حاوره: طامي السميري
- لماذا كان الحوار الأدبي خيارك في مسيرتك الصحافية – وهل تؤمن بالتخصص في هذا الجانب؟
أصف تلك الحوارات التي أجريتها بأنها ثقافية تشمل المفكرين والمؤرخين وكل من يتصل بالثقافة بمفهومها الشامل. الحوار الثقافي خيار أصيل ورهان معرفي عميق لمحاولة فهم القضايا الإنسانية بأبعادها المختلفة أؤمن أكثر بإتقان فن صناعة السؤال؛ لنضمن الإضافة المعرفية للقارئ في كافة المجالات وترسيخ تلك الإضافة في الذاكرة الثقافية لتكون وثيقة معرفية لأجيال لاحقة.
- أجريت العديد من الحوارات الصحافية ذات البعد الثقافي – في رأيك ما هي ملامح نجاح هذا النوع من الحوارات؟
أعتقدُ أن المفتاح الأساسي لنجاح أي حوار ثقافي هي القراءة الواعية لأعمال الضيف، فتلك القراءة تخلق بالضرورة أسئلة تساهم في رسم ملامح أي حوار ناجح، هذه هي الطريقة التي جربتُها، لا أُحاورُ ضيفا لا أعرف عنه شيئا ولم أقرأ له من قبل.
- لاحظت أنك تميل الى الحوارات ذات البعد الثقافي والفلسفي وبحضور أقل للحوار الإبداعي كالحوار عن الرواية والشعر – كيف ترى هذا الأمر وهل انت مع المحاور المتخصص أم ان المحاور ينجح مع الجميع؟
ربما بسبب طبيعة ذاتي المتسائلة؛ لذا كانت قراءاتي تميل أكثر إلى القراءات الفكرية والفلسفية وما يتصل بالحالة الثقافية العربية الراهنة. بالإضافة إلى الاحتكاك بأصدقاء من ثقافات مختلفة. ذلك الأمر انعكس على طبيعة تلك الحوارات بصورة عامة. بالنسبة للشق الثاني من السؤال أنا مع ما يهواه المُحاوِر وما يستمتع به أثناء إعداد الحوار بغض النظر عن مجال الحوار.
- حواراتك بعيدة عن لغة الأثارة سواء في عناوينها أو مضامينها – هذا الرتم الهادئ لطبيعة تلك الحوارات كيف أثره عند المتلقي؟
ما يهمني عند حوار أي ضيف أن أحاول إظهار أعمق ما لديه حول أعماله أو المجال أو الموضوع الذي برز فيه، وأجدُ أثر المتعة والفائدة لدى المتلقي ويظهر ذلك جليا في ردود الفعل من رسائل وتعليقات واتصالات. وقبل أن يصل ذلك الأثر للمتلقي، الضيف نفسه يستمتعُ بالإجابة على الأسئلة وهذا ما لمسته من معظم الضيوف الذين حاورتهم.
- حاورت العديد من الأسماء الأجنبية كيف وجدت الفارق في اجراء الحوار مع شخصية عربية والشخصيات الأجنبية؟
من تجربتي لم ألمس فروقات واضحة؛ لكن لا أتذكر أن شخصية أجنبية أعطتني الموافقة ثم رفضت لاحقا، بعكس بعض الشخصيات العربية التي أعطت الموافقة ثم أستغرق وقتا في إعداد الأسئلة ثم ترفض لاحقا. على أية حال، من حسن الحظ هذا لم يحدث سوى مرة أو مرتين.
- بعد توقف الأستاذ محمد رضا نصر الله عن اجراء الحوارات التلفزيونية في تصورك لماذا الحوار الابداعي المرئي غائب؟
لا أظن بأن الحوار الإبداعي غائب؛ لكنه ضائع وسط شتات قنوات الفضاء العربي التي تشعّبت وتشظّت تبعا للحالة الراهنة للعالم العربي، فلكل توجه في العالم العربي إعلامه وقنواته الخاصة به فأنت تحتاج إلى أن تبحث وسط هذا الشتات. ومن تجربة أحيانا أجد برامج تُعنى بالإبداع؛ لكنها ضائعة وسط ذلك الشتات. ولا ننسى بأن الحالة التلفازية العربية في وقت مضى تختلف تماما عن الحالة الآن التي تخضع في أوقات كثيرة لمنطق الإعلان والربح بالإضافة إلى عوامل أخرى.
- حوارات البودكاست كيف تراها وهل تعتقد انها أصبحت المفضلة عند المتلقي؟
لعل ما يميز حوار البودكاستات هي أنها لا تأخذ حيزا أكبر من وقت المتلقي، يستطيع أن يستمع إليها بالتزامن مع القيام بأنشطة ومهام أخرى؛ لذا جذبت شرائح مختلفة؛ وبالرغم من هذا أرى أن الحوار الجيد يفرض نفسه سواء في بودكاست أو على ورق، فالمتلقي الجاد الباحث عن المعرفة يُفضل الحوار الجيد بغض النظر عن الوسيلة.
- ما أهم حوار أجريته في مسيرتك الصحافية؟
بعيدا عن الإطلاقية، كل حوار لحظة إعداده يكون أهم حوار بالنسبة لي؛ لذا يُكوّن ذكرى مميزة لاحقا. فأي حوار سأختار؟ هل أختار حوار الدكتور وليد سيف الذي بعث إلى إجاباته مكتوبة بخطه الجميل وأسلوبه العذب؟ أم سروري بموافقة من تنأى عن الإعلام كثيرا لطفية الدليمي؟ أم ابتهاج فرانشيسكا كوراو بالأسئلة؟ أم حوار المؤلفة الموسيقية هبة القواس الذي تأخر نشره لعامين أو أكثر ..؟! لا أستطيع تحديد حوار معين فلكل حوار حكايته الخاصة العالقة في ذهني.
- هل تعتقد نجاح الحوار يعتمد على أسئلة المحاور أم على إجابات الضيف؟
أعتقد أنه يعتمد على المُحاوِر، هو من يعدُّ الأسئلة ومن يختار الضيف الذي يعتقد بأنه قادر على الإجابة على تلك الأسئلة، ولعلك تلاحظ هذا الأمر في بعض البرامج الحوارية التلفازية فالضيف (أ) لحظة ظهوره مع المذيع والمحاور المتميز يختلف عن ظهوره مع مذيع آخر لا يهتم بالإعداد.
- هل لديك نية جمع حواراتك في كتاب؟ وكيف ترى أهمية جمع ونشر الحوارات في إصدارات مطبوعة؟
العديد من القراء يرون ضرورة جمعها ونشرها في كتاب، الفكرة تلوح في الأفق؛ لكنني أرى بأن الوقت لم يحن بعد لنشرها في كتاب. كتب الحوارات رافد مهم للمكتبة العربية وللذاكرة الثقافية على المدى البعيد؛ لتوثيق تجارب المبدعين في مختلف الحقول المعرفية، وتعد مصدر آراء معرفية إزاء قضايا معينة لا يذكرها المبدع عادة في أعماله؛ لأن طبيعة ذلك الرأي صدى لفكرة تساؤل عقل آخر.
- بعد هذه المسيرة الحافلة في الحوار الثقافي – كيف تنظر الى فن السؤال؟
السؤال المعرفي الرصين حياكة ذهنية دقيقة، أبذل جهدا لمقاربة ثلاثة أبعاد في كل سؤال:
١- هل ذلك السؤال فيه إضافة معرفية محتملة للضيف؟
٢- ما مدى احتمالية رسوخ إجابة الضيف في الذاكرة الثقافية على المدى البعيد؟
٣- ماذا يستفيد القارئ من السؤال؟
تلك أبرز الأبعاد التي أحاول مقاربتها قبل التأكيد على طرح سؤال معين للضيف.
- ما الشخصية الأدبية التي ترغب في اجراء الحوار معها. ولماذا؟
هناك الكثير من الشخصيات الأدبية والثقافية التي أود محاورتها؛ لكن لدي رغبة عميقة بإجراء حوار مع الروائي الألماني باتريك زوسكيند، يثير فضولي نأيه التام حدّ الشك بموته، وصمته الأدبي لسنوات، أشعر بأن في صمته كلمات عظيمة وصوره الفوتوغرافية النادرة أبقت تلك الصور كأيقونات ذهنية في متحف ذاكرة القراء. حاولت كثيرا الوصول إليه؛ لكنه بلا أثر…! – ما مزايا الحوارات المكتوبة عن الحوارات التي تتم بشكل مباشر مع الضيف؟
أعتقد أن أهم ميزة في الحوارات المكتوبة أن الضيف يعفيك من اجتهادات التحرير التي تبُذل أكثر في المقابلات المباشرة التي تحتاج إلى التفريغ و التحرير و التأكد من مطابقة التسجيل الصوتي ومُراد الضيف مع المكتوب الذي سينشر.