الزومبي يرمزون إلى الأسهم ذات القيمة: صامتون، ينتشرون بهدوء، ويفتقرون إلى الوعي، لكنهم يمثلون سوقًا متنامية بلا قيود واضحة أو حدود تعيق توسعها، الزومبي هم بيئة غنية بالأهداف، حرفيًّا ومجازيًّا، وكلما ملأتهم بالرصاص، أصبحوا أكثر إثارة، فقد شاهدَ نحو 5.3 ملايين شخص الحلقة الأولى من “الموتى السائرون” على قناة AMC، وهو ما يمثل زيادة مذهلة بنسبة 83 في المئة مقارنة بـ 2.9 مليون شخص شاهدوا العرض الأول للموسم الرابع من “رجال ماد”، هذا يعني أن هناك ما لا يقل عن 2.4 مليون أمريكي مستعدون لمشاهدة قنوات الكابل، وربما يفضلون مشاهدة كريستينا هندريكس إذا أدت دور جثة متحركة.
إحصائيًّا وجماليًّا، يبدو أن هذا التباين مشوّه، لكن من المحتمل ألا يكون كذلك، لقد ارتفع الاهتمام العام بالزومبي باستمرار على مدار الأربعين عامًا الماضية، والزومبي سلعة تطورت ببطء، من دون تطور كبير، تمامًا مثل الكائنات المذهلة التي شعر بها جورج روميرو في فيلم “ليلة الموتى الأحياء” عام 1968م، ما يجعل هذا التضخيم الملفت للنظر هو القيود الأساسية التي تُميّز طبيعة الزومبي نفسه؛ إذ لا يمكنك إضافة عمق كبير إلى كائن لا يستطيع الكلام ولا يفكر، ودافعه الوحيد هو استهلاك اللحم، ولا يمكنك أنْسنَة الزومبي، ما لم تجعل منه أقلّ زومبيّة. هناك زومبي بطيء، وهناك زومبي سريع، هذا هو طيف تنوع الزومبي، ليس لأن الزومبي يتغير ليتناسب مع حالة العالم؛ بل لأن حالة العالم تبدو أكثر كأنها هجوم زومبي. هناك شيء ما عن الزومبي يصبح أكثر إثارة لنا، وأظنّ أنني أعرف ما هو هذا الشيء.
الزومبي سهلون جدًّا في القتل.
عندما نفكر تفكيرًا نقديًّا في الوحوش، نميل إلى تصنيفها بوصفها شخصيات تجسد ما نخشاه؛ وحش فرانكشتاين جسَّد قلقنا بشأن العلم غير المقيد، وغودزيلا وُلِدَ من الخوف من العصر الذري، وتتغذى الذئاب البشرية على هلع غريزي بشأن الافتراس وانفصال الإنسان عن الطبيعة، ويشترك مصاصو الدماء والزومبي في قلق متأصل بشأن الأمراض، من السهل أن نرى علاقة رمزية بين الزومبي وداء الكلب، أو بين الزومبي وأزمات الاستهلاك في المجتمع، تمامًا كما من السهل إسقاط علاقة رمزية بين مص الدماء والإيدز (أو مص الدماء وفقدان النقاء). من المنظور الإبداعي، تعدُّ هذه الإسقاطات الخوفية نقاط ربط سردية؛ فهي تحول الكائنات إلى أفكار، وهذا هو الهدف.
لكن، ماذا لو استنتج الجمهور استعارة مختلفة تمامًا؟
ماذا لو كان الناس المعاصرون أقل اهتمامًا برؤية تمثيلات لمخاوفهم اللاواعية، وأكثر جذبًا للاستعارات بشأن كيف تبدو حياتهم اليومية؟ هذا قد يفسر لماذا شاهد كثيرٌ من الناس تلك الحلقة الأولى من “الموتى السائرون”؛ فقد كانوا يعلمون أنهم سيتمكنون من الارتباط بها.
كثيرٌ من الحياة الحديثة يشبه تمامًا قتل الزومبي.
إذا كان هناك شيء واحد نفهمه جميعًا عن قتل الزومبي، فهو أن الفعل سهل: تطلق النار على أحدهم في الدماغ من مسافة قريبة (يُفضَّل باستخدام بندقية)، هذه هي الخطوة الأولى، والخطوة الثانية هي فعل الشيء نفسه مع الزومبي التالي الذي يأخذ مكانه، والخطوة الثالثة مطابقة للخطوة الثانية، والخطوة الرابعة لا تختلف عن الخطوة الثالثة، كرر هذه العملية حتى (أ) تموت، أو (ب) ينفد الزومبي، هذه هي الاستراتيجية الوحيدة القابلة للتطبيق.
كل حرب زومبي هي حرب استنزاف، إنها دائمًا لعبة أرقام، وهي أكثر تكرارًا من كونها معقدة، وبعبارة أخرى، قتل الزومبي يشبه فلسفيًّا قراءة 400 بريد إلكتروني وحذفهم في يوم الاثنين صباحًا، أو ملء الأوراق التي لا تنتج سوى مزيد من الأوراق، أو متابعة شائعات تويتر بدافع الالتزام، أو أداء مهام مملة يكون الخطر الحقيقي الوحيد فيها أن يتم استهلاكك بوساطة الانهيار، والعيب الرئيس في أي هجوم زومبي أن الزومبي لن يتوقفوا أبدًا عن القدوم؛ العيب الرئيس في الحياة هو أنك لن تنتهي أبدًا مما تفعله.
الإنترنت يذكرنا بهذا كل يوم.
إليك مقطع من كاتبة شابة تُدعى أليس غريغوري، مأخوذ من مقال حديث عن رواية غاري شتاينغارت الديستوبية “قصة حب حقيقية حزينة جدًّا” في المجلة الأدبية n+1: ” من الصعب ألا أفكر في “دافع الموت” كلما دخلت إلى الإنترنت. فتح متصفح سفاري يبدو وكأنه قرار مدمّر بحد ذاته، وكأنني أطلب أن أُحرم من هذا الوعي الذي يدفعني إليه.
خوف السيدة غريغوري الموجه ذاتيًّا مشابه موضوعيًّا لكيفية وصف عقل الزومبي من قبل ماكس بروكس، مؤلف التاريخ الشفهي الخيالي “الحرب العالمية ز” ودليل المساعدة الذاتية المرافق له، “دليل البقاء على قيد الحياة من الزومبي” إذ قال: “تخيل جهاز كمبيوتر مبرمج لتنفيذ وظيفة واحدة، لا يمكن إيقاف هذه الوظيفة أو تعديلها أو مسحها، ولا يمكن تخزين بيانات جديدة، ولا يمكن تثبيت أوامر جديدة، سيؤدي هذا الكمبيوتر تلك الوظيفة الواحدة، مرارًا وتكرارًا، حتى ينطفئ مصدر الطاقة الخاص به في النهاية”.
هذا هو إسقاط خوفنا الجماعي: أننا سنُستهلك. الزومبي يشبهون الإنترنت ووسائل الإعلام، وكل محادثة لا نريد خوضها، ذلك كلّه يأتي إلينا بلا نهاية (وبلا تفكير)، وإذا استسلمنا؛ سنُغلب ونتشرب، ومع ذلك، فإن هذه الحرب قابلة للإدارة، إن لم تكن بالضرورة قابلة للفوز، ما دمنا نستمر في حذف ما هو أمامنا مباشرة، فإننا ننجو. نعيش للقضاء على زومبي الغد، ونحن قادرون على البقاء بشرًا، على الأقل حاليًّا، عدوّنا لا يرحم وضخم، لكنه أيضًا غير مبدع وغبي.
محاربة الزومبي تشبه محاربة أي شيء… أو كل شيء.
بسبب سلسلة “الشفق”، من السهل صياغة حجة تفيد أن الزومبي يحلّون محل مصاصي الدماء بوصفهم وحوش اللحظة، وهو تصنيف يُفترض أن يكون له دلالة لأسباب مجازية وغير وحشية، لكن هذا النوع من التفكير مضلل، فالزيادة الأخيرة في الاهتمام بمصاصي الدماء على مدى خمس سنوات تعود إلى النجاح المتعدد المنصات لـ”الشفق” فقط، وهي علامة تجارية ليست مرتبطة بمصاصي الدماء على أي حال، بل إنها تتعلق غالبًا بالحنين إلى عفة المراهقين، وجاذبية طاقم الفيلم، وحقيقة أن مستهلكي الأدب المعاصر يميلون إلى تفضيل الروايات الطويلة المتسلسلة التي يمكن قراءتها بسرعة، لكن هذا قد خلق تأثير الدومينو، لقد كان فيلم مصاص الدماء السويدي “دع الصحيح يدخل” من عام 2008م رائعًا، لكنه ربما لم يكن ليُعاد إنتاجه في الولايات المتحدة لو لم تكن “الشفق” موجودة. كانت “البوابات” محاولة صريحة من ABC لاستقطاب جمهور “الشفق” المقيّد في المنزل من المراهقين؛ بينما كان “الدم الحقيقي” على قناة HBO رد فعل ساخرًا تجاه جديّة روبرت باتينسون المتكلفة
الفرق عن الزومبي، بالتأكيد، هو أنه من الممكن أن تحب مصاص دماء معينًا مؤقّتًا، وهو ما ليس خيارًا حقيقيًّا مع الموتى الأحياء. شخصيات مثل: إدوارد كولن الذي يلعبه السيد باتينسون في “الشفق”، وليستات دي ليونكورت في روايات آن رايس، وحتى الكونت دراكولا القديم الممل، يمكن أن تكون متعددة الأبعاد، ومن الممكن أن تتعلم من هم وماذا كانوا، ويمكن أن يكون الحب بين مصاصي الدماء فريدًا، أما حب الزومبي، فهو دائمًا جماعيّ، فإذا كنت تحب الزومبي، فأنت تحب مفهوم الزومبي كاملًا، وليس الأمر شخصيًّا قط، فأنت مهتم بما يرمز إليه الزومبي، تحب طريقة تحركهم، وتفهم ما هو مطلوب لإيقافهم، وهذه جاذبية مطمئنة؛ لأن تلك الجوانب لا تتغير حقًّا، لقد أصبحت معرفة أو “نمطًا شائعًا” مشتركًا.
قبل بضعة أيام من عيد الهالوين، كنت في شمال ولاية نيويورك مع ثلاثة أشخاص آخرين، فانتهى بنا المطاف بطريقة ما في “حظيرة الرعب”، خارج بلدة تُدعى “بحيرة كاترين”، كان دخول الحظيرة مزعجًا قليلًا، على الرغم من أنه ربما لم يكن مخيفًا مثل دخول حظيرة مهجورة حقيقية، التي لا تفرض رسومًا بقيمة 20 دولارًا ولا تملك اسم نطاق خاص بها، ومع ذلك، كانت أفضل لحظة عندما خرجنا من حظيرة الرعب وتم حشرنا بسرعة في حافلة مدرسية، إذ أخذتنا إلى حقل من الذرة يبعد حوالي ربع ميل، وكان الحقل ممتلئًا بممثلين هواة، بعضهم يلعب دور العسكريين، وآخرون ما سمّوه “بالمصابين”، وقيل لنا أن نركض في أثناء متاهة الذرة تحت ضوء القمر إذا أردنا أن نعيش، بينما كنا نركض، كان الجنود المسلحون يصرخون بتعليمات متناقضة، وفي الوقت نفسه، برز الزومبي من الظلام الذي خلفته التجارب النووية. كان من المفترض أن يكون الأمر ممتعًا، وكان كذلك بالفعل، لكن قبل أن ننغمس أكثر في هذا العالم المشوه، وجه أحد رفاقي انتقادًا ساخرًا لواقعنا الحالي.
قال: “أعلم أن هذا من المفترض أن يكون مخيفًا”، وأضاف: “لكنني واثق جدًّا من قدرتي على التعامل مع نهاية العالم؛ الزومبي، وأشعر بمعلومات غريبة بشأن ما يجب القيام به في هذا النوع من السيناريوهات”.
لم أستطع أن أختلف، ففي هذه المرحلة، من الذي لا يعرف؟ كلنا نعلم كيف تسير الأمور: إذا استيقظت من غيبوبة، ولم ترَ فورًا أحد أفراد طاقم المستشفى، فافترض أن غزوًا زومبيًا قد حدث أثناء فترة العجز. لا تسافر ليلاً، واحتفظ بستائر نوافذك مغلقة. لا تدع الزومبي يبصقون عليك، وإذا أسقطت زومبيًّا، فوجِّه رصاصة ثانية إلى جذع دماغه، لكن فوق كل شيء، لا تفترض أن الحرب قد انتهت؛ لأنها لم تنته قط، فإنّ الزومبي الذين تقتلهم اليوم سيتم استبدالهم فقط بزومبي غدًا، لكن يمكنك فعل ذلك، صديقي، إنه محبط، لكنه ليس صعبًا؛ لذا احتفظ بإصبعك على الزناد، واستمر في التصفية، لا تتوقف عن الإيمان، لا تتوقف عن الحذف، وارجع إلى رسائل بريدك الصوتي، وهزّ رأسك موافقًا، هذا هو عالم الزومبي، ونحن نعيش فيه فقط، لكن يمكننا أن نعيش على نحوٍ أفضل.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة نيويورك تايمز).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.
الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.