منطق الموجهات: دلالات معرفية مشتقة من النظام الخامس – خالد الحسن

توطئة
تتطرق هذه المقالة، لبحث منطقي دقيق، في تأسيس الدلالات المعرفية، من داخل النظام الخامس -لروث باركان ماركوس- من منطق الموجهات، ثم دمجها مع نظام العوالم الممكنة، وستكون المقالة عرضًا للدلالات الميتافيزيقية والمعرفية، وما يتفرع عنها، كالعوالم الممكنة، والعالم الحالي -الفعلي-. وإسناد الضرورة الميتافيزيقية، للضرورة المنطقية أي المستندة إلى مبدأ عدم التناقض، بعكس الضرورة المعرفية التي لا تستند إلى مبدأ عدم التناقض، وسد الفجوة التي في دلالات كريبكي ما بين المعرفة والميتافيزيقا، وليس المراد بالمعرفة هنا الاعتقادَ الشخصي أو الذاتي؛ بل ما نعرفه عن العالم الحالي -الفعلي-، وتزداد معرفتنا بذلك، وتصل إلى اليقين، فهي تعد معرفة موضوعية؛ ولكن المعرفة الذاتية فهي داخلة في النظام نفسه، ولا يوجد تعارض فيه؛ لأنه راجع بما يعتقده الشخص نفسه، وله أنظمة معرفية خارجةٌ عن النظام الخامس، ولكن سوف أركز في الدلالات المعرفية، المتعلقة بما نعرفه عن عالمنا الحالي، الذي يشكل العالم الموضوعي، بغض النظر عن المعرفة الذاتية، مثل أن “نجمة الصباح هي نجمة المساء” وسوف أركز على الجهة المنطقية؛ لأن النقاش الفلسفي أطول، ويحتاج إلى عدة مقالات، ومناقشات لغوية، وكذلك مناقشات في قضايا معرفية وميتافيزيقية محددة، وتحديدًا عند كريبكي، فسوف تناقش في محلها، أما هذه المقالة فسوف تركز على الجهة المنطقية، وعرض لمفاهيم معرفية، ومفاهيم للمساواة والمطابقة، وكذلك مفاهيم للعلاقات، ومناقشتها ومعالجتها.
(1) أ=أ
ولدينا أيضًا:
(2) أ=ب
نجد أن (1) لا تساوى أكثر من نفسها؛ فتفيد المساواة هنا المطابقة، ولكن في (2) نجدها تتجاوز المساواة مع نفسها. يظهر لنا وجود خلاف في مفهوم المساواة (=)؛ لأن المفترض إذا كانت (1) تساوي نفسها؛ فهي إذًا تفيد المطابقة، ولكن في (2) لا توجد مطابقة، وهذا يذكرنا بأحد إشكالات كواين الفلسفية، ضد القضية التحليلية، والتي رددت عليها، عن طريق مبدأ التحقق اللغوي؛ ولكن سيكون نقاشنا هنا منطقيًا متعلقًا بالهوية، ولكن نرى أن المساواة بين (1) و(2)، كأن بها شائبة الاختلاف.
(3) أ≠أ
ولدينا أيضًا:
(4) أ≠ب
في (3) الأمر متناقض، أو فيه نوع من أنواع الاستحالة، فكيف لا يساوي الشيء نفسه؟ نجد أنه بالفعل متطابق كما في (1)، ولكن في (4) لا توجد استحالة؛ لأن من الممكن أن لا يساوي الشيء غيره من الأشياء، فليس مثل (3)، بما أنها تساوي نفسها، طبعًا، من الجهة الفلسفية، أي المتعلقة بالهوية الشخصية، لا تطرأ على (3)؛ لأنها تعد من لوازم (4)، في التغيرات-الأعراض- بالمعنى الفلسفي، حاصلة في (4) لا (3)؛ لأنه من الممكن أن يسمن الشخص أو يكبر وغيرها؛ لأن في (3) يفيد الثبوت بالمعنى الفلسفي، أي قائمة بالذات بدون اعتبار للمتغيرات، إذًا (3) تكون المطابقة لنفسها، بغض النظر عن إمكانية حصول التغيّر بأن يصبح (4)، سوف نتجنب النقاش الفلسفي الآن، رغم أهميته.
(5) 2+2=4
صورة أخرى من المعادلة:
(6) 2+2=2+2
وحالة أخرى:
(7) 4=4
لدينا (5)، هي معادلة للجمع بناتج صحيح، ونفسها في (6)، ولكن صورة الناتج مختلفة عن (5)؛ لأن صورة الناتج أربعة، والناتج في (6) اثنان زائد اثنين؛ فمن الغريب أن نقول: ناتج (5) مختلف عن (6)؛ لأن صورة العدد أو شكله مختلف، لأن اثنين زائد اثنين سوف تعطيك أربعة؛ ولكن (6) أو (7) تستند إلى مطابقتها بنفسها، مثل (1)، وأما (5) فهي (2)، بعكس (6)، التي يجب أن تطابق نفسها، أو لحصلَ نوعٌ من التناقض كما في (3)، وأما (5) فمن الممكن أنها لا تساوي نفسها، فهي لا تحيل إلى أي تناقض كما هو الحال في (4). نلاحظ أننا نستخدم مفاهيم من قبيل “يجب” وهو الذي يفيد الضرورة، وكذلك الآخر وهو الممكن، وسوف أبين هذه المفاهيم بالتفصيل في النظام الخامس. ولكي نتجاوز هذا الإشكال فلا بد من النظر إلى مفهوم (=) نفسه، رغم أن الإشكالية محلولة في نظام روث باركان وكريبكي، ولكن المشكلة أن المساواة المستخدمة لديهم هي الدرجة الضعيفة، وهذه تدخلنا في مشكلة الفجوة الميتافيزيقية والمعرفية، والتي تحتاج إلى حل.
(8) □(أ=أ)
وكذلك:
(9) □(أ=ب)
من الضروري ميتافيزيقيًّا، أن (أ) تطابق نفسها كما في (8)، وماذا عن (9)؟، يظهر أنه لا يوجد تلازم بين (8) و(9)، أي في حصول الضرورة نفسها، استنادًا بما سبق، كما بين (5) و(6) أو (4) و(3)، وفي النظام الخامس، وضعت روث باركان طريقة لجعل المساواة أضعف، ليست مستندة إلى مبدأ عدم التناقض، وهذا ما استفاد منه كريبكي في نظامه المتعلق بالعوالم الممكنة. وفي (9) من الضروري ميتافيزيقيًّا أن (أ) يساوي (ب)، فهذه المساواة الضعيفة والتي لا تستند إلى مبدأ عدم التناقض، تحل مشكلة المساواة السابقة؛ لأن من الضروري ميتافيزيقيًّا أن “نجمة الصباح هي نجمة المساء”.
ولكن عندما نقول: “نجمة الصباح هي نجمة الصباح”، أليست مستندة إلى مبدأ عدم التناقض؟، بما أنها مستندة إلى نفسها؟، فهذه مشكلة أخرى، ولكن يمكن أن يُجاب عنها: بأن المساواة الضعيفة متعلقة بالقضايا الشخصية أو مقولات الهُوية، فلا يوجد إشكال بخصوص عدم إسنادها إلى مبدأ عدم التناقض.
(10) □(2+2=4)
وكذلك:
(11) □(نجمة الصباح=نجمة المساء)
أليس في (10) ضرورة قوية؟، خصوصًا أنها مستندة إلى مبدأ عدم التناقض؟، أو لنقلْ على الأقل إن المساواة في (10) أقوى من الذي في (11)، وقد حاول كريبكي أن يحل هذا الإشكال من جهة فلسفية، وقبله باركان؛ فوضع ما يسمى المعين الصارم وغير الصارم، ويظهر بأن المعين الصارم كذلك، ليس قويًّا كما في (10)؛ فاضطر أن يضيف معينًا ما يسمى بالصارم القوي، ويمكن أن نقول عن هذا إنه مستند إلى مبدأ عدم التناقض، ولكن المشكلة عند كريبكي، هو أنه تغاضى عن أصل المشكلة في (11)، التي ما زالت في القضايا الشخصية، المستندة إلى المساواة الضعيفة، ومع ذلك يشترط ضرورتها في العوالم الممكنة كلها، وهنا تتضح الفجوة، عندما نقول كذلك (. ولكن ما الخلاف؟، إن أحدهما معين صارم والآخر معين صارم قوي، وكلاهما ضرورة ميتافيزيقية في العوالم الممكنة كلها؛ فتتضح لنا الآن، صورة من الفجوة، فلو جعلنا (10) معينًا صارمًا قويًّا؛ فلن يختلف كثيرًا عن (11)، لأن كليهما بالدالة الضرورية نفسها، رغم ضعف (11) عن (10)، الخطأ الذي أراه، متعلق بمفهوم (=)، وكذلك بمفهوم (□)، وما يترتب عليه استنادًا إلى العوالم الممكنة، بلا شك، إن محاولة كريبكي في المعين الصارم القوي سليمة بل وصحيحة إلى حد ما، ولكن الخطأ هو من الجهة المنطقية لا الفلسفية -يمكن النظر إليها فلسفيًّا أيضًا-، حتى وإن قيل إن المعين الصارم مستند منطقي؛ لأنه يظهر في (11) بأن القضايا الشخصية فقط تصح أن تكون ضعيفة، بما أنها متعلقة بالمعرفة البعدية، وهذه من الجهة الفلسفية، بما أنه يبحث عن شيء يثبت فيه خصائص القضايا الشخصية من الناحية الوجودية. مع أن باركان سبقت كريبكي في مسألة المعين الصارم، والذي استفاد هو منها، بمسمى العلامات التي تعين فيه القضايا الشخصية، فمستندها من معاجم اللغة، بعكس كريبكي الذي مستنده العوالم الممكنة.
(12) □(2+2=ق 4)
(13) □(نجمة الصباح=ض نجمة المساء)
(14) □(نجمة الصباح=ق نجمة الصباح)
فكما قلنا المساواة عند روث هي من الدرجة الضعيفة، وهذا ما استفاد منه كريبكي في العوالم الممكنة، فهي تعطيك مطابقة، ولكنها ضعيفة، وهذا ما تجده في القضايا الوجودية أو التي لها مصاديق في الخارج.
والمفاهيم (=ق) و (=ض)، وهذا ما استفدت منه في بحث روث باركان، ولكن مع تعديل، فقد أضفت المساواة القوية التي سوف أستخدمها، استنادًا إلى مبدأ عدم التناقض، أما المساواة الضعيفة، فهي المعتمدة عند روث وكريبكي، والتي سوف تكون للدلالات المعرفية لا الميتافيزيقية.
في (12) من الضروري ميتافيزيقيًّا أن الناتج هو أربعة، وتفيد المساواة هنا التطابق في الناتج من المفاهيم اثنين زائد اثنين، بلا شك، لا يمكن أن نشترط التطابق في الخصائص كلها، حتى كالألفاظ، بما أنها بطبيعتها متغيرة، ولدينا المعنى والمفهوم ثابت، ويطابق المحصلة نفسها من النتيجة، هذا من الزاوية الفلسفية؛ لأن حصول التطابق في الخصائص كلها ومنها العرضية، سيجعلها تصبح مثل (1)، أي تصبح تطابق نفسها أو تساويها، فهذا شرط متعذر وغير مجدٍ؛ لأنها سوف تكون بنطاق ضيق جدًّا ومربك، ولكن من الممكن أن تكون لها فائدة في النقاش الفلسفي، وأيضًا لا تستعمل إلا في القول إن الشيء هو نفسه، أي تكون المساواة أقوى جدًّا من (12)، وهذا لا يغير من أن مفهوم المساواة في (8) تطابق التي في (12)؛ لأن الناتج من الجمع هو مفهوم اثنين زائد اثنين نفسه ألا وهو الأربعة، وبذلك تكون (14) مستندة إلى هُويتها، أي تطابق نفسها، فنفيها من نفسها، أي مثل (3) تحيل للتناقض، حتى ولو كانت من القضايا الشخصية، فقوة المساواة التي في (14) هي نفسها التي في (12). و(13) هي التي نتفق فيها مع روث وكريبكي، بأن المساواة ضعيفة؛ لأن في مقولات الهوية حتى مع حصول المطابقة أو المساواة، سوف تكون ضعيفة، بسبب أنها غير مستندة إلى مبدأ عدم التناقض، فيمكن التصور من الجهة الفلسفية، نقيض مقولات الهوية كأن “نجمة الصباح ليست نجمة المساء”؛ ولكن هذا فقط تصور وافتراض، وليس بوصفه مصداقًا، فالتحقق هو الذي يثبت ضرورتها؛ ولكن توجد مشكلة في (13) وهي الفجوة، بأن ضرورتها الضعيفة، ليست بسبب المساواة فقط، بل حتى بوصفها مصداقًا، فنحن افترضنا أو تصورنا أمرًا بخلافه من الجهة الفلسفية، وهذا يحتاج إلى نقاش مطول، ولكن ماذا لو حصل أن وجدنا “ليس للذهب عدد ذري”، يجيب كريبكي عن هذه المشكلة بالقول: لو حصل فلن يكون ذهبًا. ولكن كيف عرفنا أو فرقنا بين الذهب الأول والذهب الثاني؟، يظهر بأن المسألة معرفية أكثر من كونها ميتافيزيقية، وتكون الضرورة هنا معرفية، بما أنها ضعيفة، وغير مستندة إلى مبدأ عدم التناقض، والمساواة أضعف من المساواة كما في (12) و (14)، لذلك نحتاج إلى تعديل المفهوم.
مفاهيم معرفية مشتقة من النظام الخامس:
إذا كانت ضرورية ميتافيزيقيًّا إذن فهي ضرورية معرفيًّا:
(15) □ ← ○
إن كانت ضرورية معرفيًّا إذن فهي ممكنة ميتافيزيقيًّا:
(16) ○ ← ◊
إذا كانت ممكنة ميتافيزيقيًا إذن فهي إما ضرورية معرفيًّا أو ممكنة معرفيًّا:
(17) ◊ ← ○ ⊕ ⬠
تساعد هذه المفاهيم على ربط القضايا المعرفية والميتافيزيقية مع بعضها بعضًا. في (15)، إذا كانت القضية ضرورية ميتافيزيقيًّا فهي كذلك ضرورية معرفيًّا؛ لأن الضرورة الميتافيزيقية أقوى وأخص من الضرورة المعرفية، وفي (16) إذا كانت أي قضية ضرورية معرفيًّا، فهي إذًا ممكنة ميتافيزيقيًّا؛ لأن الإمكان الميتافيزيقي أعم من الضرورة الميتافيزيقية، وفي (17) إذا كانت أي قضية ممكنة ميتافيزيقية إذًا فهي إما أن تكون ضرورية معرفيًّا أو ممكنة معرفيًّا، إحداهما فقط؛ لأنه كما قلنا: الإمكان الميتافيزيقي أعم من الضرورة المعرفية أو حتى الإمكان المعرفي. ومن خلال هذه التفاصيل، نستطيع أن نردم الفجوة التي بين المعرفة والميتافيزيقية، وكذلك جعل المساواة الضعيفة، ليست مستندة إلى مبدأ عدم التناقض؛ لذلك هي ضرورية معرفيًّا، ولكن المساواة القوية، مستندة إلى مبدأ عدم التناقض، فهي ضرورية ميتافيزيقيًّا.
(18) ○(نجمة الصباح=ضنجمة المساء) ← ◊(نجمة الصباح=ضنجمة المساء)
بما أن (18) المساواة ضعيفة؛ لذلك يلزم أن تكون الضرورة أضعف من (12)، وهذا ما يُسلم به كريبكي؛ ولكنه يراها لا تزال ضرورة ميتافيزيقية، ويكتفي بالمعين الصارم، من الجهة الفلسفة؛ ولكن رغم ذلك فلا تعالج هذه الطريقةُ الفجوةَ، وهي أن سبب الضرورة في (18) أضعف من (12)؛ لأن (12) مستندة إلى مبدأ عدم التناقض، بعكس (18)؛ لذلك المساواة مختلفة، إذن يلزم من ذلك أن يكون نوع الضرورة أيضًا مختلفًا، لكي يحصل التوافق والتناسق بين المساواة الضعيفة، والضرورة الأضعف، وهي الضرورة المعرفية، وبما أن المساواة في (12) أقوى، إذن يلزم أن تكون الضرورة أقوى من المعرفية، وهي الميتافيزيقية.
(19) □(2+2=ق 4) ← ○(2+2=ق 4)
نلاحظ في (19) أن المساواة أقوى؛ لأنها مستندة إلى مبدأ عدم التناقض، فيستحيل أن لا يساوي الناتجُ أربعةً، وبما أنها ضرورية ميتافيزيقيًّا، فهي كذلك ضرورية معرفيًّا؛ لأن الضرورة الميتافيزيقية أقوى من الضرورة المعرفية؛ لذلك يستحيل أن يكون الناتج معرفيًّا لا يساوي أربعة، بما أنها مستندة إلى ضرورة أخص وهي الميتافيزيقية، فبثبوتها يثبت الأعم وهي الضرورة المعرفية. وإذا كانت القضية ضرورية معرفيًّا، فلا يلزم أن تكون ضرورية ميتافيزيقيًّا كما في (18)، استنادًا إلى (16) و(17).
(20) ◊(العدد الذري للذهب 79) ← ○(العدد الذري للذهب 79) ⊕ ⬠(العدد الذري للذهب 79)
ولدينا:
(21) ⬠(لابن سينا لحية) ← ◊(لابن سينا لحية)
من (20) إذا كانت القضية ممكنة ميتافيزيقيًّا، إذن: إما تكون ضرورة معرفيًّا أو ممكنة معرفيًّا؛ لأنه كما قلنا في (18): الممكن الميتافيزيقي أعم من الضرورة المعرفية، فإذا ثبتت لها الضرورة المعرفية، يلزم من ذلك ثبوت الإمكان الميتافيزيقي؛ ولكن لو كانت القضية ممكنة معرفيًّا فهي أيضًا ممكنة ميتافيزيقيًّا، كما في (21)؛ لأن من الممكن ألَّا يكون أو أنه يحلقها، فهي ليست مستندة إلى أي مساواة، بعكس (20)، فالذهب= عدده الذري 79، وبما أن المساواة ضعيفة، فهي غير مستندة إلى مبدأ عدم التناقض، إذن فهي ضرورية معرفيًّا ولكنها ممكنة ميتافيزيقيًّا.
العلاقات الضرورية والممكنة:
(22) أ ← أ
ولدينا:
(23) أ ← ب
ما الفرق بين (22) و(1)، وكذلك بين (23) و(2)؟ الفرق أنها تكون مستندة إلى العلاقة بين موضوعها ومحمولها، وهذه القضايا الحمليّة، وبين المقدم والتالي، وهذه القضايا الشرطية. وكلتاهما تركيبيتان. بالعادة أستخدم في مفهوم العلاقة رمز (ع) -حرف عين-. للدلالة عليها. خصوصًا في الكتابات الفلسفية، وهذا لا يمنع أن للرمز (←) الدلالة نفسها المرادَ منها. لمفهوم العلاقة في الكتابات المنطقية معاني واسعة؛ بل حتى المساواة تُعدُّ علاقة، كما عند روث وكريبكي، ولكنهما يعلمان بأنها علاقة مساواة، متعلقة بالهوية، كما في مقولات الهوية، بعكس العلاقة الشرطية كما في القضايا الاستقرائية، فأنا أستخدم العلاقة بالمعنى الأخير، ومختلف عن المساواة؛ لأن علاقة العرض بالذات، أو المحمول بالموضوع، كما هو في تحريري لمفهوم التركيبية القبلية. ويمكن تفهم العلاقة، بأن بين (أ) و(ب) تلازم.
لنقارن بين (22) و(1)، كأنه لا يوجد فرق، إذا كانت نجمة الصباح فإذن هي نجمة الصباح. وبين نجمة الصباح هي نجمة الصباح؛ ولكن كأنها مستندة إلى الهوية، وكذلك في (23) و(2)، إذا كانت نجمة الصباح فهي إذن نجمة المساء؛ لكن لو ندقق في الإشكالية، فلن نجدها متعلقة بالترميز المنطقي؛ بل باللغة؛ لأنه لو كانت المساواة تعد نوعًا من أنواع العلاقة، كما عند المناطقة الجدد، فهي لا تزال مختلفة عن العلاقة الشرطية في (22) و(23)، ويظهر بأن المساواة أخص من العلاقة الشرطية، فإذا تحققت المساواة كما في نجمة الصباح، فسوف تتحقق العلاقة الشرطية كذلك لأنها أعم؛ ولكن هذا لا يلزم من تحقق الأعم تحقق الأخص، أي إذا تحققت العلاقة الشرطية، فلا يلزم أن تكون مساواة أو متعلقة بالهوية، مثل الحديد يتمدد بالحرارة، لا توجد مساواة ولكن علاقة. وكذلك نقاشي مع كواين، يوضح التفريق، فالذهب معدِن أصفر غير مستند إلى الهوية أو المساواة، ويتضح أنها علاقة شرطية، فالمعدن الأصفر عرض للذهب، بخلاف العدد الذري للذهب 79، فهذه بها مساواة، وهي مقولات متعلقة بالهوية.
ويوجد التفريق الصوري، إن القضايا الشرطية، لكي تكون شرطية، يجب أن تكون مركبة من قضيتين أو توجد نسبة بين قضية وأخرى. لكي يتحقق المقدم والتالي، فالنسبة هي العلاقة الشرطية. ولكن لدينا قضية “4 عدد زوجي” ليست قضية شرطية بل حملية، مع ذلك تتحقق فيها العلاقة الشرطية “4 ← عدد زوجي” أو “4 ع عدد زوجي”. إذا كانت 4 فإذن هي عدد زوجي. يظهر بأن مفهوم العلاقة الشرطية أعم، وتتحقق مع القضايا الحملية أو الشرطية، كما هو الحال مع مفهوم المساواة فهو أخص، ويتحقق مع القضايا الحملية والشرطية، مثل إذا كانت نجمة الصباح فهي إذن نجمة الصباح.
نلاحظ أن الإشكال مجرد لغوي، كما قلنا سابقًا، ومتعلق بالحيز الفلسفي، ولقد قمت بحل هذه المشكلة عن طريق مبدأ التحقق اللغوي، فهو يساعدنا على التفريق بين المعنى الذاتي، المتعلق بالمساواة أو الهوية، والمعنى العرضي المتعلق بالعلاقة الشرطية أو الزائدة. إذا كانت (1+1+1+1) فإذن هي عدد يقبل القسمة على اثنين. فيوجد علاقة بين المحمول والموضوع، وهي ضرورية.
(24) أ □← ب
ولدينا:
(25) أ ◊← ب
في (24) إذا كان (أ) إذن من الضروري ميتافيزيقيًّا في العوالم الممكنة كلها أن تكون (ب). وفي (25) إذا كانت (أ) إذن من الممكن ميتافيزيقيًّا في بعض العوالم الممكنة أن تكون (ب). وهذا المفهوم مستفاد من ديفيد لويس.
(26) مثلث إقليدي □← مجموع زواياه 180 درجة
ولدينا:
(27) ابن سينا ◊← له لحية
نلاحظ الضرورة في (26)، وتوجد علاقة، وإن العرض الزائد على مفهوم المثلث الإقليدي؛ فهي ضرورية في العوالم الممكنة كلها. بخلاف (27) فإذا كان ابن سينا فهي ممكنة ميتافيزيقيًّا في بعض العوالم الممكنة، أن يكون له لحية، فاللحية شيء زائد على مفهوم ابن سينا، ولا توجد مساواة، فهي مجرد علاقة بين الموضوع والمحمول. وكذلك في (26) ضرورية معرفيًّا في عالمنا الحالي-الفعلي-، استنادًا إلى (15). وأما (27)، فسوف تكون مستندة إلى (17)، فتنحصر إما في الضرورة المعرفية أو الإمكان المعرفي، وبما أن اللحية أمر ممكن للإنسان، فهي علاقة ممكنة حتى من الزوايا المعرفية.
(28) الحديد ○← يتمدد بالحرارة
ولدينا:
(29) ابن فضلان ⬠← نقل طقوس الموت عند الفاكينج
في (28)، الحديد ضروري معرفيًّا في عالمنا الحالي-الفعلي- يتمدد بالحرارة. توجد علاقة بين الحديد والتمدد بالحرارة، وكما هو معلوم إن الاستقراء، بها مشكلة، وإن الناقص ظني دائمًا، وبذلك لن تكون ضرورية بل ممكنة، ولكن لنفرض أنها من قبيل الاستقراء التام؛ فسوف تكون ضرورية معرفيًّا في عالمنا فقط، وهي ممكنة ميتافيزيقيًّا في بعض العوالم الممكنة، استنادًا إلى (16). وفي (29) ابن فضلان ممكن معرفيًّا في عالمنا الحالي-الفعلي-، وإنه نقل طقوس الموت عند الفاكينج. واستنادًا إلى (17) فهي ممكنة في بعض العوالم الممكنة.
من (24) استنادًا إلى (15):
(30) (أ □← ب) ← (أ ○← ب)
وكذلك من (25) استنادًا إلى (17):
(31) (أ ◊← ب) ← (أ ○← ب) ⊕ (أ ⬠← ب)
وكذلك من (28) استنادًا إلى (16):
(32) (الحديد ○← يتمدد بالحرارة) ← (الحديد ◊← يتمدد بالحرارة)
أو:
(33) (أ ○← ب) ← (أ ◊← ب)
مفاهيم العوالم الممكنة والعالم الحالي -الفعلي-:
إذا كانت ضرورية ميتافيزيقية في العوالم الممكنة كلها، فهي ضرورية معرفيًّا في العالم الحالي-الفعلي-:
(34) □ ع م ← ○ ع ح
إذا كانت ممكنة ميتافيزيقيًّا في بعض العوالم الممكنة، فهي إما ضرورية معرفيًّا أو ممكنة معرفيًّا في العالم الحالي-الفعلي-:
(35) ◊ع م ← ○ ع ح ⊕ ⬠ ع ح
إذا كانت ضرورية معرفيًّا في العالم الحالي-الفعلي-؛ فهي ممكنة ميتافيزيقيًّا في بعض العوالم الممكنة:
(36) ○ ع ح ← ◊ ع م
ختامًا:
لم ينتهِ العمل بعد، وما يزال بحاجة إلى إضافات واكتمال، خصوصًا من الناحية الفلسفية، ولكن أرى هذا التأسيس كافٍ في الاشتغال على الأنظمة المنطقية والفلسفية، مع الأخذ بالاعتبار ما يتعلق بالمعرفة المستندة إلى المعرفة الذاتية، وهذه مسألة تناقش في مكان آخر، ولكن الأساس الموضوعي للمعرفة يساعد على معالجة المعرفة الذاتية، وهي غير مؤثرة بشكل مباشر في الأنظمة الموضوعية، ومن الممكن أن نتوسع فيها مستقبلًا، وما تشمله من دلالات منطقية وفلسفية.
المراجع:
-Ruth Barcan Marcus, Modalities: Philosophical Essays, (1995).
-David Lewis, Counterfactuals, Reprinted (2003, 2005).
-Saul Kripke, Naming and Necessity, (1981).