرة الطبيعة الخلاقة للحُبّ في شكلها النقي دون اختزال رومانسي أفلاطوني للخلق الجديد بأنه مجرد العودة إلى شيء موجود بالفعل، إلى مجرد الحفاظ على الشكل. وبطريقةٍ ثانوية تُثبت محبّة الله نفسها في فعل الفداء الإلهي في المسيح الذي ينتج عنه التجلّي الذاتي للإله في المسيح.
وأخيرًا، تنكشف محبّة الله في العفو غير المنطقي للبعض «المختارين»، في حين أن البعض الآخر، يظلون تحت حكم العقاب الأبدي كفاسدين بكلمة القانون على أساس الوقوع في المعاصي والزلل والخطيئة الأصلية. لذلك فإن عقيدة أوغسطين في اختيار قبول النعمة ليست سوى واحدة من نتائج مذهبه في أسبقية الحُبّ على كل عدالة تتحقق بعقلانية؛ هذه النتيجة تستند إلى الافتراض الكتابي لارتكاب الخطايا والخطيئة الأصلية وإلى افتراض أننا جميعًا مذنبون بالضرورة بالموت الأبدي. والأكثر أهمية بالنسبة لنا من هذه النتائج اللاهوتية لمبدأ أوغسطين المتعلق بأولوية الحُبّ في الروح، هو النهج الذي حاول فيه أوغسطين إعادة بناء علم النفس ونظرية المعرفة بأكملها على أساس هذا المبدأ. على الرغم من قلّة هذه المحاولات، إلاّ أنها لم تُطور مطلقًا. لكن حقيقة وجودها لها أهمية كبيرة، لأنها تمثّل المحاولة الأولى والوحيدة لاكتساب رؤى نفسية وميتافيزيقية جديدة من البنية المسيحية للتجربة.
بأعجوبة تنبأ أوغسطين بآخر وأعمق رؤى علم النفس المعاصر وأكد أنّ أصل جميع الأعمال الفكرية والصور ومحتويات المعنى التي ينتمون إليها – بدءًا من الإدراك الحسّي البسيط حتى أعقد هياكل التخيل والفكر – ليست موجودة فقط في الأشياء الخارجية والمحفزات الحسية المنبثقة عنها، أو محفزات التكاثر على سبيل المثال عند التذكر، بل أيضًا في الأعمال ذات الفائدة والاهتمام الذي تسترشد به هذه الأفعال، فينتهي به المطاف بارتباط أساسي وضروري بأفعال الحب والكراهية. بالنسبة لأوغسطين، فإن هذه الأعمال لا تضيف ببساطة إلى محتوى الشعور، والإدراك المعطى بالفعل للوعي، بحيث تكون هذه الحقائق ناتجة عن نشاط فكري بحت، ولكن الاهتمام «بشيء ما»، ومحبة «شيء ما»، هي أكثر الأعمال الأساسية التي تشكل أساس الأفعال الأخرى حيث تدرك بواسطتها عقولنا شيئًا «ممكنًا». في نفس الوقت هي أساس الأحكام والتصورات والأفكار والذكريات والنيات الموجهة نحو الأشياء نفسها. يجب تمييز ثلاثة أمور هنا: أولاً، بدون اهتمام (طوعي أو غريزي) «بشيء ما» (أيً كانت درجة ذلك الاهتمام) لا يمكن أن يكون هناك «إحساس»، أو «فكرة» لهذا الشيء. ويظهر ذلك بالفعل في اختيار ما يأتي إلى إدراكنا الواقعي الخاصّ في مجال الشيء المدرك موضوعيًا، وكذلك ما يأتي إلى الذاكرة، إن ما نفكر فيه هو ما يهمنا، وهذا الاهتمام بحد ذاته يسترشد بالحُبّ (أو الكراهية) لهذه الأشياء؛ باختصار: تمثيلاتنا، وإدراكاتنا تتبع اتجاه ما يستحوذ على اهتمامنا وحبّنا وكرهنا.
تعتمد كل زيادة في الحدس والمعنى الذي يتجلّى فيه الشيء أمام وعينا على زيادة اهتمامنا به وحبه في النهاية. بالطبع، هذه الجُمل لا تقول فقط ما هو بديهي، أن الذي نتخيّله عادةً، وما نفكر فيه، وما نتذكر هو ما نحبّه. إذا كان هذا هو المعنى الحصري – للاهتمام والحُبّ -، فستكون الاهتمامات والمحبّة عوامل تشوه نظرتنا إلى العالم، وتجعلها أحادية الجانب، وتجعلنا «عميان» إلى حدٍّ ما. بصرف النظر عن هذا من المفترض أيضًا أن تنطبق (صراحة) على الإدراك الحسّي الأبسط، وعلى الشعور، أيّ المصدر الأصلي الذي يتغذى منه وعينا بالعالم، يقال كثيرًا أن المحتوى والبنية والاتصال بين عناصر نظرتنا للعالم قد حدّدت بالفعل في عملية التحول إلى أن كل شيء ممكن من خلال هيكل واتجاهات أعمال المحبّة والاهتمام، وعلى عكس ذلك، فإن كل تعمّق واتساع لنظرتنا للعالم مرتبط بعمق واتساق سابق لمجالات اهتمامنا وحبّنا.
يمكن تفسير هذه العقيدة على أنها تعطي معنىً لوصف «المسار» الذاتي والإنساني المحدود الذي نتوصل إليه نحن “البشر” خاصةً إلى معرفة العالم. في هذه الحالة، لم يكن إيروس في عقيدة أوغسطين أكثر من قائد، ومنهجية بالتعبير الأفلاطوني. بيد أنه أعطاه معنى نفسي وإبستمولوجي، من غير وجود لأيّ معنىً ميتافيزيقي وجودي.
صاغ أوغسطين هذا المعنى من خلال تشابك عميق غير محدود بالكاد يمكن رؤيته مع عقيدة الخلق والوحي. إنّ ظهور الصورة أو المعنى في الفعل الفكري، حتى في أبسط صور الإدراك، وزيادة إثراء الكائن مع زيادة الحُبّ والاهتمام، ليست مجرد نشاط للذات المعرفية المتغلغل في الكائن بأكمله، بل ردة فعل من الكائن نفسه و«العطاء الذاتي»، أو «الانفتاح والتكشف الذاتي»، أيّ الكشف الحقيقي عن الكائن. فهي نتيجة «سؤال»، يُطرح «بالحُبّ»، يجيب عليه العالم وبذلك يكشف عن نفسه وعندها فقط يحقق وجوده الكامل وقيمته. وهكذا فإن ظهور المعرفة «الطبيعية» للعالم بالنسبة لأوغسطين، بالنظر إلى وضعها الموضوعي، تكتسب «صفة الوحي»، ومفهوم «الوحي الطبيعي»، جانب ديني إيجابي في المسيح، هذا «الوحي الطبيعي»، في النهاية هو وحي من الإله، الذي تَحَدد جوهره بأنه محبّة أبدية. هكذا يصل نظام التفكير الأوغسطيني حول الحُبّ والمعرفة إلى نتيجة مفادها؛ أنه ليس فقط كل الإدراك الذاتي واختيار محتويات العالم التي تُدرك بشكلٍ حسّي وخيالي وتذكري ومفاهيمي يتأسس من خلال اتجاهات الحُبّ والاهتمامات، بل حتى الأشياء المعروفة نفسها لا تصل إلى كيانها الكامل وقيمتها إلاّ بالكشف عن ذاتها. على سبيل المثال، يصور أوغسطين (بطريقةٍ غريبة وغامضة)، ميل النباتات إلى أن يراها البشر، في هذه الرؤية يكون «خلاصها»، من وجودها الخاص المنغلق على ذاتها، كما لو أنه حدث من خلال معرفة الإنسان المستمدة من الحُبّ كنوع من التناظر الخلاصي الذي حدث للإنسان من خلال الإله في المسيح. يتماشى هذا مع تمييز المفكرين اللاحقين الذين اعتمدوا على أوغسطين، مثل نيكولا مالبرانش، ومناطقة بورت رويال وغيرهم، بين الاهتمام والانتباه و«صلاة الروح الطبيعية» التي تفصلهم عن الصلاة إلى الله. لا تعني كلمة «صلاة» نشاطًا روحيًا بشريًا شخصيًا فحسب، بل تشمل أيضًا تجربة الإجابة في «العطاء» و«الانفتاح» الذاتي للأشياء التي يُنظر إليها باهتمام وحبّ، على غرار التعريف القديم للصلاة (الدينية)، لغريغوريوس النيصي، بأنها «حوار سريّ بين الروح والله». في كتابه (Pensees – خواطر)، ومقالته (Discours sur les passions de l’amour – حديث عن آلام الحُبّ)، استخدم بليز باسكال سلسلة الأفكار الأوغسطينية واستمرّ فيها بشكلٍ لا يقلّ عمقًا عنه.
نظرًا لإهمال أفكار أوغسطين وتعاليم مدرسته في العصور الوسطى، انهارت تمامًا محاولات استنباط مفهوم جديد للعلاقة بين المعرفة والحُبّ من العقيدة المسيحية الأساسية. طور عصر النهضة نوعًا جديدًا من التصور في عقيدة جيوردانو برونو عن الحُبّ البطولي للعالم، في مذاهب مماثلة عند تيليسيو (Telesio)، وكامابنيلا (Campanella)، وفيفس (Vives)، وأخيرً، عند سبينوزا في «amor intellectualis Dei». تحرك برونو ضمن حدود النظرة العالمية التي وصفها فيلهلم ديلتاي بأنها «وحدة الوجود الديناميكية». لكن التحقيق الوقائعي البحت للسؤال العظيم، الذي أعتزم طرحه في مكانٍ آخر، سيُظهر انسجامًا معينًا ليس مع برونو، ولكن مع تلك الآثار السامية للبصيرة الأوغسطينية 30.
[divider style=”solid” top=”20″ bottom=”20″]
الهوامش:
1- جوردانو برونو المعروف بـ نولانو أو برونو دي نولا (1548، في نولا ـ 17 فبراير 1600، في روما)، كـان دارس ديني وفيلسوف إيطالي حكم علية بالهرطقة من الكنيسة الكاثوليكية. (المترجمة).
2- Vgl. hierzu und zum folgenden die erweiterte Auflage meines Sympathiebuches (1913) «Wesen und Formen der Sympathie», Bonn 1923, Abschn. A 5, «Die kosmische Einsfühlung in den Gemütsgestalten der Geschichte».
3- Vgl. hierzu und zum Folgenden den Aufsatz «Vom Sinn des Leides »im vorliegen¬ den Bande.
4- Vgl. W. V. Humboldt, « Über die unter dem NamenBhagavad-Gita bekannte Episode des Mahäbhärata». Gelesen in der Berliner Akademie der Wissenschaften am 30. Juni 1825 und 15. Juni 1826.
5- النوص (νοῦς)، مصطلح فلسفي يدلّ على القدرة على فهم الحق. وقد يُطلق على العقل والفهم، والذكاء، والإدراك، والتفكير.
6- يوهان آدم مولر (6 مايو 1796 – 12 أبريل 1838)، عالم لاهوت كاثوليكي ألماني.
7- Vgl. R.Pischels Übersetzung der hierhergehörigen Stellen in seinem Büchlein «Leben und Lehre des Buddha» (1904).
8- Sachlich ist dieser Gedanke von mir nun eingehend widerlegt worden in den metaphysischen Kapiteln meines Buches: «Wesen und Formen der Sympathie» , (1923), Teil A VI.
9- مفهوم في الديانات الهندية (البوذية والهندوسية والسيخية)، يمثّل الحالة النهائية للإفراج عن الخلاص، والتحرّر من إعادة الميلاد المتكرر في سامسارا.
10 – Vgl. auch Pischel a.a. O.
11- أمبادوقليس (490 ق.م – 430 ق.م)، كان فيلسوفًا يونانيًا في فترة ما قبل سقراط.
12- أفروديت في الأساطير اليونانية هي واحدة من آلهة الأولمب الإثني عشر، وهي ربّة الحُبّ والجمال والنشوة الجنسية، وربّة الإخصاب بسائر أنواعه.
13- ديوتما، اسم لشخصية يونانية قديمة في محاورة المائدة لأفلاطون، قد تكون شخصية تاريخية فعلية، عاشت حوالي 440 ق م، تعتبر أفكارها وعقيدتها عن إيروس، كما ذُكرت من قبل سقراط في المحاورة هي أصل المفهوم المعروف اليوم باسم الحُبّ الأفلاطوني.
14- القديس غريغوريوس، أسقف نيصص، وأحد الآباء العظام، (335م – 395م).
15- s. «Wesen und Form der Sympathie’,) und «Der Formalismus usw.»-, s. die Sachregister.
16- سيلسوس، فيلسوف يوناني عاش في القرن الثاني الميلادي، وكان خصمًا للمسيحية المبكرة.
17- Anders – und weit mehr im Sinne Augustins (wie in folgendem gezeigt wird) – denken in dieser Frage Nicolaus Cusanus (s.bes. «De visione Dei aut de icone», 4. Abschnitt), Vincenz von Aggshach und der anonyme Traktat «De intelligentiis» (ed. Cl.Bäumker). Nach ihnen geht die Liehe in Mensch wie Gott der Erkenntnis vorher.
18- Vgl. Ew.Hering, «Über das Gedächtnis als eine allgemeine Funktion der organischen Materie», Wien 1870.
19- فيلهلم ويندلباند (11 مايو 1848 – 22 أكتوبر 1915)، فيلسوف ومؤرخ ألماني لمدرسة بادن.
20- Vgl. meine metaphysische Auffassung der Geschlechtsliehe in «Wesen und Formen der Sympathie» (1923), Teil A VII.
21- Die Unsinnigkeit dieser naturalistischen Theorien ist genauer aufgewiesen in meinem Buche «Wesen und Formen der Sympathie», Teil B V und VI.
22- Vgl. meine Arbeit «Das Ressentiment im Aufbau der Moralen» (1912) in den Abhand¬ lungen und Aufsätzen «Vom Umsturz der Werte».
23- In seiner reichen und tiefsinnigen Polemik gegen Abaelard kommt Bernhard von Clair¬ vaux immer wieder auf den Vorwurf zurück, Abaelard habe die Worte und die Tat Christi zu einer bloßen Offenbarung davon gemacht, daß Gott die Liebe sei, anstatt an erster Stelle eine Eingießung der Liebe und die Erlösungstat in Christo zu sehen. Vgl. auch A.Neander, «Der hl. Bernhard und sein Zeitalter», 3. Aufl., Gotha 1865, S. 200f.
24- الأنشورية، هي واحدة من أقدم أشكال الرهبنة المسيحية. تعتبر في الكنيسة الكاثوليكية اليوم أحد أشكال الحياة الدينية المكرسة لخدمة الربّ والكنيسة.
25- السارافيم، هي مجموعة من الملائكة ذكرت في سفر أشعياء بوصفها تتلو نشيد التقديس «قدوس، قدوس، قدوس» محيطة بالعرش؛ وهو ما دخل على الطقوس المسيحية ومنها القداس الإلهي. كلمة سارافيم في اللغة العبرية تعني النار، حسب التقليد اليهودي فهي مجنحة بست أجنحة. تعتبر الساروفيم في المرتبة الخامسة في التسلسل الهرمي للملائكة في اليهودية، وفي المرتبة الأولى في التسلسل الهرمي للملائكة في المسيحية.
26- الشيروبيم، هي جوقة من الملائكة مذكورة في عدة مواضع من الكتاب المقدس، وتعتبر أحد أنواع الملائكة في اليهودية والمسيحية، ووظائفها لا تختلف عن وظائف الملاك، بخصوص نقل البشرى والرسالة، بنوع خاص كان يرتبط الشاروبيم بهيكل القدس.
27- Vgl. zu dem Obigen A. v.Harnacks Werk (1921) über Marcion, der früh diese tiefen Irr- tümer durchschaute.
28- Vgl. in meinem Buche «Der Formalismus in der Ethik und die materiale Wertethik» Abschn. IV2 b, wo die Widersinnigkeit der Begriffe « Glaubenspflicht», « Liebespflicht» dar¬ getan ist.
29- السكوتية (بالإنجليزية: Scotism)، مصطلح فلسفي يُطلق على النظام أو المدرسة الفلسفية واللاهوتية التي سُمّيت باسم الفيلسوف اللاهوتي، جون دانز سكوتس.
30- Vgl. hierzu meine Abhandlung «Vom Wesen der Philosophie» (1917) im Buche «Vom Ewigen im Menschen» (1921), ferner meine im Erscheinen begriffene Arbeit «Entwicklungs¬ stufen der Seele».
[divider style=”solid” top=”20″ bottom=”20″]
عنوان المقالة الأصل: Liebe und Erkenntnis | Max Scheler