بقلم: سارة ناصر زاده، درجة الدكتوراه.
النقاط الرئيسية:
- لماذا نشعر بأن الآخر يتجاهلنا؟
- هل سيحل وجود مزيد من التعاطف مشكلة الشجار المستمر في العلاقات؟
- ما هو البديل للقاعدة الذهبية؟
نحسب أن المعيار الذهبي لأي علاقة حقيقية أن “يفهم” الناس بعضهم وما يمر به الطرف الآخر والإفصاح عنه، وبوصفي شخصًا يعمل مع العلاقات من غرف النوم (الأزواج) إلى غرف الاجتماعات (الشركات) وكرس حياته لعلم العلاقات، فإن هذا المعيار هو ما يهدم العلاقات وليس ما يقويها. أجل، ذلك صحيح.
أعلم أنك قد تقرأ هذا مُتعجِّبًا وتتساءل كيف سيساعد هذا العالم المنقسم أساسًا الأشخاص من حولنا؟ اقرأ ما سأذكره بتمعن حتى النهاية، عندئذٍ إن لم تقتنع بأن التعاطف المفرط أحد أسباب فشل كثير من العلاقات من حولك، وسبّبَ كثيرًا من التداعيات في عالمنا بشكل عام، فيمكنك الاستمرار في اتباع ما يقدمه لك الاعتقاد السائد للمجتمع.
ينطوي التعاطف على عيش تجربة شخص آخر والشعور بمشاعره كما لو كانت تخصنا، ونحن فطريًّا نقيم سلامتنا وننظم العلاقات بيننا؛ عاطفيًّا وإدراكيًّا وجسديًّا وعصبيًّا عن طريق التناغم مع الحالة العاطفية لمن يقدم لنا الرعاية.
على سبيل المثال، تساعد مقدمة الرعاية (لنفترض أنها الأم في هذه الحالة) الرضيع الباكي ليهدأ عندما تحمله وتضمه إلى جسدها وتهمس مطمئنةً له، فعندما تكون الأم هادئة يصبح الرضيع هادئًا. ومع مرور الوقت، يُعلِّم التنظيم المشترك بين الأم وطفلها الرضيع التنظيم الذاتي لمشاعره. ومن ناحية أخرى، يمكن للطفل أن يستخدم قدرته الفطرية على التكيف والتعاطف مع مقدم الرعاية لتقييم سلامته: هل سيمنحني هذا الشخص ما أحتاج له للبقاء والاستمرار في هذه اللحظة؟
تبدأ آلية أخرى أكثر تعقيدًا في النشوء والتطور لدينا مع نضوجنا، وهي القدرة والسلوك والمهارات التي أطلق عليها كثير من مشاركي البحث “العطف”.
أجرينا بحثًا على عينة مكونة من ١٥٩ زوجًا أمريكيًّا جرى تحديدهم على أنهم ناجحون في علاقاتهم، ووجدنا أن الأزواج الذين أبدوا العطف المتبادل (من بين عوامل أخرى) أظهروا أعلى مستويات الرضا العام عن العلاقة والرفاهية العامة، لذلك من الواضح أن العطف مهم. ولكن ما العطف بالتحديد؟ الطريقة التي سأعرّفه بها هي: القدرة على الوجود بشكل كامل لشريكك من دون أن تجعل الأمر يتعلق بك.
يمكن أن يؤدي التعاطف وحده من دون العطف إلى انفصال الأشخاص بدلًا من بناء اتصالٍ أعمق بينهم. تخيل هذا السيناريو: إذا كنت غاضبًا فأنا غاضب أيضًا، وإذا كنت حزينًا فأنا أيضًا حزين، وفي بعض الأحيان، قد أتعامل مع كثير من مشاعرك وأحاسيسك لدرجة أنني أمتلكها أكثر منك، وأنتزع منك أي فرصة قد تضطر فيها إلى الشعور أو الفهم أو التعبير عن مشاعرك وأحاسيسك الخاصة.
انظر الآن إلى الأمر من منظور العطف: إذا كنت غاضبًا وتريد مني أن أكون بجانبك في أثناء محاولتك لفهم مشاعرك من دون أن أحكم أو أقدم الحلول، لتجعل شخصًا آخر يشهد تعبيرك عن عواطفك بطريقة آمنة من دون أن يحاول إسكاتك أو تخليصك من هذه المشاعر أو الانضمام إليك في الشعور بها، أنا أستطيع فعل ذلك من دون أن أجعل الأمر متعلقًا بي. هذا هو المبدأ الكامن وراء كثير من المهن المساعدة وكيف استطعنا نحن الحفاظ على قدراتنا الإدراكية والعاطفية من دون أن ننهك أنفسنا في أثناء محاولتنا الوجود من أجل الآخرين.
لذلك من ناحية، يمكننا القول إن التعاطف من حيث التعريف يتمثّل عندما يتشارك الشخص مشاعر الطرف الآخر، ومن ناحية أخرى، فإن العطف آلية أكثر تعقيدًا ونضجًا تعتمد على مجموعة من القدرات والمهارات الإدراكية، وأود أن أُعرّفه بأنه الشعور بمشاعر الطرف الآخر. لذلك يمكن للمرء أن يفكر في الأمر بهذه الطريقة: في حين أن التعاطف يتمثّل عندما تشارك مشاعر الطرف الآخر لأجل مصلحتك (للترابط والتنظيم والأمان)، فإن العطف هو الشعور بالآخر وما يمر به من دون أن تجعل الأمر متعلقًا بك، ما يمنحك القدرة على أن تكون موجودًا من أجله وبالشكل الذي يحتاج له.
فكر في آخر مرة شعرت فيها بأنك غير مفهوم أو جرى تجاهلك عندما حاولت مشاركة شيء ما مع شريكك أو صديقك أو زميلك في العمل أو رئيسك أو طفلك أو والدتك، أو أي شخص آخر تربط بينكما علاقة ما، قد تكون مجروح المشاعر، أو مرهقًا، أو غاضبًا، أو منزعجًا، أو سعيدًا جدًّا بإنجاز ما، وأردت مشاركة مشاعرك مع ذلك الشخص فيجيبك بشيء من قبيل: “أنا أعرف ما تعنيه تمامًا”، أو “أنا أفهمك تمامًا فقد حدث لي ذلك ذات مرة أيضًا وشعرت بـ…” أو “لا أعرف سبب شعورك بهذه الطريقة؛ فعندما حدث ذلك لي لم أسمح له بالتأثير علي” أو “ما المشكلة في ذلك؟ لقد مررت بذلك وأفهم ما تعنيه ولكن…”، أي من هذه العبارات المتنوعة يجعلك تشعر باللامبالاة وبأنك غير مفهوم.
المجال مفتوح في العلاقات أمام الترابط والعطف والتعاطف بالتأكيد، ولكن لا يمكن أن تكون هذه السمات هي الأساس لأي علاقة؛ لأن التعاطف يجعل من الصعب على شخص ما أن يوجد من أجلك؛ إذ إنه لا يسمح بإعطاء أي مساحة. عندما تصبح أنت والطرف الآخر مقربين كالشخص الواحد، فإن هذا لا يتيح له التعبير الفردي عن مشاعره وتجاربه؛ لأنه إن لم يتمكن من الشعور بها بالطريقة التي تشعر أنت بها، فلن يتمكن من أن يكون موجودًا من أجلك؛ ولذلك فإن الحفاظ على إحساس منفصل بالذات وواقع عاطفي منفصل هو السمة المميزة الرئيسة بين العطف والتعاطف.
إذا كان التعاطف هو تشارك المشاعر مع شخص ما، فإن العطف هو الشعور بمشاعره، وبما أن القاعدة الذهبية تنص على أن “تُعامِل الآخرين كما تحب أن يعاملوك”، فإن القاعدة البلاتينية للعلاقات قد تذكر أن “تُعامِل الآخرين كما يحبون أن يعامَلوا”.
مقتبس ومقتطف من كتاب: Love by design: 6 ingredients to build lifetime of love.
نبذة عن الكاتب
سارة ناصرزاده، درجة الدكتوراه، حاصلة على درجة الدكتوراه في علم النفس الاجتماعي ومتخصصة في الجنسانية والعلاقات والتواصل بين الثقافات.
المراجع:
Katz, R. L. (1963). Empathy: Its Nature and Uses. New York: Free Press of Glencoe
Alessandra, T., & O’Connor, M. (1998). The Platinum Rule.
Klimecki, O., & Singer, T. “Empathic Distress Fatigue Rather Than Compassion Fatigue? Integrating Findings from Empathy Research in Psychology and Social Neuroscience.” In B. Oakley, A. Knafo, G. Madhavan, et al. (Eds.), Pathological Altruism. New York: Oxford University Press, 2011.
Klimecki, O. M., Leiberg, S., Ricard, M., & Singer, T. “Differential Pattern of Functional Brain Plasticity after Compassion and Empathy.” In B. Oakley, A. Knafo, G. Madhavan, et al. (Eds.), Pathological Altruism. New York: Oxford University Press, 2011.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة سيكولوجي توداي).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.

الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.