مقالات

التحولات الثقافية والاجتماعية في ضوء الاقتصاد النفسي

 يوسف عدنان

استهلال

«في الوقت الذي تَعِد فيه العلوم بجميع الارتياحات والتّقدم ورفع المستحيل، فإن التحليل النفسي هو على النقيض من ذلك تمامًا، الطرف الوحيد الذي يُمكنه أن يقول: “لا، هذا ليس صحيحًا”. إذ أن له فضيلة تخريبية؛ من حيث أن لديه طريقة خاصة لجعل الناس يتساءلون عن وُجودهم، كما فعل فلاسفة العُصور القديمة بطريقتهم الخاصة».

تخوض هذه المقالة في ما استجد من القضايا الإشكالية المُتمَحوِرة حول الاقتصاد النفسي الجديد من منظورية التحليل النفسي ذي الطبعة الفرنسية، والذي أبان عن مُواكبة تَنظيرّية وسرِيرية مُضيئة على مُختلف التّغيرات الثقافية والاجتماعية ذات التأثيرات النفسية الملموسة على حياة الإنسان المُعولَم، المشدود هُنا وهُناك بسِياسة اقتصادية، أفرزت أخلاقًا جديدة وطريقة جديدة في التّفكير والحُكم والعيش والزواج، والتّمتع (…) إلخ. كما أفردت أشكالاً غير مسبوقة من المَسلكيات والتّمثلات والأذواق والأعراض المُرتبطة أساسًا بمَن سيُطلق عليهم لقب «الأشخاص الجدد». وللإيضاح، فإذا كان مِبيان الكُبت يؤخذ سابقًا خطًّا تصاعُديًّا إبّان تطور المجتمع – حسب النظرية الفرويدية – فإنه مُنذ العُقود الأخيرة صار نشاط المجتمع السائل يدنو به إلى مُنحنىً تنازُلي. الشيء الذي يُفسِّر انتقال الإيروس من حضارة قمعية تضع الحدود وتربطها بالقانون ونظام الأمر، إلى حضارة مُتعويّة ترفع المنع وتُذكي الانحراف العادي من خلال الإشتراك في التّمتع والشُّذوذ المقبول والمُعمَّم، بوصفه مبدًأ تنظيميًا وقاعدة إجتماعية، يُصوّغها الوضع الميتا – حداثي، أو ما يدعوه فلاسفة الراهن: «عصر ما بعد الحقيقة».

إنّ الاقتصاد النفسي الجديد يسِم الإنسان المعاصر بشغفٍ همجي؛ ليكون على ما يبدو بلا صفات وبلا قيود وبلا حُدود. لقد شجّعت السوق الليبرالية الاقتصادية على تطور اقتصاد نفسي جديد، لا يرتكز – هذا الاقتصاد – على الموضوع المفقود وتمثّله، وإنما على غرض سهل المنال يُحقّق الإشباع والرضا. فالمجتمع اليوم، مع الاستمتاع بلا حدود كأولوية، يخلق بذلك المُثل الاستهلاكية. هذا إلى جانب إدّعاء الأخلاق الجديدة حقّ كل شخص في الإرضاء الكامل لتمتّعه. وحتى القانون مُلزم عليه عمليًا – بغظِّ النظر عن القناعات الأخلاقية – حماية مُختلف أشكال التّمتع التي كانت تُعتبر حتى حين غير بعيد، غير قانونية أو مُنحرفة أو مرفوضة اجتماعيًا أو حتّى تدخل في خانة المُمارسات الخفيّة عند الجماعات المُغلقة أو الثقافات الفرعية.

تنصّ نظرية الاقتصاد النفسي الجديد على أننا نعيش في مناخ حضاري يطبعه تغيير ثقافي وليبيدي مختلف عن ذلك الذي شرح لنا سيغموند فرويد. فـ«العُصاب» أصبح يتراجع ليأتي مكانه حاليًا، «الإكتئاب» و«عدم الرضا». وأن أعراض العُصابيين لم تعد تدخل في إطار التصنيف التقليدي، لأن الأمر صار يتعلّق: بالتشرّد والتّجول – الإدمان – الإكتئاب – السعي للتّمتع بالأشياء (…) إلخ من أشكال الباثولوجيّات المُعاصرة. أما الذُّهان  Psychose وحصر مكان الرّهن، فقد أصبحا يظهران بشكلٍ مُختلف عن العيادة اللاكانية، وأنّ الانحراف العادي يتطور، وأنّ ميكانيزمات الدّفاع الجديدة غير قابلة للاختزال في القمع أو الرهن أو الإنكار، وأن الصِّحة العقلية لم تعد بالضبط مصدرًا للقلق. نتيجة لكل هذه التحوّلات وغيرها، أصبحت العلاقة مع السُّلطة والمعرفة كُلُها موضع تساؤل.

يؤكد معظم المؤلفين في مجال الإنسانيات، أن اقتصاد السوق قد أنتجَ تدهورًا نفسيًا مُقلقًا في المجتمعات الراهنة مع فقدان فئات عريضة للمعايير الاجتماعية، وتسجيل طفرة في الموضوع، لأنه مُنح ذاتية جديدة، أو بتعبير آخر، لأننا اليوم نسمح لأنفسنا بالوجود، على حدِّ تعبير البروفسور شارل مِلمان. باختصار سهل، لقد انتقل الإنسان اليوم من نظام الرغبة  Désir إلى آخر مدفوع بالمتعة jouissance. لعله أقرب عنوان يختزل المُعاناة النفسية لإنسان ما بعد الحداثة، الذي تخلّص من الخضوع للآخر l’autre، لكنه سقط في خضوع وعبودية أخرى لموضوعات الاستهلاك. فلا يكون له وجود إلاّ كمستهلك. ومن أوجه مفارقات هذا الاستثمار المُفلس من حيث القيمة والفائدة المردودة على النفس، أنه في الحين الذي تتفاقم فيه أوجه عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، يشعر الجميع في المقابل بأنّ التّمتع غير المحدود مُمكن ومُتاح. ما دام لَم يعد «لنظام الأمر» من وُجود في صيغة شيء اسمه المُستحيل.

إنَّنا في الوقت الحالي أمام تحوّلات اجتماعية وثقافية أنتجت نظامًا جديدًا من التمثّلات، اقتصاد يُنظّمه معرض المُتعة، تحوّلت إثره أنظمة المعنى من «الكلام» إلى «الصورة» و«الرقم»، ومن «الرمز» إلى «الإشارة» ومن «الاستعارة» إلى «الكناية»، ومن «التمثّل» إلى «الاستعراض»، ومن «التأجيل» إلى «تحقيق الرضا». إنّ ما يُصطلح عليه مفهوميًّا الآن، من قِبل التحليل النفسي بالموضوعات الجديدة  Néo-Sujetsيَشِي بأن هناك قلقًا عارمًا في المنهج والطُّرق التحليلية، بل في نشاط اللاّوعي أساسًا. إذ يبدو أننا في هذا الاقتصاد النفسي الجديد، نسير نحو اختفاء موضوع اللاّوعي. كما لو أن اللاّوعي بعد فُقدان الموضوع،  لَم يعد له مُحاوِر. وهو كما ستُجلِي ذلك الدراسة، ما كان له بالغ التأثير في المساس بمسألة التحويل، كمفهوم يُشكِّل حجر الزاوية في حقل التحليل النفسي.

الإيروس والقمع في تركيبة المجتمع المُعاصر

في كتاب «مستقبل وهم» كما في كتاب «قلق في الحضارة»، كانت الإدانة التي صاغها سيغموند فرويد  Sigmund freud واضحة: إنّ الإنسان يُحضِّر نفسه منذ وِلادته للإصابة بعُصاب névros حقيقي، لأنه يتخبّط في أشدّ تناقُضاته حدّة لمواجهة أشكال التّخلي والتّنازل التي يفرِضُها عليه المجتمع، باسم نماذج ثقافية لا تتناسب وشخصية كلّ فرد. لقد كرّست الحضارة قيمًا ثقافية لابد أن يخضع لها كلّ فرد لا يرغب في أن يجد نفسه على هامش الضوابط الاجتماعية. لذلك فهو يرى أنّ «تاريخ الإنسان هو تاريخ كُبته». هكذا، يُبرَّرَ الأفق التشاؤمي الذي أدرَج فيه فرويد مصير الإنسان ضمن الصيرورة الاجتماعية. فكل تطور للمجتمع يتضمّن بالنسبة إليه تطورًا للكبت، وتدهورًا تدريجيًا ونهائيًا للتّطلعات الشخصية (1). وقد أنهى فرويد بَحثه دون أن يجرؤ على الإفصاح على أمله في أن تتنازل الحضارة يومًا عن مُراقبتها ومُعارضتها لكُلّ ما من شأنه أن يُخفِّف وطأة الضّغط على الإنسان جرّاء ما يُعانيه من كبت مُتواصل. يقول فرويد: «إنَّنا نكون قد تصوّرنا التطور الشاق للحضارة على أنه إشكال ارتقائي ذو طابع عام حين نُرجعه، على نحوٍ ما إلى تظاهرة لعَطالة اللّبيدو، وإلى نُفور هذا الأخير من العُزوف عن وضعٍ قديم للأخذ بآخر جديد».

يتصدّى هربرت ماركيوز (الذي وُصف بأنه فيلسوف الثورة الجديدة) في كتابه «إيروس و الحضارة» لتحليل البحث السوسيولوجي لفرويد(2)، لكونه يعترف بفعالية »مبدأ القمع« ودوره البناء في إقامة الحياة البشرية. وذهب إلى ضرورة التّخلي عنه في سبيل تحرّر البشرية نحو المزيد من الإشباع المُتخلِّص من الإكراه. كما أجاز اعتبار التحليل النفسي بحُمولته الفرويدية جُزءًا لا يتجزأ من الأزمة المُعاصرة للرأسمالية. وفي مُقدمة نفس الكتاب المُشار إليه، طرح سؤاله الوَجيه: هل يتشكّل مبدأ الحضارة حقًا من الترابط بين الحُريّة والكبت والإنتاج وبين التّدمير والطُغيان والتّقدم؟ أم أنّ هذا الترابط مُجرّد مُحصِّلة لتنظيم تاريخي للوُجود البشري؟

لقد أخذ ماركيوز عن فرويد تحليله المُتشائم، الذي طوى صفحات كتاب الحضارة، واعتبر أنه لا توجد ولن توجد أيّة حضارة غير قمعية، وعلى تثبيته النهائي لفكرة الحضارة القمعية بالضرورة، ورفضه التّسليم باحتمال ظهور حضارة مُستقبلية لا تقوم على نظام قمعي (عِلمًا أن فرويد قد قام بمراجعة العديد من أفكاره قبل وفاته). فإذا كان صحيحًا أنّ الإيروس يُمكنه أن يكون عامل هدم في حضارة مريضة، فإن الإيروس الحُرّ يُمكن أن يكون مُكمِّلا لإقامة روابط اجتماعية مَتينة، قادرة على التصدّي تدريجيًا لقوى القمع المُفرط. وضدّ تشاؤم فرويد، قدّم ماركيوز أفكارًا تُوضِّح إمكانية تغيير المجتمع الحديث، وتحرير الإنسان تدريجيًا؛ دون أن يعني هذا انهيار الحضارة، وهذا الهّم ليس طُوباويًّا في رأيه.

إنّ المجتمع الصناعي* كما نظَّر له ماركيوز في كتاباته – التي تُشكل عَبَق الإنتاج الفكري لمدرسة فرانكفورت – هو مجتمع قمعي في أساسه. غير أنّ مفهوم «القمع» في شكله الحديث يختلف عن صورته التقليدية القديمة. فهو لا يتّم اليوم انطلاقًا من نقص الحاجات أو عدم النُضج الطبيعي والفنّي للإمكانات، وإنما من خلال مركز قُوة. فإمكانيات المجتمع الصناعي الذِّهنية والمادية اليوم تفُوق بكثير إمكاناته بالأمس، وهذا معناه أن هيمنة وسيطرة المجتمع على الفرد، أصبحت أكبر وأشدّ مِما سبق. إنها فكرة القمع المُختلف حولها بين فرويد وماركيوز. إذ لم يكن القمع البرجوازي فيما سبق، وعند مستوى مُنخفض من القِوى الإنتاجية والمادية يملك الوسائل الملائمة للتّحكم في النفس والعقل دون استخدام القهر المُباشر. أما اليوم فإن التّحكم الشامل أصبح ضرُوريًا، ووسائله في مُتناول اليد، من بينها: إرضاء الجماهير، أبحاث التسويق، علم النفس الصناعي، رياضيات الحاسوب، التنمية البشرية، وما يُسمّى بعِلم العلاقات الإنسانية. بواسطة هذه الوسائل يتمّ تحقيق التناغم بين الفرد وبين الاحتياجات والرغبات الضرورية الاجتماعية، وبين الاستغلال وبين الخضوع بطريقة غير إرهابية وديمقراطية، وتلقائية آلية (3). وعلى هذا النحو، فإن الجديد في هذا «القمع المعاصر»، أنه أولًا: قمع عقلي ومنطقي يندمج بصورةٍ مباشرة مع مُقومات التنظيم الاجتماعي. وأنه ثانيًا: قمع يُمارس على الإنسان كُلِّه، فهو يشمل تفكيره (لا فقط الجنسي) وعواطفِه وغرائِزه؛ بقدر ما يشمل مظاهر حياته الخارجية، وظروف عملِه، وإنتاجيته وعلاقاته الإنسانية (4).

نواجه كما يشير ماركيوز، واحدًا من أكثر مظاهر الحضارة الصناعية المتقدمة مدعاة للانزعاج: إنه الطابع العقلاني للاعقلانيتها وإنتاجيتها وفاعليتها وقُدرتها على زيادة وتعميم الرفاهية، وعلى تحويل البذخ إلى حاجة، والهدم إلى بناء. إلى الحدِّ الذي تُحوّل به هذه الحضارة عالَم الأشياء إلى امتدادٍ لعقل الإنسان ولجسده، وتجعل من قضية الاغتراب ذاتها أمرًا مشكوكًا فيه. إنّ الناس يتعرّفون على أنفسهم في سِلعهم، إنهم يَجِدون أرواحهم في سياراتهم، وفي جهاز التسجيل، والمنزل المريح، وأدوات الطبخ. لقد تغيّرت الآلية التي تربط الفرد بالمجتمع، واستقرّت السيطرة الاجتماعية في داخل الحاجات الجديدة التي ابتكرتها (5).

إنّ هذه الحاجات التي ينتجها المجتمع الصناعي اليوم، أصبحت تضرب بجذورها في أعماق البُنية الغريزية للإنسان. طالما أن هذه الحاجات تُعيد إنتاج الحياة في شكلها الاستعبادي. لذلك يستلزم التحرُّر تغييرًا قبليًّا لهذا البُعد البيولوجي (6). ينحو التحليل عند ماركيوز إلى الإقتران بين «التحرُّر الغريزي» و«التحرُّر الاجتماعي»، والإقرار بأن ذلك الإجماع على ضرورة مراقبة غرائز الحياة وتقييد اللبيدو، إنما كان دائمًا تعبيرًا عن القمع ولمصلحة إرادة السيطرة، كما كان أداة لاستثمارها. وحتى بالنسبة للغة، قد فقدت هي الأخرى – حسب ماركيوز – طابعها الجدليّ النافي. فلم تعد اللغة تُحافظ على الرّفض العظيم؛ وإنما أصبحت لغة هؤلاء السّادة الذين يُقرِّرون الوقائع وينفّدونها ويتستفيدون منها. ولأن اللغة الأحادية البعد، هي لغة توحّد وتوحيد، فإنها تُبقي فقط على ما ينبغي صَرفُه في الفكر والعمل(7).

الاقتصاد النفسي الجديد

ترجع بدايات وأصول مفهوم الاقتصاد النفسي إلى كتابات شارلز ملمان   Charles Melman**، بعد أن بدأ بتطويره في مؤتمر للطب النفسي عُقِد بباريس حول ثيمة الإنسان أمام امتحان المجتمع المُعاصرL’homme à l’épreuve de la société contemporaine. لقد ظهرت للمجتمع التحليلي منذ البداية حداثة تحليله وقوته وأهميته. لا يتعلق الأمر بإقحامه مُجرّد تعديلات في المجتمع ورصد عواقبها على ذاتية أفراده. ولكن من حيث استيعاب دراسته بقدرٍ كبير للطفرة الجديدة التي هي في طور إنتاج تأثيرات مُتزايدة على سيكولوجية الأفراد. هذه التأثيرات التي يُمكن أن تكون جدُّ وخيمة وتنعكس على كلّ من الفرد والحياة الجماعية. وأيضًا، قراءته الجِذرية للوضع الراهن، قد قادت إلى التفكير في تغيير كبير له عواقب أنثروبولوجية لا تُحصى. لقد وضعت «المقاربة المِلمانية» لفهم نظام التفكير المُعاصر، تطابقًا بين اقتصاد ليبراليéconomie liberal  وذاتية  subjuctivité تؤمن بأنها خالية من أيّ دين للأجيال السابقة. ذاتية تُنتج موضوعًا يعتقد أنه يستطيع تطهير ماضيه».(8)

في سياق تطويره لنظريّته التحليلية النفسية التي تُؤكِّد دخول المجتمع المُعاصر في متاهات اقتصاد نفسي جديد، نشر ملمان سلسلة من المقابلات دارت مع جون بيير ليبرون Jean-Pierre Lebrun  *** وقد تُوّجت بطبعِها في كتاب يحمل عنوان «إنسان بلا جاذبية» L’homme sans gravité، وهو المؤلَّف الذي تسبّب في ضجة واسعة الصيت ومثّل تعمّقًا نظريًّا وسريريًّا هامًا في البُنيات النفسية المعاصرة وتفكّك النظام الأبوي التقليدي. ثم أعقب هذا الإصدار، عمله المُهم المنشور نتيجة تعاونه مرّة أخرى مع المُحلِّل النفسي  ليبرون، تحت مُسمَّى «الاقتصاد النفسي الجديد، وطريقة التفكير والتّمتع اليوم»، ضَمَّنَ بين دفّتيه حوارًا مُطولاً له مع المُفكر مارسيل غوشيه(9).

يُوضّح شارلز ملمان في إشارة إلى نصِّ فرويد سمن ذات كتابه المُنتقد «قلق في الحضارة»، على أنّ المُشكلة الأثيرة بالإهتمام في حضارتنا الحالية، ليست الطبيعة القمعية للقيود الأخلاقية التي تحُدّ من الرغبة الجنسية المُسلَّم بها عند فرويد. فإذا كان الأمر كذلك، فإن الرّفع العام للكبت والتعبير الحُرّ عن الرغبات حاليًا، ينبغي أن يكُون الآن قد أشفى إنسانًا غير مُرتاح أو في حالة مُعاناة.  ولكن بدلاً من العُصاب المُصيب للإنسان المُضطهد جنسيًّا مثلًا، نُواجه الآن انحرافًا مُعممًا La Perversion ordinaire. وما يتّسمُ به الواقع، سواءً المعيوش أو الإفتراضي، هو سِمة من سِمات عدم الرضا وطلب المزيد من المُتعة بأي ثمن(10).

كما يُلمَح على الاكتئاب – في سياق السياسة الاقتصادية الجديدة – اختلافه عن الاكتئاب الموصوف في التصوير الكلاسيكي للأمراض النفسية. إذ لم يعد يظهر على شاكلة اكتئاب اعتيادي ولا اكتئابا سوداويًا  mélancolique؛ ينتميان معًا إلى السِّجل الذّهاني. ولا هو باكتئاب تفاعلي  dépression réactionnelle مُرتبط بالعُصاب. حيث يشعر الشخص المُعرّض للاكتئاب اليوم، بأنه لا يستطيع أن يتمتّع بالقدر الذي ينبغي له أن يتمتّع به. وبالتالي، يكون المرء المُحتجز في هذا الواقع الجديد، مُتعبًا من كونه نفسه  La fatigue d’être soi. لأنه لم يعد يعرف كيف يُرضي رغبته، ولأنه يطلُب من ذاته إشباع ما لا يُرضى بالكامل. فإذا كان المرء مُتعبًا حقًا من نفْسِه، فذلك أساسًا لأنه يُركِّز على نَفْسِه وعلى التّمتع بها إلى أقصى الحُدود. فالحريّة دون معايير، هي الحُلم الكبير المُراهق الذي يجتاح الحضارة المُتعوية الحالية، ويدعونا إلى أن لا نعمل إلاّ ما نرغب فيه، ولا نستجيب إلاّ لأهواء مِزاجنا وسُلطة الميول العابرة. إنه نوع من التّطرف الإباحي الذي يُذكِّر بتمتّع السّيد الإقطاعي الكبير(11).

تتلخّص الأطروحة التحليلية النفسية التي صاغها مِلمان في تحليلاته المُمتدّة عبر عقدين من الزمن، على النحو التالي: «نحن كذوات نبتعد من ثقافة تقوم على كبت الرغبات، وبالتالي الإصابة بالعُصاب، إلى ثقافة تُوصي بحرية التعبير وتُعزّز الانحراف. ربما يكون فرويد قد رضي برؤية إنجاز توصياته الصّحية تُطبّق. ومع ذلك، كان سيُلاحظ ظهور الاكتئاب الذي يحُل محلّ العصاب. إن الصحة العقلية اليوم لا تَنجُم عن انسجام مع المثل الأعلى، ولكن مع موضوع يُحقِّق الرضا  objet de satisfaction. ففي الوقت الحاضر أصبحت الصورة المثالية، التي كانت ذات يوم مُؤَمثلة، صارت الآن حقيقية وواقعية (12). فالموضوع العابر مُعمَّم من حيث كونه  يُقدَّر حاليًا كتحفيز للرغبة لدى فئة عريضة و مُتنامية من المُراهقين والشباب. وهو يتضمّن تمثيلًا للذات بطريقة ذات المَناظر الخلابة والجمالية على نحو مُتزايد (مثلًا شيوع ظاهرة السيلفي Selfy أو التّصوير الذاتي). فنرى من خلال هذه الواجهات، كيف أن المثل الأعلى للذات يميل إلى أن تحُلّ محلّه الذات المثالية Le moi idéal. وهو الأمر الذي أفضى على نحو متزايد إلى خلط بين المثل الأعلى للذات – في الاقتصاد النفسي الجديد – مع الذات المثالية.

يتعلّق إذن هذا المفهوم المِفتاحي – الاقتصاد النفسي الجديد- بالطريقة التي يتّخذها التحليل النفسي في الفترة الأخيرة، لشرح التحوّلات الاجتماعية المُعاصرة التي يراها  قائمة في العُقود الأخيرة. كما يتناول من بين أمور أخرى عواقب هذه التحولات على عيادة التحليل النفسي، ووضعية المُحلِّل ذاته إزاء نظام جديد من التمثلات وحالة الطّلب، يكون فيها الموضوع بلا ذاتية، ومأخوذ بتشريد مكان التحويل (13). إلى حدٍّ أنه في هذه الفترة المُضاءة من القمع، يُطرح اعتراض في صيغة مُسائلة واجبة: إذا ما كان هناك مكان لفاقد الوعي في عالم حيث تُمارس حُرية التّعبير الكاملة؟

على سبيل المثال، قد نَتجت الهستيريا(14)، بالنسبة لفرويد عن صراع الشخص اللاوعي بين الآليات القمعية والدفاعية في النفس. ومع ذلك يتساءل ملمان عمّا إذا كان اللاوعي مُتورطًا في عملية تطوُّر الهستيريا أم لا؟  ألا يُمكننا أن نعتبر هذا الكَساد في السياسة الاقتصادية الجديدة تعبيرًا جديدًا عن أعراض الهستيريا التي تعرف مُرونة وتنوُّعِها وفقًا لخُصوصية العصر، ولهويتها المتقطعة والسّطحية والمُتعدّدة والجُزئية وغير المُستقرّة، بما في ذلك تمظهرات الأعراض Les symptomes؟ أكيد أننا لم نعد في وقت الأزمات الكبرى للطبيب جون مارتان شاركو Jean Martin Charcot، لكننا في أوقات جسديّة مُتعدّدة: كاضطرابات الحساسية، والصُّداع، والتّقلصات، والتّشنجات، والاضطرابات الحسية … إلخ، وفي وقت أو حقبة زمنية من الاكتئاب، سَببُه الإحباط  والاعتماد العاطفي وعدم استقرار العلاقات بين المَوضوعات الهِستيرية مثلما نرى ونجد في الحالات الحَدّية (المُشملة بتوضيح فيما سيأتي ذِكره).

إنّ هذه الأعراض الجديدة، ليس لها بنية لُغوية – تمضي عبرها الدّوال – مثل تلك التي اعتدنا مُلاحظتها في العُصابات التقليدية (الهستيريا على وجه الخصوص). الشيء الذي يُبرّر الضرورة التي أوجبت مثلاً التفكير في كيفية رؤية الهستيريا اليوم، وما تنوي التعبير عنه، وكيف تتجلى كأعراض اجتماعية. جانب آخر مثير للاهتمام يتوقف في حُدود الفرضية، هو أن الهستيريا تبدو وكأنها تظهر كتعبير عن الحساسية الأبوية المجروحة وكبديل لتنشيط ملامح المستحيل، وإعادة هيكلة الموضوعات المُشوشة، مما يجعل التقسيم الذاتي يُعيد بطريقة معينة وظيفة الرغبة والحُلم  Réve ويدمج بين القُطبين. فتعمل الهستيريا بمُقتضاه كطريقة للاستمرار في استعادة سُلطة الأب / السيد، وبالتالي، للعودة إلى موضع الاتساق الذاتي(15).

إننا في هذا الاقتصاد النفسي الجديد، نمضي في اتجاه اختفاء موضوع اللاّوعي، كما لو أن اللاوعي بعد فقدان الموضوع، لم يعد له محاوِر. بدليل – وكما نشهد حاليًا – أنّ القرن الواحد والعشرين لا يفتأ عن خَلق أشكال تُؤثر من الناحية التحليلية النفسية على حالة الطلب  l’état de la demande وتشريد مكان النقل (التحويل). مثلما يحدث في الحالات الحدّية، التي يصفها أندريه غرين André Gren بأنها مكان لا «نعم» أو «لا» (16). فالموضوع عند المرضى الحَّديين des patients borderline يجذبُه احتمال اعتماد جميع الحالات المُقترحة تباعًا، وتجريب أنماط عيش مختلفة كثيرة، و انصرافه إلى إشباع مُتع متعددة. وهذا يعني أنه، يمكن أن يُواجه المرء حالات مختلفة تمامًا من حيث الذاتية، في وقت واحد أو على التّوالي، مِما يؤدي في أغلب الأحيان إلى الشُعور باللاواقعية Déréalisation. والأدهى حاضِرًا، أنه ما كان يُعتبر في السابق «حالة حدّية» كنتيجة عرضية لتاريخ موضوع مُعيّن، يميل حاليًا إلى أن يُصبح هو القاعدة والنهج المُتّبع. إن حدوث طفرة عند المرضى الحَّديين، يتّصل بهذا الشرط المُتعلّق بالتناوب في الأماكن. مُتعة بلا قيود أو غاية، تؤكدها أيضًا ازدواجية الجنس  Bisexualité التي تُنتجها الحضارة حاليًا. وهي أيضًا، مُتعة لا تعترف بالنقص، ولا تَمرّ من النُّطق. في هذا السياق يبدو من المشروع الحديث عن علاقة تُحددّها الذاتية غير المُستقرّة (17).

يُفهم، كيف أن الأفراد اليوم فقراء نفسيًا، تائهون، بلا مأوى، بلا أرضية، بلا جاذبية، غير قادرين على التّمييز بين الحقيقة والحُلم، بين الواقعي والافتراضي. لَم يعد للهوية لغة، أسلاف، مُثل مرجعية (…) إلخ، ولكنها بالمُقابل تُستمّدُ من مجتمع يتمتّع بالموضوع الذي يُمكِن الوصول إليه (18). لا سيما وأن الإيديولوجية الجديدة التي تحْضِنها الآلة الرأسمالية، تبقى مجهولة الهوية، لا أحد مسؤول، ولا حاجة للمُؤلفين أو النُصوص المُوجِّهة. كما لا وُجود في موضوعات اليوم من علامات مُرشدة عند اتخاذ القرارات وتحليل الحالات. فالأشخاص الجُدد لم يعُودوا يعتمدون على وجهٍ كاريزمي أو على توجيه من طرف السُّلطة الأبوية، وإنما على الأشياء التي يخلق التّمتع بها ظُروف تحديد الهوية والتّجمع(19). لقد أدّى فقدان الأب للسُّلطات السياسية والاجتماعية إلى تدهور الوظيفة الأبوية التي تُنظِّم الموضوعات، تاركة مكانها لصالح نموذج ثقافي من النوع الأمومي. الاضطرابات الثقافية والعِلمية، التي بدأت مُؤخرًا، تُعلن هي الأخرى عن تغيير عميق وغير مسبوق تمامًا في البُنوة. ومِما لاشك فيه، أن هذه التّغيرات تُجبرنا لا محالة على إعادة التفكير في بعض الأسئلة الحضارية التي كانت مُصاحبة لقرون من الوجود البشري(20).

التقدّم في رحلة الانحراف العادي

طوّر جان بيير ليبرونفي كتابه المعنون «عالم بلا حدود، مقالة من أجل عيادة تحليلية نفسية للاجتماعي» Un monde sans limites, essai pour une clinique psychanalytique du social أفكارًا مماثلة حول التغيّرات الاجتماعية التي لاحظها ملمان. فإذا ما أمعن المرء النظر من حوله، إلى العالَم و الفضاء الذي يُوجد فيه حاليًا، فلن يندهش من جاذبية الإطار الذي أصبح يفرضه الانحراف المُعمّم، بوصفه مبدأ تنظيميًا وقاعدة اجتماعية(21) وطريقة تفكير تقوم مقام النُظم التقليدية المُفككة(22). يشير هنا مصطلح الانحراف العادي – الذي يستخدمه ليبرون في إطار الذخائر الجديدة لعيادة التحليل النفسي للاجتماعي – إلى حقيقة أن هؤلاء الأشخاص الجدد، مع العلم أنهم لا يملكون الفرصة للحصول على كل شيء، إلاّ أنهم لا يزالوا يتصرّفون كما لو كان كل شيء في مُتناولهم. ولذلك فإنهم ينكرون النقص الجوهري الكامن في طبيعة الرغبة(23)، وهو ما قد ينتهي بهم إلى انتزاع الواقعية عن الواقع، ويستزيد من تعاظم أشكال الاختراق والاستمتاع التي لا يُدينها منطق التفكير والتمتّع اليوم، ولا ينظُر لها على أنها كذلك (مُنحرفة/ محظورة/ غير قانونية/لا إنتاجية … إلخ).

تظهر لنا منذ ولوجنا للألفية الثالثة أشكال غير مسبوقة من الأعراض. تلك المُرتبطة أساسًا بالموضوعات الجديدة  néo-sujets، والتي تظل مُتعذرة عن القراءة التحليلية، لأنها لا تستجيب إلى نظام الأمر. يُمكن القول إن تحديد الذات اليوم ببيان من الخطاب الاجتماعي هو عملية ترفض فيها الذات نفسها في اغتراب وهمي يمْنَع التحليل. وهذا هو السبب في كون الموضوعات الجديدة تُعتبر غير قابلة للتحليل. تمامًا كما كان يُنظر منذ فترة طويلة إلى الذُّهان أو الانحراف، على أنه من المُتعذِّر الوُصول إليهما. يتساءل هنا المُحلل النفسي ليبرون: ما الذّاتية لعصرنا؟ لم يعد يبدو أن هذا العصر يُميِّز بين الذّاتية والذات، كما لو أن أحدهما ورّط الآخر، كما لو كانت الذّاتية هي جوهر الذات (يُلاحظ  ذلك أيضًا إيريك بورغ (24)). كما ترافق هذا التشوش نزعة فردية قاعدية (معرفة النفس من أجل نسيانها) تتغذى من جشع إثبات الذات عند الشباب. وهي تترجم مخاطرة تجعل الموضوع والذاتية يتطابقان مع التحديدات الاجتماعية (نموذج الانحراف المُعمّم) الشيء الذي يعود بالسّلب والقطع مع عيادة التحليل النفسي ومنه وظيفة المُحلِّل.

في مؤلف آخر مُسمّى بـ«الفرد القادم» ، يُرجِع دوفور Dufour هذه المسألة إلى عُقدة ذات تاريخ مديد في نفسية البشر، تعكس قُصورها الذاتي، التّملُّكِي والنّرجِسي. ويُجادِل المُحلِّل النفسي والفيلسوف في هذه الاقتصاديات النفسية الجديدة المُنحدِرة من التغيرات اللاّحقة بالإنسان المُعاصر، بإعطاء قيمة لمثال عن البليونيكسيا (كلمة يونانية تعني الرغبة في الحصول على أكثر من غيرنا في كل شيء) ويُترجَم هذا المُصطلح إلى ممارسة من خلال «أخذ» دائمًا ما يكون أكثر مِما هو حقّ لنا أو أقل(25). لقد كانت تُعتبر ظاهرة البليونيكسيا سابقًا جُنونًا وانحرافًا سلوكيًا مذمومًا في المُجتمع، لأنها تُخرّب روابطه. بينما أنتجت في الحِقبة الحالية تحولاً عميقَا داخل الاقتصادات البشرية العظيمة. ليس فقط تلك المُرتبطة باقتصاد السوق، ولكن أيضًا، السياسي مِنها، والرمزي، الدّلالي وأخيرًا الاقتصاد النفسي. فما يُقترح الآن، وأصبح كتقدم من قِبل الحضارة المُعاصرة، يعني أن السوق الليبرالية المُهيمنة هي من تُشرِف على أمر الدَّفْع البليونيكسي (26). سنرى في وقت لاحق، أن هذه الفكرة قد وُجِدت أيضًا، في قامُوس ملمان، ولكنه على عكس دوفور، يفحص هذا التَّحول مُرتكِزا على العيادة والنظرية التّحليلية النّفسية «للأمر»، بإرجاعه إلى أطروحة التّمتع بِلا حدود  jouir sans limites. فما دام الاقتصاد الليبرالي لم يعد مقيدًا برسالة من الآخر العظيم، فإن هذا يعني أن المبالغة في العلاقة مع الأشياء لم تعد تعتبر «غطرسة» من البليونيكسيا بل عادية ومقبولة.

لا جِدال في كون العالَم قد تغيّر، وأن جيلاً لم يعد يَعْتَرِف بمَعالمْه (إعادته نسخ الآباء). وبالتالي، كيف يُمكن أن لا يحدث تَحوُّل في رغبة المُحلِّل نفسيا من جراء تشريد مكان النقل نظر لوُجود هؤلاء الأشخاص الجُدد؟ لم يعد الأشخاص يتوجّهون إلى المُحلِّل النفسي مِثلما كانوا قبل 30 عامًا، وذلك لأن مكانه في الثقافة قد تغيّر. إذن، فهل التّغيير في الطلب يعكس تغييرا في الموضوعات أم في الأشخاص؟ هل علامات المُعاناة النفسية اليوم أعراض بمعناها التحليلي؟ يختلف الطّلب راهنًا على حقيبة أدوات التحليل النفسي الفرويدي واللاكاني. ذلك لأن  الطلب الاجتماعي  la comande socialمُختلف، ولذا سَيصِير العَرض مُتنوّعًا ومُتلوّنًا هو كذلك. فالعرض الآن مُشبَع جدًا بالعديد من «العِلاجات السّحرية» (علاجات مُختلفة تشمل عقاقير ومؤثرات عقلية وبرمجات عصبية، ذهنية، لغوية … إلخ) لدرجة أن العديد من الأشخاص لا يستطيعون دعم طلب نِظام تحليلي في المجتمع (الغربي تحديدًا) ويدفعون في المُقابل بالتّمتع والتّثاقف. بل وحتّى الطِّب النفسي قد تقلّصت مُهمّته إلى مُجرّد تلبية مطالب تُمليها الضرورة الاجتماعية(27).

إن إشكالية «الأشخاص الجُدد» الذين أصبحوا أشياء قابلة للتبادل الاقتصادي المعمّم، أقل عُصابية لصالح الانحراف والاكتئاب. كما هي غير قابلة للوصول إلى التحليل النفسي الذي يُوفر فضاء للبوح والاطلاع على ما بجعبة النفس من معرفة تجهلها. طلبهم ليس هو نفسه كما كان من قبل. إنه طلب يتطلب الإشباع من خلال الاستمتاع (28). يجب أن نُدرك أن عصرنا يتطلب موضوعات جاهزة للاستخدام ضمن إطار التبادل الاقتصادي المُعمّم. إنه مُوجه صوب موضوعات مُتناسبة مع طريقة جديدة من المُتعة. هذا ما يبدو جديدًا، المُتعة التي لم تعُد تطبعها اللغة. نسترجع في هذا السياق، تلك الملاحظة الأكثر قسوة كما قدمتها المحللة النفسية غودارت، وفيها ترى أنه منذ اختفاء اللغة، فإن أساس بناء الذات والعلاقات مع الآخرين قد انتقل لصالح الصورة، انتقل من حالة «الأيقونة» إلى «حالة المعبود»، الذي تتميز صفته الأساسية بـ«اللاّصدق» و«الوهم» (29).

مِنْ رواسخ المُسلّمات المأخوذ بها في ميدان التحليل النفسي، اعتبار الرغبة خاضعة بالضرورة إلى قوانين اللغة. بمعنى أنه ما دام الكائن لا يمكن إرضاء الرغبة بالكامل، فإنه يتم تنظيمها من خلال فقدان pérte، وهكذا تصبح عناصر اللغة ترمز لهذه الخسارة الأصلية (النقيّة). يجب أن يمرّ هذا الشخص الإنساني بهذه الخسارة من أجل الوصول إلى عالم من التمثلات، التي يمكن أن تكون قابلة للحياة بالنسبة له. أمّا هذا النقص الجوهري، باعتباره خسارة أصلية كما أشرنا، والتي تقع ضمن نطاق المستحيل (القانون الرمزي)، فيُقابل حاليا بخلق دلالة للنفي – إلغاء للتّخيّلي – ضمن حركة عكسية تمرُّ من تسليب الموضوع négativation إلى ترميزه symbolisation. ولذلك، يحتاج «الأشخاص الجُدد»، الذين يُحتجزون في التمتع، إلى نوع من التّدخل غير الصمت والحياد الخيري، لكي تبدأ عملية الإخضاع الحواري (30)، عبر طرائق مرنة كالمناقشة والتدخل interlocution حتى يتمكّن الموضوع من إعادة إدخال وظيفة الخصاء في الكلام. يؤكد جاك لاكان أن إنشاء هذا الكلام هو أساس الممارسة التحليلية، بقدر ما يتم تناوله في نظام معين ، يسمى الارتباط الحُرّ، والذي يعتمد على جهاز يأمر به الفعل التحليلي. ثم يكشف منطق الروابط الاجتماعية الأخرى، انطلاقًا من مراعاة ما ينتجه هذا الخطاب – تحت قيود نمط معين من الكلام -. إنه يفعل ذلك بقدر ما يعتبر أن البشر كائنات كلام، «كائنات ناطقة» ، وأن الروابط الاجتماعية هي روابط كلام، ولهذا يُسمّيها الخطاب (31).

يقترح ليبرون أن يرافق التحليل النفسي هذه الذوات المُتعوية أو الحدّية من خلال مساعدتها على قبول حدود الخضوع حيثما أمكن (32) مسترشدًا بجملة فرويد التي ذكَّر فيها أنه عندما تكون العناصر الأساسية لعملية التحليل النفسي غير موجودة، سيكون من الأنسب التصرف وفقًا لممارسة غير التحليل، ولكن ممارسة تشبه نيّتها طريقة التحليل(33). يتوجب على المُحلِّل أمام هذه الحالات الحّدية أن يقوم بعمل مُماثل لعمله مع الأطفال، إذا كانوا في موضع التّمتع (الاستجابة لمبدأ اللذة) بدلاً من الخضوع (34). يقترح كوليت سولير (في إشارة من ليبرون) أن المحلل يُدعى في هذه الحالات إلى وضع نفسه في مكان وظيفة الدّلالات، أي لإنتاج ما لم يتم فعله من قبل وظيفة الدلالات.

يتلخص المضمون الكامل لمفارقة الحياة الخاصة في الغرب: أن الفرد بعد أن كسب بجهد معركة احترام خصوصياته الحميمة واحترام أفكاره، صار قلقًا من الظهور المائع في عيون الآخر. فأصبح يفعل كل شيء للكشف عن حزمة أسره الصغيرة، كما أصبح يتعرّى إراديًا في كل موقع أريد منه ذلك (35). فمن خوفه الجنوني من التّواري عن أنظار الآخرين، صار يُصفح شقته بالكاميرات الموصولة بالشبكات الإلكترونية، ويرتاد نوادي التبادل الزوجي، ويسرد على الشاشات التلفزية أو في الكتب مسلكياته في الحبّ، إنه باختصار يريد أن يحول عدمية حياته إلى حدث محوري (36). أو سعي البعض إلى حدّ الهوس إلى تخليد اسمه بأي شكل من الأشكال، مهما كان قبح هذا الشكل أو سطحيته أو قُبحه أحيانًا. ففي سبيل الشهرة يُصبح هؤلاء مثل هيروسترواتوس herostratus الذي دفعته أنانيته وذاتيته المشوشة إلى أن «يحرق كلّ المعبد» (كما تقول القصة).

فسخ التحويل وتراجع النظام الأبوي

عُرف القرنان الماضيان بولادة الاختراعات العظيمة وتحديد الحدود: هيلبرت في الرياضيات، غودل في المنطق، ماركس في الاقتصاد والسياسة، فرويد ومركّب الأوديب في علم النفس (37). بينما يتشكّل القرن الجديد، ليكون قرنًا لإلغاء الحدود وفي الوقت نفسه رفع المستحيل. والعلم يعد بهذا الإلغاء دون أن يتمكن من تحقيقه، ودون التفكير في عواقب ما ينتجه بطريقة تضخمية. يُفسّر ملمان كيف وصلنا إلى هذه النُقطة، بالتّقدم الكبير الذي أُحرز في السنوات الأخيرة، والذي أدى مع ذلك إلى مشاكل لا تُحصَى خطورتها.  وهو التّقدم الذي تُتاخِمه حقيقة كون الإنسان المُعاصر مُستلب في إدراكه لذاته وللعالم: السماء فارغة، بدون إله، بدون إيديولوجيات أو وعود أو مراجع أو حلول جاهزة، وبالتالي يجب على الأفراد أن يحددوا أنفسهم بشكلٍ جماعي وفردي إزاء اقتصاد نفسي جديد.

تحليليًا، يتمّ الآن، تقديم الأمراض الجديدة  les nouvelles pathologiesعلى أنها آثار عدم تسجيل الشخص في النظام الأبوي. لكن، إلى أي مدى يُمكن أن يكون للتحليل النفسي رأي في التغييرات الحاصلة في مجتمعاتنا الحديثة، دون المخاطرة بأن يُصبح عنصرًا محددًا في الخطاب المُعادي لليبرالية؟ ألاّ تميل حضارتنا – التي تتميز أيضًا، بإيديولوجية منع المخاطر – إلى دفع التحليل النفسي إلى أن يكون تقنية نفسية تربوية؟

تُطرح مع هذا الوضع الذي تآكلت فيه معظم المرجعيات الفكرية والأخلاقية والروحية، مسألة فسخ التحويل La dissolution du transfert. حيث نشهد انطلاقًا من عدة مظاهر نفسية و سلوكية فسخ جماعي للتحويل عند الناس.  كما أن هذا الفسخ، لا يقتصر على الرابطة بين المُحلِّل والمُحلَّل، وإنما يمسّ أيضا، مجالات المعرفة على شساعتها. ولإثبات هذا الأمر يُمكننا العودة في ذلك إلى مكانة النّصية أو النص في تنظيمه للجنس والمعتقد والروابط الاجتماعية. إذ لم تعد هناك أية معرفة تعتبر أن لها بعض الاتساق بفضل التحويل. لقد كانت حضارة العالم الغربي دائمًا، مُنظمة على أساس نُصوص هامة.  وقد بدأ هذا التعلّق مع الإغريق خلال العصور القديمة، وأدى هوميروس دورًا قياديًا في تنظيم حياتهم، كمستشار ونموذج لسلوكياتهم. وكانت الفلسفة اليونانية أيضًا، محاولة لتنظيم نصوص قادرة على توجيه الأحكام والسلوكيات (38). وبعد ذلك، كان «الكتاب المقدس» هو الذي أدى -ولا يزال- يؤدي هذا الدور على صعيد سلوك الأفراد، ولكن أيضا في الحياة السياسية. وكان النص الأخير لهذه الأهمية هو «الماركسية». وعلى أية حال، فإن كل من هذه النصوص مُنظُّم على أنه تمثيل للمعرفة والأسباب – من وجهة نظر سريرية – وهو تحويل يعني التّمسك بالكاتب المزعوم للنص. وقد استخدمت هذه النصوص لعدة قرون باعتبارها «آخر كبير  le grand Autre (وهو مكان منظم من قبل اللغة). إن سقوط النصوص العظيمة – أي عدم اكتراث عام بالنصوص الأساسية للحضارة الغربية – هو ما حدث في عصر الاقتصاد الرأسمالي الليبرالي. فلم تعد قاعدة التحويل جراء ذلك سارية المفعول. ليتأكد معه أن اللاوعي لم يكن قطّ مسألة شخصية. وعليه، فإن الدور الذي يشغله التحليل النفسي حول مسألة الديناميات التي تحكم الكل الاجتماعي يصبح شرعيًا تاريخيًا، بسبب موقف فرويد ولاكان من الموضوعات الاجتماعية (39).

لأول مرّة في التاريخ، يرهن الفراغ مكان الآخر الكبير (مفهوم لاكاني يتعلق بحوار الموضوع العمودي مع القانون الرمزي الذي يُنظّمه وفق دلالات أولية يتلقاها من الآخر). أيّ هذا المكان من اللغة التي يتم من خلالها خلق رسائل توجه الموضوع دون أن يعرف الموضوع ما يجعله يتكلم. وبقدر ما لم يعد الإنسان يقبل رسالته، أي ما يُرشده من جانب «الآخر الكبير»، أضحى يميل إلى مصادرة التحويل (40). لكأنه لم يعد هناك «آخر» في الخيال الاجتماعي.

هناك تراجع للوظيفة الأبوية قد تجلى في الحياة العامة منذ القرن الثامن عشر. عندما أصبح الأب موضع سخرية في الأدب والمسرح وما أسفر عنه تطور قيم الاقتصاد الليبرالي من إعادة توطين لحضوره. فمنذ بداية القرن العشرين وخاصة بعد الحرب العالمية الأولى، أصبح التشكيك في النظام الأبوي أمرًا ثابتًا. يُقاس هذا التحول بالتراجع التدريجي للبطريركية، وميلها إلى إعطاء مساحة أوسع للمجتمع الأمومي والاقتصاد النفسي الذي أطلق عليه ليبرون في تحليلاته «اقتصاد المناطق الداخلية»، في إشارة إلى الهياكل الاجتماعية للعصور القديمة، قبل عصر النظام الأبوي. هكذا فإن العقود الأخيرة تخلق مثالاً مضادًا عن النظام الأبوي، الذي عيّنته الأم، والذي يُمثل تراجعًا في المثال السابق.

إبّان نهاية سبعينات القرن الماضي، أطلق جاك لاكان توقعًا مفاده: أنه لن يعد لعقدة أوديب معنى في عصر يفقد تدريجيًا معنى المأساة. لقد تنبأ بالفعل، بأن اسم الأب  nom du pére لن يكون له وزن أكبر من قنينة الحيوانات المَنويّة. إذ اختصر الأب ليصبح مجرد كائن جزئي. ففي عصرنا الراهن، تجعل العلوم التقنية الطبية من الممكن عدم النظر إلى الجنس بطريقة ثنائية، والإنجاب بمساعدة طبية أو التحرير التجاري للتكاثر (من خلال سوق الأمهات البديلات مثلًا) الشيء الذي يُجبر التحليل النفسي على إعادة النظر في معرفته النظرية وموقفه من عقدة أوديب. والحجة الرئيسية المنظورة هنا، هي كون الرابطة الاجتماعية في الوقت الحاضر – على الأقل في العالم الغربي – تحكمها حتمية ليبرالية جديدة للتّمتع بلا حدود. وحتى الخصاء الرمزي لم يعد يعمل بالكيفية الأوديبية السابقة(41). فبعد قرن من الزمان، تمّ التقليل من أهمية أوديب في تنظيم الخيال الجماعي l’imaginaire collective، حيث حكم عليه بأنه الوصيّ على سلوك جنساني مغاير محافظ Hétéronormativité concervatrice. لقد أمسى وضع النظام الأبوي محطّ استجواب من طرف الأنثى كما أشرنا، وأدى تراجع اسم الأب إلى تسريع هذه العملية. فأسفرت نهاية الثقافة الحديثة التي أعلنتها النيوليبرالية إلى تغيير الهياكل الأسرية. أما العلاقة بالحياة الجنسية فهي تخضع لطفرة مُماثلة.

الختام

تتجدّد رهانات التحليل النفسي من خلال مواكبته الموضوعات والقُدرة على الاستجابة للتّحديات الجديدة التي يفرضها التحول الثقافي الذي نشهده. ففي خضم كل هذا المسخ لا يزال التحليل النفسي يطرح سؤال الهوية ومن أنا وكيف يمكن أن تحصل الذات عن استقلاليتها! ولعل التحدي الأهم الذي يُطرح بحدة عليه راهنًا، هو معرفة ما إذا كنّا سنكون قادرين على الحفاظ على ما هو ذي سِمة ذاتية فينا. أي إمكانية التحليل والتفكير واختيار سلوكياتنا في ظلّ تغيير ثقافي يقدم نفسه على أنه أمر حتمي للغاية من الاتباع والسلوك وإدانة عدم التماثل، وهو ما لا يترك مجالاً للاختيار والتفكير.

[divider style=”solid” top=”20″ bottom=”20″]

الهوامش:

* يقصد ماركوز بهذا المصطلح؛ القطاعات الأكثر تقدمًا من الحضارة الصناعية ضمن المجتمعات الرأسمالية.

  1. موسوعة إنسان العصر الحديث وفكره، المجلد الثامن، منشورات عكاظ، 2016.
  2. Herbert Marcuse, Eros and Civilization, philosophical inquiry into FREUD, Beacon Press, 1955.
  3. د. حسن محمد حسن، النظرية النقدية عند هربرت ماركيوز، دار التنوير للطباعة والنشر، ط 1، 1993، الفصل الثالث؛ نقد الحضارة الصناعية المتقدمة، ص 189.
  4. نفس المرجع، ص 189.
  5. نفس المرجع، 189.
  6. Herbert Marcuse, an essay on liberation .p.p. 16-
  7. النظرية النقدية عند هربرت ماركوز، مرجع مذكور، ص. ص 17، 18.

      ** كان تشارلز ملمان مسؤولاً عن برنامج التدريس في مدرسة فرويد وأحد المواظبين الرئيسيين في تدريس لاكان. وبعد وفاته، أنشأ الرابطة الفرويدية الدولية، التي أعيدت تسميتها إلى رابطة اللاكانيين الدولية في عام 2001.

  1. تعليق ليبرون على محاضرة ملمان 2002، ص 13.

     *** المحلل النفسي البلجيكي جان بيير ليبرون، عضو الرابطة اللاكانية الدولية – من المدرسة التي أسسها تشارلز ملمان.

  1. يُلاحظ مارسيل غوشيه Marcel Gauchet في كتابه «الدين في الديمقراطية »La Religion dans la Démocratie”، أن هناك استيعابًا حقيقيًا لنموذج السوق مع تداعيات أنثروبولوجية لا حصر لها، بدأنا منذ التسعينات في النظر إليها. قبل ذلك، تم الإعلان عن الدخول في عصر ميتا-حداثي حوالي عام 1980 من قبل الفيلسوف جان فرانسوا ليوتار في مقاله «الوضعية الميتا حداثية» (ليوتار Lyotard، 1979) الذي يعلن فيه نهاية الروايات السياسية الدينية لكل من الشيوخ الذين كانوا مرتبطين بالتوحيد منه للحداثة، أي لروايات تحرير الفرد من خلال الوصول إلى الخطاب النقدي وتلك التحررية الاجتماعية مثل الماركسية.

Voir : Marcel Gauchet, La Religion dans la Démocratie, Paris : Minuit, 1998.

  1. Charles Melman, L’homme sans gravité, Paris : Denoël ; coll. Folio essais, 2002, p 45, 46.
  2. باسكال بروكنر، بؤس الرفاهية، مرجع مذكور، ص. ص، 201، 202.
  3. Charles Melman, La nouvelle économie psychique, la façon de penser et de jouir aujourd’hui, Paris : érès, coll. Humus, 2010.
  4. Erik Porge, Un sujet sans subjectivité, Essaim .p. p. 23 – 32.
  5. الهستيريا هي عبارة عن اضطراب عُصابي ينشأ عن صراع بين الذات الشعورية والرغبات اللاشعورية المكبوتة. ويؤدي هذا الكبت إلى ظهور أعراض قد تكون حركية كالشلل الوظيفي والرحكات التشنجية، وقد تكون نفسية كفقدان الذاكرة والتجول النومي والهلوسة.
  6. أطروحة (ماجستير في علم النفس) – معهد علم النفس، برنامج الدراسات العليا في علم النفس، جامعة ألاغواس الفيدرالية، ماسيو، 2013.

Costa dayse santos.Elais Lang Charles, Hesteria today, way? Psicologia USP, Federal Universty Of Alagaas, Institue Of haman sciences, Communication and Arts, Departement Of psychology. Maceio, AL, Brazil. http://dx.doi.org/10.1590/0103-656420140039

  1. André Green, La folie privée, 1990, p.p.p. 36- 88 – 139.
  2. Jean-Pierre Lebrun, Un monde sans limites, essai pour une clinique psychanalytique du social, Paris :érès.1997.p 169.
  3. Jean-Pierre Lebrun, La Perversion ordinaire, Paris : Denoël, 2007, p 395.
  4. Charles Melman, La nouvelle économie psychique, la façon de penser et de jouir aujourd’hui, Paris : érès, coll. Humus, 2010.
  5. Moustapha Safouan, La civilisation Post-OEdipidienne, Hermann, 2018.
  6. Jean-Pierre Lebrun, La Perversion ordinaire, Paris : Denoël, 2007, p 395.
  7. Excerpts from Charles Melman, « A New Psychic Economy » in Lionel Bailly, David Lichtenstein, and sharmini Bailly (eds), « The Lacan Tradiction : Lines Of Development, Evolution of Theory and Practice over the decades » 2018.
  8. Charles Melman, La nouvelle économie psychique, la façon de penser et de jouir aujourd’hui, Paris : érès, coll. Humus, 2010, p.147
  9. Alain Ehrenberg, La fatigue d’être soi, Paris : Odile Jacob, 1998.
  10. Dany-Robert Dufour, L’individu qui vient, Paris : Denoël, 2011, p 114.
  11. Ibid ; p 115.
  12. Melman, 2010, p.147.
  13. يلاحظ تشارلز ملمان في كتابه “رجل بلا جاذبية ” مرجع مذكور، ص 188.
  14. Elsa Godart ; Je selfy donc je suis ; les méthamorphoses du moi à l’ére du virtuel, Albin Michel, 2016.
  15. Jean-Pierre Lebrun, La Perversion ordinaire, Paris : Denoël, 2007, p 412 , 413.
  16. Sujet de l’inconscient, subjectivité politique ; Franck Chaumon …
  17. Jean-Pierre Lebrun, 2007.p.416.
  18. Introduction de Freud au livre de son disciple Aichhorn. Cf. August Aichhorn, Jeunesse à l’abandon (1925), Toulouse, Privat, 1973.
  19. lebrun, 2007.p. 395.
  20. باسكال برونكر، بؤس الرفاهية .. ديانة السوق وأعداؤها، مرجع مذكور، ص 181.
  21. نفس المرجع، ص 182.
  22. Charles Melman, L’homme sans gravité, Paris : Denoël ; coll. Folio essais, 2002, p 45, 46.
  23. Charles Melman, La nouvelle économie psychique, la façon de penser et de jouir aujourd’hui, Paris : érès, coll. Humus, 2010, p 180.
  24. بيّن جاك لاكان على أن اللاوعي هو اللاوعي الاجتماعي، ويفسر ملمان هذه الجملة من خلال اعتبار أن الإخصاء ليس مسألة فردية أبدًا لأن طرائقه جماعية دائمًا. ويدّعي أن العُصابي هو الذي يعتقد أن اللاوعي مسألة شخصية.
  25. Charles Melman, La nouvelle économie psychique, la façon de penser et de jouir aujourd’hui, Paris : érès, coll. Humus, 2010, p 54.
  26. 2010.p.p.78, 79.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى