يحاول جون شوارزمانتل، المحاضر في كلية السياسة والدراسات الدولية بجامعة ليدز، في هذه الورقة المحاججة على تهافت أطروحة موت الأيديولوجيا أو غيابها في ظل نموذج الليبرالية الجديدة. وهو يرى أن الليبرالية الجديدة، حتى لو كانت تدعم الفردية وتتجسد من خلالها القيم الاجتماعية والسياسية كانعكاس لقيم الخصخصة الاقتصادية؛ إلا أنها ما زالت تمثل أيديولوجيا عالمية تعمل بكفاءة من خلال استفادتها من إخفاقات النماذج الأيديولوجية السابقة كلها. إن الترويج لفكرة ما بعد الأيديولوجيا، رغم وجودها، يخدم نموذج الليبرالية الجديدة؛ لأنه يحمل في طياته إجهاض إمكانية وجود أيديولوجيا مضادة له، وفي الوقت ذاته يكشف عن قوة هذا النموذج؛ فالأيديولوجيا الناجحة هي التي تقدم نفسها كما لو كانت معبرة عن “الحس العام المشترك”، عن طريق تلوين أفكار الحياة اليومية كلِّها بقيمها؛ لهذا فإن جانبًا من أهمية تلك الورقة يعود إلى محاولة استكشاف ملامح أيديولوجيا مضادة للنموذج الليبرالي تسعى إلى الاستفادة من نقاط القوة التي تتوافر عليها النماذج السابقة للماركسية بصيغها المختلفة، كما تستلهم مفاهيم غرامشي، التي رغم قِدَمها، لا تزال فاعلة وملهِمة لأي أيديولوجيا نضالية تقدمية. يبقى أن نوضح أن المؤلف يستخدم مفهوم الهيمنة بالمعنى الذي حدده غرامشي؛ إذ يرى أن القوى الكبرى تحمي مصالحها عن طريق فرض هيمنتها، وما المناصب والمسمّيات الحكومية إلا مجرد بوابة تقود نحو صناعة ما سمّاه “المجتمع السياسي” الذي يعكس جوهر الدولة وحصنها المنيع. لقد نجحت الرأسمالية سواء بمفهومها المتقدم اقتصاديًّا في الدول الغنية، أم داخل البلدان الهشة والفقيرة، بفرض نظام هيمنة من طبقتين، الأولى: تسيّر بطريقة القوة؛ وتتمثل في الحكومة والشرطة والجيش والقضاء، أما الأخرى فتسير بمفهوم التراضي عبر منظومة الاقتصاد ومجتمع المنتفعين. أما بالنسبة لمفهوم الخلاف (أو النزاع) Contestation المستخدم في العنوان فيقصد به المؤلف محاولة البحث عن مقومات أيديولوجيا بديلة تنازع الأيديولوجيا المهيمنة، ومن شأن هذه الحالة من المخالفة والمنازعة أن تخلخل الطبيعة الأحادية للمجتمع الراهن.
لتحميل الورقة : الهيمنة والنزاع في مجتمع ما بعد الأيديولوجيا – منصة معنى