بقلم روبنسون ماير
في وقت سابق، أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بقيادة الأمم المتحدة أحدث مجلد من “تقريرها التجميعي” الحالي، وهو ملخص شامل لما تعرفه البشرية عن المناخ، وكما كتبت في ذلك الوقت، بينما تركز المجلدات الأخرى على تأثيرات تغير المناخ، فإن هذا التقرير الأحدث يتطرق إلى كيفية منع مثل هذه التأثيرات.
وتتمثل إحدى الوسائل الرئيسة التي يستخدمها المجلد لتقدير كيفية تجنب كارثة مناخية فيما يسمى بنماذج نظام الطاقة، وهي عبارة عن برامج حاسوبية معقدة تحاكي استخدام الاقتصاد العالمي للطاقة بجميع أشكالها – الفحم، والغاز الطبيعي، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية – والبصمة الكربونية المسببة للانحباس الحراري العالمي الناجمة عن هذا الاستخدام للطاقة، وقد يشمل النموذج الواحد الطلب على الغاز الطبيعي في منغوليا، ومعدل استخدام الطرق السريعة في إسكتلندا، وشراء السيارات الكهربائية في نيوجيرسي، والآلاف من الأرقام المُدخلة الأخرى قبل حساب نسبة الانبعاثات الكربونية لسنة معينة.
وهذه النماذج مفيدة لأنها تنتج سيناريوهات، وهي تسلسلات قصصية توضح كيف يستطيع العالم تلبية احتياجاته من الطاقة في حين يعمل تدريجيًّا على التخلص من التلوث الكربوني، ويمكنها أن تساعدنا في فهم كيفية تأثير سياسة الطاقة الحالية والمستقبلية على مسار الانبعاثات (من خلال تغذية مخرجات نماذج أنظمة الطاقة في النماذج المناخية، والتي تتنبأ بالكيفية التي قد يغير بها مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي درجة الحرارة، وهطول الأمطار، وغير ذلك الكثير، مما يمكّن رؤية كيف قد تؤدي هذه الانبعاثات إلى تغير المناخ)، ويمكن أن تبين لنا هذه النماذج، على سبيل المثال، أنه استنادًا إلى الالتزامات التي تعهدت بها البلدان في البداية بموجب اتفاق باريس، فمن المقرر أن يرتفع متوسط درجة الحرارة في العالم بأكثر من درجتين مئويتين فوق مستوى ما قبل الثورة الصناعية، وهو ما ينتهك هدف تلك المعاهدة.
وبطبيعة الحال، كان ذلك واضحًا منذ فترة طويلة، ولكن نماذج نظام الطاقة المستخدمة في أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تنبئنا بشيء آخر أيضاً: الطريق إلى تجنب أسوأ التأثيرات المترتبة على تغير المناخ يتطلب معجزة، قد لا تكون تلك المعجزة مستحيلة، ولكن من الصعب جدًّا تحقيقها.
ووقعت مئات السيناريوهات التي قامت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بتحليلها ضمن واحدة من ثلاث مجموعات، يتنبأ كل سيناريو في المجموعة الأولى بأن العالم سوف يزيل قريبًا عشرات الجيجا طن من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي كل عام، وإن إزالة الكربون لا تزال مجرد حلم، إذ بالإضافة إلى كونه غير مثبت من الناحية التكنولوجية على نطاق واسع، فإن نسب استخدام الكربون للطاقة كبيرة جدًّا لكن تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ يشير إلى أنه خلال فترة حياة أطفال اليوم، قد ينفق العالم أكثر من ثلث إجمالي إنتاجه من الطاقة لإزالة الكربون من الغلاف الجوي، وذلك وَفقًا لزيكي هاوسفاذر، أحد المؤلفين في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
لن يجني العالم أي مكاسب اقتصادية فورية من ممارسة إدارة النفايات هذه، فلن يتحول هذا الكربون إلى شيء مفيد، وسوف يحتاج العالم ببساطة إلى إنفاق ما قد يعادل تريليونات الدولارات سنويًّا على إزالة الكربون للمساعدة في ضبط الاضطرابات المناخية، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تجري عملية الإزالة الجماعية هذه بينما يفعل العالم كل ما تستلزمه إزالة الكربون، مثل بناء مزارع الرياح والطاقة الشمسية، وتوسيع وسائل النقل العام، والتحول إلى السيارات الكهربائية، ويجب تنفيذ كل خطة وسياسة مناخية سمعنا عنها من قبل، بينما تُزال عشرات الجيجاوات من الكربون.
قد يصعب تخيل هذا السيناريو، ولكن الآن دعونا ننتقل إلى المجموعة الثانية من السيناريوهات، والتي تحكي قصة مختلفة تتمثل في تخفيف العالم بسرعة من استخدام الطاقة على مدى العقدين المقبلين؛ مما يؤدي إلى خفض التلوث الكربوني ليس من البلدان الغنية فحسب، مثل الولايات المتحدة، بل أيضًا من البلدان متوسطة الدخل، مثل البرازيل وباكستان والهند.
ولا أقصد بعبارة “الحد من الطلب على الطاقة” الوضع القياسي لتحول الطاقة والنمو الأخضر، حيث ينتج العالم المزيد من الطاقة كل عام، وتأتي معظمها من مصادر خالية من الكربون، بل إن هذه السيناريوهات تتخيل عالمًا ينهار فيه إجمالي الطلب العالمي على الطاقة في العقود القليلة المقبلة، وهناك سبب وجيه لذلك – فيما يتعلق بالنماذج، يعد هذا الأسلوب أحد أفضل الطرائق للقضاء على التلوث الكربوني في غضون 10 سنوات – ولكن هذه ليست هي الطريقة التي تتعامل بها أي دولة مع سياسة المناخ.
خذ على سبيل المثال افتراضات هذه السيناريوهات حول امتلاك السيارات، يوجد اليوم حوالي 1.3 مليار سيارة ومركبة حمولة خفيفة على الطريق في جميع أنحاء العالم، وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يصل هذا العدد إلى 2.21 مليارًا بحلول عام 2050م – أي بزيادة قدرها 70% – وسيكون أقل من نصفها من المركبات الكهربائية، لكن سيناريوهات الطاقة المنخفضة تتطلب انخفاض أسطول المركبات العالمي إلى النصف تقريبًا خلال نفس الفترة الزمنية، ليتقلص إلى حوالي 850 مليون سيارة ومركبة حمولة خفيفة بحلول عام 2050م.
ويبدو هذا رائعاً، أتمنى أن أعيش في عالم لا يضطر فيه معظم الناس إلى امتلاك سيارة لكسب لقمة العيش أو المشاركة في المجتمع، ومع ذلك، لا يبدو لي أن هذا الأمر محتمل، وهو ليس التحول الوحيد الذي يغير الحياة والذي تصوره سيناريوهات الطاقة المنخفضة، إذ تتصور هذه السيناريوهات ثورة مماثلة في تكنولوجيا كفاءة استخدام الطاقة تجتاح جوانب أخرى من المجتمع، مثل تشييد المباني والتدفئة السكنية والتصنيع، ومن الناحية التاريخية، ستتحسن كفاءة استخدام الطاقة بنحو 2% سنويًّا، وتتطلب سيناريوهات الطلب المنخفض على الطاقة تحسنًا أكبر بكثير.
كما تتطلب سيناريوهات الطلب المنخفض على الطاقة هذه إزالة كمية هائلة من الكربون، ما يقرب من 3 مليارات طن، وقال هاوسفاذر، أحد المؤلفين في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (لقد أصبح مؤخرًا باحثًا رئيسًا في مجال المناخ في شركة سترايب للدفع عبر الإنترنت، والتي تكبدت تكاليف إزالة الكربون من الغلاف الجوي أكثر من أي شركة أخرى): “حتى مع انخفاض الطلب على الطاقة، لا يزال هناك قدر لا بأس به من [إزالة الكربون]، تتراوح بين 3 و5 جيجا طن فقط، وليس بين 5 و15 جيجا طن”.
وتتضمن المجموعة الثالثة من هذه السيناريوهات الواردة في التقرير الجديد فشل البشرية في الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية بحيث لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية (أو 2.7 درجة فهرنهايت)، وهو ما يتجاوز طموح الأهداف المناخية لاتفاق باريس؛ إذ إن تجاوز 1.5 درجة مئوية يعني أن العالم قد يواجه موجات جفاف مميتة، وهجرات جماعية، ودرجات حرارة خارجية مميتة بحلول منتصف القرن.
وتكمن المشكلة في صعوبة تخيل أي من هذه النتائج، ولا يوجد اتفاق دولي – أو حتى استعداد سياسي – لإجراء عملية إزالة الكربون على النطاق الذي يتصوره تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وليس هناك رغبة كافية في التقليل السريع في الطاقة الذي يجب أن يجري خلال هذا العقد لتلبية سيناريو الطلب المنخفض على الطاقة، وإذا جرى التخلي عن أي من هذين النهجين، فإن هذا يعني أن العالم سوف يتجاوز حد الـ 1.5 درجة مئوية؛ مما سيؤدي إلى اضطرابات واسعة النطاق.
عندما تنظر إلى المجموعات الثلاث من هذا المنظور، تتضح بعض الأمور، الأمر الأول والأكثر أهمية هو أن البشرية يجب أن تستثمر المزيد في إزالة الكربون في أسرع وقت ممكن، وحتى الآن، جاءت أغلب الأموال التي أنفقت على إزالة الكربون من القطاع الخاص، فقبل أسبوعين، كتبت عن جهود شركة سترايب، لكن التمويل اللازم لإزالة مليارات الأطنان سنويًّا لا يمكن أن يأتي إلا من الحكومة، ويأمل العديد من مفكري المناخ أن تتدخل الحكومة الفيدرالية وتدير إزالة الكربون بصفتها خدمة عامة لإدارة النفايات، على الأقل في الولايات المتحدة، ولا يوجد حاليًا استعداد سياسي كافٍ من الطرفين للقيام بذلك، لكن الوقت قد حان للتدخل.
والأمر الثاني هو أن التعامل مع تغير المناخ سوف يتطلب اضطرابًا على نطاق لم يستوعبه نظامنا السياسي بعد، ومن الممكن أن يحدث هذا الاضطراب مسبقًا ويمنع الضرر، ومن الممكن أن تنتج عنه أضرار مناخية كبيرة، إذا سألتك: بعد أربعين عامًا من الآن، هل سيمتلك نحو 5% فقط من الأمريكيين سيارة، أم سينفق العالم حصة كبيرة من إنتاجه من الطاقة لامتصاص الكربون من الغلاف الجوي؟ ستجيب بعدم واقعية الاحتمالين، وهذه هي الفكرة: سنُحشر في زاوية – فحجم التغيير الذي سنشهده لا يمكن تصوره، ولا يمكننا الفرار منه.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة ذا أتلانتيك).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.

الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.