في الوقت الذي يتسابق فيه العلماء من أجل الكشف عن علاج لفيروس كورونا (كوفيد-19)، تطل علينا وسائل إعلامية لتقدم بعض الوصفات بوصفها علاجًا مثل الشلولو (ملوخية جافة مع الثوم والليمون والشطة)، والفول، ونحو ذلك، ومهمة فلاسفة العلم هي إعادة النظر من حين إلى آخر في ما يميز العلم من اللاعلم والعلم الزائف. ولعلّ أقل فائدة للفلسفة العلمية هي حمايتنا من هذا من الخداع الفكري. تدور هذه المقالة على ثلاث خطوات، تقدم الأولى خلفية تاريخية لمشكلة تمييز العلم، وتعرض الثانية حلّ بوبر لهذه المشكلة، واعتراض نزعة الكلية عليه، وتعالج الثالثة نقد بونجي لحل بوبر، وتصوره الخاص لمعايير العلم.
توفي ماريو بونجي (2020-1919) في الرابع والعشرين من فبراير الماضي بعد أن رأت عيناه الدنيا ما يزيد على مئة عام. وقبل أن ينتقل إلى صديقه كارل بوبر (1994-1902) في عالم البرزخ، كان قد واجهه في الحياة مواجهات نقدية تلطّفت حينًا واشتدت حينًا آخر، وكان آخرها ما ورد في كتاب بونجي ممارسة العلم في ضوء الفلسفة. وأرى من الخير أن أقدم لك شيئا يسيرًا عن هذا الفيلسوف- العالِم الذي لم يحظَ في العربية بالدرس قدر ماحظي به غيره من فلاسفة العلم.
1- ماريو بونجي: سيرة موجزة
ماريو بونجي فيلسوف أرجنتيني، ولد لأم ألمانية ممرضة هاجرت من ألمانيا إلى الأرجنتين قبيل الحرب العالمية الأولى طلبا للرزق، وأب أرجنتيني من أصول ألمانية عمل طبيبًا ونائبًا برلمانيًا. ونظرًا لاشتغال والده بالمعارضة السياسية اليسارية فرَّ بونجي بعد سجن أبيه ووفاته إلى البرازيل. وعمل أستاذًا زائرًا في عدة دول، واستقر في جامعة مكجل بكندا عام 1966، وظل يشغل أستاذ كرسي، يدرّس المنطق والميتافيزيقا وفلسفة العلم حتى بلوغه التسعين عام 2009، ثم أستاذًا متفرغًا حتى وفاته.
درس بونجي الفيزياء وميكانيكا الكم مع جويدو بك الذى كان مهاجرًا أستراليًا وتلميذًا لهيزنبرج، وحصل على الدكتواراه في الفيزياء عام 1952. علّم بونجي نفسه الفلسفة الحديثة في بيئة كانت تعاني من ركود فلسفي. وكان أول فيلسوف علم في أمريكا الجنوبية يتدرب في العلم. وله أربعة أبناء هم كارلوس، وماريو، وإريك، وسيلفيا وكلهم أساتذة في الجامعات، أما زوجته لأكثر من ستين عامًا، التي ردت على رسالة عزائي في صديقي بونجي، فهي مارتا كافالو أستاذة الرياضيات في جامعة مكجل.
تدور كتابات بونجي في مجالات واسعة على رأسها الفيزياء، والفلسفة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وأسس الأحياء. وهو فيلسوف غزير الانتاج ألف قرابة ثمانين كتابًا، وخمسمئة بحث علمي وفلسفي، من أبرزها رسالة في الفلسفة الأساسية 9 مجلدات (1974-1989)، وفلسفة العلم في مجلدين: الأول: من المشكلة إلى النظرية (1998)،والثاني: من التفسير إلى التسويغ (1998)، والمادة والعقل: بحث فلسفي (2010) (ترجمة وتقديم صلاح إسماعيل، المركز القومي للترجمة، القاهرة، (2019)، وممارسة العلم في ضوء الفلسفة (2017) (ترجمة ودراسة صلاح إسماعيل، تحت الطبع، المركز القومي للترجمة، القاهرة).
يدافع بونجي عن النزعة العلمية، ويرى أن المنهج العلمي يمكن الاعتماد عليه في كل مجالات البحث والفعل، من الفيزياء إلى علم الصيدلة إلى العلوم السياسية، وتصميم السياسات، والفلسفة. ويمكن اختصار تصوره للعلاقة بين الفلسفة والعلم في جملة يسيرة هي “تفلسف علميًا، وتناول العلم فلسفيًا”. رفض بونجي في كتابه أسس الفيزياء 1967 تفسير كوبنهاجن وتفسير ديفيد بوهم لميكانيكا الكم، واقترح تفسيره الواقعي. وحصل على جوائز عالمية عديدة، وأربعة شهادات فخرية في الأستاذية ومنحته جامعات عالمية 22 دكتوراه فخرية تقديرًا لجهده في تقديم أشمل نسق عرفته الفلسفة في آواخر القرن العشرين يعرف بالمادية النسقية. وهو الفيلسوف الوحيد، بعد رسل، الذى أصبح زميلًا للجمعية الأمريكية للتقدم العلمي في عام 1984.
2- تمييز العلم : خلفية تاريخية
يحاول الإنسان فهم ظواهر الطبيعة فهمًا معقولًا منذ المراحل الأولى للعلم التي سجّلها التاريخ. فأنت تجد أبقراط، مثلًا، يهاجم في كتاب “في المرض المقدس” طريقة المعالجين الدجالين في فهم الصرع في حدود أسباب غير طبيعية. وعلى هذا النحو ظهرت محاولات تمييز العلم من السحر والشعوذة وغير ذلك، وتم تحديد معيار التمييز في شكل شروط ضرورية وكافية للمعرفة epistēmē، أو العلم scientia.
وتستند معايير التمييز البارزة تاريخيًا إلى أبرز مجالات الفلسفة. وجرت صياغة المعايير في حدود الوضع الأنطولوجي لموضوعات المعرفة (المثل الأفلاطونية، الماهيات الأرسطية، مثلًا) ، وفي حدود الوضع الدلالي لمنتجات البحث (العلم بوصفه مجموعة من المزاعم الصادقة أو على الأقل ذات المعنى حول الكون) ، وفي حدود الوضع المعرفي لمنتجات البحث (العلم بوصفه مجموعة من المزاعم اليقينية أو الضرورية أو الموثوقة أو المسوغة تسويغًا ملائمًا) ، وفي حدود الصورة المنطقية لتك المزاعم (كلية أو جزئية، واستخراج التنبؤات منها) ، وفي حدود نظرية القيمة (المنهج المعياري الذي ينتج المزاعم، على سبيل المثال، الاستقرائي أو الفرضي- الاستنباطي، أو مقارنة مجال مع فرع علمي نموذجي مثل الفيزياء).
ورأى أرسطو أن الزعم يكون علميًا إذا كان:
– عامًا أو كليًا
– يقينيًا بصورة مطلقة
– تفسيريًا عليًا.
وأنت تلاحظ أن أرسطو وضع معايير تمييزه في حدود كيفيات المنتجات، وليس عملية إنتاجها. (Nickles 2006: 189)
والمحاولات العربية الإسلامية في العصور الوسطى لاصطناع المنهج العلمي في البحث، وتمييز العلم من العلم الزائف، واضحة جدًا عند جابر بن حيان والحسن بن الهيثم وأبي بكر الرازي والبيروني وغيرهم.
وتخلى كثير من الفلاسفة الطبيعيين في القرن التاسع عشر عن مطلب أرسطو للعلل الأربع والماهيات الحقيقية بوصفه مستحيلًا. واستطاعت ميكانيكا نيوتن إثبات حركة الكواكب في حدود قوانين الحركة والجاذبية ولكنها أخفقت في العثور على علة الجاذبية أو ماهية الجاذبية. وقرر فرانسيس بيكون أنه لكي يكون الزعم علميا، يجب استقراؤه من مجموعة من الوقائع التجريبية. ورأى أن التجربة هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة.
وهكذا تحددت صورة المنهج العلمي بوصفه طريقة لاكتساب المعرفة العلمية وإنتاجها، وعرف بالمنهج الاستقرائي. وتحدث الفلاسفة عن خطواته على النحو التالي: الأولى: الملاحظة التجريبية،والثانية: التعميم الاستقرائي للوقائع التي تمت ملاحظتها، والثالثة: وضع فرض يفسر هذا التعميم، والرابعة: التحقق من صحة الفرض. ثم جاء العلم في القرن العشرين مع آينشتين وغيره ليحدث تحولًا في المنهجية العلمية. وبدلًا من البدء بالملاحظة، كما كان الحال في المنهج الاستقرائي، أصبح البدء بالفرض، وهو المنهج الفرضي الاستنباطي.
وعندما ظهرت فلسفة العلم بوصفها تخصصًا دقيقًا في العقد الثاني من القرن العشرين، ظهرت معها مشكلة التمييز بوصفها ملمحًا أساسيًا عند بوبر والتجريبيين المنطقيين. وكتب فتغنشتاين في الرسالة : “مجموع القضايا الصادقة هو كل العلم الطبيعي (أو المجموعة الكاملة للعلوم الطبيعية).” (Wittgenstein 2002 : 4,11) تأثر التجريبيون المنطقيون برسالة فتغنشتاين، ولكن بدلًا من الحديث عن الصدق الواقعي نظروا إلى قابلية التحقق التجريبي بوصفها معيارًا لتمييز العلم من الميتافيزيقا والعلم الزائف. وعمل معيار قابلية التحقق verifiability criterion بوصفه معيارًا لحالة المعنى والمعنى التجريبي معًا. ومع ذلك، سرعان ما أدرك التجريبيون المنطقيون أن هذا المعيار يتعذر الدفاع عنه. إذ يستبعد الرياضيات والمنطق من العلم، والمزاعم النظرية المجردة أيضًا. زد على ذلك أن وضعه الخاص غير واضح، ما دام هو نفسه غير قابل للتحقق.
3- بوبر وقابلية التكذيب
نظر بوبر إلى مشكلة التمييز ومشكلة نمو المعرفة بوصفهما المشكلتين الأساسيتين في الفلسفة (Popper 1959: 34). صحيح أنه عدّ مع التجريبيين المنطقيين قابلية الاختبار التجريبي بوصفها علامة على العبارة العلمية، لكنه اختلف معهم على نقطتين. الأولى، تعد قابلية التكذيب وحدها بوصفها قابلية الاختبار في رأي بوبر. والثانية، رفض بوبر التحول اللغوي، ومحاولة التجريبيين المنطقيين اشتقاق معيار التمييز من نظرية المعنى. وصف كارناب فلسفة العلم بأنها منطق (لغة) العلم، واشترط أن تستوفي كل العبارات العلمية المعيار التجريبي للمعني المعرفي. وجميع العبارات غير التجريبية هي “ميتافيزيقية” ولا معنى لها من الناحية المعرفية. وافق بوبر على أن العبارات الميتافيزيقية ليست علمية، لكنه أصرّ على أنها قد تكون ذات معنى. ولاحظ أن أعمق المشكلات العلمية تضرب بجذورها في المشكلات الميتافيزيقية، التي كانت بمثابة الموجه للعلم الحديث. (191: Nickles 2006)
رفض بوبر المعايير الاستقرائية للتمييز. ومع ملاحظة اللاتماثل المنطقي بين التحقق والتكذيب، اقترح قابلية التكذيب كمعيار للتمييز. ورأى أن العبارة تكون علمية إذا وفقط إذا كانت قابلة للتكذيب من حيث المبدأ.
كان ذلك في خريف عام 1919 عندما بدأت للمرة الأولى في الصراع مع المشكلة، “متى يجب تصنيف النظرية على أنها علمية؟” أو “هل هناك معيار للسمة أو الوضع العلمي للنظرية؟”. لم تكن المشكلة التي أزعجتني في ذلك الوقت، “متى تكون النظرية صحيحة؟” ولا “متى تكون النظرية مقبولة؟” وإنما كانت مشكلتي مختلفة. كنت أرغب في التمييز بين العلم والعلم الزائف؛ وأعرف تمامًا أن العلم غالبًا ما يخطئ، وأن العلم الزائف ربما يتصادف أن يعثر على الحقيقة. (Popper 2002: 33)
وما دام أي فرع معرفي تقريبًا يمكن تناوله “تناولًا نقديًا”، على حدّ تعبير بوبر، فلماذا يظلّ التمييز المشكلة المركزية في نظريته في المعرفة؟ الجواب عنده أن معياره في التمييز هو مفتاح حل مشكلة نمو المعرفة، أي مشكلة كيف يتعلم الناس من التجربة. والحل لهذه المشكلة هو أنهم يتعلمون من أخطائهم من خلال تحديد الخطأ واستبعاده، وليس الحل المقدم تقليديًا أنهم يتعلمون عن طريق الاستقراء من الخبرة. يعتقد أن التكذيب هو الذي يمكّنهم من التعلم من التجربة دون استقراء، إنه الطريقة الوحيدة الممكنة للتعلم. وعلى هذا النحو تكون قابلية التكذيب هي الملمح الأساسي الذي يجعل التعلم وبالتالي العلم ممكنًا. وفروع المعرفة التي لا تشجع على نقدها العقلاني والتجريبي ليست غير نزيهة فكريًا فحسب وإنما تعرقل تقدم المعرفة أيضًا.(Nickles 2006:192)
“يستطيع المرء أن يلخص كل هذا بالقول إن معيار الحالة العلمية للنظرية هو قابليتها للتكذيب، أو قابليتها للتفنيد، أو قابليتها للاختبار”. (Popper 2002: 44)
وشاع معيار قابلية التكذيب وكُتب له الرواج حتى أن الكتب المدرسية في العلم تبحث عما يؤيده في أقوال العلماء، وتعتبره القاعدة المنهجية الأولى في العلم:
“القاعدة الأساسية في العلم هي أن جميع الفروض يجب أن تكون قابلة للاختبار – يجب أن تكون عرضة، من حيث المبدأ على الأقل، لإظهار أنها خاطئة. في العلم، من المهم أن تكون هناك وسيلة لإثبات أن فكرة خاطئة أحرى من وسيلة لإثبات صحتها. هذا عامل رئيسي يميز العلم عن العلم الزائف. قد يبدو هذا غريبًا في بادىء الأمر لأنه عندما نتساءل عن معظم الأشياء، فإننا نشغل أنفسنا بطرق اكتشاف ما إذا كانت صحيحة. الفروض العلمية مختلفة. في الواقع، إذا أردت تمييز ما إذا كان الفرض علميًا أم لا، افحص لترى ما إذا كان هناك اختبار لإثبات أنه خاطىء. إذا لم يكن هناك اختبار لخطئه المحتمل، فإن الفرض لا يكون علميًا. صاغ آينشتين ذلك صياغة جيدة عندما قرر: “لا يمكن لمجموعة من التجارب أن تثبت أنني على صواب؛ وإنما يمكن أن تثبت تجربة واحدة أنني على خطأ”. (Hewitt 2015: 9-10) ونظرت دراسات أخرى إلى معيار التمييز عند بوبر بوصفه أسطورة من الأساطير الأخيرة حول العلم. (Gordin 2015: 219-226)
4- دعوى دوهيم- كواين : اعتراض مبكر على قابلية التكذيب
اعتقد بوبر أنه قد حلّ مشكلة التمييز من خلال معياره الخاص بقابلية التكذيب. ولكن الفلاسفة المعاصرين أصبحوا أكثر حذرًا عن طريق تقدير واسع النطاق للقضايا المثارة في هذا السياق من خلال أعمال دوهيم وكواين، وتوصلوا إلى استنتاج مفاده أن بوبر كان متعجلًا بعض الشيء في إعلان النصر. وهم يدركون الآن أن العلم ليس نوعًا موحدًا من النشاط، وأن المشهد المستمر المتغير قد يربطه بمواقف غير علمية. Pigliucci and Boudry 2013:) 1)
ورأى بيير دوهيم، على عكس التجريبيين المنطقيين وبوبر، أن نظريات مثل الميكانيكا الكلاسيكية، ونظرية ماكسويل الكهرومغناطيسية، ونظرية النسبية ليست قابلة للتكذيب في عزلة. يقول دوهيم في كتاب هدف النظرية العلمية وبنيتها :
“لا يمكن أن يعرض عالم الفيزياء أبدًا الفرض المنعزل للاختبار التجريبي، وإنما يعرض فقط مجموعة كاملة من الفروض لهذا الاختبار، وعندما لا تتفق التجربة مع تنبؤاته، فإن ما يعرفه هو أن فرضًا واحدًا على الأقل من الفروض التي تشكل هذه المجموعة غير مقبول ويجب تعديله، ولكن التجربة لا تحدد الفرض الذي يجب تغييره.” ((Duhem 1954: 187
وكان كواين (2000-1908) قد توصل إلى هذه الفكرة في مقالته “عقيدتان للتجريبية” قبل أن يخبره أحد أصدقائه بسبق دوهيم إليها, وأصبحت تعرف في الأدبيات الفلسفية “دعوى دوهيم –كواين”. ومفاد نزعة الكلية holism عند كواين أنه بتحويل التركيز من الجمل إلى أنساق الجمل، نصل إلى الاعتراف بأنه عادة ما تكون الجملة الكاملة في نظرية علمية نصًا أقصر من أن يصلح كوسيلة مستقلة للمعنى التجريبي، إذ أن الجملة الكاملة لن تملك مجموعة تقبل الانفصال من نتائج النظرية العلمية القابلة للملاحظة أو الاختبار، وإنما النظرية العلمية مأخوذة ككل هي التي ستملك بالفعل هذه النتائج. (Quine 1982:70 وانظر أيضًا صلاح إسماعيل: 1995: 83-86). وإن شئت عبارة موجزة تلخص لك هذه النزعة، فها هي:
“إن العبارات العلمية لا تتعرض للنقد على نحو منفصل مقابل الملاحظات؛ لأن هذه العبارات لا تتضمن نتائجها القابلة للملاحظة إلا عندما تكون مرتبطة معًا بوصفها نظرية”. (Quine 1975 : 313)
وتستطيع أن تحدد نقد كواين للتمييز التحليلي- التركيبي في نقاط أساسية من بينها:
- لا يمكن توضيح التمييز من دون الاستعانة بألفاظ تثير القلق والحيرة مثل التمييز نفسه، وفي مقدمتها “المعنى” و”الترادف”.
- لا يوجد معيار يحدّد أين تنتهي الاستعانة بالواقع التجريبي، وأين تبدأ الاستعانة بمعاني الكلمات.
- وفقًا لنزعة الكلية، “لا توجد عبارة مستثناة من التعديل”، وينتهي هذا إلى رفض المعرفة الأولية التي تقع في الجانب التحليلي.
وبالاتفاق مع هجوم كواين على التمييز التحليلي- التركيبي، استنتج كارل همبل أن “صياغة النظرية وصياغة المفهوم يسيران جنبًا إلى جنب، ولا يمكن الاستمرار بنجاح في معزل عن الآخر.” Hemple 1965:113)) ورأى أنه من الأفضل فهم المعنى المعرفي بوصفه مسألة درجة، أما تقييمه فلا يتحقق إلا بمعايير متعددة. وتحدث عن درجة تأييد الفرض عن طريق الدليل التجريبي. Hemple 2000:135)). ونقد فلاسفة آخرون، مثل كون ولاكاتوش وفييرآبند ولاري لودان، معيار بوبر لأسباب مختلفة.
5- بونجي وتكذيب قابلية للتكذيب
اختلف بونجي مع بوبر على نقاط تتعلق بفلسفة العلم، ومشكلة العقل والجسم، وفلسفة بوبر الاجتماعية. واعترض على تناول بوبر لمشكلة التمييز من زاويتين، الأولى، أنها مفتاح معظم المشكلات الأساسية في فلسفة العلم. والرأي عند بونجي غير ذلك؛ إذ يؤكد أنه يتعين على الفلاسفة دراسة العلم قبل أن يتحدثوا عنه حديث الوعاظ، لأن الفلسفة المستنيرة بالعلم قد تدفع العلم إلى الأمام. (Bunge 2019a: 505) والثانية أنه نظر إلى بوبر على أنه يوصي العلماء بمحاولة تكذيب تخميناتهم بدلًا من تجريبها وتعزيزها، ولكنه يعتقد أن هذه التوصية خاطئة:
ورغم أن معيار العلمية عند بوبر، أعني قابلية التكذيب، أصبح رائجًا تمامًا، فقد جرت محاولة البرهنة على أنه خاطئ من جميع الجوانب، منطقيًا، ومنهجيًا، ونفسيًا، وتاريخيًا. (Bunge 2017: 38)
أولا، استعمال بوبر لكلمة نظرية غير متقن لأنه أراد به أن يشمل الفرض ونظرية ملائمة، أعني نسق فرضي – استنباطي. وهذه النقطة مهمة لأنه على حين أن الفرض الواحد يجوز تأييده أو تفنيده عن طريق تجربة حاسمة، لا يمكن تحقيق الشيء نفسه حول نظرية، لأنها فئة غير محدودة من العبارات. وفي هذه الحالة يختبر المرء فقط قلّة من العبارات المهمة في الفئة، ويأمل أن يتبين في النهاية أن يكون للبقية قيمة الصدق نفسها.
ثانيا، في المنطق الكلاسيكي، وهو المنطق المستخدم في العلم، “القضية ق كاذبة” مكافئة للقضية “لا- ق صادقة”. ومن ثم فإن التأييد ليس أضعف من التكذيب. وعلى العكس، النفي أضعف من الإثبات، لأن ايجاد أن ق كاذبة متوافق مع بدائل كثيرة بشكل غير محدود لـ ق. واكتشاف أن أرسطو أخطأ في التمسك بأن القلب هو عضو العقل أعطى الفرصة لأعضاء أخرى، مثل الطحال (كما اعتقد الأطباء الصينيون التقليديون)، والغدة الصنوبرية (كما خمن ديكارت)، والمخ (كما أثبت العلماء في علم الأعصاب المعرفي). وهذا هو السبب في أن الرافضين أكبر عدد بكثير من بقيتنا، الذين يعرضون سمعتنا للخطر بوضع تقارير مع عدم كفاية الدليل.
ثالثا، الجملة “ق قابلة للاختبار” غير كاملة، لأن قابلية الاختبار متناسبة مع وسيلة الاختبار. على سبيل المثال، افتقر الذريون القدماء إلى أجهزة الكشف وأدوات المختبر الأخرى لاختبار تخميناتهم. وبعبارة موجزة، المحمول “قابل للاختبار” ثنائي وليس أحاديًا، بحيث أن الجملة في الصيغة “ق قابلة للاختبار” يجب اكمالها لكي نقرأها “ق قابلة للاختبار بالوسيلة م”.
رابعًا، تقريبًا كل الملاحظات العلمية التجريبية، والقياسات، أو التجارب يتم إنجازها لاكتشاف شيء ما، ونادرًا ما تكون لتكذيب تخمين. وإذا كنت في شك من هذا، انظر إلى أي اقتباس لجائزة نوبل في العلم الطبيعي. على سبيل المثال، تعمل المراصد الفلكية العديدة في الوقت الحاضر على العثور على الكوكب التاسع في نظامنا الشمسي، والذي تنبأ به علماء الفلك النظريون. وما دام الكوكب 9، رغم افتراض أنه عملاق، غازيًا وحتى أبعد من بلوتو، فيعتقد أن المشروع يتطلب أجهزة كشف حساسة إلى أبعد الحدود، ويستغرق خمس سنوات على الأقل. ولذلك دعنا نظلّ مستعدين حتى النهاية بتكرار أن الكوكب 9 نجا حتى الآن من الاكتشاف. وبعبارة أخرى، ما دام بعض علماء الفلك يعملون على المشروع البحثي للكوكب 9، سيكون على الرافضين التزام الصمت، على حين يستطيع المتفائلون مواصلة آمالهم.
وهذه الآمال في إشباع فضولهم هي ما يميز العلماء. ويعمل مرضى الانحراف الجنسي ومرضى الاضطراب العقلي وحدهم لإحداث الألم لأنفسهم أو الآخرين. وباختصار، نصيحة بوبر، لاختبار تخمينات المرء المفضلة والإطاحة بها، خاطئة نفسيًا، بالإضافة إلى كونها مخفقة منطقيًا ومنهجيًا.
وأخيرًا، نزعة قابلية التكذيب خاطئة تاريخيًا. وبالفعل معظم الأساطير التي تبين في النهاية أنها كاذبة كانت قابلة للتكذيب على نحو بارز في بادئ الأمر، دعنا ننعش ذاكرتنا.
مثال 1 : فند أوغسطين علم التنجيم عن طريق اختراع قصة الطفلين المولودين في الوقت نفسه وفي الأسرة نفسها، ومن ثم “تحت النجوم نفسها”، ولكن أحدهما حر والآخر عبد.
مثال 2 : نظرية العناصر الأربعة، التى جرى التمسك بها لمدة ألفي عام تقريبًا، فندها الكيميائيون في القرن التاسع عشر الذين اكتشفوا أو ركبوا عناصر حقيقية غير معروفة من قبل. وفي عام 1860 عندما نشر ديمتري مندلييف جدوله الدوري، كان معروفًا من العناصر 63. ونعرف اليوم ضعف العدد تقريبًا. وآخر ما تم تركيبه هو 118# ويسمى بصورة مؤقته Uuo.
مثال 3 :قراءة الكف، والمعالجة بالمثل، والوخز بالأبر، وتوارد الخواطر، والتحليل النفسي، والعلاج الروحي كانت قابلة للتكذيب من البداية، ولكن قلة من الباحثين اعتقدوا أن هذه الممارسات غير علمية بسبب العجز عن اقتراح آليات محتملة لنجاحاتها المزعومة. (Bunge 2017: 38-39)
6- ملامح العلم والعلم الزائف
يبدأ المرء البحث العلمي بتحديد مجال (ج) من الوقائع، وبعد ذلك يضع حولها بعض الافتراضات العامة (ع) ، ويجمع مجموعة من المعرفة الخلفية (خ) حول (ج)، ويحدد الهدف (ه) سواء كان مفهوميًا أم عمليًا، ثم يحدد المنهج الملائم (م) لدراسة (ج). ومن ثم يجوز تخطيط “مشروع بحث” بوصفه الخماسي المرتب = > ج، ع، خ، ه، م<.
ويفترض الفحص العلمي لمجال الوقائع (ج) أن تكون هذه الوقائع مادية، وتخضع لقانون وتكون عرضة للتدقيق، بوصفها مقابلة لما هو لا مادي (وخارق على وجه الخصوص)؛ ولا يخضع لقانون ؛ ويعتمد الفحص على مجموعة (خ) من الاكتشافات العلمية السابقة، ويتعلق بالأهداف الأساسية (ه) لوصف وتفسير الوقائع موضوع البحث بمساعدة المنهج العلمي (م). ويجوز وصف المنهج العلمي وصفًا موجزًا باعتباره التسلسل التالي:
اختيار معرفة خلفية – عرض المشكلة – الحل المؤقت (الفرض أو التكنيك التجريبي) – إجراء اختبارات تجريبية (ملاحظات، قياسات أو تجارب) – تقويم نتائج الاختبار– التصحيح النهائي للخطوات السابقة – والمشكلات الجديدة التي يثيرها الاكتشاف. ولا يمنع المنهج العلمي التأمل، وإنما يفرض نظامًا على التخيل فقط . ومجال العنان المطلق للتخيل هو الفن وليس العلم.
ويفترض المنهج العلمي مسبقًا أن كل شىء يمكن مناقشته من حيث المبدأ، وأن كل مناقشة علمية لا بد من أن تكون صحيحة منطقيًا. ويتضمن هذا المنهج أيضًا فكرتين دلاليتين أساسيتين هما المعنى والصدق. فلا يمكن بحث اللغو، ومن ثم لا يمكن أن يكون كذبًا واضحًا. (فكر في حساب أو ضبط أوقات الطيران باستعمال هايدغر للزمان بوصفه “نضج الزمانية”). زد على ذلك أن المنهج العلمي يتضمن أخلاقيات العلم الأساسي، التي صورها روبرت ميرتون على أنها العالمية، والنزاهة، والشكية المنظمة، والشيوعية الإبستمولوجية – الاشتراك في مناهج الجماعة العلمية واكتشافاتها.
وأخيرًا، هناك أربعة ملامح أخرى مميزة لأي علم موثوق: قابلية التغير، والانسجام مع معظم المعرفة السابقة، والتداخل الجزئي مع علم آخر واحد على الأقل، وتتحكم فيه الجماعة العلمية. ويلزم الشرط الأول من حقيقة أنه لايوجد علم “حي” من دون بحث، وأن البحث هو تخصيب لذخيرة المعرفة أو تصحيح لها. وعلى العكس، فإن العلوم الزائفة والإيديولوجيا إما راكدة (مثل الباراسيكولوجيا ]علم نفس الظواهر الشاذة[)، أو تتغير تحت ضغط من جماعات القوى أو نزاعات بين الأحزاب (كما كان الحال مع الماركسية والتحليل النفسي).
ويقرر الشرط الثاني، وهو التفاعل الجزئي مع التقليد، أن الانسجام مع المعرفة السابقة ضروري ليس للتخلص من التأمل الذي لا أساس له فحسب وإنما لفهم الفكرة الجديدة أيضًا، بالإضافة إلى أنه ضروري لمراجعتها. وبالفعل فإن قيمة فرض جديد أو تصميم تجريبي مقترح تقدر جزئيًا بالنطاق الذى تنسجم عليه انسجامًا معقولًا مع أجزاء من المعرفة جيّدة الإثبات. (على سبيل المثال، التحريك العقلي مستحيل لو كان السبب فقط أنه يخرج على مبدأ بقاء الطاقة). وبصورة نموذجية، يمكن تعلم مبادئ العلم الزائف في أيام قليلة، على حين ربما يستغرق تعلم مبادئ علم حقيقي وقتًا طويلًا، إذا كان ذلك فقط بسبب ضخامة مجموعة المعرفة القائمة عليه.
والشرط الثالث الذي مؤداه أن العلم الموثوق يستعمل مجالات بحث أخرى أو يغذيها، يلزم عن حقيقة أن تصنيف العلوم الواقعية اصطلاحي إلى حدّ ما. على سبيل المثال، أين تقع دراسة الذاكرة: هل تقع في علم النفس أم علم الأعصاب، أم تقع في العلمين معًا؟ وما الفرع الذى يبحث توزيع الثروة: علم الاجتماع، أم علم الاقتصاد، أم الاثنان معًا؟ وبسبب هذا التداخل الجزئي والتفاعلات, تشكل فئة كل العلوم نسقًا. وعلى العكس، فإن العلوم الزائفة تكون منعزلة بصورة نموذجية.
أما الشرط الرابع، الذى يتلخص في القول إن العلم الموثوق تتحكم فيه الجماعة العلمية، فتوضّحه حقيقة أن الباحثين لا يعملون في فراغ اجتماعي، وإنما يختبرون المثيرات والموانع للزملاء (الذين لا يعرفونهم بصورة شخصية في غالب الأمر). وهم يستعيرون المشكلات والاكتشافات، ويبحثون عن ملاحظات؛ وإذا كان لديهم أي شيء مهم يقال، فإنهم يعدون النصيحة الملحة. وهذا التفاعل للتعاون مع التنافس هو آلية لتوليد المشكلات والتحكم في النتائج ونشرها: وهي ما يجعل البحث العلمي مشروعًا شاكًا في ذاته ومصححًا لذاته. هذه هي الملامح (أو الشروط) المميزة للعلم الواقعي الحقيقي حتى الآن، سواءً كان طبيعيًا أم اجتماعيًا أم اجتماعيًا أحيائيًا. (ماريو بونجي، 2019 : 574-577)
ودعنا نسجل السمات المميزة للعلم الزائف. المعالجة العلمية الزائفة لمجال من الوقائع تحيد عن بعض الشروط الأربعة السابقة، على حين تسمي نفسها علمية. فربما تكون هذه المعالجة غير متسقة أو ربما تتضمن أفكارًا غير واضحة. وقد تفترض واقعًا لموضوعات بعيدة الاحتمال تمامًا، مثل الإبعاد الغريب أو التحريك العقلي، والجينات الأنانية، والأسواق الآلية. وربما تسلم المعالجة المذكورة بأن الوقائع التي نتحدث عنها لا مادية أو غامضة أو تتصف بالصفتين معًا. وتعجز عن أن تقوم على اكتشافات علمية سابقة. وربما تزيّف نتائج الاختبارات، أو ربما تستغني عن الاختبارات التجريبية تمامًا.
زد على ذلك أن العلوم الزائفة لا تتطور، وإن تطورت، فإن تغييراتها لا تنشأ من البحث. العمل الأساسي لفرويد عن تفسير الأحلام، المنشور في عام 1900، أُعيد طبعه ثماني مرات في حياة فرويد، ولم يطرأ عليه أي تغيير أساسي.
والعلوم الزائفة معزولة على نحو مميز عن فروع المعرفة الأخرى، مع أنه قد يتصادف أن تتزاوج أحيانًا مع علوم زائفة شقيقة، والشاهد على ذلك هو علم التنجيم التحليلي النفسي. وبعيدًا عن الترحيب بالنقد، تحاول العلوم الزائفة تثبيت الاعتقاد. وهدفها ليس البحث عن الصدق وإنما الإقناع. وعلى حين يكون العلم مليئًا بالمشكلات، وتثير اكتشافاته مشكلات إضافية، يتسم العلماء الزائفون باليقين. وإن شئت أن تضع ذلك بعبارة أخرى فقل: على حين ينجب العلم علمًا إضافيًا، يكون العلم الزائف عاقرًا لأنه لا يولد مشكلات جديدة. وخلاصة القول: إن المشكلة الأساسية للعلم الزائف أن بحثه إما أنه معيب على نحو خطير أو غير موجود. وهذا هو السبب في أن التأمل العلمي الزائف، على خلاف البحث العلمي، لم يقدم قانونًا واحدًا عن الطبيعة أو المجتمع. (ماريو بونجي، 2019 : 585-587)
ورغم أن العلم حظي بمكانة فكرية واجتماعية في فهم الطبيعة وتفسير ظواهرها، فإن الأفكار المضادة لا تنفك تنازعه هذا العمل، الأمر الذي دفع بونجي إلى التأكيد في آخر كتاباته تقريبًا أن “الدفاع عن العقلانية ضروري اليوم مثلما كان ضروريًا في العصور السابقة”. (Bunge 2019 b: viii)
إن حلّ بوبر لمشكلة التمييز يوحي بأن العلم قد اكتمل، والشيء المحقق أن هناك الكثير الذي لا نعرفه عن الكون. ناهيك عن أن تصور الحل بوصفه نهائيًا يمثل عقبة أمام تطور الفكر. والخلاصة أنه لا يوجد تمييز واحد وبسيط يميز العلم من العلم الزائف. ولا تزال المسألة مطروحة للبحث، ولانزال في حاجة إلى فهم فلسفي وتاريخي واجتماعي لظاهرة العلم الزائف.
المراجع
Bunge, Mario. 2017. Doing Science in the Light of Philosophy. Singapore: World Scientific Publishing.
Bunge, Mario. 2018. From a Scientific Point of View, Cambridge Scholars Publications, Newcastle, UK.
Bunge, Mairo. 2019a. “Inverse Problems,” Foundations of Science, 24:483–525.
Bunge, Mario. 2019b. “Foreword,” in Michael R. Matthews (ed.), Mario Bunge: A Centenary Festschrift, Switzerland: Springer, pp.vii-viii.
Duhem, P. 1954. The Aim and Structure of Physical Theory, translated from the French by P.P.Wiener, Princeton, New Jersey: Prinecton University Press.
Gordin, Michael D. 2015. “Myth 27. That a clear line of demarcation has separated science from pseudoscience,” in Numbers, Ronald L. & Kostas Kampourakis, eds. Newton’s Apple and Other Myths About Science, Cambridge, MA: Harvard University Press, pp. 219–226.
Hempel, Carl G. 1965. Aspects of Scientific Explanation. New York: Free Press.
Hempel, Carl G. 2000. Selected Philosophical Essays, edited by Richard Jeffrey, Cambredge: Camberdge University Press.
Hewitt, Paul G. 2015. Conceptual Physics, twelfth edition, Boston: Pearson.
Nickles, Thomas. 2006. “Problem oF Demarcation,” in Sahotra Sarkar and Jessica Pfeifer, eds., The Philosophy of Science: An Encyclopedia, New York, London: Routledge, 2006, pp. 188-197.
Nickles, Thomas. 2013. “The Problem of Demarcation: History and Future,” in Pigliucci, M. and M. Boudry, eds., Philosophy of Pseudoscience: Reconsidering the Demarcation Problem, pp. 101–120.
Pigliucci, Massimo and Maarten Boudry (eds.). 2013. Philosophy of Pseudoscience: Reconsidering the Demarcation Problem, Chicago and London: The University of Chicago Press.
Pigliucci, M. and M. Boudry. 2013. “Introduction:Why the Demarcation Problem Matters,” in Pigliucci, M. and M. Boudry, eds., Philosophy of Pseudoscience: Reconsidering the Demarcation Problem, pp. 1- 6.
Popper, Karl. 1959. The Logic of Scientific Discovery. London: Hutchinson.
Popper, Karl. 2002. Conjectures and Refutations: The Growth of Scientific Knowledge, Routledge.
Quine, W . V . 1975. “On Empirically Equivalent Systems of the World,” Erkenntnis 9: 313-328.
Quine, W . V . 1982. Theories and Things, Cambridge, Massachusetts: Harvard University Press.
Wittgenstein, Ludwig, 2002. Tractatus Logico-Philosophicus. Translated by D. F. Pears and B. F. McGuinness, with an introduction by Bertrand Russell, London, New York: Routledge.
صلاح إسماعيل، 1995، فلسفة اللغة والمنطق : دراسة في فلسفة كواين، القاهرة : دار المعارف.
ماريو بونجي، 2019، المادة والعقل: بحث فلسفي، ترجمة وتقديم، صلاح إسماعيل، القاهرة: المركز القومي للترجمة.