يتخّذ الوجه موضعًا مركزيًا في جسد الإنسان، ويمثّل انعكاسًا لمشاعره وأفكاره وكل ما يجول في عالمه الداخلي، كما يتخذ أبعادًا مجازية أخرى ترمز إلى الذات والهوية، ويظهر ذلك جليًّا في عبارات مختلفة مثل: تقابلا وجهًا لوجه، قالها في وجه فلان، أغلق الباب في وجه فلان، ابيضَّ/اسودّ وجه فلان، أشاح بوجهه عن فلان، أراق/صان ماء وجهه، وغيرها. إذ لا تشير كلمة «الوجه» في العبارات السابقة إلى ذلك الجزء العلوي والملموس من الجسد فحسب، بل إلى الجانب المعنوي كذلك، بشكل يعكس مكانة الشخص أو نظرته لذاته، كالشعور بالكرامة والفخر والاحترام. بالإضافة إلى ذلك، تعكس هذه العبارات التي تتمحور حول الوجه الأشخاص في ظروف وعلاقات متباينة مع بعضهم مثل التواصل أو المواجهة أو الدفاع أو الشعور بالاحتقار أو العار أو الخوف، مما يضفي على الوجه مكانة مهمة ترتبط بجوهر الذات وعلاقتها مع الآخر بشكل مباشر.
يُعدّ الوجه من أكثر المفاهيم التي تميّز أفكار الفيلسوف اليهودي الليتواني الأصل الفرنسي الجنسية إيمانويل ليفيناس؛ وهو واحد من أهم فلاسفة القرن العشرين، والمعروف بجداله المتعمّق في فلسفة الأنا والآخر، خصوصًا فيما يتعلق «بالإيتيقا الغيرية[1] »، كما أنه صاحب تأثير واسع في فلسفة ما بعد الحداثة في العالم الغربي وحتى العالم الإسلامي.[2] ولا يُقصد في الوجه عند ليفيناس ما اجتمع من جبهة وعينين وأنف وفم فحسب، بل يتعدّى ذلك إلى منظور جديد يفتح من خلاله تصوّرات لانهائية عن الذات والهوية، فيقول: « لا يعكس الوجهُ التكوينَ الإنساني وهو في حالة انغلاق واكتمال في حضرة الآخر، بل إنه يفتح هذا التكوين على عمقه ويضفي عليه بعدًا شخصيًا في نفس الوقت».[3] وعليه، يتعمّق ليفيناس في مفهوم الوجه ليعبّر عن فلسفة الماوراء؛ أي المعنى الذي يكمن وراء كل ما ظهر أو أبداه الإنسان للآخر؛ فعلى الرغم من تكشف الوجه وظهوره، فإنه يرمز إلى كل ما خفي ولا يمكن احتواؤه واستيعابه. كما يعتقد ليفيناس أن ما يعكسه الوجه من مشاعر ونظرات يعتبر لغة أخرى لا تقلّ أهمية عن لغة الكلام التي نستخدمها، مما يجعله خطابًا قائمًا بحدّ ذاته، «فالوجه هو الذي يبدأ كل خطاب، وكل إمكانية للخطاب، بما فيه ذلك الذي يعبر عن المسؤولية التي ستقوم عليها العلاقة الأساسية بين الأنا والآخر»[4].
والوجه إذا لم يُغطّى أو يُقنّع، جريء في عريّه وانفتاحه على الآخر، وهو كما يراه ليفيناس حاضر دون حاجة لسياق محدد يُمثّله، وقائم بحد ذاته دون أن يعتمد على الآخر ليسبغ عليه هدفًا ومعنى. ومع ذلك، لا يحقّق الوجه غاية الخطاب إلا في حضور الآخر، والوجه إذا ما كان صامتًا أو مغطّىً فبعيد ومنطوٍ على ذاته، لكن الكلام مع الآخر هو الذي يشرع إمكانية الخطاب، وبذا يحمل الوجه خطابًا بحدّ ذاته ومسؤولية التواصل مع الآخر، ويضفي عليها بعدًا أخلاقيًا أساسيًا كما يعتقد ليفيناس.
لكن، هل هناك دوافع أخرى لتغطية الوجه؟ إذا ما كان الوجه في انفتاحه على الآخر وانكشافه يخفي الكثير مما لا يمكن إظهاره كما يرى ليفيناس، فما الذي يكشف عنه الوجه في حال تغطيته كليًّا أو حتى جزئيًّا؟ وكيف تتخّذ المسؤولية الأخلاقية التي يصفها ليفيناس حول علاقة الوجه بالوجه منحىً آخر في هذه الحالة؟
الوجه والقناع
الوجه مستقل وقائم بحد ذاته كما يقول ليفيناس، أمّا القناع فيقتضي ضمنيًا وجود الوجه[5]. وعليه، تعكس الوجوه باستقلاليتها أشخاصًا مختلفين، أما القناع على اختلاف أشكاله فيكتسب مفهومه ومعناه من ارتباطه بأصل واحد وهو الوجه. أي يمكن لشخصين مختلفين أن يصيرا متطابقين إذا ما وضعا القناع ذاته، لكنّ الوجه المُجرّد هو ما يفتح احتمالات لانهائية من التعدّد والاختلاف. بل يمكن الذهاب في هذا الجدال بعيدًا والقول إن الاختلاف ليس بين الناس فحسب، بل يمكن أن يطال الشخص ذاته ونزعته لازدواج الهوية أو حتى تعدّدها. وإذا ما كان ليفيناس يرى في تركيزه على الوجه مرآة للآخر، فإن هذا يدفعني للتساؤل إذا ما كان هذا الآخر دائمًا أمامنا وليس شخصًا آخر نحمله في داخلنا؟
وعلى الرغم من تعدّد الأشكال والأغراض من وراء ارتداء القناع عبر العصور، كالأغراض الدينية والمسرحية والسياسية والطبيّة[6]، فإن ما يجمع بين هذه الأغراض كلّها هو أنّ القناع – على خلاف اللثام والكمامة- يُغطّي الوجه كاملًا، ممّا يجعل ممّن يضعه شخصًا آخر غير الذي يبدو عليه، لكنه أيضًا يحصره في ذلك الشخص/ الدور.
كما يتخّذ القناع أبعادًا فلسفية عميقة، تتعدّى فكرة القناع المادّي الذي يضعه الشخص فوق وجهه. إذ يطلق عالم النفس السويسري كارل يونغ على ذلك الجزء الاعتباطي من النفس والظاهر أمام الآخرين لقب «البيرسونا/ Persona»، وهو مصطلح يعني «القناع /Mask» باليونانية؛ ويُقصد به القناع الذي يرتديه الممثّلون في المسرح لتأدية دور معيّن. يرى يونغ أنّ «البيرسونا» هي «قناع اللاوعي الجمعي، قناع يدّعي الفردانية، يخدع من يضعه كما يخدع الآخرين من حوله ليصدّقوا أنه فرد واحد، ولكنّه في الحقيقة يُمثّل دورًا تتكلّم النفس الجمعيّة من خلاله».[7] وبمعنى آخر، فإن البيرسونا ليست وجهًا حقيقيًا، إنها بالأحرى اتفاقية يوقّعها الشخص مع المجتمع، تتضمّن وصفًا وبنودًا للشخصية التي يمكنه أو يُسمح له بأن يكون عليها، واهمًا بأنها تكسبه صبغة فردية، إلا أن هذا القناع، كما يعتقد يونغ، ليس خلاصة التجارب الفردية وحدها أو ما يعرف بـ «اللاوعي الفردي» المُختزن في ذاكرة الإنسان وحده فحسب، بل هو أيضًا حصيلة التجارب الجمعية من ثقافة وأساطير وحكايات شعبية مختزنة في ذاكرة الإنسانية بأكملها. ومن هنا، يمكن القول إن يونغ يتّفق مع ليفيناس من حيث المبدأ؛ فالوجه رغم تميّزه وتفرّده كعلامة فارقة للفرد وحده، يعكس في الوقت نفسه احتمالات متعدّدة؛ إنه مرآة الآخر الذي يذكّرنا باللاوعي الجمعي المختزن فينا.
إن الوجه بانفتاحه على أدوار متعددة رحلة عبور نحو الآخر، وخروج من دائرة التمركز الذاتي الضيقة. واستنادًا على هذه الرؤية، يرى ليفيناس أنّ انفتاح وجه الآخر بمثابة دعوة للصدق والتعايش، ورغبة في التواصل والحوار ونبذ العنف. الدعوة التي تأخذ حيزًا في تلك المسافة الفاصلة بين وجهين، والتي تعتبر ضرورة في علاقة الوجه بالوجه، وقوامها الإيمان بضرورة الانفتاح والانفصال والتشابه والاختلاف في الوقت ذاته. علاقة قد تفسدها محدودية الأقنعة وتضاؤل تلك المسافة الفاصلة التي تحمل عبء العلاقة المشتركة بين شخصين، وانعدام الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الآخر كما يعتقد ليفيناس.
الوجه واللّثام
اللّثام هو ما يوضع على الأنف وما حوله من طرف ثوب أو نقاب كيلا يدخل الغبار إلى مجرى التنفّس، ولِثام المرأة هو الحجاب والنّقاب. ولم ينحصر ارتداء اللثام عبر العصور بغرض الحماية من الظروف المناخية القاسية، بل اتّخذ جوانب اجتماعية ودينية وسياسية مختلفة، نظرًا لقدرته على إخفاء هوية من يرتديه.
وتتعدّد الأغراض من وراء وضع اللثام، وتتراوح بين النبل والخديعة. فاللثام الذي يضعه الثوّار الأحرار لحماية أنفسهم، يضفي على الوجه المُلثّم أبعادًا أخرى مثل العصيان والتمرّد والشجاعة والنّضال (كالكوفية التي تعتبر رمزًا للفدائيين والثورة الفلسطينية على سبيل المثال). وفي الوقت نفسه تستخدم الجماعات الإرهابية وقوات المرتزقة اللثام بإضافة شعار الحركة التي ينتمي الأشخاص إليها أحيانًا، كما يتلثّم اللصوص وقُطّاع الطرق أثناء القيام بعمليات السطو المسلّح، الأمر الذي يصعب بسببه حصر اللثام في دور وغرض محدد.
أمّا مؤخّرًا، فقد أعاد انتشار فيروس «كورونا» ظاهرة اللثام القديمة في بعض بلدان المغرب العربي مثل موريتانيا. إذ قديمًا عُرف المرابطون الذين كانت لهم في شمال إفريقية والأندلس دولة بالملثّمين.[8] كما يعتبر اللّثام ظاهرة قائمة ومميّزة لشعوب الصحراء، مثل شعوب الطوارق في صحراء المغرب العربي، وقد كان عالم الاجتماع ابن خلدون قد وصفهم في مقدمته الشهيرة وأطلق عليهم اسم «صنهاجة المُلثّمين»[9]،وليست طبيعة المناخ من حرارة وغبار ما تفرض عليهم ارتداء اللثام فحسب، بل يُعتبر ارتداؤه احترامًا لعادات الحياء الاجتماعي الراسخة منذ مئات السنين. وعليه، يرافق اللثام صاحبه ليلًا نهارًا، بحيث يصبح جزءًا لا يتجزأ من شخصيته وهويته، ويرُى في نزعه عارًا وقلّة حياء. وخلافًا لنساء الطوارق اللاتي لا يغطين وجوههن، بل ويخرجن حاسرات الرأس أحيانًا، فإن ظاهرة تغطية الرجل لوجهه (أنفه وفمه) تتخذ أبعادًا جندرية مثيرة للاهتمام، وعدم تغطية المرأة الطارقية لوجهها – خلافًا للنساء في بعض ثقافات الشرق ممّن يرتدين النقاب أو البرقع- يرتبط بعلوّ مكانتها في مجتمعها كذلك. إذ يصف الرّحالة الشهير ابن بطوطة المرأة الطارقية قائلًا: «هم قبيلة من البربر لا تسير القوافل إلا في خفارتهم، والمرأة عندهم في ذلك أعظم شأنًا من الرجل»[10].
وفيما يرتبط مفهوم تغطية الوجه بالحياء والحشمة على اختلاف العادات والاعتقادات الدينية، يُرجع ليفيناس الرغبة الملحّة للتغطية إلى الشعور بالعار؛ وهو شعور خارجي ينجم عن الانكشاف والتعرّي أمام الآخر: « يتولّد لدينا الشعور بالعار في كل مرة نعجز فيها عن تغطية عُريّنا أمام الآخرين. إنه شعور مرتبط بكل شيء نودّ أن ندفنه أو نغطيه»[11]. إنّ تلك الأجزاء من الوجه التي يغطيها اللثام هي أكثر الأجزاء انفتاحًا وعرضة للآخر، ولذا تضحي عملية التغطية انغلاقًا على النفس وحماية لها مما يمكن أن يظهر منها فيكشف هوية صاحبها، وحجابًا حاجزًا، أو مسافة أمان تفصل الكلام عن الخروج دون التأنّي والتفكير، وما يعقبه من الشعور بالندم أو الفضيحة.
وعندما يغطّي اللثام الفم أو الأنف وما حوله تاركًا العينين مكشوفتين، تتخذ الرؤية نحو الوجه أبعادًا مختلفة في هذه الحالة، فتصير العينان بمثابة الوجه الجديد وينصبّ جل تركيزنا واهتمامنا عليهما. وفي المقابل، تفتح رؤية وجه الآخر كاملًا احتمالات لامتناهية لتلك المشاعر والأفكار التي تختفي وراءه. فليست التغطية حجبًا لعملية التواصل وتشويشًا لأي معنى ظاهر أو محتمل الظهور فحسب، بل أنها تؤثّر على ديناميكية الحوار فتحصرها وتحيلها أحادية الجانب. فالمُلثّم يسعى لسلب الآخر احتمالية الوصول إلى المعنى الذي يتضمّنه الوجه، «فالإنسان – عند ليفيناس- لا يُعرف من خلال شكل أنفه، عيونه، جبهته، ذقنه، وإنما من الإشارات العضويّة التي تظهر على سمات وجهه كاملًا، مما يعني انفراد الوجه عن الأصناف العامة للجسم بعضوية المعنى الذي يتضمنه». إن فكرة سلب المعنى التي يحملها المُلثّم هنا ليست بعيدةً في الواقع عن عملية السّلب التي ينفّذها اللصوص وقُطّاع الطرق المُلثّمين بغرض إخفاء هويّتهم. في هذه الحالة، يكشف المُلثّم من خلال فعل التغطية جانبًا من الأنانية في التعامل مع الآخر، بدلًا من الانفتاح والوضوح، وكل عناصر المسؤولية الأخلاقية التي تستدعيها علاقة الوجه بالوجه، تبعًا لوصف ليفيناس.
الوجه والكمامة
أضحت الكمامة -بأشكالها وألوانها المتعددة- وجه العالم الحديث في ظلّ الجائحة. وبعد أن اُعتبر ارتداء الكمامة إجباريًا وفرضت بعض البلدان غرامة على من لا يتقيّد بارتدائها، صارت الكمامة مشهدًا يوميًا واعتياديًا على وجوه الآخرين في الأماكن العامة. والمفارقة هنا أنّ الكمامة قد أربكت عنصر المسؤولية الأخلاقية القائمة على علاقة الوجه بالوجه التي يصفها ليفيناس. إذ بدلًا من أن ننظر إلى تغطية الوجه على أنها أنانية وسلب للمعنى الحاضر في وجهي ووجه الآخر كما ذُكر سابقًا، اتّخذت التغطية مسؤولية أخلاقية على مستوى مختلف تمامًا، واعتُبر من يرفض ارتداءها عديم المسؤولية ومتمرّدًا أو مخالفًا للقانون. ونظريًا، انقلبت معايير الأنانية التي يتحدّث عنها ليفيناس، فصحيح أنني أسلب الآخر فرصة الوصول إلى المعنى في حال تغطيتي لوجهي، لكنني في نفس الوقت أسعى للتخفيف من شعوره بالخوف من خطر العدوى، كما أمنحه وأمنح نفسي بعضًا من الحماية.
ومع ذلك، مازال مفهوم الشعور بالعار الذي ربطه ليفيناس بالتغطية قائمًا باعتقادي. عمليًا، تحوّل الآخر المُكمّم إلى تجسيد لوباء محتمل، ومصدرًا للخطر إذا ما كان حاملًا للفيروس وناقلًا له، وعليه ينبغي أن يُلاحق ويُحجر ويُسيطر عليه في تحرّكاته، كما ينبغي نبذه وعزله إلى حين أن يثبت شفاؤه أو أن يموت في خوف وعزلة. ومنذ بداية الجائحة لم تنتشر ثقافة معايرة المصابين بفيروس «كورونا» فحسب[12]، بل امتدّت لشعور المصابين أنفسهم بالعار والتهديد والخوف وكأنه ذنب اقترفوه، خاصة الأطفال الذين تُمثّل الجائحة بالنسبة لهم شبحًا مرعبًا يفوق إدراكهم. ويرى ليفيناس أن الشعور بالعار يرتبط بالتغطية لأنه نابع من مصدر خارجي، ومن جهة أخرى فإنه ينظر إلى الشعور بالذنب باعتباره رحلة داخلية يخوضها الفرد وحده كرد فعل للعار الخارج عنه أو عن سيطرته[13].
إن ما يميّز الوجه المُجرّد عن الوجه المُكمّم هو أن الأول يغطّي الكثير عن طريق الكشف، فيما يكشف الثاني عن الكثير عن طريق التغطية. إذ تكشف الكمامة، رغم تغطيتها لجزء من الوجه، إما عن الخوف من الإصابة وبالتالي الرغبة في الحماية، أو عن الإصابة بالفيروس وبالتالي الخوف من نقله إلى الآخرين. لكنها في كلتا الحالتين تكشف عن ارتباط الذات بالآخر ارتباطًا عميقًا يعكس المسؤولية الأخلاقية؛ العنصر الأساسي في فلسفة ليفيناس. ويمكن القول كذلك إن الكمامة في عصرنا الحالي ما هي إلى تذكير بالمحدودية التي تعيق محاولات فهمنا للآخر، فالوجه المُجرّد وما يحمله من معنى هو مجرد عتبة للباب نحو التواصل مع الآخر ومحاولة فهمه، ولا يعني ذلك أننا قادرون دائمًا على الدخول إليه بصرف النظر عن انفتاحه أو تغطيته. الكمامة هي مجرّد قناع آخر يذكّرنا في مقدار المسؤولية والجهد الذي ينبغي أن نبذله لنسقط الأقنعة ونتواصل ونتفاهم مع الآخر بشكل فعليّ.
ورغم الراديكالية التي تقوم عليها هذه الفلسفة وتتلخّص في مبدأ بذل الذات من أجل حمل المسؤولية تجاه الأخر، حيث يؤمن ليفيناس بأنّ «الذات موجودة من أجل الآخر» وأن «تكون يعني ألا تستطيع أن تهرب من مسؤوليتك تجاه الآخر»،[14] إلا أن نظرته الطوباوية تركّز على الانفتاح على وجه الآخر ولا تقوم على «التبادل». وبمعنى آخر، إن مسؤوليتي تجاه الآخر لا تعفيه من مسؤوليته تجاهي أيضًا. وشخصيًا، لا أرى عدلًا في أن يحمل الشخص على عاتقه مسؤولية الآخر، فيما يُآثر الآخر أن يتحمّل مسؤولية نفسه لا غير، ونظرة كهذه تقودنا إلى عالم مختلّ، يفتقر إلى التوازن وأفراده مهدّدون بالهلاك.
[1]بالفرنسية Éthique و Ethics بالإنجليزية وترجع إلى مصطلح ethos باليونانية؛ وتعني طريقة الحياة. وهي فرع من فروع الفلسفة تتمحور حول المبادىء الأخلاقية وتصرفات البشر واختياراتهم.
[2] انظر/ي <<إيمانويل ليفيناس فيلسوف الغيرية البنّاءة>>، مجلة الاستغراب – عدد شتاء 2018/ علي قصير.
[3] Levinas, Emmanuel. Difficult Freedom, Essays on Judaism, 1997.
[4] Levinas, Emmanuel. Ethics and Infinity- Conversation with Philippe Nemo, 1995.
[5] Levinas, Emmanuel. Basic Philosophical Writings, 2008.
[6] انظر/ي Mask – The wearing of masks
[7] Jung. C.G. The Collected Works of C. G. Jung, Vol. 7: Two Essays on Analytical Psychology, 1972.
[8] المرابطون أو المُلثَّمون: سلالة بربرية أمازيغية حكمت في موريتانيا وغرب الجزائر والأندلس. انظر/ي مرابطون
[10] انظر/ي رحلة ابن بطوطة: تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار.
[11]Levinas, Emmanuel. Ethics and Infinity, 2011
[12] انظر/ي The Public-Shaming Pandemic
[13] Critchley, Simon & Alexis Dianda. The Problem with Levinas, 2015.
[14] Levinas, Emmanuel. Substitution in basic philosophical writings,1996.