«صناعة الأنمي هي بناء عوالم خيالية، وتلك العوالم تُخفِّف عن أرواح المُحبطِين والمتعبين من التعامل مع الجوانب الحادة للواقع، وأولئك الذين يصعب عليهم التعبير عن مشاعرهم بوضوح، ولقد سعيت لصناعة أعمال أنمي تَغمُر المُشاهد بمشاعر الخفّة والنقاء والتجدد» – هاياو ميازاكي
هناك نوعان من بناء العوالم الخيالية، «البناء المعقّد» Hard worldbuilding وهو بناء عالم خيالي مع شرح لكافة تفاصيل وحقيقة المكان ومن أين أتت الشخصيات وتقديم تعاريف وشروح واضحة لما يحتويه هذا العالم، ونوعٌ آخر وهو «البناء البسيط» Soft worldbuilding وهو ما ينتهجه «ميازاكي» في معظم أعماله فإن المعرفة المقدمة حول هذا العالم الخيالي ليست معرفة مفصلة، بل إننا نجد أننا أمام عالم مليء بالرموز والفراغات التي علينا أن نملأها بفهمنا الخاص. نحنُ لا نملك فكرة حول حقيقة هذا العالم، ولا شرح واضح أو تقديم حول الكائنات الموجودة فيه، ومن ناحية بصريّة، فأفلامه عبارة عن عمل فنيّ بحد ذاته، إذْ كل مشهد هو لوحة تغمرها التفاصيل الخلابة والدقة الرائعة.
وعن قصصه فغالبًا ما يتطرق «ميازاكي» إلى المحاور ذاتها، عن الطبيعة والإنسان وتأثيره عليها، وعن الطفولة ودهشة استكشاف العالم، والنضج ومرور الزمن، لكنه يميل إلى الرمزيات، مما يجعل كل مشهد، وكل شخصية تحتمل تأويلات لانهائية.
لتوضيح هذه المحاور أُسلّط الضوء على بعضٍ من أعماله المعروفة.
Spirited Away – المخطوفة
العالم في هذا الفيلم هو أكثر العوالم التي صنعها تعقيدًا، وهو أول فيلم أنمي ياباني يتحصّل على جائزة الأوسكار. تجد «تشيهيرو» نفسها بطريقة مُبهمة في مكان غريب أشبه بعالمٍ للأرواح بعد أن تحوّل والداها إلى خنازير لأسباب غير واضحة، يبدو هذا العالم موازيًّا لعالمنا لا يفصل بينهما إلا حاجزٌ رقيق، لكننا لا نعرف حقيقته، ولا حقيقة هذه الكائنات المختلفة والغريبة التي تصدح وتعمل طوال الوقت في كل زاوية من هذا المكان، وبالرغم من أننا لا نجد التفسيرات الكافيّة إلا أننا مع تقدم وسير القصة نشعر بنوعٍ من القبول لكل هذه الغرابة دون تفسير أو تساؤل، ولعلّ هذه هي الميزة الأكبر في بناء العوالم السهلة، حيثُ إنّ صناعة عالم كهذا لا يجعلنا نستنكر أي شيء يضعه الكاتب أمامنا ولا البحث عن منطقٍ فيه، بل وقد ننتهي إلى إدراك أنّ جماليتها تكمن في بقائها دون تفسير وفي كوننا لا نعرف تحديدًا ماهيتها، ومع قبول الشخصية لمصيرها وللشخصيات الأخرى من حولها سيتولّد لدينا القبول نفسه رغم هذه الفوضى. ويمكننا استنتاج بعض المعاني الواضحة، مثلًا، الفترة الزمنية التي يقصد الفيلم عرضها هي فترة معينة من التاريخ الياباني وهي الثورة الصناعية في اليابان، ولعلّ تحول والدا «تشيهيرو» إلى خنازير ليس إلا ترميزًا لصفة الجشع والنزعة الاستهلاكية التي قد يفقد الإنسان نفسه فيها دون انتباه في خضم العالم الاستهلاكي.
وبالتأمل في المدخل الذي بدأت منه قصة «تشيهيرو» نجد أنه تغيّر كما لو أنه قد مرّ زمن طويل ما بين بداية الفيلم ونهايته، يبدو أن المبنى المهجور انهار أو هُدم واُعيد ترميمه، ثم هُجِر مرةً أخرى، طالت الأشجار وغطت النبات واجهة المبنى، لقد مر وقت طويل على هذا المكان وقد تنبهت بطلة الفيلم لذلك لحظة خروجها. بالنسبة إلى والديها فقد كان هذا الزمن دقائق معدودة، أما لتشيهيرو فقد كانت عدّة أيام، لكن كم مضى تحديدًا؟ لا نعرف بالضبط، أو هل يكون الأمر متعلق باختلاف مفهوم الزمن بين العالمين، احتمالات كثيرة لا يمكننا حصرها ولا تأكيدها أو نفيها.
لكنّ السؤال الأدق: على ماذا مرّ الزمن بالضبط؟
حيثُ إنّ أبرز جانب يمكن لأي منا أن يلاحظه في هذا الفيلم هو تركيزه على تطور شخصية «تشيهيرو» إذ إنها في البدء شخصية مغايرة عن الشخصية التي نراها في النهاية، النضج هو ركيزة أساسية في تكوين هذا الفيلم. انخراطها في عالم العمل لوحدها، الانتقال من كونها طفلة تفكر بانتقالها لمدرسة جديدة، إلى وجودها في «عالم» جديد كليًّا، والمرور بتلك الشخصيات باختلافها والتجارب التي لم تكن لتخوضها برغبتها، لقد مرّ زمن طويل بين الشخص الذي كانت عليه بالأمس والشخص الذي صارت عليه اليوم. ألا يبدو شعورًا مألوفًا؟ ألا تقودنا الحياة نحو النضج، لنلتفت خلفنا ونجدنا قطعنا شوطًا طويلًا دون أن ننتبه متى قطعنا كل هذا الدرب؟
في سياق آخر، ركّز الفيلم على موضوع الهويّة الشخصيّة واكتشاف الذات -والذي سأتطرق إليه لاحقًا- وقد يكون التمثيل الأوضح لهذا المحور في هذا الفيلم هو شخصية «عديم الوجه» الذي يبدو وفي مشاهد متعددة كأنما يبحث عن أسبابٍ أو مكان لوجوده، وبالرغم من وجوده في عالم مكتظ بالكائنات المختلفة والأعمال المتنوعة إلا أنه لم يجد مكانًا «يتواجد» فيه حتى الآن، فأجده تمثيلًا واضحًا لرحلة اكتشاف الذات والبحث عن معنى لوجوده.
Howl`s Moving Castle – قلعة هاول المتحركة
اُقتبس هذا العمل من رواية تحمل نفس الاسم للكاتبة البريطانية «دايانا وين جونز»، كان أول ما لفت انتباهي في هذا العمل ليس العالم السحري، ولا القلعة المتحركة التي تُحركها نار ناطقة، ولا الفزاعة التي تحاول المساعدة؛ لكنّه الشعور الغامر بالأُلفة.
كل هذه الأشياء والشخصيات الغريبة مألوفة كليًّا، إذْ يُعرض هذا العالم بغرابته وكأنه شيء طبيعي مليء بالألفة، وتصادف الشخصية الرئيسة «صوفي» في طريقها الكثير من الشخصيات والأحداث الغريبة، لكنها لا تهلع من تلك الغرابة بل إنّ انسجامها وتقبّلها لمختلف الكائنات يتسرّب إلينا تدريجيّا حتى نكفّ بدورنا عن التساؤل. لطالما تنبّهت إلى هذه الفكرة تحديدًا في أعمال «ميازاكي»، قبول طبيعة الأشياء -وحتى تلك الأشياء غير المفهومة- كما هي دون التوجّس منها. إذ يرى أن طبيعة الأشياء هي الفراغ، ولا يُقصد هنا الخواء أو ذلك الفراغ الذي يترك لنا شعورًا سيئًا، إنما الفراغ الذي يمكن أن يُملأ بأي شيء، قبول الاحتمالات اللانهائية التي قد تنتهي إليها الأشياء، حيثُ إنّ تأويل الأشياء إلى معانٍ محددة وحصرها في مفاهيم ضيّقة قد يتركنا للخيبة إن لم تتخذ هذه الأشياء المعنى الذي اعتقدناه.
اقتبس الفيلم فكرة العالم السِحري والشخصيات، ولكن ثمّة اختلافات عريضة وواضحة بين الفيلم والرواية بالأخص فيما يتعلق بالشخصيات، وقد حاول «ميازاكي» التركيز على فكرة «التغيير» والتحولات الخارجية والداخلية من خلال عرض الشخصيات بأشكال مختلفة طيلة الفيلم، بدءًا من «صوفي» التي في مستهل الفيلم تظهر لنا شابةً هادئة تقضي معظم أيامها تعمل في متجر القبعات، ولا تتوقع من نفسها أن تحظى بحياة مغايرة أو أيامًا أكثر حماسة. تختار صوفي الطرق الخلفية حتى في طريق عودتها كي لا تختلط بالمجتمع أو تضطر للحديث مع أحد، إلى أن تحلّ عليها تعويذة ساحرة البراري التي تحولّها إلى امرأة مُسنّة، هذا التحوّل لم يكن شكليًّا وحسب؛ بل إن شخصية «صوفي» اختلفت كليًّا وأصبحت أكثر انفتاحًا وانطلاقًا للحياة، بل لقد كانت تلك التعويذة التي بدت كحظٍ سيء هي السبب الذي جعلها تخرج للبحث عن طريقها الخاص ومصيرها الذي لم تتوقعه يومًا. تغيّرت «صوفي» وأحدثت تغييرًا ملحوظًا وملفتًا على حياة «هاول» وقلعته وكل من لاقته فيما بعد، وهي التي لم تحسب أنها تملك القدرة حتى على تغيير نفسها. ونرى «هاول» أيضًا كما لو أنه يمر من خلال تحولات عِدّة، بدءًا مع «هاول ذو الشعر إلى الأشقر» الذي بدا نوعًا ما غارقًا في صراعاته مع نفسه وجوانب حياته المتعددة التي تمتص معظم طاقته وصولًا إلى «هاول ذو الشعر الأسود» الذي وكأنما أثمرت في روحه أجواء الألفة التي غمرت القلعة بحضور «صوفي».
العلاقة بين الإنسان والطبيعة: الأميرة مونونوكي، وناوشيكا في وادي الرياح
ترتبط الثقافة اليابانية التقليدية ارتباطًا وثيقًا وجليًّا بالطبيعة، وعلاقة الإنسان بها ودور ذلك في مساعدته لعيش حياةٍ طيّبة. قدّم «ميازاكي» مجموعة من أعماله لتركز على هذه النقطة وتشرّح هذه العلاقة التي في الواقع لا تقوم على أُسسٍ بيّنة، إذ كانت علاقة الإنسان والطبيعة في القِدم قائمة على الانسجام والتناغم حيثُ حاول الإنسان فهم الطبيعة والتماهي معها بل واستقاء معرفته منها واعيًّا بأنه جزءٌ منها، وبشكلٍ ما فقد كانت الطبيعة آنذاك تُسيّر الإنسان، فقد ينتقل من مكان لآخر سعيًّا لمواردها لاستمرارية الحياة، وقد تكلّفه قسوتها حياته.
في فيلمي «ناوشيكا وادي الريح» و«الأميرة مونونوكي» يُعرض نوعٌ من أنواع الصراع بين الإنسان والطبيعة، وكيف أنّ صراعًا كهذا لن ينتهي بنتائج جيدة، بل حتى النصر فيه لن يكون نصرًا لأنه سيكلّف ثمنًا باهظًا وخسائر فادحة من جوانب أخرى. إنّ تغييرات كهذه لا يمكن التنبؤ بها أو السيطرة عليها، وحتميتها رغم قسوتها قد لا تكون أحيانًا إلا إيذانًا بطلوع فجرٍ جديد، في العملين يركّز «ميازاكي» على فكرة أن الطبيعة بمقدورها استعادة عافيتها دون الحاجة للتدخل البشريّ ويتبيّن لنا ذلك رمزيًّا في النبتة التي تنمو في نهاية فيلم «ناوشيكا»، وإنّ مقاومة الإنسان لتغييرات الطبيعة الحتمية دون محاولة فهمها هو ما يخلّف نتائج سلبية عليها، وبالتالي على حياته فيها، بل إنّ تلك الحشرات العملاقة في فيلم «وادي الرياح» التي بدت للإنسان سميّة ومُدمِرة لم تكن إلا محاولة من تلك الكائنات لتطهير عالمها وغاباتها الطبيعية من السموم.
أما في فيلم «توتورو» فقد حاول «ميازاكي» أن يخفف حِدة العتمة ويصنع فلمًا أكثر بهجة، فبالرغم من تقديمه لأعمال عكست نظرته المتشائمة إلا أنه صرّح في مقابلة أنّه لا يرغب في نقل تشاؤمه للناس في أعماله وتحديدًا للأطفال، إذ يرى أن دور البالغين تجاه الأطفال هو حماية منظورهم الرائع والمتفائل للحياة وللعالم، رغم بساطة فيلم «جاري توتورو» إلا أنّه واجهة «ستوديو جيبلي» ومن أشهر الكائنات في عالم الأنمي، ويعرض فكرته تلك بضرورة المساهمة في تيسير دربٍ بين الطفولة والعالم الطبيعي بعيدًا عن المشتتات التقنية الحديثة، وإيمانه بأهمية تواصل الطفل مع الحياة الطبيعية والفطرية من حوله، مؤمنًا بأن ذلك أثمن ما يمتلكه الطفل؛ نظرته الفريدة والاستكشافية للعالم والأشياء، والقدرة الفذّة على التخيّل والفحص.
الخسارة والحنين
قدّم «ميازاكي» أيضًا في أعماله ثيمة الخسارة والحنين. يطغى شعور بالخسارة في كثير من أعماله، خسارة الأرض، والصديق، وحتى خسارة أجزاء من الذات، تلك الخسارات الحتمية التي هي جُزءٌ من طبيعة الحياة. وقد يتفق غالب من شاهدوا أعماله -أو واحدًا منها على الأقل- أن الشعور المشترك الذي لا جدال فيه والذي تتركه أعماله هو «الحنين»، هذا الحنين الغامر والمُبهم لأشياء قد يصعب تحديدها وقد لا نُدرك ما هي بالضبط، بل ربما تكون عوالم وحيوات ليست موجودة فعليًّا لكننا نملك شعورًا ناحيتها كذكرى نحملها ولا نعرف بالضبط من أين حصلنا عليها. أما الخسارة فقد تكون أحيانًا ليست إلا خسارة المنظور الطفولي للعالم، تلك الدهشة التي لا يمكن استعادتها، وبالرغم من أنه حسب قوله يُفضّل صناعة أفلام يطغى فيها التفاؤل على التشاؤم؛ إلا أنّ تلك المشاعر ظهرت على السطح في مشاهد عديدة.
بوركو روسو، «الذي فضّل أن يكون خنزيرًا على أن يكون فاشيًّا»
وفي سياق الخسارة، أستحضر فيلم ميازاكي الذي يستحق تقديرًا أكثر «بوركو روسو» والذي من الواضح أنه أكثر أفلامه تمثيلًا لذاته، ولنظرته للعالم والإنسانية، وهو موجّه للجماهير الأكبر سنًّا. تقع أحداث الفيلم في إيطاليا في الفترة المتقلبة ما بين الحربين العالميتين، كان «بوركو» طيّارًا حربيًّا في الجيش الإيطالي فقد ثلاثة من أصدقائه أثناء الحرب، شهِد موت الكثير من الرِفاق والأعداء، حتى اشمئز مما كان عليه الوضع آنذاك، لا يُقدم لنا الفيلم تفسيرًا للعنة التي حلّت عليه لتحولّه «خنزيرًا» لكننا نشعر وكأن اشمئزازه من البشريّة جعله لا يفضّل أن يكون جزءًا منها بعد اليوم. وبالرغم من التشاؤم الذي يبدو عليه إلا أننا نكتشف أن «بوركو» يحمل تفاؤلًا بالجيل الشاب في تحسين العالم والوضع البشري، وتلك هي نظرة «ميازاكي» الشخصيّة فلطالما ذكر أنه يحمّل الأجيال القادمة آمالًا يرجو ألا تخيّب في تحسين العالم. ركّز الفيلم أيضًا على مواضيع مختلفة كانت بارزة في ذلك الزمن منها مساهمة النساء في العمل والتقدم الحضاري، وأهمية العقول الشابة، إلا أنّ أكثر ما سُلِّط عليه الضوء هو كيف لا يعود الإنسان نفسه قبل الحرب وبعدها، فقد نجى «ماركو» الإنسان ولم يفقد حياته كما فقدها رفاقه إلا أنّه فقد كثيرًا من ذاته وفقد «إنسانيّته»، وأشياء لا يمكن أن تُستعاد أبدًا فأصبح هذا الذي نراه اليوم.
النمو، والنضج، واكتشاف الذات
من جانبٍ نفسيّ فغالبًا ما تكون العقدة في أفلامه نفسيّة، الصراع ليس بين الخير والشرّ بقدرِ ما يتمحور حول صراعات الإنسان مع نفسه، فمعظم الشخصيات في أفلامه تصل في وقت ما إلى ما يُمكننا تشبيهه بالقاع، وكأنما اليأس التام يلّف المشهد ويمتص كل ألوانه، وهذا الانهيار ليس إلا إيذانًا بالتحوّل الكبير الذي سيطرأ على الشخصية بقيّة الفيلم، فنرى شخصية تنتقل من الرغبة في التلاشي إلى الاندماج مع عالم غريب والعمل بجدّ، وآخر يستجمع ذاته من نقطة الانهيار ليعيد ترتيبها ويغيّر من نفسه. على سبيل المثال اعتقدت «كيكي» في البدء أن طريقها نحو الحياة المهنية والاستقلال سيكون رائعًا ومتقدًا بالحماس والبهجة، لكنها في نقطة معينة تخور قواها ودوافعها، تفقد الدافع والمعنى، وهذه كانت العقدة ونقطة التحوّل في هذا العمل الذي يبدو بسيطًا. في حديث مع «ميازاكي» صرّح بأنه حين يصنع عملًا يحاول قدر الإمكان أن لا يصنع أبطالًا خارقين، بل شخصيات تشابه أي إنسان عاديّ، تمر «تشيهيرو» أيضًا بما يشبه مراحل الحزن الخمسة إذ تبدو في بداية الفيلم مُثقلة بالغضب والإنكار، حتى أنّها في أحد المشاهد تغطي وجهها وتردد بأنه حلمٌ سوف تستيقظ منه، ثم تغمرها حالة من الكآبة والصمت الطويل، حتى تتغير حالتها في الساعة الأخيرة من الفيلم ونجدها منهمكة في البحث عن طريق العودة بل ومساعدة الكائنات التي لا تعرف عنها شيئًا، وفي نهاية الفيلم تظهر بشخصية مغايرة مُبتهجة وتشعّ بالطاقة.
في تأملي لطريق «تشيهيرو» وجدت أن كل ما تمر به يشبه حياتنا اليومية، بنظرةٍ فاحصة فإن الأمر ليس بتلك الغرابة التي يبدو عليها، إننا في حياتنا لن نشعر بالرضا دائمًا حول الطريقة التي تسير فيها الأمور، قد لا نرغب بالسير في بعض الطرق التي ستتركنا الحياة أمامها، سنخشى المجهول، إلا أننا سندُرك في وقتٍ ما أن الطريقة الوحيدة للاستمرار هي القبول والمكابدة، ليس في أن تسير الأمور كما خططنا لها تمامًا أو كما كنا نتخيلها، وليس في فهم كل مجريات الحياة من حولنا وكل أسبابها، بل في قبول أننا لن نختار كل شيء ولن نفهم كل شيء، إنّ الغموض والتعقيد من صفات الأشياء، والمكابدة جزءٌ من هذه الحياة.