- إن الحفظ عن ظهر قلب، يعود إلى الواجهة ويصبح موضة، لأننا اكتشفنا أنه ينمّي الذاكرة المعجمية.
- اكتساب لغة غنية ومفاهيم كثيرة جدًّا يرجع أيضًا إلى الذاكرة الدلالية أو ذاكرة المعنى.
- ما هو مهم، هو عدم إشباع التلميذ بالمعارف.
- بعض الدراسات الحديثة، تقدّم طرقًا بسيطة لئلا يتحوّل الحفظ إلى عذاب لا فائدة من ورائه.
الحفظ عن ظهر قلب والفهم لا ينفصلان ! لقد بيّنت الأبحاث ضرورة إعطاء قيمة للحفظ عن ظهر قلب، ولكن اكتساب المعارف يستدعي بالضرورة الفهم وذاكرة المعنى المسمّاة ذاكرة دلالية.
على وزارة التربية الوطني أن تأخذ بهذين النوعين من التعلّم.
بأي صيغة نصرّف الفعل الذي يلي عبارة بعد أن après que ؟ كيف نسمي عنق الورقة؟ ماذا حدث يوم 16 نونبر العام 1532؟ ما دولة العاصمة بنجول؟ عندما يكون من الضروري للتلميذ استيعاب المعارف، فإنه يشعر بأنه يحفظ عن ظهر قلب. لا بدّ أن يحفظ حتى وإن بدا الأمر غير ذي جدوى. ومع ذلك، فالهواتف الذكية تسمح اليوم بالولوج إلى الانترنت وكل الإجابات عن أي سؤال أصبحت سهلة المنال؛ ولكن الابتعاد عن عن ظهر قلب سيكون خطأً كبيرًا، نظرًا للدور الذي يلعبه في التعلّم بالمعنى الواسع. وإضافة إلى هذا، فما دامت الذاكرة متعددة العناصر، فالطرق الأخرى ضرورية.
لقد عرف موقف الفلاسفة، علماء النفس وعلماء الأعصاب من الحفظ بعض الارتدادات. لقد كانت الذاكرة منذ العصور القديمة إلى عصر النهضة القدرة الأثمن: فكلمة ذاكرة مشتقة من الإلهة Mnemiosyne ، أمّ ربّات الفن اللواتي كنّ يترأسن حقول المعرفة الكبيرة، التاريخ، الشعر، الأدب والعلوم … ولكن ديكارت، وهو يناقش مشعوذًا معاصرًا له، كان يعتقد أن التفكير كافٍ، مبعدًا الذاكرة إلى المستوى الثاني. وبدون شكّ ولهذا السبب؛ اختزلت الذاكرة في غالب الأحيان في اعتقاد عامة الناس، بل حتى في المدرسة، إلى معنى الحفظ عن ظهر قلب.
فما حقيقة الأمر؟ في أي حالة يشجّع الحفظ على الفهم والتفكير أو يعيقهما؟ لقد قدّم التصور الديكارتي بعض علامات الضعف عندما حوّل عالم الأعصاب شاركو Charcot خلال القرن 19 مفهوم الذاكرة أكثر تعقيدًا . إنه هو الذي أبان، وهو يلاحظ حالات إكلينيكية، عن وجود عدّة ذاكرات. وبفضل بمعارف عصره، ربط هذه الذاكرات بالحواس وبالحركية: ومنذ ذلك الوقت، أصبحنا نفكّر في الذاكرات البصرية، السمعية، الحركية، والشمية … لقد أصبحت فكرة إرجاع الفشل المدرسي إلى استعمال سيّء للذاكرة مغرية: أكّد الفيلسوف وعالم التربية الفرنسي أنطوان دي لاگراندري Antoine de la Granderie ) 1920-2010مثلًا أن التلاميذ يملكون بالأساس نمطين من الاستحضار (بصري أو سمعي)، وأن الفشل المدرسي يحصل عندما يكون التعليم بالخصوص بصريًا لدى تلميذ سمعي ، أو بالعكس. غير أن هذا التصوّر تبسيطي جدّا.
انصهار الذاكرات
لقد نالت الذاكرة في الستينيات، شهادات النبالة. تمّ كل شيء أوّلا في إطار دراسات إنسان – آلة (المواصلات اللاسلكية، الحاسوب … ) حيث ذهب بعض الباحثين إلى حدّ الاعتقاد بأن الذكاء يقوم على الذاكرة . لقد أبرزنا تراتبية الذاكرات، من الذاكرات الحسية إلى الذاكرات المجردة …فما معنى هذا؟ إنّ الذاكرة الحسية البصرية هي القدرة على تصوير سلسلة من الأرقام على الشاشة مثلًا وتذكّرها عندما تنطفئ. لقد بيّنت تجارب مختلفة أن عدد الأرقام التي نتذكرها يتناقص بسرعة إذا كان المطلوب هو أن يتمّ عرض هذه الأرقام بمعدل أكثر من 250 ألف كلمة في الثانية بعد إطفاء الشاشة. إن هذه الذاكرة الإيقونية سريعة الزوال إذن.
ما يعادل هذا في ميدان الصوت، هو أن الذاكرة السمعية قد تكون لها مدة أطول نوعًا ما، من 2,5 ثانية: إذا أسمعنا إنسانًا مجموعة من الأصوات ثم طلبنا منه أن يقوم بعملية حساب ذهني سريعة (عملية الطرح) فإن قدرة الذاكرة على عرض صوت من أصوات المجموعة ستصبح ضعيفة جدًّا إذا كانت عملية الطرح تمتدّ إلى أكثر من 2,5 ثانية .
وهكذا، وعلى المدى القصير (أقل من خمس ثوان)، فإن تمثيلًا بصريًا للحروف أو الكلمات على الشاشة سيكون أقل فاعلية من التمثيل السمعي (كلمات مسموعة). ولكن المفارقة هي أن التذكير بالمعطيات البصرية أو السمعية على مدى ثوانٍ عديدة (حوالي عشر ثوان أو أكثر) سيكون مساويًا. لقد فسّر هذا الأمر، جون مورتن John Morton من جامعة كوليج يونيفرستي بلندن: فالمعلومات البصرية أو السمعية حسب رأيه ، تعبير عن الذاكرات الحسية، وتجد نفسها منصهرة في ذاكرة مشتركة، الذاكرة المعجمية أو ذاكرة الكلمات . وهكذا يمكن للذاكرة أن تمثّل نوعًا من الحواسب ذات مجزوءات متخصصة مختلفة، مثل حاسوب مجهّز برقاقة الرسوميات ورقاقة الصوت.
الذاكرة ذكية
طبعا لا بدّ من القيام بتمارين الحفظ لتغذية الذاكرة المعجمية. وهذا ما يقوم به الآباء أولا بتكرار لا ينتهي لكلمة زهرة لأطفالهم عندنا يشير هذا إلى الشيء المقصود. ونحن نفهم أن بدون عن ظهر قلب الأساسي هذا، لا يمكن لأي نوع من أنواع الذاكرة أن ينمو عند الطفل. وتعليم مواد مختلفة فيما بعد، لا بدّ أن يواصل على الأقل جزئيًا بهذا المعنى، سواءً أتعلّق الأمر بتعلّم أسماء الأماكن، الأشياء، التقنيات، أو حتى المفاهيم. ولكن هل للذاكرة المعجمية علاقة بالفهم بالمعنى الواسع؟
لقد أحدث اكتشاف ذاكرة جديدة، تسمى الذاكرة الدلالية، أو ذاكرة المعنى، ثورة في الطريقة التي نفكر بها في هذا السؤال. بدأ كل شيء بأبحاث عالم الإعلاميات روس كيليان Ross Quillian وعالم النفس ألان كولنس Alain collins . عملًا العام 1969 على ضبط برنامج ترجمة اللغات الأجنبية. لقد كانت فكرتهما الأولى هي ربط كلمة لغة أجنبية، بواسطة برنامج إعلامي، بمثيلتها في اللغة الأم.
فمثلًا، كلما صادف الحاسوب في نصّ ما، كلمة خوخ إلا وترجمها بــ صيد . طبعًا، فالمشاكل لن تتأخر عن الظهور: لقد ترجمت الجملة التالية ” بخصوص التحلية، أرغب في خوخ ميلبا ” ترجمةً مضحكة … ومن جهة أخرى ، فهذا ما تقوم به العديد من البرامج التي تقدّم لكم ترجمات سخيفة .
إن فكرة ألان كولان وروس كيليان الرائعة، كانت تأخذ بعين الاعتبار أن غالبية الكلمات مشتركة لفظيًّا (تتّخذ عدّة معان، مثل أسطوانة، ورقة، أو خوخ ) ، ولا بدّ من ربط بين المعجم الأجنبي، ومعجم اللغة الأمّ، مؤول المعنى. ومؤول المعنى هذا يستخدم كلمات السياق (تحلية ، ميلبا … ) ليختار المعنى الأفضل، الذي يقود إذن نحو الوحدة المعجمية في ذاكرتنا المعجمية. وبافتراضهما أن ذاكرتنا مصمَّمة طبيعيًا هكذا، اكتشف ألان كولان وروس كيليان ذاكرة المعنى، التي سمّياها الذاكرة الدلالية (من اللاتينية سيميوس semios ، معنى signification ) . ولكن كيف نتصوّر تخزين شيء مجرّد مثل المعنى؟ إن نظريتهما تستند إلى مبدأين.
شجرة الذاكرة
المبدأ الأول هو مبدأ تسلسل الأصناف. إنه يوضح كيف أن مفاهيم الذاكرة الدلالية مرتَّبة بطريقة تسلسلية، وأن الأصناف مدمجة في أصناف تبدأ من الأكثر خصوصية إلى الأكثر عمومية على طريقة مشجر: فصنف كناري ينتمي إلى صنف طير، وطير إلى صنف فِقري، وفقري إلى صنف حيوان، وهكذا. أما المبدأ الثاني المُسمّى بالاقتصاد المعرفي، فيعني أن الخصائص النوعية (أو السِّمات الدلالية) وحدها هي التي يجب أن تصنف مع المفاهيم المشتركة. فخاصية أصفر مثلا تُصنَّف مع مفهوم كناري، ولكن الخصائص الأعمّ مثل منقار أو أجنحة فتصنف مع مفهوم طير.
في هذا النموذج، تُنظَّم الذاكرة الدلالية على شكل مشجر اقتصادي. إن فهم التلميذ للمعارف التي نقترحها عليه يتم بطريقتين. إما بالوصول المباشر إلى المعلومة التي تعطي المعنى: نعلم مثلًا أن الكناري أصفر، لأن المعلومة أصفر مخزَّنة قبلًا في الذاكرة. وإما بالاستدلال: هذا ما يتمّ إذا سألنا طفلًا عمّا إذا كان للكناري معدة. في هذه الحالة، ستنشط الشبكة الدلالية لتجد أن الكناري طير، وإذن هو حيوان، فلا بدّ أن كون له معدة بالنتيجة.
إن المعلومة في هذه الحالة الأخيرة، أُعيد تشكيلها – مستدل هو المصطلح التقني – انطلاقًا من معلومات موجودة في أجزاء أخرى من المشجر. فما هو الاستدلال؟ فكما يتبيّن من المثال، إنه المنطق الذي يتعلق ليس بالمنطق الصوري، ولكن بشبكة من المعارف. وهذا هو سبب اعتقاد بعض الباحثين أن الذكاء يتغذّى من الذاكرة: فبقدر ما تخزن الذاكرة معارف أكثر، بقدر ما تكون الاستدلالات متنوعة وصحيحة.
طبعا إن الطفل لا يولد بذاكرة دلالية مطبوعة، كما لو أن دماغًا يمكن أن يحمّل برنامجًا قابلًا للاستعمال. فكيف تتكوّن إذن ذاكرته الدلالية؟ إن الذكريات جزء ممّا سمّاه الأستاذ إندل تولفينغ Endel Tulving الشهير من جامعة تورنتو بكندا، الذاكرة المتقطعة، مجموع الأحداث التي حفظناها . فبحسب رأيه، كلما قرأنا كلمة سبق أن عرفناها (كلمة قارب مثلًا ) أو عندما نرى قاربًا بالميناء، أو في فيلم وثائقي، فإن المفهوم المشترك يكون موضوع مشهد مخزَّن في الذاكرة المتقطعة . .
وانطلاقًا من اهتمامي بالتعلّمات المدرسية (في حين كان إندل تولفينغ يهتمّ أكثر بأمراض الذاكرة)، افترضتُ أن الذاكرة الدلالية عند الطفل مكوَّنة انطلاقًا من تجريد مثل هذه المشاهد. وإذا كان المشهد الأول كناري بالنسبة للطفل هو تيتي، فإنه سيسجل أيضًا مشاهد أخرى لاحقًا، كناري رآه في كتاب، في مَرْبى الحيوانات، أو في وثائقي.
وأخيرًا، فإن إواليات التجريد الدماغية ستستخلص النقط المشتركة لكل المشاهد لنوعي للكناري. ربما لاحظ البعض أن تعريفات البالغين والأطفال تختلف… ، فالبالغ ينحو نحو وصف الكناري بطريقة نوعية وذلك بذكر الخصائص العامة : ” إنه طائر ، صغير وأصفر ” ، بينما يجيب الطفل في الغالب بوصف المشهد : ” أتدري ، إنه تيتي !” . وهكذا فالحفظ ليس ضروريًا للمنطق الاستدلالي فحسب، ولكنه يساهم في خلق المعنى داخل الذاكرة الدلالية. فكيف نطبق هذه الفرضية في التربية؟
تكاثر المشاهد
لكي نحفظ المفاهيم، لا بدّ أن نكثر من المشاهد. ومن جهة أخرى، ففي العام 1997 ، أطلقتُ على هذه الطريقة الجديدة اسم التعلم متعدد المشاهد . إننا نغادر هنا الميدان الصارم جدًا للحفظ عن ظهر قلب، لنعالج ميدان مضاعفة التجارب والمشاهد. إن الحفظ عن ظهر قلب هو بالأرض ضمن الذاكرة المعجمية، وفي المقابل، فلحفظ معنى الأشياء وبناء ذاكرتنا الدلالية، لا بد – ولتكرر ذلك – من مضاعفة المشاهد.
لقد جربنا بنجاح، رفقة العديد من المدرسين، هذه الطريقة بمختلف مستويات الدراسة، من الابتدائي إلى الثانوي. أكيد أن هذا النوع من التعلم طويل جدًا: فتقديم درس لا يشكل سوى مشهد (ضخم)، في حين أن إضافة وثائقي، بحث في الإنترنيت أو بمركز التوثيق، إنجاز أعمال تطبيقية، أو تمارين، أمور تأخذ وقتًا طويلًا. ولكن، أليس من الأحسن التقليل من البرامج لكي نضمن أفضل حفظ للمعارف؟
وكيفما كان الحال، فنحن لا نقابل بين الحفظ عن ظهر قلب والفهم. فهذا وذاك ضروريان ومتكاملان: إن الحفظ عن ظهر قلب هو محرك الذاكرة المعجمية، بينما التجارب هي محرك الذاكرة الدلالية.
عندما نحفظ عددا كبيرًا من المفاهيم، الكلمات، أسماء الشخصيات التاريخية، التواريخ أو الأماكن، فإننا نصل إلى ما يمكن تسميته بالمعرفة الموسوعية التي يختلف وسعها من شخص لآخر. وبتأكيدنا على ما أتينا على توضيحه بخصوص العلاقات بين المعارف والتفكير، اكتشفنا خلال الأبحاث الموجزة على التلاميذ من السادسة إلى الثالثة أن المعرفة الموسوعية مبشِّر جيّد بالنجاح المدرسي أكثر من النتائج المحصّل عليها من خلال روائع التفكير الخالص.
إن أفضل نتيجة للمعرفة الموسوعية بالسادسة ( 4000 كلمة مُتعرَّف عليها ، مثل المُماس، يربوع ) حصل عليها أحسن تلميذ ( حاصل على 17/20 في المعدل الدراسي العام ) ، بينما التلاميذ الذين حصلوا على نتائج أقل جودة في المعرفة الموسوعية كان لهم معدل ضعيف جدًا ( 4,5/20 ). إن الاختلافات بين التلاميذ كبيرة في بعض الأحيان ومرتبطة كثيرًا بالإنجازات الدراسية. وهكذا، فالتلاميذ الذين حصلوا على أقل من 1500 كلمة آخر السنة السادسة كرّروا السنة والذين حصلوا على أقل من 900 كلمة في السنة الرابعة كان لهم معدل ضعيف. إن. ذاكرة المعارف (المعجمية والدلالية) أساسية إذن للنجاح المدرسي.
فكيف نحفظ إذن المعلومات بطريقة ذكية، دون إشباع، ودون أن نجد أنفسنا في حالة إنهاك أو ملل عميق؟ إن الحد الأساسي للدماغ في هذا الصدد مكوّن من ذاكرة المدى القصير أو ذاكرة العمل. إن أبَ السيبرانية، نوربير وينير Norbert wiener هو الذي دشّن هذا المفهوم العام 1948 . وكان لا بد من أكثر من عشر سنوات لتبيان وجوده لدى الكائن البشري.
تمثّل ذاكرة العمل خاصيتين أساسيتين: قدرتها المحدودة (حوالي ستّ أو سبع وحدات مألوفة، كلمات، صور، أرقام، رموز … ) واستقلالية ضعيفة ( أقل من عشرين ثانية ) الشيء الذي يجعلها أحيانا تساوي اسم الذاكرة قصيرة المدى . وهكذا فذاكرة العمل تسمح للذاكرة بأن تحفظ رقم الهاتف ساعة تركيبه. وإذا نحن لم نجهد أنفسنا لحفظه بمحاولات متكررة، فإننا لن نحفظه أبدًا. إن ذاكرة العمل هي المدخل الوحيد للمعرفة في الدماغ: إنها هي التي تنظم المعلومات، وعن طريق التكرار، يمكن للمعارف أن تعزّز الذاكرة طويلة الأمد.
الذاكرة والنجاح المدرسي
كيف نوسّع التعلّمات علمًا أن ذاكرة العمل هاته لا يمكنها أن تخزن ستة أو سبعة عناصر في آن واحد؟ لقد بيّن عالم النفس جورج ميللر العام 1956 أن الوسيلة لتجاوز هذا الحد من تجميع المعلومات في رزمات المعلومات. فمثلًا، فعوض حفظ أسماء الوديان الستة عشر، فإننا نقتصر على حفظ أسماء أربع ولايات، وأربعة وديان لكل ولاية.
لقد بيّن جوردان بويرتا Gordon Bower ورفاقه منذ العام 1969 ، من جامعةباركلي بلوس أنجيلوس فعالية هذه الطريقة لتشعيب المهام . لقد جعلوا التلاميذ يحفظون لائحة من حوالي مائة وعشرين كلمة منظمة في عائلات دلالية – حيوانات، نباتات – ، هي الأخرى مشعَّبَة إلى عائلات جزئية ( نباتات تؤكل ، للتزيين ، برّية … ) ، ثم أصناف تحت ( أزهار ، نباتات عطرية … ) ولعدم إشباع الذاكرة قصيرة المدى ، فإن عدد الكلمات لكل مستوى لا يزيد على اربع كلمات . لقد كانت الإنجازات هائلة، ذُكِرتْ سبعون كلمة في المحاولة الأولى مقابل عشرين فقط لدى مجموعة من الطلبة كان عليهم أن يحفظوا الكلمات في لائحة وحيدة. وفي المجموعة المشَعَّبة، حُصِّل على غالبية اللائحة منذ محاولة الحفظ الثالثة. ولهذا السبب من الفعالية بمكان حفظ الدروس في أجزاء وأقسام منظمة جيدًا، حسب تصميم دلالي ( غالبًا ما نسمّيه منطقي) ، إن هدف تلافي الزيادة هو إقامة فروع من ثلاثة أو أربعة عناصر.
عدّة ملاحظات تفرض نفسها في ضوء هذه المفاهيم عن الذاكرة. أوّلًا، إن الحفظ مكوِّن لا يمكن تجاهله للوصول إلى التفكير أيضًا، وفضلًا عن ذلك، فإننا قد ننجح في اقتراح برامج أقلّ ثقلًا، ولكننا سنقضي وقتًا أطول في تعليم المفاهيم الأساسية، عن طريق مضاعفة المشاهد التي أشرنا إليها. وأخيرًا، لا بد من تفكير حقيقي في ثقل المعارف والبرامج: لقد أثرنا هذا الأمر، فمن المهم تنظيم طريقة حفظنا حسب مبدأ تشعيب المعلومات لنأخذ بعين الاعتبار حدود عمل الدماغ. ومع ذلك، فيبدو أن المدرسين لم يستوعبوا هذه المفاهيم. لقد سمعتهم يقولون إجمالًا: “بما أن التلاميذ ينسون بسرعة، فإذا نحن علّمناهم الشيء الكثير، فلا بد أن يبقى منه الشيء القليل”.
لعنة البرامج
كان لي، منذ سنوات، فضول تعداد عدد كلمات درس في كتاب التاريخ المدرسي للسنة الخامسة، وكنت قد أحصيت 300 اسم، إضافة إلى المفردات الشائعة. وكم كلمة في مجموع الكتب المدرسية؟ لقد كانت بداية بحث طويل مدّة أربع سنوات رفقة خمسين أستاذًا وزميلًا وعشرات الطلبة، وكان القصد هو القيام بجرد مفردات المواد الأساسية: التاريخ، البيولوجيا، الكيمياء، الأدب واللغات الحية. هذه المفردات الموسوعية (رامسيس في التاريخ، خط الزاوية في الرياضيات ، ذبابة المناقع في علوم الحياة والأرض ، أو برقشة في اللغة الفرنسية هي التي تمّ جردها في إطار تتبّع لثمانية أقسام إعدادية، من السادسة إلى الثالثة. وهكذا وصل الجرد في كتب اللغة الإنجليزية المدرسية للسنة السادسة إلى مجموع هائل، 6317 كلمة في السنة السادسة، 9500 كلمة في الخامسة، 1800 كلمة في الرابعة، وأخيرًا، حوالي 2400 في الثالثة، كل هذه الكلمات بالإضافة إلى 9000 كلمة من ضمن الكلمات الشائعة.
بالمقارنة مع كلمات البرنامج هذه كم كلمة على تلميذ في السادسة، أي طفل في الثالثة عشرة من عمره، أن يحفظها في سنة واحدة؟ بواسطة السؤال متعدد الاختيارات، قدّرنا هذا العدد في 2500 كلمة ومفهوم، مكتسب في المعدل مع نهاية السنة أي فائضًا من 60% ، تستند هذه الدراسة إلى الكتب المدرسية لسنوات 1990 -1995، ولكن لم يكن لي علم بالتغيرات مراعاة لاختصار البرامج .
وفي نظري، لا يجب حذف تنوّع المواد، ولكن اختصار البرامج في كل مادة من المواد، لأن المهم ألا نشعر بأننا مهووسون بكتلة المعلومات، إذا كنّا نأمل في إعطائها صورة، منطقًا، بناء مشجّرات عقلية وإضافة التفكير إلى المعرفة الخام.
لو اتبع مدرِّسوكم هذه الطريقة، ربما تذكرتم الإجابات عن الأسئلة المطروحة في المقدمة: الصيغة الدلالية، العنق، القبض على أتاوالبا (آخر ملوك الأنكا) من طرف المغامر الإسباني فرانسيسكو بيزارو، وأخيرًا، غامبيا.
الهوامش
الذاكرة المعجمية: إنها تدمج الخاصيات التركيبية المرتبطة بكلمة ما، أي الخصائص الصِّواتية والإملائية. نعتقد أن المعنى يخزن في ذاكرة أخرى، الشيء الذي يفسِّر ظاهرة الكلمة على لساني، حيث نبحث عن اسم الشخصية التي نملك معنى لها (ممثّل أو صحافي مثلًا).
الذاكرة الدلالية: تمثل مجموع المعارف عن العالم والذات. تخزِّن مفاهيم الكلمات ومعانيها كشبكة التداعيات، والتي تربط الكلمة بالمفهوم ( كناري وطير مثلًا ) . تدوم هذه الذاكرة مدة طويلة، تطابق معنى كتاب أو فيلم وتبقى بعد سنوات عديدة. إن الذاكرة الموسوعية جزء من الذاكرة الدلالية. تمثّل خزانا ضخما للمعارف المتخصصة (تاريخ ، جغرافيا ، رياضيات …) . تُعَدُّ بعشرات الآلاف من المعطيات، حوالي 20000 مفهوم وكلمة نهاية القسم الثالث مثلًا.
الذاكرة الحسية: تخزن المعلومات التي ترمّزها الأعضاء الحسية كاللون مثلًا، (نتحدث عن الذاكرة الإيقونية، بالنسبة للذاكرة الحسية البصرية)، أو رنّة الصوت ( ذاكرة السمع ) . إن الذاكرات الحسية سريعة الزوال إذا نحن لم نُعِدْ ترميز المضمون شفاهة. كما توجد ذاكرة حسية بصرية (إيقونية)، سمعية، شمية، لمسية وحسية حركية.
المصدر : Pour La Science H-S N 102/2019