مقدمة للترجمة
في 28 سبتمبر من العام 1960 اجتمعت في نيويورك مجموعة من السينمائيين الأمريكيين الغاضبين، بمبادرة من المنتج لويس آلين (Lewis Allen) والمخرج جوناس مكاس (Jonas Mekas). كان عددهم ثلاثة وعشرون شخصًا، اتفقوا على تكوين جماعة “السينما الأمريكية الجديدة” التي عرفت فيما بعد بـ “سينما الأندرجراوند” (Underground Cinema). من يقرأ هذا البيان لا يشعر بأن أكثر من نصف قرن قد مضى على تاريخ كتابة هذه الكلمات المتدفقة، التي تثير الشغف بتلك الأصوات الحرة، الطامحة إلى التغيير، تغيير الإنسان أولًا وقبل كل شيء … أهمية هذا البيان تأتي من أنه يعيدنا إلى لحظة البدايات. وإذا كانت حركات التجديد والتيارات الطليعية لم تنقطع على مدار تاريخ السينما، منذ أول ظهور لفن السينماتوجراف، إلا أن بيان جماعة السينما الأمريكية الجديدة يُعدّ بلا شك محطة هامة وركيزة أساسية في مسيرة حركات التجديد التي أضاءت تاريخ السينما.
ما زلنا نتحرك على الطريق الذي خطته تلك الكلمات ومهّدت له، إذ تُحيلنا إلى أحلام محلقة وتصميم فريد لخلق عالم تصوغه الحرية في تلاقيها مع الخيال والفن. لم تفقد كلمات البيان طزاجتها، فهي تبدو صالحة لرسم نهج بديل لكل فن سينمائي يسعى إلى الاستقلال، وقادرة على التعبير عن طموح أجيال جديدة لا زالت تبحث عن الحرية والصدق.
***
نصّ البيان
على مدارالسنوات الثلاث الماضية شهدنا ميلادًا تلقائيًا لجيل جديد من صناع السينما: السينما الحرة في إنجلترا، الموجة الجديدة في فرنسا، الحركات الشابة في بولندا وإيطاليا وروسيا، وفي بلدنا هذا، أعمال ليونيل روجوسين (Lionel Rogosin)، جون كاسافيتيس (John Cassavetes)، ألفريد ليزلي (Alfred Leslie)، روبرت فرانك (Robert Frank)، إدوارد بلاند(Edward Bland) ، بيرت ستيرن (Bert Stern) وإخوان ساندرز (Sanders brothers)
السينما الرسمية في العالم أجمع تلفظ أنفساها الأخيرة. هي سينما فاسدة أخلاقيًا، بالية في جمالياتها، سطحية من حيث موضوعاتها، وفي طبيعتها هي جدًا مملة. حتى الأفلام التي تبدو مقبولة، تلك الأفلام التي تسعى لتقديم مستويات أخلاقية وجمالية عالية، والتي تم اعتبارها كذلك من قبل النقاد والجمهور على حد سواء، تكشف عن انحدار الفيلم الذي تنتجه المؤسسات الكبرى. لقد غدا في تلك السلاسة التي يتم بها تنفيذ هذه الأفلام، إشارة إلى فساد يُخفي زيف الموضوعات، والافتقار إلى الحساسية وخصوصية الأسلوب.
إذا كان وعي السينما الأمريكية الجديدة بذاتها لا يزال منقوصًا، وإذا كان يغلب على وجودها التشتت، فنحن نرى أن الوقت قد حان لكي نتحد. إن عددنا كبير – فحركتنا تمتد وتصل إلى معدلات هامة – ونعرف ما الذي يتوجب علينا القضاء عليه، وما نؤيده.
وكما هو الحال في الفنون الأخرى في أمريكا اليوم – الفن التشكيلى والشعر والنحت والمسرح، والتي تهبّ عليها رياح التجديد منذ بضع سنوات – تمردنا ضد القديم والرسمي والفاسد والمدعي، هو في المقام الأول تمرد أخلاقي. اهتمامنا ينصب أولًا على الإنسان وما يحدث له. لسنا مدرسة جمالية تقيد صانع السنيما بعدد من القواعد الميتة. نحن نشعر أنه لا يمكننا الوثوق بأي من المبادئ الكلاسيكية سواءً في الفن أو الحياة.
1- نعتقد أن السينما هي تعبير ذاتي لا يتجزأ، لذلك نرفض تدخل المنتجين والموزعين والمستثمرين في أعمالنا إلى أن تصير هذا الأعمال جاهزة للعرض على الشاشة.
2- نرفض الرقابة. أبدًا لن نوقع على أي قانون رقابي، ولن نقبل نهائيًا بمخلفات من الماضي مثل تراخيص الأفلام. لا يحتاج أي كتاب أو مسرحية أو قصيدة أو مقطوعة موسيقية لأي ترخيص من أي شخص كان. سنتخذ إجراءات قانونية ضد ترخيص الأفلام والرقابة عليها، بما في ذلك تلك التي يقوم بها مكتب الجمارك الأمريكي. من حق الأفلام أن تسافر من بلد إلى آخر، متحررة من الرقابة ومن مقص البيروقراطيين. يتعين على الولايات المتحدة أن تبادر بإنشاء برنامج لحركة المرور الحر للأفلام من قُطر إلى قُطر.
من هم الرقباء؟ من يختارهم ومن يمنحهم صلاحيتهم؟ ما هو الأساس القانوني الذي تقوم عليه الرقابة؟ تلك هي الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات.
3- نسعى للحصول على أشكال جديدة من التمويل والعمل على إعادة تنظيم طرائق الاستثمار في الأفلام. إننا نقيم الأساس لصناعة سينما حرة، وقد وضع بالفعل عدد من المستثمرين القادرين على التمييز، أموالًا في “ظلال” Shadows) (، “إسحب ديزي” ) (Pull My Daisy، “خطيئة يسوع” ) (The Sin of Jesus، “دون بيوت”) Don Peyote (، “الاتصال” The Connection) (، “بنادق الأشجار” (Guns of the Trees). تم الاستثمار في هذه الأفلام بنسب محدودة، كما تجري الأمور عادة في تمويل مسرحيات برودواي. وعلى الساحل الشرقي، دخل عدد من المستثمرين بمجال المسرح، إلى حقل إنتاج الأفلام ذات الميزانيات المنخفضة.
4- تعمل السينما الأمريكية الجديدة على القضاء على “أسطورة الميزانية” وإثبات أنه من الممكن عمل أفلام جيدة، قابلة للتسويق دوليًا، بميزانيات إنتاج تتراوح بين 25000 و 200000 دولار. “ظلال”، “إسحب ديزي”، و”الهارب الصغير” تثبت ذلك. تتيح لنا ميزانياتنا الواقعية التحرّر من النجوم والاستوديوهات والمنتجين. فصانع الفيلم هو من يُنتج فيلمه. ومن المفارقات، أن الأفلام منخفضة التكاليف تعطي هامش ربح أعلى من الأفلام ذات الميزانيات الكبيرة.
ليس للميزانية المنخفضة أهمية تجارية فقط، بل هي تتماشى مع قناعاتنا الأخلاقية والجمالية وترتبط بشكل مباشر بما نريد قوله، وبالطريقة التي نريد قوله بها.
5- سنتخذ موقفًا ضد سياسات التوزيع والاستغلال الحالية. فهناك شيء سيئ بلا شك في نظام توزيع الأفلام بأكمله ؛ لقد حان الوقت لتفجير كل شيء. ليس الجمهور هو من يقف ضد ظهور أفلام مثل “ظلال” أو “عُد إلي” (Come Back) ، أو “أفريقيا” (Africa)بل هم الموزعون وأصحاب دور العرض. وإنه لشيء محزن حقًا أن نضطر لعرض أفلامنا أولاً في لندن أو باريس أو طوكيو، قبل أن تصل إلى قاعاتنا الخاصة.
6- نخطط لتأسيس مركز توزيع تعاوني خاص بنا، وقد تم تكليف عضو المجموعة إيميل دي أنطونيو Emile de Antonio بهذه المهمة، وأول دور سينما تنضم إلينا هي: “مسرح نيويورك” (New York Theatre) ، و”بليكر سانت سينما” (The Bleecker St. Cinema) ، و”مسرح آرت أوفبروك” (Art Overbrook Theatre) (فيلادلفيا) ، وذلك من خلال تعهدها بعرض أفلامنا. سنقيم حملة دعائية بالتعاون مع مركز التوزيع التعاوني لتمهيد الأرض للسينما الجديدة في مدن أخرى، وسوف يقدم الاتحاد الأمريكي لجمعيات الأفلام عونًا كبيرًا لنا في هذه المهمة.
7- لقد حان الوقت لكي يصبح للساحل الشرقي مهرجانًا سينمائيًا خاصًا به يكون بمثابة ملتقى للسينما الجديدة من جميع أنحاء العالم، فلن يُنصف الموزعون، الباحثون عن الربح فقط، السينما أبدًا. إن أفضل ما تقدمه السينما الإيطالية والبولندية واليابانية وجانب كبير من السينما الفرنسية الحديثة، غير معروف على الإطلاق في بلدنا. لذا فمثل هذا المهرجان سوف يلفت نظر العارضين والجمهور إلى تلك الأفلام.
8- بينما نفهم تمامًا مقاصد ومصالح النقابات، نرى أنه من الظلم أن تكون المطالبات المقدمة لعمل مستقل تتكلف ميزانيته 25000 دولار (معظمها مؤجل الدفع)، هي نفسها التي يتم تقديمها إلى فيلم يتكلف 1000000 دولار. سنجتمع بالنقابات لإيجاد طرق أكثر معقولية – على غرار تلك المعمول بها خارج برودواي – والتي تعتمد في نظامها على حجم وطبيعة الإنتاج.
9- نتعهد بتخصيص نسبة من أرباح أفلامنا من أجل إنشاء صندوق نستهدف به مساعدة أعضاء مجموعتنا للإنتهاء من أفلامهم، أو نستخدمها كضامنٍ لهم لدى المعامل.
بتجمعنا هذا نريد أن نوضح أنه يوجد فرقٌ جوهريٌ بين مجموعتنا ومنظمات مثل “الفنانون المتحدون” (United Artists). نحن لا نتحد لكسب الأموال. نحن نتحد لصنع أفلام. نتحد لبناء السينما الأمريكية الجديدة. وسنفعل ذلك، مع ما تبقى من أمريكا ومع من تبقى من جيلنا. تُوحدنا قناعات مشتركة، معرفة مشتركة، غضب مشترك، ونفاذ صبر مشترك، وهو ما يربطنا كذلك بحركات السينما الجديدة في بقية العالم. لذا يمكن لزملائنا في فرنسا أو إيطاليا أو روسيا أو بولندا أو إنجلترا أن يعتمدوا على عزمنا. مثلهم سئمنا من الأكذوبة الكبرى في الحياة وفي الفن. مثلهم لسنا فقط مع السينما الجديدة : نحن أيضًا مع الإنسان الجديد. مثلهم نحن مع الفن، ولكن ليس على حساب الحياة. لا نريد أفلامًا كاذبة مصقولة وحاذقة، بل نفضّلها بدون رتوش، خشنة، لكن حيّة. لا نريد أفلام وردية، بل نريدها بلون الدم.