بقلم: سوزان جاي. لويس، دكتوراه في القانون
وفقًا لقاعدة بيانات صحيفة واشنطن بوست لحوادث إطلاق النار المميتة في الولايات المتحدة التي يرتكبها ضباط شرطة في أثناء الخدمة؛ فإن أكثر من واحد من كل خمسة أشخاص قُتلوا عن طريق إطلاق رصاص كانوا يعانون من أمراض نفسية، ومنذ عام 2015م، عندما أطلقت الصحيفة قاعدة بياناتها، قتلت الشرطة عن طريق إطلاق النار أكثر من 1400 شخص يعانون من أمراض نفسية.
طبقًا لدراسة جديدة صدرت اليوم عن مركز الدفاع عن العلاج (Treatment Advocacy Center (TAC))، فالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية غير معالجة هم أكثر عرضة للقتل بنسبة 16 مرة خلال مواجهة مع الشرطة مقارنة بالمدنيين الآخرين الذين توقفهم سلطات إنفاذ القانون.
في إحدى ليالي صيف عام 2022م في ولاية أوريغون، اتصلت ميستي كاستيلو، والدة أركاديو، برقم الطوارئ 911 طالبة مساعدة الشرطة قائلة إن ابنها مريض عقليًّا ويهددها هي وزوجها بسكين.
قالت السيدة كاستيلو لموظف الطوارئ: “إنه في حالة سكر وانتشاء، وهو يعاني من مرض عقلي”. مؤكدةً مرة أخرى أن ابنها يعاني من مرض نفسي.
بعد مرور خمس دقائق، وصل أفراد الشرطة وأطلقوا النار على ابنها، ولم تكن هناك أي محاولة لوقف التصعيد والتخفيف من حدة الحالة، بل اقتحموا المكان وأطلقوا النار عليه فورًا.
تعد قصته مثالًا نموذجيًّا لنظام الصحة العقلية الحالي لدينا؛ فقد سعى والداه إلى الحصول على علاج نفسي لابنهما، ولكن النظام، كما هو عليه الآن، خذلهما. وفي الأسابيع التي سبقت مقتله، لم يتمكنوا من تشخيص حالته أو إصابته بالمرض، بل تُركوا في وضع لا يمكن الدفاع عنه من دون أي مكان يلجؤون إليه.
أما في ولاية فيرجينيا الغربية؛ كان يقف مات جونز الذي يعاني من نوبة هوس حادة في وسط الشارع، حاملًا مسدسًا في يده. استُدعِيَت الشرطة، ووصلوا مع أصوات صفارات الإنذار، فأطلق ضابط من ضباط الشرطة النار، وتوالى بعده الآخرون بإطلاق النار نحو مات جونز، ما أدى إلى مقتله في وسط عاصفة من الرصاص.
لم يتمكن السيد جونز من إعادة صرف أدويته، وكان يعاني من الأوهام والهلوسة، وكان يعلم أنه بحاجة إلى المساعدة، لكنه لم يتمكن من العثور على شخص يفهم خطورة وضعه.
عن طريق تفكيك نظام الصحة النفسية، لقد حوَّلنا الأمراض النفسية من مرضٍ إلى مسألة متصلة بالشرطة، وفي الأخير إلى التشرد.
إن أغلبية سكاننا المشردين يعانون من اضطرابات نفسية غير معالجة، أو مدمنون يتعاطون المخدرات وليس لهم أي مكان ليلجؤوا إليه. يريد عامة السكان أن يغادر هؤلاء الأفراد شوارعنا على الرغم من أن أزمة الصحة العقلية الحالية هي التي خلقت هذه الكارثة.
بذلت أقسام الشرطة جهودًا كبيرة لتقليل الضرر الذي يلحق بهؤلاء الأفراد، عن طريق اصطحاب أفراد مدربين وقادرين على تحديد أزمات الصحة العقلية واستخدام الحديث لتهدئة الموقف في الدوريات جميعها، ولكن إن كان العنف وشيكًا، فإن الشرطة موجودة للمساعدة.
وفي كثير من المدن، يمكن للشرطة نقل أي فرد تظن أنه قد يضر بنفسه أو بالآخرين، أو غير قادر على الاعتناء بنفسه، إلى مركز الأزمات للتشخيص. في مدينة دنفر يطلق على هذا الإجراء اسم M1 Hold، وأما في ولاية ماساتشوستس فهو Section 12.
لكن بسبب قلة المؤسسات المختصة، ليس من النادر أن يُطلَق سراح شخص ما مع الحد الأدنى من الأدوية ليتمكن من إعالة نفسه. قد يكون الركوب في سيارة الشرطة والوصول إلى المستشفى كافيين لتهدئة النفس الخائفة، ولكن بعد ذلك يُطلَق سراحهم، ويشار إلى هذا بالباب الدوار من دون مخرج. هذه النفوس التي ليس لديها مكان آخر تذهب إليه، يمكنها فقط العودة.
فما الذي يمكن فعله؟
مبدئيًّا، يجب الاعتراف بأن المرض النفسي يؤثر على شخص من كل خمسة أشخاص، لقد حان الوقت لدفن وصمة العار المرتبطة بالمرض وإتاحة المساعدة.
ثانيًا، يجب أن ندرك أن الأمراض العقلية الخطيرة والمستمرة هي حالات تدوم مدى الحياة وتتطلب الحنية في التعامل، والعلاج والدعم المالي من قِبَل واضعي السياسات الذين يرفضون تقدير حقيقة أن هؤلاء أشخاص مثلنا.
ثالثًا، يجب أن نُدرك أن وحدات الطب النفسي ليست مربحة للمستشفيات، ومن ثمَّ فإن عددها أقل. يمكن أن يكون طول عمر المرض العقلي محبطًا، وغالبًا ما تتطلب الأدوية التجربة والخطأ. غالبًا ما يُترك الأفراد الفقراء بلا مكان يلجؤون إليه، ويجب عليهم القلق بشأن إطعام أسرهم والحفاظ على السكن أو العثور عليه، ذلك كله وهم يعانون من نظام الصحة العقلية الذي يعاني من نقص التمويل والجهل وقصر النظر.
يجب إعطاء الأولوية للأمراض العقلية كما تُعطى لمرض السرطان وأمراض القلب. إن تجاهل تأثيرها على المجتمع يشبه حرمان مرضى السرطان أو أمراض القلب من أفضل أنواع العلاج. بالعلم، يُعَدُّ السرطان وأمراض القلب أكثر ربحية للمؤسسات الطبية التي تسعى إلى الحصول على تعويض من المساعدات الحكومية التي يحق للأفراد الحصول عليها. على سبيل المثال، تعدّ التعويضات عن رعاية الصحة العقلية التي يقدمها برنامج الرعاية الطبية للتأمينات (ميديكير) سيئة جدًّا.
نحن نعيش في عالم يمكن أن يبدو كأنه مليء باللوم والتحيز والغضب والأنانية والافتقار إلى المجتمع. يحتاج الأفراد المصابون بأمراض عقلية إلى رعايتنا وتعاطفنا وأموالنا حتى يتمكنوا من العيش بأمان، مع العلاج الذي يستحقونه، من دون حكم أو وصمة عار أو نفاد صبر. لن يختار أحد منا أن يعاني من مرض نفسي، ولا أولئك الذين يعانون من هذه الحالات.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة سيكولوجي توداي).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.

الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.