بقلم آرثر بروكس
يقول كثيرٌ من الناس إنهم يبحثون عن السعادة، فيقضون كثيرًا من الوقت والموارد في البحث عن أسرار الرفاهية، تمامًا كما يفعل المنقبون القدامى الذين ينقبون عن الذهب، ولكن هذا النهج خاطئ بالنسبة لبعض الحكماء على مر التاريخ، فالسعادة ليست شيئًا يُمكن العثور عليه بل شيء يُجذب.
وقد يكون أشهر المؤيدين للنهج الثاني هو الفيلسوف اليوناني أرسطو، فقد قام بتعريف السعادة بمصطلح eudemonia والذي يعني “الروح الحسنة”، قد يبدو هذا غامضًا بالنسبة لنا نحن المعاصرين، مثل الأحاسيس السعيدة السطحية التي يبحث عنها الكثيرون (بشكل خاطئ من وجهة نظري)، ولكن الفيلسوف يعني أن السعادة هي حالة إلهية تزور كل واحد منا عندما تشاء، ومسؤوليتنا الوحيدة هي أن نفتح الباب لها، ونفعل ذلك عن طريق العيش بشكل جيد.
للعيش بشكل جيد، يجب علينا أن نمارس الفضائل المحددة ونحوّلها إلى عادات، كما كتب أرسطو في الأخلاق النيقوماخية: “إذا كان من الأفضل أن نكون سعداء نتيجة لجهودنا الخاصة بدلًا من هبة الحظ، فيمكننا أن نفترض أن هذا هو كيفية اكتساب السعادة”، فيما يلي 10 من الفضائل التي يوصي بها أرسطو والتي تجذب الروح الحسنة بشكل عام كما تظهر الأبحاث الحديثة:
- الشجاعة
كتب أرسطو عن الشجاعة في سياق استعداد الفرد للتضحية بحياته، كما هو الحال في الحرب، من الصعب تخمين ما إذا كان سيعترف بالفضيلة في بيئاتنا الحديثة، فمن يعلم ما سيقوله عن خوف الشخص من إلغائه على وسائل التواصل الاجتماعي؟ ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ليس مصدر الخوف وإنما ما إذا كانت الشجاعة تجلب السعادة عندما نتصرف مع الخوف ونواجهه بدلًا من الاستسلام له، وتشير الأبحاث إلى أن ذلك صحيح، فقد أظهر العلماء أن الشجاعة يمكن أن تؤدي إلى الصمود بعد المصاعب، والصمود يؤدي إلى زيادة السعادة.
- الاعتدال
وبهذا يقصد الفيلسوف التحكم الذاتي في مواجهة الإنسان لرغباته واندفاعاته الأساسية، ويعد شعار الهيبي “إذا كان يشعرك بالراحة، فافعله!” وصفة للبؤس، ويتفق الباحثون الحديثون الذين يبحثون في مجال التحكم الذاتي مع هذا الرأي، ولكن مع بعض التغيير، فقد وجد العلماء الذين كتبوا في مجلة الشخصية عام 2017م أنه مع زيادة التحكم في الاندفاعات بين طلاب الجامعات على مدار اليوم، انخفض التأثير الإيجابي في البداية ولكن مع استمرار رفع مستوى التحكم الذاتي، تناقصت المشاعر السلبية وارتفعت مستويات السعادة إلى أعلى مستوياتها عندما كان التحكم الذاتي على أعلى مستوى أيضًا. بعبارة أخرى، الاعتدال البسيط ليس جيدًا للرفاهية، ولكن الاعتدال المفرط قد يكون رائعًا.
- السخاء
وبهذا لا يشير الفيلسوف إلى السياسة (الليبرالية) وإنما إلى المال، ويوصي -على وجه التحديد- بتجنب البخل ولكن دون الإسراف، واقعًا هناك أدلة تشير إلى أن البخل يؤثر على رفاهيتك، على سبيل المثال، أقام ثلاثة اقتصاديين عام 2014م لعبة مساومة إنذارية حيث كان يتعين على المشاركين تقسيم مبلغ معين من المال، قدم أحد المشاركين تقسيمًا معينًا حيث يمكن للآخر أن يقول نعم أو لا، ولكن الرفض يعني عدم حصول أي طرف على أي شيء، لذا يمكن الرد على عرض التقسيم السيئ بالانتقام، ووجد الباحثون أن مستويات التوتر البدني كانت أعلى لكل من الأطراف عندما كانت المفاوضات تتضمن تقديم تقسيم أقل من 40٪.
- العظمة
يرتبط ما يسميه أرسطو “العظمة” بالسخاء، إذ يقوم الشخص “بالتفكير في كيفية تنفيذ مشروعه بأكبر قدر من النبل والجمال، بدلًا من التفكير في تكلفة المشروع وكيف يمكن تنفيذه بأقل تكلفة”، لم يكن يؤكد هنا أن الطريق إلى السعادة هو شراء يخت فاخر، بل العظمة تعني البذل والعطاء على مشاريع تعود بالفائدة على عدد كبير من الناس، في الوقت الحاضر، يمكننا أن نسمي هذا “السخاء” أن تكون مُحبًّا الخير قدر المستطاع، ولهذا السبب يكون الدعم واضحًا، فالعطاء يجعلنا نشعر بالرضا والسعادة.
- عظمة الروح
يقول أرسطو إن الشخص ذا الروح العظيمة يتصرف مثل سقراط، سلفه القريب في الفلسفة اليونانية القديمة والذي كان “غير مبالٍ بالحظ الجيد والسيئ”، وهذا يتطلب أن تكون عالي الهمة، لا يعني أنك لا تستطيع التمييز بين الأشياء الممتعة والمزعجة، ولكن أن تنشغل بما هو أعمق وأكثر معنى في الحياة من المتع المؤقتة والاستياء العابر. في الواقع، يوضح البحث المقارن بين السعي وراء المتعة والسعي وراء المعنى بين المراهقين أن الأخير يؤدي إلى سعادة أكبر، بعبارة أخرى، ابتعد عن وسائل التواصل الاجتماعي واقرأ كتاب الأخلاق النيقوماخية على سبيل المثال.
- اللطف
فضيلة اللطف تشير إلى طيبة القلب والقدرة على التحكم في الأعصاب، الفكرة هي أن رباطة الجأش بهذه الطريقة تجلب السعادة، إذا كانت هذه الفكرة صحيحة، فإن العكس المتمثل في العدوانية يجب أن يقلل من الرفاهية من خلال تصعيب إدارة المشاعر، حيث قام الباحثون باختبار هذه الفكرة بأن يطلبوا من الناس التفكير في شخص يكرهونه، ثم إما أن يتخيلوا أفعالًا عدوانية وشريرة تجاه ذلك الشخص أو أن يركزوا على فكرة محايدة (تحديدًا ما كانوا يخططون للقيام به في يوم الأربعاء التالي على الأرجح وليس ضرب الشخص المعني)، وقد وجدوا أن المفكرين العدوانيين بدأوا يفكرون بشكل مفرط في هجومهم الخيالي، ونتيجة لذلك شعروا برفاهية أقل مما شعر به الفريق المعتدل.
- الصدق مع نفسك
أعطى أرسطو أهمية كبيرة للصدق، فقد نصح بعدم “التظاهر في شكل المبالغة” والتباهي وأيضًا عدم التقليل من الذات، يمكنك أن تقول إنه يوصي بأن نسعى إلى شيء مثل التواضع الآمن، الذي من خلاله نعترف بأنفسنا ونستطيع أن نظهر للآخرين من نحن دون تكبر أو استخفاف بالنفس، ويتوافق هذا مع العمل العام فيما يتعلق بالتواضع، الذي يرتبط بمستويات منخفضة من العصبية والاكتئاب، فضلًا على حب أكبر للحياة، ويتوافق أيضًا مع البحوث التي تظهر أن انعدام الأمن والانتقاد المفرط للذات يرتبطان بالقلق والحزن.
- المساواة
المساواة كلمة تلقت كثيرًا من الاهتمام في مناقشاتنا الحديثة، غالبًا ما يتضمن الأمر جهودًا لزيادة العدالة وتلافي التمييز السابق، ومن الواضح أنه عندما يظنُّ الناس أنهم يتعاملون بشكل غير عادل، ينخفض مستوى سعادتهم، ولكن أرسطو يقصد شيئًا مختلفًا تمامًا، فقد كتب الفيلسوف: “الرجل العادل هو الشخص الذي باختياره وعادته لا يقف على حقوقه دون مبرر، ولكنه يكتفي بالحصول على حصة أقل على الرغم من أن القانون معه” وقد وصف هذا بأنه “نوع خاص من العدالة”، لا يمكنني العثور على أدلة تجريبية محددة بالنسبة إلى هذا الاقتراح، ولكن من المؤكد أنه متعلق بالفضيلة التالية.
- الصفح
كتب أرسطو عن فضيلة مراعاة الآخرين، بالنسبة للشخص المعاصر، يبدو هذا مثل اللباقة أو الحساسية تجاه مشاعر الآخرين، ولكن الفيلسوف كان يوصي بشيء أصعب بكثير، وهو الصفح والتسامح تجاه أخطاء الآخرين، ولهذه النصيحة مؤلفات حديثة كثيرة تؤيدها، وتظهر كل دراسة عن الصفح تقريبًا أن القيام بذلك عمدًا والتخلي عن المظالم يقلل من أعراض الاكتئاب والقلق.
- الاحتشام
غالباً ما يُظنُّ في العالم الحديث أن الاحتشام يشبه التواضع، ولكن أرسطو قد قام بتعريفه على أنه الامتناع عن السلوك المخزي (إن كان مُغريًا)، وطبق هذا حتى على السلوك الخاص، هذا المفهوم للاحتشام يجعله مشابهًا للاعتدال باستثناء أنه بدلًا من الاعتدال في مواجهة الرغبات الدنيئة، يجب أن نمتنع تمامًا عن الرذائل، ومع ذلك، أضاف تحفُّظًا: يمكن أن يكون الاحتشام فضيلة فقط إذا “كان الرجل الصالح يشعر بالخجل لو فعل هذا أو ذاك”. بعبارة أخرى، عليك أن تؤمن بأن فعلًا واحدًا معيبًا من أجل أن تتمكن من تجنبه، أنا شخصيًّا ليست لدي أي مخاوف أخلاقية تجاه الخمور ولكني لا أشرب، لذا وفقًا للمعايير الأرسطية، فإن امتناعي عن تناول الكحول ليس فضيلة، وبأخذ هذا الأمر في عين الاعتبار، يُعد هذا النوع من الاحتشام استراتيجية للسعادة بالفعل، فعندما يقوم الناس بأعمال يعدُّونها أخلاقية، يرتفع مستوى سعادتهم خاصةً الشعور بالرضى وعندما يرتكبون أعمالًا غير أخلاقية، فإنهم يواجهون عكس ذلك.
اقترح أرسطو فضائل السعادة هذه منذ أكثر من ألفي عام، لكنني أظنُّ أنها توفر قائمة مفيدة اليوم للعيش بشكل جيد، إليك قائمة مختصرة قد ترغب في وضعها على باب ثلاجتك أو لصقها أسفل شاشة الكمبيوتر:
- حدد مخاوفك وواجهها.
- اعرف رغباتك وتحكم فيها.
- لا تكن بخيلًا ولا مسرفًا.
- أعطِ بسخاء قدر استطاعتك.
- ركز أكثر على الأمور السامية وتجاهل التفاهات.
- القوة الحقيقية هي التحكم في أعصابك.
- لا تكذب أبدًا، خاصةً على نفسك.
- توقف عن النضال من أجل حصتك العادلة.
- اغفر للآخرين وتحمل ضعفهم.
- حدد أخلاقك وعش وفقًا لها، حتى على انفراد.
ليس من السهل اتباع أي من هذه القواعد، ومن الأصعب جعلها عادات، ولكن العائد المتمثل في زيادة السعادة الحقيقية لك يستحق هذا الجهد كله.
آرثر بروكس، كاتب مساهم في مجلة ذا أتلانتيك ومضيف بودكاست كيف تبني حياةً سعيدة (How to Build a Happy Life).
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة ذا أتلانتيك).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.

الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.