حاورته: بلقيس الأنصاري
1- المستشار الثقافي والناقد والأكاديمي والشاعر الدكتور حاتم الزهراني يسعدنا ويشرّفنا استقبالك لإجراء هذا الحوار؛ بدايةً حدّثنا عن الأثر الذي خلَّفته مدينة «مكة» في تجربتك الشِّعرية والثقافية بشكلٍ عام، وكيف ساهم ذلك بشكلٍ كبير في نظرتك للعالَم؟
شكرًا لهذه الاستضافة. أنا سعيد بأن أكون مع منصة «معنى» الثقافية وقرّائها الرائعين في هذا الحوار..
تأخذنا الأسئلة حول تأثيرات التشكّل الأولى إلى منطقةٍ محبَّبة لدينا، وهي منطقة ابتكار القصص والأساطير الشخصية. نجدها فرصة مواتية للحديث عن الماضي بوضوحٍ وحتمية انطلاقًا من زاوية الأثر الرجعي، لأجل امتلاك سرديتنا الخاصة. نحاول اقتناص الخيط الرفيع الذي يربط المتباعدات لكي نضع النقاط على الحروف ونمنح المعنى لأحداثٍ قد لا تبدو للوهلة الأولى مترابطة تمامًا. من هنا، فالإجابات التالية هي نوع من القصص المَبنية على أحداثٍ واقعية، قصص غالبًا ما تحتفي بالحُريَّة الإبداعية من أجل سردها بتماسكٍ أكبر.
باستحضار هذا التنبيه الذي قد لا يخلو من رغبةٍ ما في توجيه القراءة والتخفّف من التزامات الحقيقة، أتصوّر أن أثر مدينة مثل «مكة» لطالما كان عميقًا وراسخًا لدى كلّ أولئك الذي ظفروا بفرصة المرور بها أو زيارتها مرّة أو مرّتين، أو كانوا محظوظين باصطفاءٍ ما للسُكنى بها. مدينة عريقة تاريخيًا مقدَّسة دينيًا (لنتذكّر أنها «أوّل بيت»)، ومؤثِّرة عالميًا، ومتنوعة اجتماعيًا، ومشحونة بالرموز والعلامات الحضارية والثقافية. هذه وصفة سِحرية لأيّ مدينة لتحدث أثرًا عميقًا في الشخصية، والأفكار، والإنتاج الإبداعي.
ومع ذلك، فالظروف والاستعدادات والسياقات المختلفة، فرديًا واجتماعيًا، تخلق تنويعات لا نهائية في كيفية بروز ذلك الأثر. وبالنسبة لي، لطالما كانت مكة استعارةً كبرى لفكرة الملتقى الإنساني، وأتصوّر أن ذلك ما زال يؤثّر في كيفيات التفسير والتعبير التي أجدني دائمًا مشدودًا إليها ومشاركًا في إنتاجها؛ ففي معظم ما أقرأ وأكتب يبرز سعي، لا يمكنني تفسيره أحيانًا، للبحث عن الروابط والجسور ونقاط الالتقاء. سأحاول شرح العوامل التي أظن أنها أسهمت في خلق هذه الاستعارة الكبرى حول مكة لديّ.
تكتسب مكة رمزيّتها الدينية والأسطورية استنادًا، أوّلاً، إلى حادثة نزول النبيّ الكريم إبراهيم فيها، ثمّ تفجّر زمزم، ثمّ بناء الكعبة. أصبحت منذ ذلك التاريخ مركزًا عالميًا للأفكار والمعتقدات، والتجارة والتواصل. وضمن هذه السردية، فهي مدينة وَلدت استجابة لحالةٍ إنسانية؛ حيث هاجرت إليها عائلة تسعى وراء الحُلم وتبحث عن مأوىً جديد أكثر أمنًا واستقرارًا، ونبع فيها الماء استجابة لبكاء طفلٍ ولدأبِ أمه الحنون في السؤال والبحث.
وبعد عدة قرون ستصبح هذه المدينة منطلقًا لآخر الرسالات السّماوية المُنزلة على نبيّ هو سليل تلك العائلة نفسها، بينما كان يصعد أحد جبالها للبحث عن المعنى ورؤى الإصلاح. ستصبح اللغة المُستخدمة فيها اللغةَ الرسمية للشِّعر العربي، وستصعد درجة أعلى لتصبح لغة الوحي القرآني العربي المبين. ومنذ ذلك الحين، ستظلّ مأوى وقِبلةً يلتقي فيها ملايين الناس، على اختلاف ثقافاتهم، رمزيًا خمس مرّات كل يوم، وفعليًا للزيارة ولأداء مناسك العُمرة والحجّ منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا.
وهذا التصوّر لم يكن تجريديًا فحسب، بل كان مجسّدًا في أيّ زيارة عادية للحرم، الذي كان يبعد أقلّ من سبعِ دقائق عن منزلنا. فالمرور بمقام إبراهيم يستدعي قصة بناء الكعبة، كما أنّ الشرب من زمزم ومشاهدة البئر (وقد كان ذلك ممكنًا)، والسعي بين الصفا والمروة وملامسة أحجارهما يحفر في العمق قصة تفجّر زمزم الأولى. ولم يكن مِن قبيل الاستثنائي أن يفكر المرء لوهلةٍ بينما يمشي في المطاف أو المسعى أو ما بينهما أنّ خطواته ربما تتقاطع مع خطوات عبرَت هنا أو هناك للنبيّ الأمين محمد وصحبه الكِرام، أو للأم الحنون هاجر، قبل مئات السنين.
ما عنَاه ذلك كلّه أنّ المرء يصبح جزءًا من قصةٍ عالمية أكبر، فقد كان الخيط الزمني الهائل الذي يربط هذه العصور والمجتمعات إلى بعضها البعض يتقلَّص بفضل هذه الزيارات ليصبح أقصر ربما من مسافة الرحلة من منزلنا إلى هذا الملتقى الإنساني العالمي.
وهذا الجانب الأسطوري لفكرة المُلتقى يجد إحدى أهمّ تمثيلاته الواقعية في التنوع الاجتماعي الذي تزخر به مدينة مثل مكة؛ فهي ملتقى لتجمعاتٍ بشرية شديدة التنوع. لقد درستُ في «مدارس الفلاح»، وكان الصفّ الدراسي ملتقى أُمميًّا بشكلٍ أو بآخر؛ فالطلاب ينتمون ليس فحسب إلى مناطق متنوعة من المملكة والجزيرة العربية، بل إلى خلفيّاتٍ عِرقيَّة متنوعة من شتَّى أقطار العالم الإسلامي. ينتهي نسب بعضهم باسم القبيلة، بينما يشكّل اسم البيت، الذي يكون مشتقًا غالبًا من اسم الصنعة، اللقب العائلي للبعض الآخر. وإلى جانب الطلاب السعوديين، كان هناك عدد لا بأس به من زملائنا الطلاب من جنسياتٍ أخرى. وينطبق ذلك على الطاقم التعليمي المتنوّع أيضًا.
وهذا مثال واحد فقط في المدرسة؛ وإلاّ فالسّير في شوارع مكة وأزِقّتها وحواريها، والإنصات اليومي بالانفتاح اللائق إلى التنوّع الكبير في اللهجات بين ساكنيّ أحيائها وشِعابها ومناطقها المختلفة، والاستمتاع بتجربة الأكل من مطاعمها ومخابزها التي تنتمي إلى تراثٍ هائل من مطابخ الأقطار العربية والإسلامية المتنوعة، والالتقاء بزائريها الموسميين من جميع أقطار العالم في موسميّ العُمرة والحجّ، كل ذلك يدعم بعضه بعضًا؛ لترسيخ مكة استعارةً للملتقى الإنساني، ومن ثمّ تهيئة المرء مبكرًا لاعتياد الانفتاح على الثقافات المتنوعة وتقبّلها، وإغنائها والاغتناء بها.
ولقد تعزَّزت تلك الفكرة بفضل انتمائي لعائلةٍ مُهتمة بتاريخ مكة والمسجد الحرام والكعبة المشرِّفة. كيف؟ حسنـًا. كانت الحوارات العائلية والمصادر المعرفية المتخصِّصة القريبة من اليد تتعاضد لتكسب المرء مهارة تجريد الأحداث والمشاهد اليومية والتقاط رمزياتها وتحويلها إلى قصصٍ ضمن السرد الأسطوري والتاريخي حول مكة. يتحوّل المرور بعابرين زائرين أو مهاجرين في المسعى إلى لحظةٍ ضمن تاريخ التحوّلات الديموغرافية لهذا المكان، ويصبح تناول الحلوى المكيَّة الشهيرة فرصة للبحث في أصولها التاريخية ورحلة سفرها عبر الأقطار المتنوعة.
ومع المُمارسة، لم يعد الأمر يستغرق كثيرًا من الوقت للانتقال من التجربة إلى المعرفة، وفي أحيانٍ كثيرة لا يدري المرء أيَّهما سبق الآخر. وإذا أضفنا إلى ذلك البدء بتجريب اليد في كتابة الشِّعر منذ سِنٍّ مبكرة، والشِّعر في جوهره قراءة رمزية للواقع، يصبح من المفهوم هذا الميل لاستيعاب الأحداث والتجارب اليومية في إطارٍ فنّي / أسطوري يرفعها إلى مستوىً رمزيّ أعلى وأرحب.
وضمن هذا السياق الذي يربط التجربة بالمعرفة، فقد كانت الدراسة في «مدارس الفلاح» -أولى المدارس النظامية في الجزيرة العربية-، من أهمّ عوامل التأثير. اشتهرت الفلاح عبر فرعيها في جدة ومكة بتخريج طلائع الحركة الأدبية والفكرية الحديثة في الحجاز والدولة السعودية الوليدة آنذاك، بالإضافة إلى أسماء مهمة متنوعة لقياداتٍ إدارية عُليا، وكان ذلك يخلق نوعًا من الوهم الجميل بالانتماء إلى تراثٍ عريقٍ من الأسماء المؤثِّرة، فكريًا وأدبيًا واجتماعيًا. الخطوة المنطقية التالية كانت تحقيق ذلك الانتماء، أو نقله من انتماءٍ بالقوة إلى انتماءٍ بالفعل، عبر محاولة تتبع خطواتهم بترك إنتاج أدبي والاندماج في هذه الاستمرارية العريقة.
وبصورةٍ عامة، أتصوّر أن أثر مكة / المُلتقى الإنساني يكمن في تهيئة الكتابة، بشكلٍ أو بآخر، لأن تنطلق من موقعٍ إنساني وثقافي أرحب وأغنى وأكثر تنوعًا. كأنّ إحساسًا بالانتماء إلى العالم، عبر امتداده الزماني والجغرافي، التاريخي والأسطوري، كان يغمر المرء ويترسخ في اللاوعي، في حين كانت خصوصية المكان وتميّزه ولمسته الشخصية تتعزّز أكثر. لقد كان تأثير مكة حاسمًا دون شك. ولقد أحسن شون فولي، في مقالته عن هذه التجربة حينما وضع لها عنوان: «حداثي من مكة» (1).
2- يأخذنا الحديث عن مدينة مكة وتأثيرات النشأة إلى السؤال عن الكيفية التي شكَّلت بها ذاكرتك القرآنية وعيك الثقافي والتاريخي واللاهوتي؟
هذا سؤال مهم جدًا. بدايةً، أتصوّر أنّ جزءًا كبيرًا من تطور تأويل مكة بوصفها ملتقىً إنسانيًا عالميًا، ثمّ انعكاس ذلك بشكلٍ أو بآخر على ما أكتب، كان يحدث تحت تأثير الارتباط المُبكِّر بالقرآن الكريم. فباعتبار «جبل النَّور» في مكة، الموقع الذي نزلت فيه الآيات الأولى لآخر الكتب السّماوية، الكتاب الذي جاء ليخاطب العالم أجمع، لا يعود من المستغرب أن تنشأ هذه الاستعارة العالمية لمكة؛ انطلاقًا من هذه اللحظة التي وحَّدت التجربة بالمعرفة.
على الجانب الشخصي، كان للارتباط المُبكِّر بالقرآن الكريم، قراءةً وحفظًا وتعلُّمًا، أبلغ الأثر على تعزيز منظورٍ عالمي. قد لا أرتاح كثيرًا لاستخدام عبارة مثل: «رؤية العالم»؛ فهي مشوبة بقدرٍ لا بأس به من المديح المُبطَّن للذات، كما توحي بتماسكٍ في الفكر والتخيّل من الصعب أن يتحقَّق فعليًا، بالإضافة إلى أنها ترتبط في جذورها بمنحى أيديولوجي محدد. ومع ذلك، فقد خلق القرآن الكريم، على مستوى التصوّر، وعيًا دائمًا بانتماء المرء إلى قصةٍ عالمية أكبر، زمنيًا وجغرافيًا.
يربط القرآن لحظة الخلق الأسطورية الأولى، للكون وللإنسان، بأحداثٍ تاريخية وسياسية واجتماعية / بشريَّة على الأرض تتزامن مع لحظات تطور النصّ القرآني نفسه، وصولاً إلى تصوير لحظات إسدال السِتار ونهاية الحياة والاستقرار في المأوى الأخير. من هنا، يربط النصّ القرآني الزماني بما وراء الزماني، المكاني بما وراء المكاني، فيصبح الأسطوري والتاريخي جزءًا من سرديةٍ عالمية واحدة.
في القرآن تحضر قصص عالمية من ثقافاتٍ متنوعة يَفضي بعضها إلى بعض، على مستوى رمزيّ يكشف عن الخيوط الوثيقة بين أبطالها. يصبح موسى جزءًا من قصة عيسى، ويأخذك عيسى إلى قصةِ محمد، الذي يذكّرك بتراجيدية قصة إبراهيم، ليعود الأمر إلى آدم في البدء. وفي جانب أكثر بشريّةً، يحضر أصحاب الكهف والخضر ومريم بنت عمران وأم موسى وزوجة فرعون؛ لتمثيل مشتركاتٍ إنسانية عابرة للزمان والمكان رغم ارتباطها بالتاريخ.
ولأنّ هذه القصص كانت قد تضمّنتها الكتب السّماوية السابقة، وإن بتنويعاتٍ مختلفة، يصبح القرآن حاضنًا للتراث العالمي، وتصبح قراءته تمرينًا تأويليًا مستمرًا في حوار التأثّر والتأثير واستكشافًا ثقافيًا للعالَم أجمع، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط، التي دارت فيها معظم أحداث القصص الكبرى للكتب السّماوية.
كأن ذلك يقدّم لنا، نحن معشرَ قرّاء «القرآن»، فرصة لتطوير رؤية عابرة للثقافات تتسع لاستيعاب التاريخي والأسطوري معًا. ولطالما كان ذلك مُلهمًا لكتاباتي.
في قصيدتي: «استعارات لفوات القطار» (انتهت كتابتها في يناير 2016)، يتذكّر أحد شخصيات النصّ حوارًا له مع أحد الأصدقاء في حرمِ جامعة ييل (التي ذهبت إليها لدراسة الماجستير في الدراسات الشرقية)؛ حيث كانا يمرّان بالقرب من بيت الناقد المعروف هارولد بلوم، صاحب نظرية: «قلق التأثر»، الذي كان أستاذ الأدب الإنجليزي في الجامعة نفسها. تتحوّل الملاحظات العابرة بين الصديقين الذين ينتميان إلى تقاليد كتابية مختلفة، إلى حوارٍ حول علاقات التأثّر المُستمرة بين هذه التقاليد:
«تذكرتَ ذلكَ في يـيلَ وهْي تُـحرِّرَ كلبَ أبيها المحافِـظ. في ليلَـةٍ شابَّةٍ ارتدتْ شَعرَها الأبيضَ المتقصِّفَ حتى تُـفاجِـئَ وجهَ غريبِ الكنايةِ.
بالقربِ من بيتِ هارُولدْ بلومَ الذي لَـمْ أوَفَّـقَ إليهِ لأنَّيَ لمْ أتأثَّـرْ بِـغيري من القَـلِـقـِينَ ولـَـمْ أتتبَّعْ خريطـَـتَـهُ لـِـضلالِ القراءةِ.
بين “المحاكاةِ” والفيلولوجْـيا،
أو المتنبي وأقرانِـهِ،
أو نِـيويُورْكَ/تفاحَـةِ الأرضِ والأرضِ».
وبعد هذا النصّ بأكثر من أربعة أعوام، تأتي قصيدة: «أحتاج للعاديّ» (2)، لتتمحور حول شخصيةٍ تطوف في الآفاق الزمانية والمكانية، في رحلةٍ أسطورية وتاريخية عبر إحالات من ثقافات الشرق والغرب. تنتهي هذه الرحلة بلحظة الوحي القرآني الأولى التي تحضر لخلقِ الطاقة الجمالية والفكرية الخلاَّقة، لاستيعاب هذه الإحالات الثقافية المتنوعة في حدث القراءة الأوّل الذي يُصبح حدث التأويل الأخير:
«أحتاجُ صوتكَ أيُّها العاديُّ حتى يستمرَّ الحلمُ باللحنِ المُثيرِ هناكَ:
يا شوق الأوروبِّيِّ المغامرِ للأسامي البِكرِ في الأرض الجديدةِ في طريق الهندِ،
يا ولعَ الرجالِ البِيضِ بالفانتازيا: قلب الظلامِ الأفريقيُّ، حكايةُ السنبادِ بين اللؤلؤ المنثورِ في جزرِ الحكايةِ قرب بحر السندِ،
أو ما لا يشفُّ من الحريمِ وراءَ بابِ الشرقِ،
خمر أبي نواسٍ للغلاميِّ الشقيّ يدوخُ من أثر البلاغةِ في الكؤوسِ،
الْـحرب يشعلها الحمى تنساب في ضرع البسوسِ،
الشِّعرُ عن مُـلكٍ مضاعٍ ليس يدركُ قيصرا…
بيتٌ يقدِّسهُ الثلاثةُ في المساءِ، ولا يُباع ويُشترى…
يا أيُّها العاديُّ: طال الليلُ،
فاصفح؛
كي يعودَ الشوقُ للحلم المُثير:
ويكبر الفجر النحيلُ
أحتاجُ صوتك أيُّها العاديُّ حتى يستمرَّ الحلمُ باللحنِ المُثيرِ هناكَ:
يا علمًا يقودُ البربريَّ الشهمَ في آيبيريا خلف المضيقِ لينعم الأمويُّ بالقصر المنيف دقيقةً أخرى ويغرس نخلة شِعريّة في الشام بعد دقيقتينِ،
هناكَ: يا وحي السماءِ الشهمَ نحو بطاحِ مكةَ بعد فيل الجندِ (رغم رجالِ هذي القريتينِ)،
تعالَ إنّي لا أراني.
إنّني: أحتاجُ صوتكَ أيُّها العاديُّ،
أو: أحتاج صوتي فيكَ
حتى ينصت الملَـكُ الصناعيُّ المُـعَـلْـمَنُ فيَّ للوحي الطبيعيِّ العليِّ.
يقول لي: “اقرَأْ!”.
فأنظرُ نحوهُ: “ماذا تقولُ؟!؟”.
“اْقرَأْ!”.
فأنظرُ مرّةً أخرى:
أنا؟
حسنًا، سأفعل ما تقولُ».
وبالتوازي مع الرؤية العابرة للثقافات، يحتفي النصّ القرآني بجمالياتٍ عابرة للأجناس الأدبيَّة. وليس بلا دلالة ألا يعرف العرب الأوائل، أولئك الذين عايشوا دهشة الاستقبال الأولى، كيف يصفون القرآن على وجه الدقة وتحت أيّ صنف جمالي أو أسلوبي يضعونه. لقد كانت تلك، في جزءٍ منها، حيرةً أمام اختراق جمالي جديد، وهي حيرة ما زال بالإمكان إعادة زيارتها لاستكشافها بشكلٍ أعمق والنظر إليها كمنقطة خصبة لتطوير نصٍّ أدبي جديد أكثر حُريَّةً، بعيدًا عن قضبان التقسيمات المعروفة للأجناس الأدبيَّة.
وإذا أضفنا إلى ذلك نقطةً تأسيسيةً تتمثّل في أنَّ هذا القرآن المعجز نصٌّ أداته هي اللغة أساسًا، كما الشِّعر تمامًا، تصبح كتابة الشِّعر تجربة متواصلة في التدبر اللغوي والجمالي لإمكانات اللغة التي استثمرها النصّ القرآني ليمنحها تلك المنزلة العُليا، ويكون النصّ الشِّعري الشكل البشري الأرقى لتاريخ الحوار مع هذه اللغة. وأتصوّر أن الرغبة للاندماج ضمن سياق التعبير القرآني بإعجاز لغته وجلال جمالياته وتنوعها واختراقاتها العصيَّة على الوصف كان من أهمّ أسباب بروز تلك الشواهد في الشِّعر العربي حول العلاقة الحرجة بين الشاعر والنبي. ألم يُلَقَّب أهمّ شعراء العربية على مدار تاريخها بـ«المتنبي»؟ ألم يُوصف شِعرُه بـ«مُعجز أحمد»، من قِبَلِ شاعرٍ عظيم آخر جاء بعده وفتن به اسمه «أبو العلاء المعري»؟
باختصار، لطالما كانت طاقات النصّ القرآني الخلاَّقة على مستوى الرؤية العابرة للثقافات، والجماليات العابرة للأجناس، واللغة التي تلهمنا للتفكر في كل ذلك، مصدرَ إلهام لا ينضب. وربما أسهم ذلك في تشكّل نوعٍ من الوعي بوجود قرّاء ضمنيين ينتمون إلى ثقافاتٍ وتجارب جمالية متنوعة وبإمكانيةٍ دائمة لتوسيع قاعدة القرّاء المحتملين.
وفيما بعد، ستكون تجربة السفر إلى أميركا تحقيقًا أشدّ كثافةً لهذه الإمكانيات، ولكن من موقع بينيّ أقل استقرارًا وأشدّ توترًا، ومن ثمّ مهيأً أكثر للإبداع.
3- «أرى أنّ شِعري هو موقع للتفاوض بين الماضي والحاضر، والشرق والغرب، من خلال الإحالات الثقافية والأدبية». ما سبب افتتانك بتصوير الاستمرارية عبر الثقافات كإطار للتعريف بالهُويّات وموقعها التاريخي، وما دور اهتمامك بالشِّعر العربي الكلاسيكي والحديث بجانب تنقّلك بين اللغات والثقافات المتباينة أثناء دراستك في أميركا في ذلك، وكيف تصف العلاقة بين التجربة الشِّعرية المعاصرة والتراث؟
قد لا أنجح تمامًا في تقديم إجابة تليق بهذا السؤال الدقيق (أو بهذه الشبكة المعقّدة من الأسئلة الدقيقة)، وهو نوع من القصور المحبَّب لديّ؛ لأنه يبقي الباب مفتوحًا للقراءات الأخرى لتقديم مقترحاتها بشأن دور التجربة الشخصية في تطور هذه الرؤية حول الاستمرارية، كما فعلتِ أنتِ في هذا السؤال. ولكن يمكن اعتبار إجابتي قراءة من ضمن القراءات.
بالفعل، أنا مفتون بالاستمرارية الثقافية، ولعلَّ في الإجابات السابقة حول الدور الأساسي لمكة وللنصّ القرآني في تهيئة المرء لأن يكون جزءًا من قصةٍ عالمية مُستمرة، زمانيًا ومكانيًا، ما يفيد في هذا السياق.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان لأحداث التاريخ المُصغر أو الشخصي التي أشار السؤال إلى بعضها، وأهمّها مرحلة أميركا التي امتدت لعقدٍ تقريبًا، دور جوهريّ في تشكّل هذه الرؤية حول الاستمرارية.
ولكن قبل ذلك، وفي عُمرٍ مُبكِّر جدًا، انتقلت عائلتي إلى اسكتلندا في المملكة المتحدة لظروف ابتعاث والدي للدراسة، واستمرّت التجربة هناك ثلاث سنوات تقريبًا. كان التعرّض اليومي للغة الإنجليزية والثقافة الغربية يحثّ الوالدين لربطنا كأطفال بشكلٍ مكثَّف بالهُويَّة الثقافية العربية الإسلامية وباللغة العربية. تخلق الغربة إحساسًا حادًا بالهُويَّة ورغبة في تعزيز حضورها بشكلٍ أكبر وحمايتها من الذوبان، ولكن الأمر الجيد أن ذلك لم يكن على حساب الاندماج في المجتمع الجديد المتنوع دينيًا وثقافيًا واجتماعيًا هناك. كان الأمر يتمّ بتوازنٍ صحيّ لافت يُحسب للوالدين.
من هنا أظن أنّ هذه التجربة المُبكِّرة جدًا، أسهمت في إلقاء البذور الأولى لكي يتطور تصوّر، ربما كان خفيًّا لدى الطفل الذي عاش هناك، بوجود عناصر التقاء وتواصل بين المجتمعات والثقافات المتنوعة (يمكن تسمية هذا النوع من الاستمرارية بـ «الاستمرارية الأفقية»)، وبالقدرة على خلق استمرارية مع الهُويَّة الثقافية حتى مع وجود انقطاع في المكان أو الزمان (وهذه يمكن اعتبارها «استمرارية رأسية»).
وبعد العودة إلى السعودية، سينعكس الأمر وستشكّل ذكريات سنوات الغربة مخزنًا لحنينٍ لا ينضب إلى حالة دهشة السفر ومفاجآت العيش في الأماكن الغريبة. سيكون عليَّ شد الحبل باستمرارٍ إلى ذلك الجزء الغريب (هل قلت الغربي؟) من الهُويَّة وتطوير تصوّر مقنع ومريح للاستمرارية معه، بعد أسطرته -بالطبع- عبر القصص التي يتمّ سردها بحذر والصور التي تمّ التقاطها بعنايةٍ لتخلّد اللحظات التي تمّ اختيارها بعنايةٍ أكبر!
تأتي الآن مسألة دور الشِّعر في تطوير هذا التصوّر. لقد بدأت كتابة الشِّعر في سِنٍّ مُبكِّرة جدًا. في عُمر العاشرة تقريبًا. ونظرًا للامتداد الزماني والمكاني الهائل للشِّعر العربي بشكلٍ خاص، فكتابته تعني، بشكلٍ أو بآخر، الاندماج ضمن تراث عريق وزيادة فرص استمراريته في تجربةٍ معاصرة. إن كل كتابة شِعريَّة معاصرة تحقّق الشروط الأساسية من الجودة هي محاولة أولى جديدة في تجربة الاتصال والانفصال: الاتصال بالتراث الشِّعري لإثبات عرَاقة النسب الفني، والانفصال عنه بتقديم مقترحاتٍ جديدة لإثبات القدرة على الإبداع. وفي تجربة الاتصال والانفصال هذه ربما يطغى جانب على الآخر باختلاف مراحل الممارسة الشِّعرية، ولكنها في مجملها تترك على المنتج الشِّعري أثرًا يمكن التقاطه بنظرة طائر ليكون أشبه بالخطوط المتعرجة لتخطيط القلب، والتي ترتفع وتنخفض تبعًا لاختلاف مستويات الاتصال والانفصال.
إنّ هذه الخطوط المتعرجة هي الشكل الأبسط لمفهوم الاستمرارية الفنية/الثقافية، ولتوترات العلاقة بالآباء الشِّعريين والثقافيين المؤسِّسين (والأمهات الشِّعريات/الثقافيات كذلك، منعًا لإثارة جماعة «الصوابية السياسية»!). أنا مِمن يؤمنون بأن كل التجارب الشِّعرية الفارقة والمؤثِّرة هي تجارب استمرارية وليست تجارب انقطاع؛ ولكن بهذا المعنى الإبداعي للاستمرارية.
ولعلَّ أحد الأسباب الأساسية لذلك هو أنني تعرَّضت للشِّعر العربي القديم والحديث في الفترة نفسها، فكانت قراءة المتنبي وامرئ القيس وأبي تمام تتمّ بالتوازي مع قراءة أدونيس ومحمد الثبيتي ومحمود درويش. وأوسع من ذلك، كانت حتى نصوص العربية المحكيَّة جزءًا من هذا التعرض؛ فكانت «أرفض المسافة» لبدر بن عبدالمحسن، مثلاً، وأبيات شِعر العرضة الجنوبية، وحتى شِعر العربية المحكيَّة خارج الجزيرة العربية، كل ذلك كان بالنسبة لي شِعرًا عربيًا حديثًا، من حيث بروز هواجس وتوترات الاتصال والانفصال، وأيضًا من حيث هو قادر على التحدث إليّ اليوم وإضفاء المعنى وإغناء التصوّرات وتحديثها … و«زيادة سعة الأرض»، كما يقول أحد أولئك الذين ذكرتهم. ومن هنا فقد كان من الهِوايات القرائيَّة التي تطورت لديّ مُبكرًا هِواية رسم خطوط الاستمرارية المتعرجة بين النصوص الشِّعرية ومقارنتها، وما زلت أُمارس هذه الهِواية حتى اليوم.
أمَّا تجربة الابتعاث في أميركا، التي امتدت لعقدٍ كامل تقريبًا فسيتكثف فيها الاهتمام بالاستمرارية على أكثر من صعيد. أوّلاً، وعلى الجانب الشخصي، ستكون هذه التجربة هي التحقّق الفعلي للاستمرارية مع جزء الهُويَّة الذي خلقته لحظة الغربة الأولى في اسكتلندا. بالطبع كانت الأمور في اسكتلندا في منطقةٍ طفولية مدارها التجربة المباشرة، أمَّا الآن، في أميركا فقد كان هناك تعرّض يومي للثقافة الغربية (الأميركية تحديدًا) بمختلف مستوياتها وأنواعها: في الحرم الجامعي والشارع العام، عبر الكتاب والصحيفة والتلفزيون والبودكاست وتطبيقات الفيديو والموسيقى، في المتحف والمسرح والحديقة والمكتبة والمطعم والمتجر والمستشفى ومدارس الأبناء، مع البروفيسور المعروف والكاتب المشهور وسائق الأوبر اللطيف والجار الودود (أو الآخر اللدود!) وضابط دائرة الهجرة حادّ الملامح وموظف إدارة المركبات DMV البطيء جدًا كما تمّ تصويره بدقةٍ لاذعة في فيلم Zootopia!
سيكون كلّ ذلك وأكثر تجربة انغماس تامّ في الثقافة الأميركية، ولكن عبر مرشّحات معرفية ومفاهيم قد استقرَّت الآن في منطقة وعيّ أكثر نضجًا، فأصبحت مهيّأةً لتسجيل الملاحظات واستخلاص النتائج والانتقال من التجربة إلى المعرفة. ونظرًا لأنني كنت أدرس في برامج تندرج ضمن أقسام الدراسات الشرقية (أو دراسات الشرق الأوسط، أو الدراسات العربية والإسلامية)، فقد كان ذلك الانغماس يحدث في الغالب من منطقة مقارنة، ويسعى إلى ملاحظة نقاط الاتصال والانفصال.
إنّ دراسة الثقافة العربية في محيطٍ أكاديمي غربيّ هي تجربة في الانغماس المزدوج في الثقافتين العربية/الإسلامية والغربية، وقد كان ذلك حاسمًا في خلق الحاجة للتفاوض بينهما. كانت الأسماء الأدبية والفكرية والثقافية العربية، من التراث والحداثة وما بينهما، والأسماء اليونانية واللاتينية، والغربية الحديثة، تطلّ معًا من نوافذ الصفوف الدراسية في شارع يورك في مدينة نيوهايڤن، كونيكتيكيت، حيث يقع قسم الدراسات الشرقية في جامعة ييل، ثمّ من الشارع السابع والثلاثين في مدينة واشنطن، دي سي، حيث يقع قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة جورجتاون. كان عليّ إيجاد وسيلة لتنسيق حوارٍ بنَّاء بين كل هذه الأسماء.
لقد تأثَّرت رحلتي العِلمية في أميركا بعديد المؤثرات، خصوصًا في جامعتيْ ييل وجورجتاون، حيث درست الماجستير والدكتوراة، على التوالي. في ييل عملت مع بياتريس جروندلر، وكانت مهتمة بعلاقات التواصل والانفصال بين الشِّعر والنثر القديم، وبالأدب العربي بوصفه حلقةً مهمة في رحلة تشكّل الأدب العالمي. وفي جورجتاون، عملت مع سوزان ستيتكيفيتش التي درست القصيدة العربية الكلاسيكية بوصفها عاملاً مركزيًا في تشكيل الأسطورة السياسية والهُويَّة الثقافية عبر اشتباكها في النسيج الاجتماعي.
وفي ظلّ جوٍّ دراسي عابر للتخصّصات، ومع كثير من الصفوف الدراسية الأخرى في مجالاتٍ متنوعة، اجتماعية وسياسية وفكرية، ومع الأنشطة الطلابية في مجالاتٍ أكثر قربًا من الأحداث الراهنة، كانت محاولة إيجاد الخيط الرهيف الرابط بين كل هذه العصور والمفاهيم والتخصصات جزءًا من عملية القراءة والكتابة، والفهم والحوار.
في الكتابة النقدية كان ذلك يتمّ بأمرين: أوّلاً، قراءة الشِّعر العربي من منظورٍ يقوم أساسًا على مفهوم الاستمرارية وليس الانقطاع بين القديم والحديث؛ فالأخير مفهوم غربيّ لا ينطبق تمامًا على الشِّعر العربي الذي شهد استمرارية لغويَّة وجمالية مثيرة للاهتمام. وثانيًا، بمحاولة تطوير منظورٍ أدبي وثقافي مقارن للدراسة؛ فقد كانت قراءة تي إس إليوت ووالس ستيفنز وتشارلز بيرنستين تحدث بالتوازي مع قراءة الشِّعر العربي، وكان كل نصّ في هذه الضفة يثير الأسئلة حول نقاط في نصوص الضفة الثقافية المقابلة، ويحرّض على صنع القناطر بينهما عبر عدسات نقدية مُستلهمة من هاتين الضفتين معًا.
وأمَّا في كتابة الشِّعر، فقد كان ذلك يحدث عبر السعي إلى ممارسة كتابة القصيدة بوصفها فضاءً حواريًا تتجاور فيه الإحالات الثقافية والتجارب الجمالية المتنوعة، وتمارس ما يستدعيه هذا التجاور من استكشافٍ أكثر دقة للذات والآخر، ومن تذويب دائم للحدود المصطنعة بين ما يتمّ اعتباره عادةً من قبيل الثنائيات المتناقضة. لم يكن من المستغرب إذن أن يكون «أحتفلُ بالمثنّى في ييل»، هو عنوان المجموعة الشِّعرية التي سجَّلت هذه التجربة الأميركية.
لقد كانت التجربة الأميركية فرصةً لا تقدّر بثمنٍ لأن أواصل عبر القراءة والكتابة رحلة استكشاف الهُويَّة الثقافية وتجريب الاستمرارية بنوعيها الأفقي والرأسي.
4- من خلال تدريسك لصفوفٍ حول الثقافة العربية في جامعة جورجتاون بواشنطن، واهتمامك بالإسهام في تقديم الثقافة العربية إلى العالَم المعاصر بشكلٍ عام، كيف تبدو دراسة الثقافة العربية من خلال العدسة الغربية، وكيف يمكن سدّ الفجوات في معرفة الأكاديميا الغربية بالأدب والثقافة في الجزيرة العربية والمملكة بشكلٍ خاصّ؟
أن يحظى المرء بفرصة الدراسة والتدريس في برامج الدراسات العربية في الأكاديميا الغربية، فهذا موقع ثقافي بينيّ يحفّز، أوّلاً، وقبل التوجّه للآخر لتقديم الثقافة العربية إليه، على طرح الأسئلة حول مدى المعرفة بالذات وفهم ثقافتها بشكلٍ أصيل لأن كل شيء تقريبًا هو عرضة للسؤال. وقد كانت الظروف مهيّأة لذلك؛ خصوصًا مع وجود مسافة فعلية عن سياقات إنتاج المعرفة العربية ومكونات الهُويَّة الثقافية، الأمر الذي يوفر فرصة تسمح باستغلالها كمساحة نقدية لإعادة استكشاف الذات. ومن ناحيةٍ أخرى ولأن التدريس كان باللغة الإنجليزية، فقد كانت الترجمة هي وسيلة التواصل الثقافي مع الذات، مع النصوص العربية نفسها، ما أكسبها طعمًا جديدًا فغدا التواصل معها تجربة استكشاف مُبتكرة.
فمثلاً، بينما كنت أجلس في الحُجرات الدراسية الفردية الأثيرة لديّ في مكتبة باس Bass Library، في جامعة ييل، تصبح تجربة قراءة نصّ أدبي أو عمل نقدي أو فكري أو تاريخي عربي متخفَّفة من الأعباء التي يفرضها موقع تلك الأعمال في الصراع الآيديولوجي المحلي أو الإقليمي، أو حتى موقع أصحابها في شبكة العلاقات الاجتماعية/الثقافية، أو حتى من تأثيرات الصور النمطية الإقليمية. تصبح القراءة تجربة أكثر هدوءًا وتخرج الأحكام بطريقةٍ أكثر ترويًّا وترتفع نسبة الموضوعية درجة أو درجتين. كانت فرصة لأن يتعلَّم المرء حول ثقافته من أساتذته وأصدقائه المستعربين، ولأن يغدو هو نفسه مستعربًا عربيًا!
وبالطبع، يدخل هذا الاستكشاف ضمن شبكة علاقات جديدة هي شبكة الأكاديميا الغربية ورؤيتها (المتحوّلة باستمرار) للثقافة العربية، وفي مستوى أعلى الصور النمطية العامة حول الثقافة العربية وثقافات الشرق الأوسط.
فإذن، أن يكون المرء جزءًا من برامج «دراسات الشرق الأوسط»، في الجامعات الأميركية؛ يعني توفر احتمالية كبيرة لتكوين رؤية ذاتية أكثر أصالة للثقافة العربية. ومن ناحيةٍ أخرى، وبعد فترة من المُمارسة، يتطور لدى المرء فهم جيد لميكانيزمات الأكاديميا الغربية وتحيّزاتها وقوالبها وصورها النمطية والمؤثرات في كل ذلك، وتتضح الفجوات ويبدأ اقتراح الحلول، وهنا أعود للبِّ سؤالك.
لقد كان من أهمّ هذه الفجوات عدم توفر معرفة أكاديمية عميقة وكافية حول الحركة الثقافية في الجزيرة العربية والمملكة تحديدًا. ومن أهمّ أسباب ذلك النقص الحاد في ترجمة النصوص الأدبية والفكرية من المنطقة، وعدم وجود إسهام كافٍ لأبناء المنطقة في الإنتاج العلمي حول ثقافتها باللغات الغربية، ومن ثمّ عدم وجود مشاركة فاعلة في صياغة السردية العالمية والحوار المعرفي حول المنطقة. كما كان هناك الكثير من عوائق توفر هذه المعرفة في المقام الأوّل، وأهمّها الصور النمطية السلبية عن هذه المنطقة تحديدًا، التي تعتبر -بشكلٍ أو بآخرـ تطورات متأخرة وأكثر تحديدًا وتكثيفًا للآثار السلبية العامة للاستشراق (وليست كل آثار الاستشراق سلبية).
ومن أجل الإسهام في سدِّ هذه الفجوات، فقد كانت فرصة تدريس مواد حول الثقافة العربية والأدب العربي، في جامعة جورجتاون من الفرص التي لا تقدّر بثمن؛ وهذا يعني تقديم تجارب إبداعية عربية ثريَّة غير معروفة جيدًا إلى الأكاديميا الغربية. فغالبًا ما يحدث عند تدريس الثقافة العربية هناك هو إعادة تقديم الأسماء العربية المكرّسة، التي تتوفر ترجمات ودراسات كافية لأعمالها باللغات الغربية.
ومن هنا، فترجمة شِعر الجزيرة العربية، مثلاً، وتقديم ذلك للدارسين يسهم أوّلاً في ربط الشِّعر في هذه المنطقة باستمرارية التقليد الشِّعري العربي، حتى في التقليد الأكاديمي الغربي، ثمّ في تعريف الطلاب بتجارب مختلفة وثريَّة، ثمّ في دفعهم لطرح الأسئلة حول السياق الأكبر لإنتاج هذه النصوص، ومن ثمّ في نهاية الأمر تكوين فهم أدقّ عن ثقافة المنطقة بشكلٍ عام ومساءلة الصور النمطية حولها. صحيح الأمور على الأرض أكثر تعقيدًا من هذه النهاية الحتمية السعيدة التي يمكن استخلاصها هنا، ولكن «روما لم تُـبْـنَ في يومٍ واحد»، كما يُقال.
وأذكر أنّ بعد نهاية أحد الفصول الدراسية التي حظيت فيها بفرصة استضافة بعض أهمّ كُتّاب ونقّاد المنطقة في الصفّ لدينا، اختار كثيرٌ من الطلاب أن يكتبوا أوراقهم العِلمية النهائية عن أسماء من الجزيرة العربية، وكان يتعيّن عليهم قبل ذلك أن يقرأوا بعمقٍ وشمولية عن الثقافة والمجتمع والسياسة والتاريخ في المنطقة ليتمكّنوا من تحليل النصوص بشكلٍ أعمق وربطها بالسياق الأكبر للحركة الثقافية والاجتماعية.
وكثير من الطلاب كان يجد نقاط الالتقاء بين هذه الأسماء العربية وبين أسماء غربية تكتب في سياقٍ ثقافي مختلف تمامًا، فينتج عن ذلك دراسات مقارنة مدهشة. بعبارةٍ أخرى: كان هؤلاء الطلاب يرسمون خطوط التقاطع بين نصوص من لغاتٍ مختلفة، وكانوا بذلك يخطون بنا خطوة أخرى إلى الأمام في سبيل تعزيز التواصل الثقافي.
وإضافة إلى دور ترجمة هذه الأعمال الإبداعية وتدريسها للطلاب في إتاحة المجال لباحثين في مقتبل العُمر لتكوين نظرة ثقافية أكثر دقة حول المنطقة، كان ذلك يفتح الباب للتعريف بها في المنتديات المتخصّصة والمؤتمرات، وإلى لفت انتباه الخبراء المؤثرين في المجال إلى كنوزٍ ثقافية غير معروفة، ما يؤدي في المحصلة إلى تطوير فهم أشمل وأدقّ عن الحالة الثقافية في المنطقة. لقد كانت تلك الأعمال الإبداعية بحقّ جسورًا ثقافية للمنطقة (3).
وأمرٌ آخر مهم هو أنّ بعض النقّاد والكُتّاب من أبناء المنطقة، الذين حظيت بمشاركتهم بعض صفوف تدريس الثقافة العربية هناك، كان لديهم كتابات بالإنجليزية عن الإنتاج الثقافي للمنطقة؛ لذا كانت فرصة أكبر للحوار مع أعمالهم. وهذه الأعمال العِلمية المكتوبة باللغات الغربية لأبناء المنطقة حول ثقافتهم، خاصةً تلك التي تتميّز بالموضوعية والجدية والرصانة؛ تنجح في تغيير سياسة التناول الثقافي للمنطقة والبحث العلمي حولها.
فلطالما تعزَّزت الصورة النمطية التي تنظر إلى المنتجات الإبداعية للمنطقة بوصفها فقط «مصادر أصليَّة»، وحده الباحث الغربي يمكن أن يحاورها بشكلٍ منظَّم ليخرج بتأويلاتٍ كبرى ونتائج علمية. تلك الصورة التي نشأت عنها ظاهرة «السياحة الأكاديمية». ومعنى ذلك أنّ الخبير الغربي، الذي يمتلك وحده الموارد الجيدة والمنهجية المنظَّمة، يأتي لزيارة المنطقة بغرض استكشافها عِلميًا واستشراف مستقبل «التعامل معها»، وفي أثناء ذلك يقوم باستخدام الأكاديميين المحليين والممارسين الثقافيين بشكلٍ عام بوصفهم «مقدميّ خدمات فكرية» فحسب، بدلاً من أن يكونوا منتجيّ معرفة. يظهرون فقط كـ «أهداف للملاحظة» بينما يظلّ الخبير الغربي هو «المُـلاحِـظ الوحيد». لا يشاركون في صناعة الإطار التأويلي. فقط يقدّمون معلومات متفرقة، ووحده الخبير الغربي من ينجح في تحويلها إلى معرفة.
لقد آن الأوان للإسهام بشكلٍ أكبر في تعزيز جهود أبناء المنطقة، الذين ينشطون في عملية إنشاء المعرفة حول آدابهم وثقافاتهم، في خلق المعاني والتفسيرات لأعمالهم، وفي المشاركة بفعاليةٍ أكبر في معمل الأفكار العالمي حول هذه المنطقة الثريَّة إبداعيًا؛ من أجل فهمٍ أكثر دقّة لا يقع تحت طائلة التأثيرات السلبية للاتجاهات السائدة في التناول البحثي للمنطقة.
5– «إنّ السردية السائدة، هي سردية مدن الملح». برأيك، ما الذي أدَّى إلى تعزيز هذه السردية حول المنطقة في أقسام الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الأكاديميا الغربية، وكيف ستحقّق رؤية 2030 سردية جديدة أصيلة من خلال الجهد المؤسسي، وإلى أيّ مدى سيُسهم ذلك في تغيير الحوار في المنتديات الثقافية العالمية؟
لطالما اقتصر كثيرٌ من نشاط الخطاب الغربي حول المنطقة، في الأكاديميا تحديدًا ولكن ليس حصرًا، على النظر إليها من خلال العدسة الثلاثية الضيقة للنفط والأمن والحركة الدينية. يتوسَّع الأمر ليشمل مراكز الفكر المهتمة بالمنطقة وكذلك الصحافة والإعلام. وعبر إغفال الأبعاد الأخرى الثقافية والاجتماعية المُعقدة والهائلة لدولةٍ بحجم المملكة، وإغفال أو إسكات تاريخ طويل تشكَّلت عبره هُويَّة هذه البلاد يسبق بروز عناصر هذه العدسة الثلاثية، ينجح هذا الخطاب في إعادة تدوير الصور النمطية وخلق وصفة سريعة للكتابة عن المملكة تتميز بقابليةٍ عالية للاستجابة للطلب الصحفي اليومي بالتعليق على «الشؤون الراهنة»، في المنطقة أو التحوّل إلى بندٍ في وثيقة سياسات جديدة حول التعامل مع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. الأبسط ينتشر أسرع ويبيع أكثر.
وبالطبع، هناك أسباب واقعية وعملية لبروز وترسّخ هذه الممارسة، تتعلَّق بظروف إنتاج المعرفة. ومنها مثلاً صعوبة السفر لإجراء الأبحاث في المملكة حتى وقت ليس بالبعيد (حتى نهاية التسعينات من القرن المنصرم، تقريبًا)؛ ما يؤدي إلى ضعف جاذبية هذا المسَار لدى الباحثين، ومن ثمّ قلة مساحة الإنتاج العلمي الرصين. وأحيانًا يتعلَّق الأمر أكثر بظروف تمويل هذه الأقسام أو الآيديولوجيات الخاصة بالباحثين أو المشرفين عليها، التي تسهم في توجيه بوصلة النظر البحثي. إذن؛ يتعلَّق الأمر بسياسات المعرفة وأُطرها في كثيرٍ من الأحيان.
لقد أشرتُ -وغيري- في كتاباتٍ سابقة إلى أنّ المنطقة وقعت لفترةٍ طويلة تحت عبء تصوّر ثقافي جوهراني خاطئ جعل منها «لغزًا»، يلجأ كثيرون إلى تفسيره عبر كتابات مفرطة في التبسيط والتخيّل المتمركز حول الذات، كتابات تنبع من فكرة وجود شيء أشبه بـ«الاستثنائية السعودية»، أساسها مصدر إلهيّ هو «الدين»، ومصدر طبيعي هو «النفط». بلد نشأ وبرز بشكلٍ مفاجئ وطارئ دون تراكم ثقافي تاريخي طبيعي ومعتبر، كما تروّج لذلك كتابات تسطيحية وغارقة في الإيديولوجيا تجد نموذجها، مثلاً، في «مدن الملح»، التي لم يكن من المستغرب أن تحظى بشعبيةٍ كبيرة في الأوساط الأكاديمية الغربية، تحديدًا بسبب ترويجها وتعزيزها هذا التصوّر الجوهرانيّ التبسيطي عن المنطقة.
في هذه السردية تكاد تختفي العوامل الأخرى التي شكَّلت الهُويَّة المحلية، العوامل البشرية التاريخية الوطنية، ولا يتم إعطاء التقدير اللازم للثقافة المحلية بتنوّعها الهائل، ويتمّ رفض دور الإنسان المحلي كفاعل تاريخي في تطوير الحياة في الجزيرة العربية بطريقةٍ لم يسبق لها مثيل. من المدهش، مثلاً، ألاّ يتمّ تسليط الضوء بشكلٍ كافٍ على حقيقة أنّ تأسيس الدولة السعودية الأولى في بدايات القرن الثامن عشر، يمثّل المرّة الأولى في التاريخ العربي الإسلامي، منذ نقل عاصمة الخلافة الإسلامية من المدينة في الحجاز إلى الكوفة في العراق عام 657 م، التي تصبح فيها الجزيرة العربية مركزًا سياسيًا في العالم الإسلامي. وأن يستمر ذلك المركز حتى اليوم ويشهد تطورات هائلة على جميع الأصعدة ويظلّ غائبًا عن الدراسة الدقيقة، فهذا مدعاة لدهشةٍ أشدّ. ولكن الآيديولوجيا عمياء!
لقد سادت سردية «مدن الملح»، حول المنطقة لفترةٍ طويلة، ولكن الأمر المبهج أنّ ما قبل 25 أبريل 2016 ليس كما بعده. فهذا اليوم الذي شهد إطلاق رؤية 2030، سيصبح نقطة تحوّل في خلق سردية جديدة أصيلة وأكثر دقّة حول المملكة والمنطقة بشكلٍ عام، قصة حلم جديد في الجزيرة العربية يربطها بتراثها العريق ويحتفي بتنوعها الثقافي الهائل ويعزّز مركزيتها العالمية ويأخذ بيدها إلى المستقبل. هذه السردية الجديدة تتحقَّق على الأرض بشكلٍ يومي، ولا تواكبها بالسرعة نفسها بالضرورة تنظيرات الأكاديميا الغربية والكتابات عن بُعد.
نحن نشهد اليوم بروز جهد مؤسسيّ أصيل وبعيد المدى يسعى إلى ترسيخ وإعادة استكشاف مكونات الهُويَّة الثقافية السعودية العريقة والمتنوعة، وإلى تعزيز فهم ثقافي عالمي أفضل. يندرج هذا الجهد ضمن التحوّل الثقافي الهائل الذي تشهده المملكة منذ إطلاق الرؤية التي وضعت الثقافة في قلب البرنامج التنموي الطموح للبلاد؛ فتأسَّست أوّل وزارة مستقلة للثقافة عام 2018، ثمّ أطلقت الاستراتيجية الوطنية للثقافة بعد ذلك بعام. وبشمولها 16 قطاعًا ثقافيًا بِناءً على تعريفات اليونسكو للقطاع وأفضل الممارسات العالمية، فإنها تدشِّن مسيرة مؤسساتية واسعة النطاق تعد بإطلاق جميع الإمكانات الثقافية. تسهم في هذا الجهد كيانات وبرامج متنوعة، وهي مسيرة طويلة بدأت تؤتي ثمارها، من حيث تنشيط قطاعات الثقافة والإبداع بشكلٍ غير مسبوق، وكان من أهمّ صورها استضافة المؤتمرات والمنتديات الثقافية العالمية لتطوير حالة تبادل ثقافي عالمي أكثر دقّة وإيجابية وفعالية.
وفي معظم جوانب مبادرات التحوّل الثقافي الجديدة في المملكة، يلاحظ المراقب اشتمالها على مزيدٍ من التركيز على تطوير وتوطيد فكرةٍ إبداعية أكثر دقّة عن المكونات المتنوعة والعريقة للهُويَّة الثقافية السعودية. من معارض الفنون الدولية، إلى جهود المحافظة على التراث، وحتى الاحتفاء بالشِّعر العربي وكذلك بالقهوة السعودية كواحدة من المنتجات الثقافية المتميزة للبلاد. تشكّل إعادة الاستكشاف هذه فرصة للتركيز على كنوزٍ وطنية تستحقّ الاحتفاء في القصة السعودية المُلهمة، وتدفع إلى إيجاد التوازن الصحيح بين التقليد والحداثة ووضعهما في حوارٍ مُستمر مع بعضهما البعض، وابتكار سردية أصيلة أكثر دقّة عن البلاد.
وهذه المبادرات الإبداعية تنجح مع الوقت في الإسهام في تغيير حالة النقاش الراهنة حول المملكة، والمنطقة بشكلٍ عام، عبر ضخِّ آراءٍ جديدة أكثر واقعية حول ثقافتها في سوق الأفكار العالمي، وربط المبدعين والأكاديميين الشباب هنا بنظرائهم الدوليين، وتسهيل حوار عميق وشفّاف حول الجزيرة العربية وموقعها في عالم الأفكار. ومن المؤمل أن يؤدي ذلك إلى إزاحة الافتراضات القديمة الساكنة حول المنطقة لصالح تصوّراتٍ جديدة أكثر ديناميكية وأصدق في تمثيل الواقع المتحرك باستمرار.
إنّ الوتيرة السريعة لمبادرات رؤية 2030، تجعل من الكتابات القديمة غير ذات صِلة بالسعودية الجديدة وتفقد قيمتها بسرعة، ومن ثمّ هناك حاجة ماسَّة إلى رفِّ كتبٍ محدَّث حول المملكة لتحدّي المنظور التقليدي الذي يأتي منه معظم النشاط الأكاديمي حول «المسألة السعودية» حاليًا.
اليوم يأخذ السعوديون دور الفاعل الأساسي في صنع هذه السردية الجديدة، وهُم يؤمنون بأن نجاحها سيكون نجاحًا للعالم بأسره، وسيكون الآن على من يكتب حول السعودية من الخارج أن يتحلَّى بالتواضع اللازم ويزورنا هنا لكي يعرِف أكثر. باتت البلاد تفتح ذراعيها للجميع بكل ثقة لاختبار الحالة الثقافية السعودية الجديدة بشكلٍ مباشر والإسهام في تطوير تصوّراتٍ أكثر دقة حولها. إنها سردية تبنى واقعيًا هنا، والآن، و«إذا بنيتها؛ سوف يأتون»، كما تعبّر الشخصية الرئيسة في فيلم «حقل الأحلام».
6– كلمةٌ أخيرة لمعنى، وما التطلّعات الأدبية والنقدية التي سنرى نتاجها قريبًا؟
فيما يتعلَّق بالمشاريع التي سترى النور قريبًا، فلعلَّ أهمَّها: «دليل راوتلدج للشِّعر العربي» (4)، الذي سيصدر باللغة الإنجليزية في ديسمبر المُقبل، هذا العام الجاري 2023. يضمّ الكتاب مقالات عِلمية لمجموعة باحثين، وقد تشرّفت بالمشاركة بفصلٍ حول إعادة تخيّل الهُويَّة السعودية في الشِّعر السعودي الحديث.
تسعى مقالات الكتاب إلى تقديم إضافة نوعيَّة عبر وضع المشاريع الشِّعرية في سياقاتها الكبرى، وإبراز تجارب لم تنل الاهتمام المستحق، وتسليط الضوء على الاستمرارية والتحوّلات والتفاعلات النشطة للتقليد الشِّعري العربي، وتقديم الشِّعر العربي كممارسة فنية تستجيب للحاضر وتتواصل بإبداعٍ مع الماضي. آملُ أن يجد فيه القرّاء شيئًا ممتعًا ومفيدًا.
أخيرًا، أحيّـِي ما تقدّمه «معنى»، من إضافةٍ مختلفة ونوعيَّة للساحة الثقافية. وأنا سعيد جدًا بهذه الفرصة للحوار معكم، ولفرصة استكشاف الذات عبر الكتابة. وممتنٌ للفرصة الرائعة للتواصل عبركم مع قرّاء «معنى» الكرام.. شكرًا لكم.
الهوامش
1- https://agsiw.org/ar/the-meccan-modernist-hatem-alzahrani-poetry-and-a-new-saudi-synthesis-arabic/
2- https://www.asymptotejournal.com/poetry/hatem-al-zahrani-i-need-the-ordinary/arabic/