حاوره: طامي السميري
د. مبارك الخالدي في حوار عن المشهد الثقافي السعودي: الأمريكان والبريطانيون لا يميلون الى قراءة الاعمال الأدبية المترجمة مالم تكن من الأعمال الفائزة بجوائز، أو تلك التي تثير الرغبة في التلصص.
- لك حضور في المشهد الثقافي منذ فترة طويلة ولعبت أدوارا متعددة كناقد أو كمشرف على الصفحات الثقافية بجريدة اليوم وكذلك كعضو في النادي الادبي وغيرها من المشاركات الأدبية – بكل هذه المعطيات اسألك: في الوقت الحالي ما الذي يميز المشهد الثقافي السعودي ابداعيا مقارنة بما سبق، وما الذي تراه من علامات سلبية في الطابع العام للمشهد؟
في الوقت الحالي، المشهد الثقافي السعودي كله إبداع في إبداع، ويشع إبداعه على محيطه العربي ويتعداه إلى العالمي. ليس فيما أكتبه أي مبالغة، بل حقيقة تتجلى في ارتياد الوطن آفاقاً في العمل الثقافي لم يرتدها من قبل محلياً، وعند الآخرين. فالرياض وسائر المدن أخرى، وبدرجات متفاوتة مراكز إشعاع ثقافي مبهر. لن أفصِّلَ في هذا الموضوع كثيرا. وسأتوجه إلى الكتابة عمّا أعدها ندوباً وبثوراً في وجه الثقافة والعمل الثقافي الجميل. في ملاحظات قد يكون فيها من الخطأ قدر ما فيها من الصواب. وأسوقها هنا كأمنيات صغيرة جداً تحقيقها ليس صعباً أبداً.
الأمنية الأولى: تجنب تكديس الفعاليات الثقافية الكبيرة في الرياض. الرياض عاصمتنا الجميلة تستحق كل ما هو جميل، ولكن تكدس الأشياء الجميلة قد ينجم عنه اختناق، والاختناق بالأشياء الجميلة ليس جميلاً. فضلاً عن أن شقيقات الرياض في حاجة إلى أن تشاركهن فيما يعزز الجمال فيهن.
الأمنية الثانية: عودة معرض الكتاب إلى المنطقة الشرقية. نظم المعرض مرة واحدة، وانتهى ولم يعد في دورة ثانية بدون كشف النقاب عن الأسباب. فإذا كان من الأسباب أن إدارة مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي لا ترغب في الاستمرار في تنظيمه، يصار إلى البحث عن جهات أخرى. أقترح هنا الهيئة الملكية في الجبيل. كان لها تجربة في تنظيم معرضها للكتاب، وكان لديها الرغبة والاستعداد في تنظيم معرض المنطقة الشرقية الأول، لو لم ترجح كفة (إثراء). ولا أفشي سراً إن كتبت أن الهيئة الملكية كانت في اتصالات مع وزارة الثقافة بخصوص هذا الموضوع كما علمت من مصدر في الهيئة. أعتقد أن تنظيمه في الجبيل أفضل من بقائه في الدمام، لسبب مهم وهو توزيع الفعاليات الكبيرة على المدن الكبيرة أفضل من تكدسها في مدن معينة.
الأمنية الثالثة: ثلاث أمنيات مدمجة في بعضها البعض. 1) مراجعة وتقويم وزارة الثقافة ممثلة بهيئة الأدب والنشر والترجمة لتجربة الشريك الأدبي في كل منطقة، فثمة تفاوت واضح في أداء الشركاء الأدبيين وفي نوع الفعاليات، وفي أمكنة إقامة الفعاليات، وليكن الأفضل هو معيار التقويم إذا لم يكن هنالك معايير دقيقة وواضحة. فمثلاً أرى أن فعاليات الشركاء الأدبيين وأمكنة إقامتها في الرياض تتفوق على نظيراتها في المنطقة الشرقية كيفاً ونوعاً. أتمنى لو أكون مخطئاً في ذلك. 2) أن يتقبل القائمون على الهيئات والجمعيات ذات العلاقة بالثقافة والفنون والترفيه النقد برحابة صدور. 3) أن يتوقف تكرار مواضيع الفعاليات والوجوه المشاركة فيها، خاصة من محيطنا العربي. أنا مع الانفتاح والتواصل الثقافي مع محيطنا العربي، لكن لا ينبغي أن يتوقف هذا الانفتاح على تكرر مشاركة أسماء معينة ومحددة، في الفعاليات الثقافية في الوطن. في العالم العربي أدباء وأديبات ومثقفون ومثقفات كثيرون وكثيرات من مختلف الاتجاهات الفكرية والتخصصات الفنية والأدبية. لكن لماذا الاستمرار والاصرار على دعوة واستضافة تلك الأسماء دون غيرها؟
- على كل المستويات تعيش السينما السعودية حالة من النهضة المشهدية سواء في عدد انتاج الأفلام او إقامة المهرجانات وكذلك وجود صالات العرض لكن في المقابل هذه المشهدية المتسارعة يصاحبها حرق للمراحل السينمائية. فما زالت تفاصيل الفيلم الجيد من سيناريو وأداء ممثلين ومخرجين ناقصة وتحتاج عناية. أنت كيف ترى هذا الحراك في جانب الابداع السينمائي؟
أرى أن السينمائي السعودي في وضع لا يحسد عليه، لأسباب أهمها أنه بدأ متأخراً، ويواجه مُشاهداً ذا ذائقة سينمائية متطورة وحساسية فنية عالية، يتوقع منه أفلاماً لا تقل في مستواها الفني والجمالي والإمتاعي عن الأفلام التي تصب في بيته بدون انقطاع ومن كل العالم، أو يشاهدها في صالات السينما. أما من ناحية الإبداع السينمائي، أقترح ألا نتسرع في الحكم، فالتفاصيل الجيدة التي أشرت اليها، تحقق بعضها في بعض الأفلام، وهي بالتأكيد قليلة، لكن سيزداد عدد الأفلام الجيدة بمرور الأيام، باستمرار السينمائيين في تطوير أنفسهم وأدواتهم، وفي استقبال النقد لأفلامهم برحابة صدر.
- روايات (المريض الإنجليزي-اساطير الخريف -بيدرو بارامو) هذه العناوين ذات تكنيك سردي معقد تم تحويلها الى أفلام سينمائية، والعامل المشترك بينها أن المخرجين الذين اخرجوا تلك الأفلام كانوا قراء جيدين للروايات وهذا ما يستشعره المشاهد حين يقرأ الرواية ويشاهد الفيلم. لكننا نجد البعض من المخرجين السعوديين يسألون عن الروايات المناسبة لتحويلها الى أفلام. وسؤالي: هل يستطيع مخرج سينمائي لا يقرأ الروايات أو ليس شغوف بها أن يخرج فيلما جيدا مقتبسا من رواية؟
الحقيقة التي أتوقع اتفاقك معي عليها هي أنه ليس بمقدور أي مخرج قراءة كل ما يصدر من روايات. ولكن هناك طرق ووسائل أخرى تبقيه مُتابعاً وعلى إطلاع على ما يصدر وما صدر من روايات قد يجد فيها ما يغري ويشجع على ترجمتها سينمائيًا :
1) النقد الصحفي، أو المراجعات “reviews “، ومالا يحتاج إلى تأكيد، أن المخرج الأمريكي أو البريطاني في وضع أفضل من وضع نظيره السعودي والعربي عموماً، فالصحافة والصفحات والملاحق الأدبية هناك تهتم اهتماما كبيراً بمتابعة الكتب الصادرة ونشر مراجعات لها. وتسهم الصحافة والمواقع المتخصصة الإلكترونية في ذلك الآن. يتجلى اهتمام الصحافة في توظيفها نقاد كتب أو مراجعي كتب ” book critics/book reviewers “. لاتزال الصحافة هناك محافظة على هذا التقليد الصحفي رغم انخفاض مستوى مقروئية الصحف الورقية. هذه المراجعات، أو المتابعات النقدية الصحفية عامل يساعد المخرج في الاختيار أو توجيه انتباهه إلى ما قد يجده ملائماً للترجمة السينمائية. قرأت قبل مدة ليس بالطويلة عن مطالبة بعض نقاد الكتب الأمريكان برفع أجورهم. أذهلني ذلك لدرجة أني حفظت الخبر (أرشفته)، لغرابته بالنسبة لي فهذا شيء لم ولن يحدث في واقعناً الصحفي المحلي والعربي عموماً، حيث الصحافة تعتمد كثيراً على المقالات الهبات/المنح التي تتلقاها أو تطلبها من الأدباء والنقاد. والمدهش أنك ستقرأ أو تسمع أولئك الواهبين المانحين يشكرون الصحف والمجلات على نشرها هباتهم، بينما ينبغي أن يأتي الشكر من الطرف الآخر الممنوح.
2) قوائم الكتب الأكثر مبيعاً عامل مساعد آخر.
3) الجوائز الأدبية.
موضوع ذو صلة بما سبق، أشرت في مقالة لم تنشر بعد أن “يونيفرسال” اشترت حقوق الملكية الفكرية لرواية بير سيفال إيميريت (جيمس James، 2024) التي وصلت القائمة القصيرة لبوكر (2024) والفائزة بجائزة الكتاب الوطني الأمريكية للقص 2024، سيكون المخرج ستيفن سيبرغت المنتج المنفذ (التنفيذي)، وسيتولى اخراج الفيلم تايكا وايتيتي. لم يرد في الخبر-قرأته في ذا هوليوود ريبورتر- مايفيد بأن سبيلبرغ ووايتيتي قد قرآ الرواية. فربما كان للعوامل الثلاثة السابقة دور في القرار.
4) ترشيحات وتوصيات الأصدقاء عامل مساعد آخر.
5) الدراماتورغ بدوره كمستشار خصوصاً عندما يكون قارئاً يتابع ما ينشر.
- في حديثك عن غياب الرواية البوليسية قلت إن ذاكرتك لم تسفعك الا برواية محلية واحدة (فسوق) عبده خال-مع إن هناك روايات سعودية يحضر فيها العنصر البوليسي مثل رواية شارع العطايف وكذلك رواية الدحو وأيضا رواية القارورة واسمي يوسف وغيرها لكن كل هذه العناوين برغم وجود جريمة ما لكنها ليست روايات بوليسية صريحة وقد تقودنا الى الالتباس في هذا المفهوم – فما هي الرواية البوليسية من وجهة نظرك؟
نعم، قلت ذلك، وكنت أقصد أنني لم أتذكر سوى (فسوق) عندما جلست لكتابة مشاركة في ملف “المجلة العربية” عن الرواية البوليسية في 2011، أي بعد نشر “شارع العطايف” بسنتين، في رأيي أن خصائص الرواية البوليسية متمثلة ومتحققة في “فسوق” على نحو أوضح مما في روايات أخرى. يميز الرواية عن أنواع الروايات الأخرى، احتواؤها على العناصر الثلاثة في الرواية البوليسية: 1) الجريمة، 2) التحري/التحقيق، 3) التعرف على مرتكب الجريمة والقبض عليه. بكلمات أخرى، يتألف المبنى الحكائين في “فسوق” كما في أي رواية بوليسية من قصتين: حكاية الجريمة وحكاية التحري/التحقيق المنتهية بالتعرف على المجرم.
- في رأيك ما هي المواصفات المطلوبة في الروائي الذي يريد أن يحترف الكتابة في الرواية البوليسية؟
عليه أن يكون قارئاً نهماً للروايات البوليسية على نحو خاص، وأن يقتدي بأمبرتو إيكو الذي عُرف عنه أنه يقرأ رواية بوليسية كل ليلة قبل أن ينام. يبدو أن من هذه القراءة خرجت روايته “اسم الوردة” الشهيرة، رواية التحري ما بعد حداثية “postmodern detective novel”، التي حققت نجاحاً كبيراً، وترجمت سينمائياً. ذكرت إيكو كمثال في مواظبة على قراءة الرواية البوليسية، وليس لتصنيفه كاتبَ رواية بوليسية.
- لك اهتمام بالأدب المترجم بشكل عام لذا بودي أعرف رؤيتك وملاحظاتك على مشروع ترجمة الاعمال الروائية السعودية.
رأيي في ذلك قديم متجدد، وهو أني أفضل أن تكون ترجمة الإبداع الأدبي السعودي عموماً بمبادرات من الآخر، حسب حاجاته واختياراته، أو ضمن مشاريع ترجمة مشتركة بين الطرفين لضمان التوزيع والانتشار والقراءة لتلك الأعمال بدلاً من تكدسها في المخازن. اعتبره هدراً للمال والجهد والطاقة أن نتولى نحن الترجمة بدون الاستناد على أي معرفة بميول الآخر وتفضيلاته، وعما إذا كان يرغب في قراءة أعمال ابداعية سعودية أم لا. مقارنة بالألمان مثلاً، الأمريكان والبريطانيون عموماَ لا يميلون الى قراءة الاعمال الأدبية المترجمة سواء كانت سعودية أم غير سعودية، مالم تكن من الأعمال الفائزة بجوائز، أو تلك التي تثير الرغبة في التلصص.
- بما أنك قارئ جيد للأدب الأمريكي – ما هي الروايات التي توصي بترجمتها؟
الروايات الامريكية التي تستحق الترجمة كثيرة ومنها آخر رواية أكملت قراءتها قبل أيام قليلة وكتبت عنها مقالة، أشرت إليها في جواب سابق، لكن ما أوصي به هو أن تعكس الترجمة التعددية الثقافية للأدب الامريكي؛ الأدب الأمريكي مجموعة كبيرة من آداب، لكن الترجمة العربية عموماً لا تعير هذه التعددية الاهتمام الذي تستحقه، بتركيزها على أدب الأغلبية، أدب الأمريكان البيض، وإغفال آداب الأقليات بكل بتنوعها وثرائها، إلاّ بعض ما يفوز من آداب هذه الأقليات بجوائز أو يحقق أرقام مبيعات عالية.
- جائزة القلم الذهبي هل هي انتصار للقص الشعبي كما ترى أم هي موجهة لمليء الفراغ في كتابة سيناريوهات الأفلام المحلية. وهذا يعني هل سنكسب روايات أم أفلام سينمائية جيدة؟
يبدو أن الهدف الأولي هو الشاشة الكبيرة، للحصول على سيناريوهات لأفلام محلية كما تقول في سؤالك، وهذا بحد ذاته متسق تماماً مع توجه ومجال عمل الهيئة العامة للترفيه. أما الجزء من المسابقة الخاص بالرواية فهذا توسع لضمان الحصول على نصوص سردية جيدة من وجهة نظر لجنة مسابقة الجائزة، لترجمة النصوص الفائزة للشاشة. جائزة القلم الذهبي بجزأيها الروائي والسينمائي يعبر أفضل تعبير عن توجه الهيئة العامة للترفيه في تبني وإنجاز المشاريع الترفيهية الكبيرة، والمشهدية مثل “جوي أووردز”. أتوقع أن يأتي حفل إعلان الروايات الفائزة بجائزة القلم الذهبي كبيراً مسبوقاً ومحاطاً بصخب إعلامي هائل كمشاريع الهيئة الأخرى.
لكن السؤال الذي لابد من طرحه: هل تضمن كل هذه الجهود الكبيرة نجاح المُخرجات النهائية (الأفلام) عند شباك التذاكر؟ طبعاً، لا. إن تحقيق ذلك هو الجزء الأصعب من مشروع جائزة القلم الذهبي. السيناريو الجيد لا يعني حتمياً ضمان منتج (فيلم) جيد، لأن ذلك يتطلب مخرجاً مبدعاً، ومؤدين/ممثلين متميزين، وطواقم فنية بمهارات عالية. ومع ذلك، الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، إذا ما أخذنا في الاعتبار المنافسة الشديدة التي ستواجه الفيلم الجديد عند شباك التذاكر أو في البيوت، فنجاحه يتطلب أيضاً أن يخطف المشاهد من أمام منصات البث التدفقي التي تضخ إلى بيته أفلاماً من كل الجهات إلى صالات السينما. رافدُ أساسي آخر للصعوبة، هو أن الهيئة العامة للترفيه، ستدخل بمشروعها السينمائي في المجال الحيوي لهوليوود، وتلعب في ملعبها، لأن كل أنواع الأفلام التي ستنتجها هي مما يعرف بـ” Hollywood genres “، أنواع الافلام الهوليوودية، السائدة الآن في العالم، فلم تعد هوليوود مصدرها الوحيد. وهذا ما يجعل التحدي والمنافسة أشد حدة وصعوبة، وهذا ما أتمنى أن تأخذه هيئة الترفيه بعين الاعتبار والاهتمام.
- تحتفي بالرواية الشعبية وترى ما حدث في المشهد الأمريكي الروائي سيحدث هنا، ما سر هذا الاحتفاء وما مزايا هذا النوع من الروايات على مستوى الجانب الفني؟ وفي الجانب الاخر هل لدينا تصنيف حقيقي في الإنتاج الروائي حتى يتم التفريق بين الادب الشعبي وغيره؟
نعم لدينا تصنيف حقيقي في الإنتاج الأدبي والتمييز ما بين ما هو أدبي وماهوا شعبي، نرى تجلياته في أن رواية مثل (حوجن) وروايات أسامه المسلم لم تحظَ بمعدل مقروئية عال في المشهد الأدبي. ما يدل على أن هناك فرزاً بين هاذين النوعين من السرد. ولا أعتقد أن عددا كبيراً من المثقفين قرأوا الروايات المحلية التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة القلم الذهبي. و لا أرى ما كتبته عن الرواية الشعبية (القص الشعبي) احتفاء بها. كتبت عنها كونها شكلاً سردياً موجوداً في الواقع، له كُتابه وقراؤه ودور النشر التي تفتح أبوابها له. كان في البداية مزدرىً ومهمشاً، والآن أدخل في المقررات الدراسية الجامعية، وأنتجت دراسات وأبحاثا فيه، وهو المصدر الأول للحكايات التي تنتهي أفلاماً على الشاشة. أما عن السمات المشتركة في الرواية الشعبية، فأنني أعتذر عن التطرق إليه، لأنه موضوع مقالة عن تجربتي في قراءة الرواية الشعبية، أتطرق فيها إلى السمات، وإلى ما جذبني إلى قراءتها. الكتابة عن الموضوع هنا يحرقه حسب التعبير الشائع.
- في قراءتك لرواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ قلت إنك كنت القارئ المتأني والبطيء لأنك لم تستطع مقاومة الرغبة في تفحص التقنية السردية فيها، هل هناك روايات أخرى وجدت نفسك كقارئ متورطا برغبة التمهل والتفحص في قراءتها؟
كتبت أني كنت بطيئًا في قراءة “اللص والكلاب” مقارنة بالقراءة الأولى قبل سنوات عدة. أما تفحص التقنية السردية فهذا ما أفعله في قراءة أي نص سردي، فالتقنية السردية بقدر ماهي أدوات بناء العوالم الحكائية/السردية في الرواية، هي أيضاً مفاتيح لفهم وفتح مغاليق النص، وتأوليه والاستمتاع بقراءته. يحتاج القارئ لمعرفتها، قدر معرفة الروائي والقاص لها.
- –لكثير من الأسماء الشابة في المشهد الروائي السعودي يتجهون لكتابة روايات الفنتازيا والخيال العلمي – وفي المقابل هناك اخرين يرتحلون الى التاريخ في كتابة رواياتهم – بينما تغيب كتابة اللحظة الراهنة – كيف تقرأ هذه الخيارات في كتابة الموضوعات الروائية المحلية؟
لم لا يكون ارتحال أولئك إلى الروايات الفنتازية والتاريخية يحدث بتأثير من اللحظة الراهنة وتعبيراً عنها. أقصد أنه لا يمكن أن يكتب أحدهم رواية فانتازية مالم يكن قارئاً، وقارئا نهماً لها، وأيضاً شغوفاً بمشاهدة الأفلام الفنتازية المترجمة عن روايات فانتازية. ربما يعبر ارتحالهم عن وجود توجه سائد في جيلهم، وكتابتهم تعبر عن ميولهم الإبداعية والقرائية في اللحظة الراهنة. إننا أمام جيل مختلف، ظهر ونشأ وتشكلت ميوله بعيداً عن/ وبدون تأثر بما يدور ويطرح في المشهد الأدبي. ولا ننسى تأثير ما يعرض على منصات البث التدفقي على مدار الساعة من أفلام ومسلسلات الفانتازيا والإثارة.
- هناك جهات ثقافية تقترح موضوعا روائيا وتقوم على تشجيع الكُتّاب على كتابة رواية في عوالم ذلك الموضوع المحدد. كيف تنظر الى هذا النوع من الروايات القائم على المبادرات الثقافية؟
بصراحة لا أؤيد مبادرات كهذه، ومشاريع الكتابة حسب الطلب. هذه المبادرات تذكرنا بدروس الإنشاء/التعبير في الماضي، عندما كان المدرسون يحددون مواضيع معينة ويطلبون من التلاميذ الكتابة عنها. لكن أحبذ سير المبادرات في الاتجاه المعاكس، بأن يتقدم الكاتب بطلب منحة من جهات داعمة كالأوقاف الفنية، مثلاً، للتفرغ للكتابة وفقاً لاتفاقية بين الطرفين، بدون أن يكون للجهة المانحة أي تدخل في أو تأثير على مشروع الكتابة.
———–
الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر الضيف فقط.