المقالة بصيغة PDF: لامركزية الخطاب الذات بين المعرفة والسلطة
“يجب أن نحاول اكتشاف كيف يتمّ تكوين الذوات بشكل تدريجيّ تصاعديّ وحقيقيّ وماديّ من خلال تعدّد الكائنات الحيّة، والقوى، والطاقات، والمواد، والرّغبات، والأفكار، وما إلى ذلك…سيكون هذا عكس مشروع هوبز في اللّيفياثان…حسنًا، بدلاً من القلق بشأن مشكلة مركزية الروح، أعتقد أنّنا يجب أن نحاول دراسة عدد لا يحصى من الأجسام الّتي تمّ تشكيلها كذوات مهمّشة نتيجة لتأثيرات السلطة.” (ميشال فوكو)
في الوقت الّذي بدأ فيه فوكو حياته المهنيّة، في الخمسينيات من القرن الماضي، كانت فلسفة معيّنة للذات: “الذات الواعية” (The conscious subject) أو “الفينومينولوجيا” هي الفلسفة المقبولة (orthodoxy). في الفلسفة الفرنسية، إنّ الظواهريّة هي طريقة التحقيق الّتي تبدأ من الذات باعتبارها وعيًا، كما فعل ديكارت في الكوجيتو. وقد استمرّ هذا المنظور، مع الفيلسوف الفرنسي البارز في ذلك الوقت، جان بول سارتر، الّذي شدّد على مسألة الوعي. من هذا السرد التاريخيّ البسيط يجب فهم “الذاتية” (Subjectivity) في أعمال فوكو على أنّها إشكاليّة نزاع حول مفهوم “الذات” في الفلسفة الفرنسية.
يختلف فوكو، في التشكيك في نشأة الذاتية البشرية، اختلافًا جوهريًا عن كانط و هوسرل – وهما يشكّلان المرجعية الأساسيّة في الفلسفة الغربية في تحديد “مصادر” الذات – حتى الآن، يرى التقليد المتعالي/المثالي الكلاسيكي للفكر، “الذات” على أنّها حقيقة ميتافيزيقيّة وأنّ كلّ الوجود يمكن إدراكه وفهمه بوساطتها.
وكان يُنظر إلى فوكو أحيانًا على أنّه يمثّل موقفًا “معاديًا للذاتية” (anti-subjectivist). إلّا أنّ هذا التعريف خاطئ يندرج في حدود الغلوّ والمبالغة؛ إذ لم ينكر فوكو أبدًا وجود “الذات”. وقد استمرّ، حتى وفاته – سواء بالممارسة الأكاديميّة أو بالدفاع عن حقوق الذوات المهمّشة – يشدّد على أنّ عمله كان دائمًا مرتبطًا بمسألة “الذات” وعلاقتها بالسلطة والمعرفة.
ولكي ندخل في صلب المقالة، ينبغي أن أشير إلى أنّ تكوين الذوات عند فوكو يبدأ من خلال ثلاث مجموعات من العلاقات: التذويت (Subjectivation)، والّذي بموجبه تقوم العلوم الإنسانية وبؤر المعرفة المنفصلة بجعل الإنسان مسألة إشكاليّة؛ القهر (Subjugation)، الّذي يُنفَّذ عبر عمليّات الإقصاء لإبعاد الشذوذ والانحراف و “غيرية” الذوات؛ المقاومة (Resistance) أو التكوين الذاتي للذات كموضوع، الّتي تستعيد الحريّة من خلال أخلاقيّات (Ethics) وجماليات (aesthetics)، يقترحها فوكو ضمن مبحثه “الحكوماتيّة” (Governmentality) تحت عنوان “تقنيات الذات” (Technology of the self)، وهي الممارسات والاستراتيجيات الّتي تقوم بها الذات وغرضها الفهم الذاتي الأخلاقي مثل “تقدير الذات” (self-esteem).
وفي هذه الدراسة، سينصرف عملنا إلى إيضاح التحليل الجينيالوجي للذات العابر للخطاب عند فوكو من خلال جملة من الأسئلة: ما هي الذات عند فوكو؟ هل الذات لها أصول أو تاريخ؟ كيف تتحرّك الذات في ثنائيّة السلطة\المعرفة؟ وكيف يمارس الخطاب السلطويّ هيمنته أو حكمه على الذوات؟ هل يمكن التفلّت من قبضة السلطة والاختلاف؟ هل بمستطاع الذات أن تقاوم أشكال الهيمنة والتقييد أو أن تحوّل ممارسات السلطة إلى ما هو أخلاقيّ وجميل؟
لامركزية الخطاب: الذات بين المعرفة والسلطة
لكلّ ثقافة أو حضارة “قِصصُها” الّتي تتمثّل بالشعر والنثر والنصوص الدينيّة والخطابات بما تضّمنّه من شخصيّات وزمان ومكان وتفاعل وخيال ورغبة…ولعلّ ما يميّز هذه النّصوص أنّها متداخلة بنوع من “الحواريّة” (Dialogism) أو “التناص” (Intertextuality). إنّ استيعاب العلاقات بين النّصوص المعقّدة الّتي تكمن وراء كلّ ثقافة، فضلًا عن الطريقة الّتي ترتبط بها هذه العلاقات ارتباطًا وثيقًا بالعوامل الاجتماعيّة والثقافيّة والإيديولوجيّة والسياسية والاقتصاديّة، يمكن أن يقدّم نظرة ثاقبة على الدور الّذي يؤدّيه التناص في تشكيل الخطاب. وعلى الرغم من أن كل نصّ يمتلك نقاط تقاطع لا حصر لها مع نصوص أخرى، فإنّ هذه الروابط لا تعني أنّه ثمّة حريّة في إنتاج الخطاب؛ إذ إنّ التناص يُدخِل العمل ضمن شبكات السلطة، الّتي تفرض قيدًا على القدرة الإنتاجيّة للخطاب. ويتعدّى البحث عن أصالة التناص في الجينيالوجيا، البعد اللّسانيّ ولا تبحث هذه الدراسة في التناص كنظريّة وما إشارتي لهذا المفهوم إلّا من باب التّأكيد على أنّ التناص يعني التعدّد وأنّه مثير (Stimulus) لأيّ صراع كان.
من هذا المنطلق تفهم الثقافة على أنّها منظومة فكريّة مبنيّة تحديدًا على فرضيّة بأن الإنسان يمكن أن يكون موضوعًا للمعرفة السوسيو-علمية، وبالوقت نفسه، شرطًا لإمكانية هذه المعرفة؛ يقول فوكو:”في أيّ ثقافة معيّنة وفي أيّة لحظة، هناك دائمًا إبيستيم (Episteme) واحد فقط يحدّد شروط إمكانية كلّ معرفة، سواء أتمّ التعبير عنه في نظريّة أم استثمر بصمت في ممارسة.”
لقد حظي “الخطاب السياسيّ” عبر التاريخ، بعناية واهتمام الباحثين وخصوصًا على المستوى اللّساني-الاجتماعيّ (Sociolinguistics). وقد طرحت العلاقة بين اللّغة والخطاب، النظر في مجموعة من العلاقات التكوينيّة في المجتمع (Constructive Relations)، كعلاقة اللّغة بالسلطة وعلاقة السلطة بالذات (The Subject)؛ وقد أفصح البحث اللّساني-التاريخي في أشكال التواصل عن رغبة في امتلاك أصل (Origin)، وتاليًا حقيقة؛ هذه الرغبة، أنتجت واقعًا تشكّل من الصراعات والمصالح والهيمنة والسيطرة.
ويؤكّد البحث الفوكوي من جهة، أنّه لا يوجد أصل واحد بل أصول مشتّتة متعدّدة، وهي مجموعة من احتمالات المعرفة في إطار زمكانيّ ما من التاريخ. ويعبِّر من جهة أخرى، على أنّ التعدّد ينبثق من مفهوم “الإبيستيم”، الّذي يكرّس “القطيعة الإبستيمولوجيّة” (Epistemological Rupture)؛ فالمعرفة العلمية ليست امتدادًا للمعرفة العامة بل هي انتقال من التجربة إلى العقلنة. وفي فكرة “القصّ” كما في “الجينيالوجيا”، أصبحنا محاصرين بعلاقة تناقضيّة؛ فباعتبار الجينيالوجيا “تاريخ الحاضر”، يعني أن تأريخ فوكو يتطلّع نحو المؤقّت من الزمن الّذي مكّنت فيه السيرورة والتحوّلات والتكرار والاختلافات من تفعيل بعضها بعضًا. وهكذا “القصّة” (Story) الحاضرة في لازمنيّتها بالرّغم من امتدادها في الزمن، ذلك لأنّها لا يمكن إلّا أن ترسّخ الانقطاعات، فهي في طبيعتها السرديّة وأصلها (Etymology)، “جزء من التاريخ.”
خذ مثلًا “القضيّة الفلسطينيّة” وتحديدًا الخلاف على هويّة الأرض؛ ارتكز مشروع الدولة اليهودية، إلى القومية اليهودية بوصفها خصوصية دينية توراتية وتاريخية تسعى إلى استرجاع “أرض الميعاد” انطلاقًا من وعد الله لابراهيم ونسله بالأرض في سفر التكوين:”فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَقَدَ اللهُ مِيثَاقاً مَعْ أَبْرَامَ قَائِلاً:”سَأُعْطِي نَسْلَكَ هَذِهِ الأَرْضَ مِنْ وَادِي الْعَرِيشِ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ. أَرْضَ الْقَيْنِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ، وَالْقَدْمُونِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ.”
وقد أدّى الوعي التفسيريّ للقصّة إلى تملّك الذات الإسرائليّة للخطاب وإخراجه من زمنيّته التاريخيّة وإدخاله ضمن مشروع جيو-سياسيّ توسيعيّ، يشمل كل الأراضي المحتلة عام 1948 والضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان…بالرّغم من كل التحوّلات الجغرافيّة والسياسيّة والديموغرافيّة الّتي قلبت المجال الحيوي في الشرق الأوسط. أمّا من الجانب الفلسطينيّ، فلا يختلف الأمر كثيرًا؛ فبحسب التقليد الإسلاميّ إنّ ابراهيم ليس يهوديًّا ولا نصرانيًّا:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا}، وستستند المقاومة الفلسطينيّة إلى خطاب أممي ينبثق من الدينيّ أيضًا ويشتمل على مقارقات كثيرة؛ تتمثّل بإدخال عناصر أخرى خارج الحدود الزمكانيّة للقصّة، حيث تصبح القضيّة الفلسطينيّة، قضيّة كل مسلم، على اعتبار أنّ الأرض ليست وعدًا مقصورًا على اليهود، وإنما على ذرية إبراهيم، ومن هذه الذرية العرب واليهود.
ولن أدخل في التعبئة الأيديولوجية التي منحت للخطابان المتحاوران، وتوفير وسائل الدعم المادي والعسكري والسياسي لهما؛ إلّا أنّه يمكنني أن أرجع الصراع – خصوصًا الصراع المنبثق من الدينيّ – إلى ثلاث إشكاليات أساسية، عصيَّة على الحلول الحاسمة، وهي إشكاليات الهوية، والجغرافيا السياسيّة والديموغرافيا. يمكن للمرء أن يفهم تمامًا التأثير الكامل الذي يمكن أن تخلفه مثل هذه التجربة السرديّة الحواريّة على الذات الفلسطينيّة أو الإسرائليّة أو كل ذات مقحمة في هذا الصراع، الّتي وجدت نفسها في مأزق وجوديّ ضبابيّ وعليها أن تقف منه موقفًا محدّدًا.
ستحيلنا هذه التوطئة إلى مفهوم فوكو للهوية غير الثابتة (Non-Identitarian approach) والواقعة في صلب الخطاب. وستساعدنا مقاربة فوكو للذات على أن نتغلّب على الانفعالات المتعالية والأنانية الّتي يوّلدها البحث عن أصل ثابت لقصصنا وستدفعنا نحو أخلاق وجماليّة أكثر استنادًا إلى السرد الجمعي.
يوفّر نموذج والتر فيشر السردي (Narrative Paradigm)، مجهرًا يمكن من خلاله فهم مقاربة فوكو للذات؛ أصرّ فيشر على أنّ نموذج “النظريّة السرديّة” لا يهتمّ بالسرد بقدر ما هو احتفاء بالبشر من خلال “…إعادة التّأكيد على طبيعتهم كرواة للقصص (storytellers).”
ويستحقّ مصطلح الأخلاق السردية (Narrative Moral) بعض التوسّع لأغراض هذه الدراسة، وسيُفهم تقاطُعه مع بحث فوكو في الخاتمة (إثيقيا الذات واستيطيقا التكوين الذاتي).
إنّ الأخلاق السردية هي نوع من الأخلاق المجتمعيّة الّتي يتم إبلاغها من خلال تجاربنا الحيّة الّتي تعترف بالطبيعة الجماعية للوجود. يصف والتر فيشر البشر على أنّهم “رواة للقصص” يمتلكون وعيًا متأصّلا “باحتمالية السرد”، وما يشكّل قصّةً جيّدةَ، وما يسمّيه فيشر “الموثوقيّة السرديّة” (Narrative fidelity) أي ما إذا كانت هذه القصص تتناسب مع تجربة القصص الأخرى. وقد وضع فيشر خمسة معايير تؤثّر على موثوقيّة السرد:
1- القيم المضمنة في القصة.
2- العلاقة بين القصة والقيمة المتبناة.
3- النتائج المحتملة الّتي يمكن أن تعود على الأشخاص الّذين يلتزمون بالقيم المتبناة.
4- تناسق قيم السرد مع قيم المتلقّي.
5- إلى أي مدى تمثّل قيم القصة أعلى القيم الممكنة في التجربة الإنسانية.
لم يخجل فوكو أبدًا من تقويض الحقائق البيولوجية أو النفسية أو الاجتماعية، طارحًا أنّها مجرّد نتائج لقوى تاريخيّة محتملة. ومن اللّافت أنّ قوّة السرد لا تتضاءل بمعرفة القرّاء بأنّ القصة قد تكون مبتدعة أي مخترعة. على العكس ذلك، فإنّ القصص الناجحة – تلك الّتي تشغلنا أكثر من غيرها – غالبًا ما تكون خياليّة وغير واقعيّة. من هنا، يحاجج فوكو بأنّ أشكال الاتّصال تشكّلت من خلال ثنائيّة المعرفة\السلطة وعبر التسلسلات الهرميّة الّتي تتحكّم في تملّك الخطابات. ومن ثمّ، فإنّ معايير تقييم موثوقية الأدلة واكتمالها، وما إذا كان نمط التفكير سليمًا، ليست مطلقة، ولكن تمّ تحديدها بمرور الوقت من قبل من هم في مواقع السلطة.
ويُطرح مفهوم “القصّ” هنا، بمعنى “الإخبار أو الإبلاغ” وبمعنى “الاقتطاع”؛ وفي كلا الحاليْن، أنتج فعل القصّ، ثقافة معياريّة وأخلاقيّة واجتماعيّة عمادها اللّغة المحكية أو المدوّنة، الّتي تحوّلت من وسيلة لضبط الكلام إلى سلطة تمارس هيمنتها عبر الخطاب. فالخطاب سلطة ماديّة و ساحة صراع للسلطة، وهو “ليس فقط انعكاسًا للصراعات السياسية، بل هو المسرح الّذي يتم فيه استثمار الرغبة، وهو ذاته مدار الرغبة والسلطة”. وفي هذا السياق، تُفهم أعمال فوكو حول الخبرات الأساسية للجنون والمرض والموت والسجن والجنسانية، سَبرًا للأشكال الإمبريقيّة الّتي يحتلّها التناهي (finitude) على المساق المتقطِّع للتّاريخ (Fragmented History) أي الشكل القصصّي باعتبار “القصّة” (Story) في الإنجليزيّة كما في العربيّة، اقتطاعًا من التّاريخ (Hi\storia).
القصص العديدة الّتي تربطنا وتشكّل واقعنا في نهاية المطاف يغذّيها التاريخ. هذا التاريخ هو جذور الموثوقيّة السرديّة. بالنسبة إلى فوكو، يصبح التاريخ أكثر من مجرّد إطار أو حلقة صراع بين الذوات المنتِجة للخطاب، إنّه عزل الحقائق المسبقة وتفكيكها في محاولة للكشف أو إنشاء معرفة جديدة.
يرفض فوكو هنا، أيّة إحالة إلى تصوّر ميتافيزيقي متجاوز (Transcendental)، لذلك انتقد بشدّة الإرث الديكارتي مفكّكًا الكوجيتو (Cogito)، الّذي يبدأ من إعلان “الذات أساس المعرفة”، ثمّ يضع الروح مركز الفضائل ويقصي الجسد إلى الهامش. على أنّه في هذا الرفض، لا يُنظر إلى مشروطيّة الخطاب – أي موقف الذات من الخطاب – مقسّمةً بين القبول أو الرفض، بل يجب أن نتصوّر الخطاب هنا، كمجموعة من الاستراتيجيّات والآليّات (Tactics) ذات حقول متشعّبة ومتداخلة؛ فالخطاب بعلاقته مع الذات، يشكّلها وفي الوقت عينه ينقل السلطة وينتجها أي يوجدها ولكنّه أيضًا يقصيها ويفجّرها، ويجعلها هزيلة، وقد يؤدّي إلى إلغائها وفرض أخرى.
قد يتساءل المرء من أين تنبع سلطة الخطاب وما الّذي يمنحه وظيفة “التحكّم”؟ هل هو المعيار الاجتماعيّ (Norm) أو العقد المتّفق عليه بين الأفراد؟
في نظرة ثاقبة إلى الخطابات الّتي انشغل بها فوكو، يبدو أنّ ما يجمعها هو الهامش (Margin)، كما لو أنّها مجموعة من البؤر المشتّتة وهي بالفعل هكذا، وكونها مهمّشة يعني أنّه تمّ إقصاؤها ورفضها. ولعلّ تخوّف الذات أو المؤسسة أو السلطة على السواء من أشكال العبوديّة المرافقة للسلطة السياديّة أو مجرّد الشعور بأنّنا تحت مراقبة يوميّة كما هو الحال في السلطة التاّديبيّة أو توجّسنا أخطارًا لا نتصوّرها جيّدًا، هو ما يمنح الخطاب سلطته ويطرح إمكانية إقصائها في الوقت عينه. لذلك كان يؤكّد فوكو بأنّه لا وجود لسلطة بدون مقاومة (Resistance). هذه النظرة السيكولوجيّة للذات الّتي تتوجّس خوفًا من الاختلاف لا تقصي المعيار مثلًا سلطة اللّغة المعبّر عنها من خلال القواعد (Grammar)، ولكنّها تؤكّد أنّ هذا المعيار لم يكن لينوجد لولا الخوف من الاختلاف أيضًا. لذلك يولي فوكو اهتمامًا لحقيقة الذات في الحاضر، ليس كحقيقة خفيّة، بل كاختلاف، مشيرًا إلى أنّ ما ندعوه حقيقة، هو نتاج لصراع القوى أو السلطة.
إنّ الحديث عن سلطة الخطاب يقترن بالطبيعة الإنتاجيّة المزدوجة للسلطة. يقول فوكو: “أفترض أن إنتاج الخطاب في كل مجتمع، هو في الوقت نفسه إنتاج مراقب ومنتقى ومنظّم، ومعاد توزيعه من خلال عدد من الإجراءات الّتي يكون دورها هو الحدّ من سلطته، ومخاطره، والتحكّم في حدوثه المحتمل، وإخفاء مادّيته الثّقيلة والرّهيبة.”
ولتوضيح العلاقة الجدلية بين الذات وسلطة الخطاب، سأبدأ بتعريف “الذات”، ثمّ سأنتقل إلى مفهوم “التذويت” (subjectivation)، لأصل بعد ذلك إلى عرض ممارسات السلطة الخطابيّة وأنماطها الّتي تعمل على إعادة تشكيل الذات أو تدجينها.
إنّ “الذاتية” (Subjectivity) وما يقابلها من المصطلحات الفلسفية “التذويت” (Subjectivation) و “الذاتويّة” (Subjectivism) و “الإخضاع” (Subjugation)، تعني في البحث الفلسفي، إمكانية الانخراط في تجربة معيشية أكبر من الحدود الداخليّة الّتي يختبرها “الفرد”؛ يتمّ التمييز في هذا البحث، بين “الذات” (Subject) و”الفرد” (Person)؛ فالفرد هو شخص فعليّ حقيقة وجوديّة كلّيّة، أمّا “الذات” فهي تجسّد احتماليّة أن يؤدّي الفرد أو الجماعة مجموعة أدوار في سياق تاريخيّ إيديولوجيّ مشروط بسلسلة من العلاقات التفسيريّة. وفي مقال فوكو “تقنيات الذات” ((Technologies of the Self، تحديدٌ للمساحة الدلاليّة الّتي تشغلها تيمة “الذات”؛ المعنى العام المباشر أي ما هو ذاتيّ (Auto) أي نفسه (The same). ويضيف فوكو ينقلنا السؤال عن “ماهية الذات” إلى السؤال الآتي “انطلاقًا من أيّ أساس سوف أعثر على هويّتي؟”؛ يقول:”يحاول ألكيبيادس أن يجد الذات في حركة ديالكتيكيّة. عندما تعتني بالجسد، فأنت لا تهتمّ بنفسك (ذاتك) (self-as-subject). الذات ليست ملابس أو أدوات أو ممتلكات. يمكن العثور على الذات في المبدأ الّذي يستخدم هذه الأدوات، وهو مبدأ ليس للجسد بل للنفس. عليك أن تقلق بشأن نفسك – هذا هو النشاط الرئيس لرعاية الذات. إنّ رعاية الذات هي رعاية النشاط وليست رعاية الذات باعتبارها مادة.”
الذاتيّة، في البحث الفوكوي هي حركة ووقفة تأمليّة أي أفعال مقصودة وطوعيّة لا يضع الإنسان من خلالها قواعد سلوك لنفسه وحسب، بل يسعىى أيضًا إلى تحويل نفسه وحياته إلى أعمال. إنّ الذات تكوينيّة (self-constructed)، بحسب المجلّدين الأخيرين من تاريخ الجنسانية. وهي لا تعطى أو تمنح، بل تتشكّل من خلال مجموعة من الممارسات في سياق تاريخيّ معيّن. وتاليًا، الذات هي موضوع (object) للتاريخ خاضع للتغيّر والتحوّل. يمكّننا التحليل والبحث التاريخيّان من تحديد تلك الممارسات المكوّنة لأنواع مختلفة من الذوات، وعلى عكس ما يشاع لا يزوّدان الذات بهويّة.
النقطة الأولى الّتي يشير إليها فوكو هي أنّ الذات ليست نتاج نشاط معيّن، بمعنى أنّه يمكن فصل المنتج عن النشاط؛ الذات هي النشاط. تتكوّن من مجموعة من الممارسات، ولكنها ليست هي تلك الممارسات، بل هي تكمن في طريقة تناول تلك الممارسات. أمّا النقطة الثانيّة، فهي أنّ هويّاتنا ليست ثابتة، لكنها واقعة في وسط “الخطابات الحواريّة الثريّة” العديدة الّتي نواجهها كلّ يوم.
في الوافع، لقد تميّز فكر فوكو في الثمانينيّات بانعطاف مفصليّ، محوره الانتقال من ذات تشكّلت من خلال الوعي الأنويّ solipsism)) المتموضع خارج التاريخ (ahistorical) والممتدد خطابيًّا من فلسفة ديكارت حتى فلسفة سارتر، إلى الذات الإنسانية الّتي دخلت في علاقات سلطويّة كثيرة التعقيد.
لذلك يسأل فوكو من نحن في هذه اللّحظة الدقيقة المعيّنة من التاريخ، ويأتي الجواب في من خلال “البحث الجينيالوجيّ” (Genealogical research) الّذي يقوم على رفض العودة إلى الماضي وينادي بالانفصال والقطيعة واللااستمراريّة. ولعلّ ما سبق، يفسّر لماذا يغيّر فوكو مواقعه بشكل مستمرّ، ويعيد النّظر في مفاهيمه وأدواته الّتي يعتمدها في التحليل. وتعدّ هذه اللّامركزيّة الأساس المنهجي للجينيالوجيا، الّتي تبحث عن حقيقة الخطاب من الداخل إلى الخارج، بهدف إظهار الشروط التاريخيّة الّتي تتمثّل عبر أشكال الإقصاء والهيمنة، والّتي تلجأ إليهما ثقافة ما. وفي كلا الاتّجاهيْن (الخارج والداخل)، لا تُفرض السلطة ببساطة من الجانب الأعلى في التسلسل الهرميّ الاجتماعيّ أي من الخارج، على سبيل المثال السلطات الدينية – البطريركيّة في المجتمع. بل إنّ السلطة متواصلة وثابتة ومتشعّبة، منتجة “ذاتيًّا”، وهي التأثير الكلّيّ الّذي ينبثق من تعدّد علاقات القوّة؛ يقول فوكو:”يجب على المرء أن يتذكّر أنّ السلطة، ليست مجموعة من آليات النفي والرفض والإقصاء. لكنّها تنتج بشكل فعّال. من المحتمل أنها تنتج مباشرة للأفراد أنفسهم. الفرديّة والهوية الفردية، هي نتاج السلطة.”
ويعني هذا الكلام أنّ ثمّة تاريخ ذاتيّ يستدعي السّلطة أي يقوم بتحويل الخارج إلى الداخل؛ ما أودّ أن أبيّنه هنا، هو أنّ علاقة السلطة بالذات تتحدّد وفق شكليْن؛ يتمثّل الشكل الأول، في خضوع الآخر للذات، الّتي تؤكّد حقيقتها عبر تبرير سلطتها وسيطرتها بإخضاع المختلف والمغاير والمباين. في هذا المستوى الأول، يكون اتّجاه السلطة خارجيّ يقوم على الإقصاء والقسمة. أما الشكل الثاني، فهو يتمّ بانكفاء الذات على المؤثّرات الخارجيّة وذلك عبر امتصاص تأثيراتها وتكييف معاييرها مع ما يتناسب مع معايير الداخل.
وهنا يسأل إلى أي مدى نحن أحرار في إنتاج الخطاب الّذي نريد؟ ما معنى الأثر السلبي لسلطة الخطاب؟ كيف يهيمن الخطاب على أشكال الثقافة؟ كيف تقوم سلطة الخطاب بتذويت “الذات”؟ هل هناك مقاومة حقيقيّة؟
وقبل الإجابة عن هذه التساؤلات، لا بدّ لنا أن نتوقّف عند موقع صاحب الخطاب وذاتُه؛ فكلّما كان صاحب الخطاب على دراية بمكوّنات الخطاب (المعتقدات الدينية، القوانين، المعايير الاجتماعيّة والبيولوجيّة، الخلفيات الإيديولوجيّة…)، ستسعفه هذه المعرفة في الهيمنة على زمام الممارسة الخطابية وتاليًا تأكيد ذاته وتذويت الآخر ذي الموقع الضعيف، والّذي لا يجد سبيلًا إلًا للخضوع لمنطق القوّة؛ في دائرة الخطاب أي في مسرح الصراع، سيكون الحسم لصالح الذات الراسخة مؤسّساتيًّا.
يجسّد “التذويت” فكرة أنّنا معرّضون (Exposure) أو مضطهدون من قبل علاقات القوّة، عندما يفرض علينا معيار (Norm)، الّذي يفهمه فوكو على أنّه معيار يحتفظ به الأفراد وكذلك يتمّ الاتّفاق عليه بصورة شعبيّة، لذا نحن مضطرون لاتّباعه. بهذا المعنى، يحمل المصطلح عملية “القيد أو التقييد”.
في البداية أشار مصطلح “التذويت”، إلى أنماط الإخضاع الّتي تمارسها السلطة، عبر إعادة تشكيل الذوات في حدود معيّنة. في نصوص متفرّقة، أعاد فوكو طرح هذا المصطلح من زاوية أخلاقيّة، فأشار إلى السلطة بوصفها “تسييرًا للذات” (conduire se)، من خلال الالتزام بقانون أخلاقي. ومع ذلك، فإنّ “علاقة السلطة مع الذات” الّتي تتضّمّنها الحالّتين (القيد وتسيير الذات)، قد تكون مختلفة بشكل كبير. يبدو أنّ ما يحدّد ما إذا كان “التذويت” بمنزلة “استقلاليّة” أو “قهر”، هو موقف الذوات من السلطة أو وجوه الاستدلال المتاحة ومنها الخيار الحرّ أو الخضوع التأديبيّ أو الاستسلام.
في عمليْه “المراقبة والمعاقبة” و “إرادة المعرفة”، يبيّن فوكو الطبيعة الإنتاجية للسلطة وكذلك الطبيعة الإنتاجية للمقاومة. وفي هذا السياق، تبدو صراعات المحاور الّتي تشهدها المنطقة العربيّة، مع ما يرافقها من عودة العصبيّات الدينيّة والعرقيّة وما تنتجه من خطاب، فضلًا عن تعامل السلطة مع خطاب الثورات وفق مبدأ القمع والتقييد أو التراخي قليلًا لامتصاص القوّة، مثالًا واضحًا عن وظيفة السلطة القمعية وهي الأكثر شيوعًا في التنظير السياسي. وإذا أردنا أن نصبح أحرارًا – وهذا ما يدعو إليه فوكو – يجب مقاومة هذه الآليات القمعيّة. إلّا أنّ الخطاب التحرّري، الّذي يطرح نفسه على أنّه بديل عن “الخطاب القمعيّ” – وهذا ما يحدث غالبًا – يسخّر إرادة المقاومة من دون وعي الذات بطبيعة “القمع”. وهكذا يعمل الخطاب التحرّري وفق آلية لامركزيّة، فيتبادل التموضع بين ثنائيّة “هيمنة\تحرّر”، من دون الاحتفاظ بالطبيعة الدلاليّة لمدلول “التحرّر”، ما يعني – بالمنطق الدريديّ أي وفق تفكيكيّة جاك دريدا وبروح نيتشويّة – أنّ الخطاب التحرّري هو خطاب سلطويّ يمارس هيمنته بأدوات الحريّة أو اللّيبيراليّة.
وفقًا لنظرية فوكو، تعمل السلطة في الجسد الاجتماعي بصورة ميكرو-فيزيائيّة إنتاجيّة عبر “التذويت”. وبإعادة “حوكمة الذات لذاتها” (Governmentality)، تتحوّل الذات من ذات خاضعة إلى ذات مقاومة. وظيفة السلطة هنا، أنّها تتيح مواقف معينة للذات أو إجراءات أو قدرات ذاتيّة كالتعبئة السياسية والتضامن والهوية المتبادلة، وإنشاء مساحات اجتماعية، وما إلى ذلك…
ويمكن اختزال الممارسات الخطابيّة الّتي تمارسها الذوات المهيمنة أو الضعيفة أي الخاضعة للهيمنة أو المراقِبة بمعنى الناقدة في النقاط الآتية:
– الصدّ والتحريم والحظر والمعصوميّة: تظهر هذه العملية، من خلال وضع حدود معيّنة لما تستطيع أن تعبّر عنه الذات سواءٌ أكان التحريم مؤقّتًا أي متعلّقًا بظروف معيّنة أم دائمًا أي محظورًا، وأكثر ما يعبّر عن هذه العمليّة التابوهات أو الموضوعات الممنوعة كالجنس والمثلية الجنسية. وتظهر هذه العمليّة أيضًا من خلال ما تصدره السلطة الدينيّة من أحكام وفقه، مثل تحريم مناقشة بعض الطقوس أو العقائد الدينيّة أو الفقهيّة أو تحديد بعض الامتيازات للذات المتحدّثة وتحريم ذات أخرى. أمّا في السياسة، فأبرز ما يوضّح هذه الممارسة الخطابيّة “الخطاب القضائيّ” (Legal Discourse). ففي ألمانيا، يُحظّر أي تقدير للعادات النازية مثل ترديد التحية النازية، بالقول “سيغ هايل” أو “هايل هتلر”، حسب المادة 86 (أ) من القانون الجنائي. ويمكن أن يواجه المذنب السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات إذا ثبتت إدانته. وتحظر المادة 86 (أ) من القانون الجنائي، أيضًا استخدام “رموز المنظّمات غير القانونية” خارج نطاق البحث العلمي. وبالرّغم من عدم وجود قائمة رسمية للرموز المحظورة بموجب القانون، فإنّ أيّ رمز يتعلّق بالنّازيين، بما في ذلك الصليب المعقوف ورمز سرب الحماية (المعروف أكثر بالحرفين “SS”) يمنع استعماله. كما من غير المسموح في ألمانيا ترديد المقطع الأوّل من “نشيد ألمانيا النازية الّذي يبدأ ب Deutschland, Deutschland über alles Über alles in der Welt))، وتعني “ألمانيا، ألمانيا فوق كلّ شيء، فوق كلّ شيء في العالم.” وعلى العموم، إنّ أيّ قوننة (Codification) للخطاب تنصّ على تحريم فئة معيّنة من الكلام أو ترسم حدودًا لحريّة التّعبير أو التصرّف، توضع تحت هذا النوع من الممارسات الخطابيّة.
– الرّفض والإقصاء: كتب فوكو عن “تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي”، مشيرًا إلى تغيّر تلقّي الذوات لهذا المفهوم مع تطوّر الحقب التاريخية؛ في البدء كان التعامل مع الجنون بنوع من التبجيل والاحترام، إذ كان الخطاب السلطوي الديني ينظر إلى الجنون بوصفه متّصلًا بالغيبيّات والقدرة على التنبّؤ بحقيقة مخفية أو بالمستقبل. أمّا في العصر الكلاسيكي فكان الجنون مرادفًا “لفقدان العقل”؛ فقد أصبحت الروح العقلانية مسيطرة في عصر الأنوار، لذلك أقصي المجنون وسلّطت عليه شتّى أنواع العذابات والقهر، حتّى أنّ الخطاب الدينيّ أصبح ينظر إلى الجنون كنوع من السحر والشعوذة. وهكذا اعتبر خطاب الجنون خطابًا فارغًا ولا قيمة له، فرفض وأقصي. وفي العصر الحديث، أثبتت الدراسات النفسية والعصبيّة أنّ الجنون مرض عقلي يجب علاجه كسائر الأمراض الأخرى. وجدير بالذّكر، أنّ هذه العمليّة توضّح “القطيعة الإبيستيمولوجيّة”، فالتاريخ ليس مترابطًا فيما بينه وإنّما هو مساق متقطّع، يتغيّر فيه الخطاب مع تطوّر المعرفة.
– إرادة المعرفة: الفيلسوف يوجّه “إرادة المعرفة” نحو “إرادة الحقيقة” (La volonté de vérité)، الفنّانون إلى “إرادة الخلق” (La volonté de création)، ورجال الأعمال يحقّقون هذه الإرادة “بالثراء وجمع الأموال”. إنّ “إرادة المعرفة” (La volonté de savoir)، ليست مجرّد عنوان المجلّد الأوّل من “تاريخ الجنسانيّة”، بل هي آلية سلطوية. وعلى أيّة حال، يأخذنا العنوان هذا مباشرةً إلى مفهوم نيتشه “إرادة السلطة” (der Wille zur Macht)؛ يدّعي فوكو أن كلّ النظريات السياسية السابقة وجدت نفسها عالقة في وجهة نظر ترى أنّ هناك حاجة “لقطع رأس الملك” في النظرية السياسية…إنّنا نتخيل السلطة – بمنظور ماركسيّ – على أنها شيء يمكن أن يمتلكه الأفراد، تفرض بشكل هرمي منظّم. يجادل فوكو بأنّ السلطة توجد في تفاعل الذوات مع الحياة، إنّها سلطة حيويّة (Biopower)، تندرج في إطار أوسع فيما يسمّيه فوكو “السياسة الحيويّة” (Biopolitics)، تهتمّ بتعزيز الحياة بدءًا من الاعتناء الصحّي بالسكّان وتنظيم أحوالهم الاقتصاديّة وتوفير أمنهم المائي والعذائي إلى ضمان حرياتهم وحقوقهم المدنيّة. وتعدّ اللّيبيراليّة الكلاسيكيّة واللّيبيراليّة الجديدة من أبرز الأنظمة السياسيّة الحيويّة.
– النقد وإعادة قراءة التراث-الخطاب: إنّ كلّ قراءة للتراث باعتباره خطابًا، تنطوي على رغبة ضمنية في تغيير العالم الّذي تتحرّك فيه الذات وتتوجّه إليه. وعندما نقول التراث-الخطاب (Tradition-discourse) يعني أنّ التراث يشغل مواقف متعدّدة (positions) في القراءة. ما يبرّر طرحنا لهذا المفهوم، عدّة عوامل تتمثّل في غياب تحديد دقيق لمفهوم التراث في المعجم العربيّ واشتمال أصل الكلمة في التراث الغربي على “الخضوع والاستسلام”. في الحديث عن التراث في النقد، عودة تأمّليّة تقوم بها الذات الحاضرة في علاقتها بماضيها. هذا الـتأمّل يكتنفه “هاجس أيديولوجي صريح أو ضمني” كما يقول الجابري، فنحن “لا نستطيع أن ننظر إلى موضوعات التراث، نظرة محايدة لا مبالية، فالهاجس الأيديولوجي حاضر فينا دومًا عندما نكون إزاء موضوع من موضوعات التراث”. على أنّ “هذا الدافع…يجب أن نعيه وأن نتصرّف على ضوئه بوعي، ذلك خير لنا ألف مرة من أن نغفله، فنتحدّث حديثًا أيديولوجيًّا ونحن نعتقد أنّنا براء من الأيديولوجيا.” ويسوّغ هذا المنظور، وقوف الذات العربيّة إزاء التراث بوصفه أنموذجًا لا خطابًا؛ فالأنموذج (Modal) يختلف عن مفهوم الخطاب ويعني أنّ ثمّة ما هو جامد راسخ ومرجع ومستفحل، لا يقبل النّقد أو التأويل. وقد كرّست هذه القراءات الإحيائيّة، الخطاب التكراري الّذي لم نعد بحاجة إليه. أمّا التراث-الخطاب، فيعني أنّ التراث ليس مجرّد نصوص أو أنساق ثابتة، بل بنى قابلة للتحوّل أي للقراءة، بوصفها عملية واعية في المقام الأول. كما أنّ البحث في الخطاب-التراث، هو بحث في سلطة التراث وخطاب هذه السلطة. وفي هذا السياق يقول جابر عصفور:..إنّه التضاد العاطفي الّذي تمارسه الذات العربية مع تراثها، الّذي يجعل من كل قراءة للتراث تعبيرًا عن أزمة تشعر بها الذات العربيّة، وتلتمس كلّ قراءة من التراث أن يقدّم لها حلًّا لهذه الأزمة، وهذا ناتج عن خلل العلاقة بين الذات المدركة وموضوعها المدرك.” وبطبيعة الحال، إنّ المنعطف النقدي الّذي حصل في مرحلة ما بعد الحداثة، لم ينضج بعد في المنطقة العربيّة. وربّما يعود ذلك إلى واقع الحريّات العامة والأكاديمية الضيّق في أغلب البلدان العربيّة، خصوصًا على المستوى “الدّينيّ”، في حين نلحظ أنّ الدراسات الفرنسية والأنجلو-ساكسونيّة في هذا المجال، مثل أعمال ميشال فوكو كانت ذات تأثير جذري في تخطّي الهيمنة المؤسّساتيّة الّتي يتمتّع بها التراث بتأسيس قراءة تحصر التراث في إطاره الزمني وتخضعه للمساءلة الدائمة المنتجة.
– المؤلّف–الوظيفة: غالبًا ما يشار إلى فوكو ومقاله “ما المؤلّف ؟” في تفسير إعلان بارت الشهير “موت المؤلّف”، إلّا أنّه ثمة اختلاف بين مقاربة الاثنيْن؛ في مقاربة بارت إزاحة كلّيّة للمؤلّف وإعلان مؤسّس لولادة القارئ أمّا في مقاربة فوكو تقليص من وظيفة المؤلّف على اعتبار أنّ لفظة “المؤلّف” معزولةً يمكن أن تشغل مساحة واسعة من الوظائف في دراسة الخطاب (Transdiscursive position). إلّا أنّه في المقاربتيْن إقصاء باعتبار المؤلّف “ذاتًا”، شكّلت البؤرة الّتي تمحورت حولها عملية تفسير العمل؛ في “موت المؤلف” أعلن بارت ولادة القارئ “ذاتًا جديدةً” باسم النصّ، الّذي انتقل من فضاء كاتبه إلى عالم القارئ. وقد ترافق الانتقال الأنطولوجيّ للنصّ انتقال للوعي التأويليّ أو التفسيريّ، إذ كانت الهرمينوطيقا مرتبطة بالمساحة الاجتماعيّة والسياسية والتاريخيّة والسيكولوجيّة الّتي يشغلها المؤلّف على اعتبار أنّ النصّ “مرآة” تعكس حياة المؤلف؛ باسم النصّ يقول الدكتور بدر مصطفى “ألغى إعلان بارت تأثير الذات الإنسانية الفاعلة، والّتي هي حصيلة التفاعل العام والشامل مع الوجود، وبذلك أصبح المنظور البنيوي للوجود لا علاقة له بكينونة الإنسان التاريخية والاجتماعية، بل بالعلاقات اللّغوية”. أمّا فكرة تحديد وظيفة المؤلف عند فوكو، فهي تعود إلى الأصل اللّاتينيّ للكلمة “auctor” المرتبطة بالمدلولات الآتية “الأبوّة، الصانع، المؤسّس، الداعي، المنتج، كاتب جدير بالثقة، سلطة”. لقد تتبّع فوكو مراحل تطوّر “المؤلّف” من الناحية الوظيفيّة، من المؤلف المنتج الى صاحب النصّ أي مصدره، أو سلطته بحدّ ذاته. ولعلّ الهدف من طرح مقولة “المؤلّف-الوظيفة” (Author-function)، هو تأكيد التخلّي عن فكرة المؤلف، لأنّه يحدّ من سلطة الخطاب من خلال مبدأ الهويّة. لقد أكّد فوكو في “أركيولوجيا المعرفة ” و “نظام الخطاب”، أهميّة التحليل انطلاقًا من التشكيلات الخطابية، من دون العودة إلى مؤلّفيها. وما لا شكّ فيه أنّ مقولتي (بارت وفوكو) تعكسان موقفًا من الذات (المؤلّف) الّتي ارتبط بها الوعي التفسيريّ لعقود طويلة.
– الفرع المعرفي: يقصد بالفرع المعرفي مجموعة الشروط الّتي تجعل من نظريّة ما، تنتمي إلى حقل معرفيّ. ويتحقّق هذه الانتماء من خلال استجابة هذه النظريّة إلى المعايير الواقعة ضمن الحقيقي الّذي يحدّده المعيار. وكما أظهرنا سابقًا، إنّ المعيار يحدّ من سلطة الخطاب مهما اختلف تصنيفه. يقول فوكو:”الفرع المعرفي مبدأ لمراقبة عملية إنتاج الخطاب، فهو يعيّن له حدودًا بواسطة لعبة الهويّة، الّتي تأخذ شكل بعث دائم للقواعد.” ولعلّ أبرز القضايا المتعلّقة بالفرع المعرفي وسلطة الخطاب، قضيّة “التطوّر الدرويني” الّتي يدور حولها سجال طويل يتراوح بين الرفض الكلّي والقبول.
وثمّة آليات توجّهها السلطة نحو الذوات بصورة جماعيّة من خلال تقليص عددها ومن هذه الآليات:
- جماعات الخطاب (Discourse Societies): تعمل على تضييق المساحة الّتي يتمّ فيها تداول الخطاب كالأسرار التكنولوجية والعسكرية والاقتصادية.
- المذاهب الدينية والسياسية والفلسفية (fellowships of discourse): تضع شروطًا ومعايير ونظامًا داخليًّا وقوانين وعقائد موجّهة إلى الذوات المنتمين للمذهب، وتكون مخالفتها انشقاقًا (Sect). ومن خاصيّة هذه السلطة أنّ الانشقاق عنها أو مقاومتها، يعني تأسيس خطاب آخر، تعمل السلطة المنشقّة فيه وفق آليات السلطة الأولى. في هذا النوع من الممارسات الخطابيّة، نستطيع أن نصف الخطاب كما لو أنّه جذمور (Rhizome)، يستطيع إنتاج ذاته حتى لو قطع (Rupture) (راجع ما هو «الجذمور» في فكر دولوز وغوتاري؟ مقالة مترجمة في منصّة معنى.)
- التملّك الاجتماعي للخطابات (social appropriations of discourse): يقصد بالتملّك الاجتماعيّ أن تتولّى مجموعة مهيمنة استخدام عنصر اجتماعيّ كوسيلة للربح كاستثمار رأس المال الثقافي في تحقيق منفعة الجماعة المهيمنة. ويجب فهم “التخصيص الاجتماعي” هذا، من حيث ديناميكيّات السلطة الّتي تحدّد الواقع المادي ووجودنا فيه. وتعتبر التربية والتعليم، بمنزلة الوسيلة الماديّة للتملّك الاجتماعي، لأنّها بطبيعة الحال وسيلة لنشر اقتصاد المعرفة، وحيث تتركّز المعرفة تنشأ السلطة.
وعلى غرار فلاسفة ما بعد الحداثة، يتعرّض فوكو للنقد سواء على مستوى اللّغة الّتي يكتب بها أو الرؤية الفلسفيّة؛ وبلا شكّ، إنّ كتابات فوكو هي تلميحات وقد تعارض بعضها بعضًا بنوع من المفارقة (paradox)، خصوصًا في مسألة المقاومة، ما يعني أنّ فوكو أعاد صياغة بعض المفاهيم. يرى بعض نقاد فوكو بأنّه يفترض الضرورة النظرية للمقاومة ضمن أي وجود مفترض للسلطة، لكنّه فشل في تقديم أمثلة ملموسة لما تبدو عليه المقاومة كممارسة فعليّة.
في نقد فوكو، سوف أركّز على اثنين فقط من الاعتراضات الفلسفية الّتي يتمّ توجيهها لمسأـلة التذويت. يرى بعض النقاد بأنّ موضوع السلطة لدى فوكو يفتقر إلى فكرة الفاعليّة (Agency)، وتاليًا القدرة على مقاومة تأثيرات السلطة الـسياديّة وحتّى الـتأديبيّة. وفي المنطق التنظيري، لا يمكن مقاومة سلطة سائدة أو قوة قمعيّة إلّا من خلال أن تقف الذات خارج نظام السلطة. الفاعليّة، في هذه السياق، هي القدرة على التصرّف نيابة عن الفرد، وبالاعتماد على المعتقدات والرغبات الّتي تخصّه أو الّتي اتّفق عليها، ولكن إذا كانت هذه المعتقدات والرغبات هي نتاج السلطة الّتي يريد المرء أيضًا معارضتها، فإنّ الفاعليّة ستكون مستيحلة وتاليًا المقاومة.
يبدو أن فوكو كان محقًّأ في أنّ أشكال السلطة الّتي يحتاج مواطنو الديمقراطيات اللّيبراليّة فهمها، لا تقتصر على إساءة استخدام السلطة السيادية (sovereign power)، بل تشمل حالات أكثر دقة للسلطة التأديبية (disciplinary power)، والّتي تعد بمزيد من الحريّة بدون تحديد ثمنها الخاص. في اعتراض ثانٍ وثيق الصلة بالتذويت، غالبًا ما يتهمّ فوكو بعدم اختياره معيارًا ما أو قيمة من القيم المتنافسة، للدفاع عن التغيير الاجتماعي. فإذا كانت الجينيالوجيا مجرّد آداة للوصف، إذًا لن تقدر أن تحدّد أيّة علاقة من علاقات السلطة هي الأكثر قمعًا أو ضررًا أو لا عدالةً.
في الردّ على هذين الاعتراضين، أرى أنّ الهدف من جينيالوجيا فوكو هو إبراز أنّ تصوّراتنا المشتركة عن استقلاليتنا المتزايدة، وتغلّبنا على القمع، ومسيرتنا التدريجيّة نحو التحرّر، هي طرق للتفكير في ذاتيتنا إلّا أنّها متّصلة بجذور تاريخيّة موجّهة بتكوين معيّن من السلطة. لا يمكن للجنيالوجيا أن تسرد الأنماط الخاصّة، الّتي من شأنها أن تجعلنا غير أحرار مقابل تلك الّتي تحرّرنا. بدلاً من ذلك، يزوّدنا فوكو بممارسة تتّخذ من خلالها الذات الحقّ في “وصف” ذاتها. يقول:”إذا كنت مهتمًا الآن بكيفية تكوين الذات لنفسها بطريقة نشطة من خلال تقنيات الذات، فإنّ هذه التقنيات مع ذلك ليست شيئًا اخترعه الفرد نفسه. هي نماذج يجدها في ثقافته، موحى بها ومقترحة وتفرضها عليه الثقافة والمجتمع والفئة الاجتماعية.”
هل يعني أنّ فوكو يرفض فكرة الاستقلاليّة ؟ لكي نكون منصفين، لا يرفض فوكو فكرة “الاستقلاليّة” ولكنّه ينطلق من أنّ الفرد هو بناء اجتماعي، فلا يمكن أن يكون موضوعًا مستقلًا أي لا يوجد نوع من “الطبيعة البشرية الأصيلة قبل-اجتماعية” الّتي يمكن أن يكون فيها الفرد ذاتًا فاعلة مقاومة لأشكال الهيمنة. من هنا يمكن القول “إنّ فوكو يرفض فكرتي “الاستقلاليّة والفاعليّة” من العدم (Ex Nihilo)، ويؤكّد أنّهما يتحقّقان في المجتمع”. وإذا كانت “الفاعليّة” هي قدرة الذات على التصرّف في أيّ بيئة معيّنة، يعني أنّ مقاومة الذات وتحقيق استقلايّتها لا بدّ أن تنطلق من مبدأ “الحريّة”. يقول فوكو:”تُمارس السلطة فقط على الذوات الحرّة، وبقدر ما تكون حرّة. نعني بهذا، الذات بصورة فردية أو جماعية الّتي تواجه مجالًا من الاحتمالات تتوفّر فيه عدّة اتّجاهات من السلوك، وعدّة طرق للتفاعل وعدّة أنماط من السلوك.”
إثيقيا الذات وإستيطيقا التكوين الذاتي
يفصل فوكو بين الأخلاق (Moral) وبين الإثيقيا (Ethics)، وذلك انطلاقًا من تمييزه بين الداخل والخارج؛ فيعدّ الأخلاق مجموعة من القواعد (Grammar) والأوامر والنواهي مقترحة على الأفراد والجماعات بوساطة أجهزة فارضة مختلفة، مثل العائلة والمؤسسات التربوية والكنيسة والجوامع، أي منظومة القيم الّتي تنصبّ في مستوى الشخصية المؤسّساتيّة في المجتمع. أمّا الإثيقيا فهي مشروع مقاومة أو النشاط الذاتي الّذي تشكّل من خلاله الذات كيانها الأخلاقي، والّذي لا يمكن اعتباره مقدَّمًا، لأنّه أكثر تجاورًا وقربًا من الذات المقاومة، من كل ما يمكن أن يضاف إليها قسرًا أو طوعًا من الأخلاق.
في إثيقيا فوكو، نحن مدعوون إلى رسم أفق جديد للتاريخ، يجعلنا قادرين على مراجعة مواقفنا بشكل نقدي، وأن نحتفي بتجربة الاختلاف؛ الأركيولوجيا والجينيالوجيا يشكّلان معًا وحدة عضويّة “تعزّز الانفتاح على الآخر، الخارج … تثبت أنّنا اختلاف، وأن أسبابنا هي اختلاف الخطابات، وتاريخنا هو اختلاف الأوقات، وذاتيتنا اختلاف الأقنعة. هذا الاختلاف، بعيدًا عن كونه الأصل المنسي والمسترد، هو هذا التشتّت الّذي نقوم به ونصنعه.”
لقد أسّس فوكو لإيثيقا (Ethics) باعتبارها تكوينًا ذاتيًّا، نمّ عن رغبة لديه في خلق قواعد ذاتيّة (Grammar of subjectivity) في مقابل قواعد الموضوع (Grammar of Objectivity) الّتي غالبًا ما تمارسها السلطة السياديّة على الذات. تسمح هذه القواعد بتغيير حرّ لنمط وجود الذات في علاقتها مع ذاتها وعلاقتها مع الآخر. مهمّة الإنسان إذًا إبداع قواعد سلوك تتوافق مع المعايير الجمالية، تخرق الأفق الضيّق، تضفي قيمةً على قيم الحياة والوجود وتجعلهما موضوعًا للمعرفة والفنّ والجمال.
إن رهان فوكو حول الجنس أو الجنون أو أيّ خطاب من الخطابات المقموعة أو المهمّشة، لا يتعلّق بالاعتراف بالخطاب المقموع كما لو أنّ البوح به هو الإقرار الكاشف عمّا نحن عليه أي على حقيقة راسخة في الذات أو الذات كحقيقة راسخة. فهذا المنظور المسيحي-القروسطي والفرويديّ، بأنّ ثمّة شيء مقموع ينبغي تحريره، يخالف منطلقات فوكو ويردّنا إلى المنطق الديكارتي، حيث يصبح الإنسان على حدّ تعبير فوكو “حيوان اعتراف” (Confessing Animal).
في المقابل بؤكّد فوكو على رغبته في أن يكون التحرير “حكوماتيّة”، وانشغالَا مستمرًا بالحقيقة. “دوري”، يقول فوكو:”وهذه كلمة مؤكّدة للغاية -هو أن أظهر للنّاس أنّهم أكثر حريّة مما يشعرون به… لتغيير شيء ما في أذهان النّاس- هذا هو دور المثقّف.”
ممّا تقدّم، يوفّر لنا مبحث “الذاتية”، مساحةً لنقد راديكاليّ لميتافيزيقا الذات يعبّد الطريق لاقتصاد جديد لعلاقات المعرفة والسلطة. ولا يطرح التناهي أي الاقتطاع المعرفي هنا، على أنّه حدّ للمعرفة وتاليًا للسلطة، “بل هو الّذي يعيق ويعقّد، في الوقت الّذي تكون فيه النهاية في واقع الأمر بداية جديدة.”
المراجع:
– Foucault, Michel.
- What is an Author?. The Open University.
- L’ordre du discours. Paris: Ed. Gallimard.
- The Archeology of Knowledge. New York: Pantheon Books.
- Je suis un artificier. Roger-Pol Droit, Michel Foucault, entretiens : Paris.
- La volonté de Savoir. Paris: Ed. Gallimard.
- Discipline and Punish. New York: Vintage Books.
- The History of Sexuality Volume I: An Introduction. New York: Vintage Books.
- 1980. Power/Knowledge. New York: Pantheon Books.
- The Subject and Power: The University of Chicago Press.
- The History of Sexuality, Volume II: The Use of Pleasure. New York: Vintage Books.
- The Care of the Self. New York: Vintage Books.
- “The Political Technology of Individuals” in Technologies of the Self, edited by Luther Martin et al. Amherst: Massachusetts University Press.
- “Governmentality” in Essential Foucault, edited by Paul Rabinow. New York: The New Press.
- “The Ethic of Care for the Self as a Practice of Freedom” edited by James Bernauer and David Rasmussen. Cambridge: The MIT Press.
- “Society Must Be Defended” in Ethics, Subjectivity, and Truth, edited by Paul Rabinow. New York: The New Press.
- The Birth of Biopolitics. New York: Palgrave Macmillan.
– Allen, A. 1999. The Power of Feminist Theory: Domination, Resistance, Solidarity. Amsterdam: SWP Publishers.
– Allen, Barry. 1998. “Foucault and Modern Political Philosophy” in The Later Foucault: Politics and Philosophy, edited by Jeremy Moss. London: Sage Publications.
– Balibar, Étienne. 1994. “Subjection and Subjectivation” in Joan Copjec, ed., Supposing the Subject. London: Verso.
– Davidson, A. 1994. “Ethics as Aesthetics: Foucault, the History of Ethics, and Ancient Thought”. In The Cambridge Companion to Foucault, G. Gutting (ed.), 1 15–40. Cambridge: Cambridge University Press.
– Fraser, N. 1989. Unruly Practices: Power Discourse and Gender in Contemporary Social Theory. Cambridge: Polity.
– Gutting, G. 2005. Foucault: A Very Short Introduction. Oxford: Oxford University Press.
– Hartsock, N. 1990. “Foucault on Power: A Theory for Women?” In Feminism/ Postmodernism, L. Nicholson (ed.), 157-75. London: Routledge.
– Kelly, Mark G. E. 2013. Foucault, Subjectivity, and Technologies of the Self A Companion to Foucault. 510-525. 10.1002/9781118324905.ch26.
– Patton, P. 1998. “Foucault’s Subject of Power”. In The Later Foucault: Politics and Philosophy, Moss (ed.), 64-77. London: Sage publication.
– Fisher, Walter R. 1987. Human Communication as Narration: Toward a Philosophy of Reason, Value, and Action. Columbia: University of South Carolina Press.
– Fisher W.1989. Clarifying the narrative paradigm: Journal Communication Monographs Volume 56, DOI: 10.1080/03637758909390249
– Fillion, R. 1998. Foucault on History and the Self: Laval théologique et philosophique, 54 (1), 143–162. DOI: 10.7202/401139ar
– Sheridan, Alain.1980. Discours, Sexualité et Pouvoir : Editeur Bruxelles, Initiation à Michel Foucault, Ed. Pierre Mardaga.
– Taylor, C. 1984. “Foucault on Freedom and Truth”: Political Theory 12(2): 15 2-83.
– Taylor, Dianna. 2011.”Subjectivity and power” by Cressida J. Heyes. Durham: Acumen Publishing Limited.
– Salazar, Philippe-Joseph. 2018. The Alt-Right as a Community of Discourse, Javnost – The Public, 25:1-2, 135-143, DOI: 10.1080/13183222.2018.1423947
– Garrity, Zoë. 2010. Discourse Analysis, Foucault and Social Work Research. London: Sage Publication, DOI: 10.1177/1468017310363641
– فوكو، ميشال: هم الحقيقة، ميشال فوكو (يحاوره فرانسوا إيوالد)، ترجمة مصطفى المسناوي، مصطفى كمال، محمد بولعيش، منشورات الإختلاف، تاطبعة الجزائرية الأولى، 2006، ص114.
– بيومي عبدالسلام، مصطفى: إشكالية قراءة التراث. نشر في حريات يوم 25 – 04 – 2015.
– الجابري، محمد عابد، مواقف، العدد 21، دار النشر المغربية، ط1، 2003.
– ميشال، جوهان صناعة العلوم الإجتماعية “من أوغست كونت إلى ميشال فوكو “، دار الروافد الثقافية، ط1، 2020.
– ثمة شرح لمقولة “موت المؤلّف” قدّمه الدكتور بدر الدين مصطفى في سياق معالجته لإشكاليّة “هل كان ميلاد القارئ رهينًا بموت المؤلف؟” نشر على موقع منصة معنى على الرابط التالي: موت-المؤلّف https://mana.net/
– ثمّة مقال منشور في موقع “DW” تحت عنوان: الإرث النازي الثقيل في ألمانيا…كيف التعامل معه؟ الرابط: https://p.dw.com/p/2xBzm