كريستينا كارون
هل سبق لك أن شعرت بالشُّرود؟
ربما تكون قد عايشت حالة من الهيبنوستيس على الطريق، دون أن تتذكر كيف قُدت من النقطة (أ) إلى النقطة (ب)، أو ربما ليست لديك أي ذاكرة عن شيء قرأته توًّا.
هذه أشكال خفيفة من الانفصال الذي يعني القدرة على الانفصال عن أفكارنا أو مشاعرنا أو بيئتنا أو أفعالنا.
يمكن أن يساعد الانفصال الناس على أداء مهامهم بمن فيهم الرياضيون، على سبيل المثال، لأنه “يُتيح للناس التركيز على الجوانب الأكثر بروزًا أو الحياتية في الموقف” دون تدخل ذهني، كما قالت جانينا فيشر عالمة النفس التي تُعالج الاضطرابات الانفصالية منذ عقود.
لكن في بعض الأحيان، يختبر الناس شكلًا رئيسًا من الانفصال، ويكون غالبًا قد حدث بعد صدمة ساحقة، وفي هذه الحالة، تصبح الأعراض الانفصالية أكثر حدة وتكرارًا.
لقد ظلَّ اهتمام الجمهور بالانفصال واضطراباته سنوات عديدة، ومن الأمثلة على ذلك كتابا “سيبيل” و”وجوه إيف الثلاثة”، وكلاهما تم تحويله إلى فيلم سينمائي شعبيّ جدًّا، إذ يتحدث كلٌّ منهما عن امرأة تعاني من “شخصيات متعددة”.
الآن، يقوم الناس بتوثيق تجاربهم مع الانفصال ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تمت مشاهدة مقاطع الفيديو المنشورة على تيك توك التي تحمل الوسم #dissociativeidentitydisorder، أو D.I.D، أكثر من 1.7 مليار مرة، في حين حصل الوسم #dissociation على أكثر من 775 مليون مشاهدة، وتظهر بعض المقاطع كيف يبدو الانفصال، أو تُستخدم تأثيرات بصرية لشرح الشعور الغريب بالعيش خارج جسدك، وفي مقاطع أخرى، يصف الناس هوياتهم المختلفة، المعروفة أيضًا باسم “الأجزاء” أو “البدائل”.
وصف مشاهير مثل عضو طاقم “ساترداي نايت لايف” بو وين يانغ أيضًا نضالاتهم مع الاضطرابات الانفصالية على نَحوٍ صريح، في حين تستمر المحادثات المُتعلّقة بالصحة النفسية في الانتقال إلى المنتديات العامة.
لكن الأبحاث تُشير إلى أن كثيرًا من هذا المحتوى لا يوفر معلومات موثوقة، وقد طلبنا من عدد من مقدمي خدمات الصحة النفسية توضيح مزيد من المعلومات حول الانفصال.
ما الاضطرابات الانفصالية؟ بدلًا من القتال أو الهرب في موقف مرهق أو مهدد، يلجأ بعض الأشخاص إلى “التجمد”، كما قال الدكتور فرانك و. بوتنام، أستاذ الطب النفسي السريري في كلية الطب بجامعة نورث كارولينا وخبير في الاضطرابات الانفصالية. “هذه هي الحالة الانفصالية، إذ إنّك تتوقف وتختفي نوعًا ما”.
على الرغم من أن الانفصال يمكن أن يساعد الشخص على الهروب ذهنيًّا في أثناء التهديد، فإنه يمكن أن يتداخل مع الحياة اليومية عندما يستمر الناس في الانفصال خلال المواقف العادية، وقد يجد بعض الأشخاص أنفسهم في مكان جديد دون معرفة كيف وصلوا إلى هناك، على سبيل المثال.
تجارب متكررة مثل هذه تجعل الانفصال مَرَضيًّا، كما قال الدكتور بوتنام، ويضيف أنه يصبح اضطرابًا عندما تتشتت وتفقد “الوقت” مدّة كافية تتداخل مع حياتك على نَحوٍ كبير.
تُعدُّ أكثر الاضطرابات الانفصالية شيوعًا هي: اضطراب الهوية الانفصالية، واضطراب تبدد الشخصية/عدم الواقعية، وعمى الانفصال.
الخيط المشترك في كلٍّ منها اضطراب الهوية.
اضطراب الهوية الانفصالية هو الأشدّ من بينها، وكان معروفًا سابقًا باضطراب الشخصية المتعددة، وأولئك الذين يعانون من اضطراب الهوية الانفصالية D.I.D يشيرون إلى وجود هويتين أو أكثر لديهم، وتشير الدراسات إلى أن قرابة 1 إلى 1.5 في المئة من السكان لديهم D.I.D، لكن البعض يقول إن معدَّل الانتشار قد يكون أعلى.
“أعتقد أنه تم تشخيصه على نحو غير كافٍ”، قالت الدكتورة جوديث هيرمان، طبيبة نفسية ورائدة في مجال دراسات الصدمات، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى “أنك ما تزال تسمع الناس في مجالي يقولون إنهم لا ‘يؤمنون بـ D.I.D.””.
على الرغم من تضمين D.I.D. في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية -5، وهو الدليل الرسمي لجمعية الطب النفسي الأمريكية، فإن بعض الأطباء النفسيين وعلماء النفس يعتقدون أن المرضى الذين تظهر عليهم أعراض D.I.D يعانون في الواقع من اضطراب الشخصية الحدية، ويعتقد آخرون أنه موضة، أو أنه يمكن أن يتم تحفيزه بوساطة مقدم الخدمة.
تجربة صدمة شديدة في الطفولة في سن مبكرة مثل الاعتداء الجنسي، مؤشر على تطوير D.I.D.، كما قال خبراء عدّة.
أقرّت الدكتورة فيشر بأن “هذا تشخيص يصعب تصديقه ما لم تكن قد عاينته بنفسك”، وأضافت أن المرضى يُظهرون تغيرات في لغة الجسد وتعبيرات الوجه والقدرة المعرفية، معلِّقة على ذلك بقولها: “إنه نوع من الدرامي ويبدو تقريبًا خياليًّا”.
ويُعتقد أن اضطراب تبدد الشخصية/عدم الواقعية يُعاني منه قرابة 1 إلى 2 في المئة من السكان، وغالبًا ما يرتبط بتجارب سابقة من الإساءة اللفظية، مثل الإذلال الذي يدفع شخصًا ما إلى الرغبة في الانفصال عن بيئة عاطفية مؤلمة، وفقًا لما ذكره الدكتور بوتنام.
وفقًا لجمعية الطب النفسي الأمريكية، يمكن أن يشعر أولئك الذين يعانون من تبدُّد الشخصية أحيانًا كما لو كانوا منفصلين عن عقولهم أو أجسادهم -غريبين عن أنفسهم- كما لو كانوا يشاهدون الأحداث وهي تحدث لهم، ومن ناحية أخرى، يُشير عدم الواقعية إلى الشعور بالانفصال عن البيئة كأن الناس والأشياء في العالم ليست حقيقية، وفي بعض الحالات تظهر مثل قصاصات من الورق المقوى.
لم يتم تحديد انتشار عمى الانفصال على نَحوٍ جيد، وهو يحدث استجابة لمجموعة متنوعة من أنواع الصدمات المختلفة، ويتضمن فقدان كتل من الوقت، إذ تفقد هويتك ولا تستطيع تذكُّر معلومات مهمة عن حياتك مثل اسمك.
وكلٌّ من عمى الانفصال وأعراض تبدد الشخصية/عدم الواقعية يرافقان عادة D.I.D.
لماذا تستحوذ الاضطرابات الانفصالية على هذا الاهتمام كلّه؟
“كنت أعتقد أن الإنترنت وعالم التطبيقات سيجمعنا جميعًا معًا، لكن كان له التأثير المعاكس تمامًا”، قال الدكتور ديفيد سبايجل، أستاذ الطب النفسي في جامعة ستانفورد الذي عمل مع مرضى D.I.D. قرابة 50 عامًا، وأضاف: “لقد شتتنا”.
ما يعنيه -كما أوضح- أن كثيرًا منا قد انزوى في غرف صدى خاصة على الإنترنت، وأن بعض الأشخاص يعانون حقًّا من اضطراب الهوية الانفصالية، أو أي عدد من الاضطرابات النفسية، لكن آخرين قد يُخطئون في تصنيف أنفسهم لأنهم محاصرون في حلقة معلومات حول اضطراب الهوية الانفصالية، إما عن طريق الاختيار وإما عبر خوارزمية وسائل التواصل الاجتماعي العدوانية.
ذكر الخبراء أن فكرة وجود واقع بديل أو هويات مختلفة فكرة قد تتكرر خاصة مدّة المراهقة، وهي مدّة يعاني فيها عديدٌ من المراهقين من سؤال “من أنا؟”.
عمِل الدكتور ديفيد ريتو، طبيب نفسي للأطفال والمراهقين ومدير الطب في خدمات الصحة السلوكية بمقاطعة لين في يوجين، أوريغون مع عديد من المراهقين الذين تعلموا الاضطرابات الانفصالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والآن يتساءلون إن كانوا يعانون منها.
شجَّع الدكتور ريتو أي شخص فضولي بشأن اضطراب معيَّن على التحدث مع مقدم رعاية صحية خبير ومتفهم، خصوصًا من يفهم الصدمات، للكشف عما قد يحدث.
يقول: “تقريبًا كل شيء في الصحة النفسية له أبعاد متعددة، وهو موجود على نطاق واسع”، مضيفًا: “وذلك لا يجعل حالاتنا أقل واقعية، لكنه يجعلها أكثر تعقيدًا”.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة نيويورك تايمز).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.

الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.