المتن الفلسفيالمتن الفلسفي

1/ أسئلة على هامش «جمهورية» أفلاطون – الطيب بوعزة

رغمًا عن أفلاطون صار كتابه الجمهورية المعبر عن فلسفته، والمرجع الذي تؤخذ منه محددات نسقه الفلسفي، دون مراعاة التحول النقدي الجذري الذي أجراه عليه في محاوراته اللاحقة، وخاصة محاورة “برميند”!

أساءت شهرة متن “الجمهورية” إلى كيفية قراءة أفلاطون، حيث صار يقدم في كثير من الكتابات الدارسة له كنسق مقفل، لا كصيرورة من المراجعات النقدية المتتالية.

و”الجمهورية” حسب كثير من مؤرخي الفكر الغربي أول كتاب في تاريخ الفلسفة السياسية. وهذا تقدير لا نقبله إلا بكثير من الاحتراس والحذر، وذلك بالنظر الى ضياع النتاج الفكري لفلاسفة ما قبل أفلاطون، وخاصة الفلاسفة السوفسطائيين الذين كانوا حسب المستفاد من الشذرات الدوكسوغرافية، من أهم منظري القانون والسياسة في المدن الإغريقية وكاتبي دساتيرها، غير أن مكتوباتهم فُقدت، على عكس تآليف أفلاطون التي حفظ التاريخ خمسًا وثلاثين منها بنصّها “الكامل”.

ولا حاجة الى التوكيد على أن متن “الجمهورية” من أثرى النصوص الأفلاطونية، وحقيق بالدراسة التفصيلية المتأنية. إذ لا نرى من الافتعال أن يخصص الفيلسوف الكندي إيفون لافرونس Yvon Lafrance مئتين وخمس وسبعين صفحة لتعداد وتحليل الدراسات ([1]) التي تناولت جزءًا واحدًا من متن الجمهورية هو الكتاب السادس، وأربع مئة وتسعة وخمسين صفحة ([2]) لشرح ذلك الجزء الذي لا يشغل في نشرة هنري إيستيان Henri Estienne لمتن الجمهورية سوى خمسة وثمانين سطرًا!

غير أن الاستشكالات التي تحيط وتخترق المتن كثيرة جدًا. ورأينا الذي نريد تكثيفه في هذه السطور هو باختصار:

يصح أن نحترس من كتاب “الجمهورية ” بدءًا من عنوانه حتى أطروحته التي يتم تقديمها كدالٍّ على الفلسفة الأفلاطونية.

فلم هذا الاحتراس المزدوج؟

 

-1-

في عنوان المتن

 

من حيثية العنوان، لابد من القول بأن أفلاطون لم يكتب “الجمهورية”(ريبوبليكا)، بل كتب “بوليسيا” (Πολιτεία ) أو “بيري بوليسيا” (Περὶ πολιτείας).  وحرفيًا يمكن ترجمة هذا اللفظ الإغريقي الذي اختاره أفلاطون بـ”في المدينة” أو “في الدولة”، أو ترجمته دلاليًّا بـ”السياسة”. أما العنوان الفرعي “في العدالة ” فهو ليس من أفلاطون بل هو إضافة لحقت به منذ القرن الأول الميلادي، من قِبَلِ جامع المتن الأفلاطوني الفيلسوف اليوناني ثراسيل ([3]) Thrasyllus of Mendes، الذي اعتاد أن يثبت تحت العنوان التي اختاره أفلاطون عنوانًا فرعيًا يختزل موضوع المحاورة.

غير أن الترجمات الشائعة استندت على التسمية اللاتينية للمتن بـ (ريبوبليكا) التي وضعها شيشرون، فانساقت الى ترجمة العنوان بمعنى غير مطابق لمدلوله في الأصل الإغريقي. ومنها الترجمات العربية المعاصرة التي نقلت المتن الى اللسان العربي تحت عنوان “الجمهورية”؛ مع أن تراثنا العربي القديم كان قد استعمل عنوانًا أدقّ للدلالة على كتاب أفلاطون هو “السياسة”. وفي هذا السياق يمكن الاستدلال بابن رشد، الذي خص الكتاب بالشرح. وعلى الرغم من ضياع الأصل العربي للكتاب، فالشاهد عندنا، هو كتاب “الذيل والتكملة ” لابن عبد الملك المراكشي، حيث نجد في ترجمته إثباتًا لعنوان كتاب أفلاطون بلفظ “السياسة” لا بلفظ “الجمهورية”، حيث أورد المراكشي عنوان متن بن رشد ([4]) بوسم “جوامع سياسة أفلاطون” ([5]). وهو المستفاد أيضًا من قول ابن رشد في بداية كتابه وفق الترجمة العربية التي أنجزها الأستاذ شحلان نقلًا عن العبرية:” قصدنا في هذا القول إن نجرد الأقاويل العلمية التي في كتاب السياسة المنسوب لأفلاطون في العلم المدني.”([6])

وترجمة عنوان الكتاب بـ”السياسة” وسم أدق من ترجمته ب”الجمهورية”؛ لأن هذا اللفظ الأخير قد يثير التباسًا في وعي المتلقي حيث قد يظن أن أفلاطون مع الحكم الجمهوري، بينما كان شديد الرفض لسياسة المدينة بالنظام الديموقراطي المرتكز على رأي الجمهور.

لكن نظرًا لشيوع عنوان شيشرون؛ فاستعماله اليوم صار ضرورة لاستقامة التواصل في الموضوع. إذ لو تحدثنا بعنوان “السياسة”، لظن القارئ أننا نتكلم عن كتاب أفلاطوني آخر غير الجمهورية.

 

-2-

موثوقية النص وأصوله

“جمهوريتان” لا “جمهورية” واحدة

رغم أن كتاب “الجمهورية” يُعَدُّ من النصوص الموثوق نسبتها إلى أفلاطون؛ فإن ذلك لا يعني خلوه من استشكالات من نوع توثيقي. وعلى الرغم من كون هذا المقال لا نقصد منه استقصاء مختلف الاستشكالات؛ فإنه لابد مع ذلك من بعض الإشارات الوجيزة فيما يخص وثاقة النص:

خلص أوسنر H.Usner ([7])  – الذي كان أول من بحث تاريخ نقل المتن الأفلاطوني – إلى أن المخطوطات التي تم تأسيس نص “الجمهورية” بوساطتها لا تنتمي إلى المرحلة الإغريقية، بل  أصولها في  الزمن “لا تجاوز القرون الوسطى”([8]).  بينما ذهب شيفر Schäfer، وديهل   Diehl و إيميش  Immisch إلى نقد أطروحة أوسنر  مشيرين إلى أن مخطوطات القرون الوسطى  كان لها وصل بالنصوص الإغريقية القديمة. بل يذهب ويلاموفيتز Wilamowitzو باسكالي Pasquali  وكارليني Carlini وغيرهم إلى حد وصل المتن بالأكاديمية الأفلاطونية ([9]).  ومن ثم فإن الحاجز الزمني للقرون الوسطى يمكن تجاوزه إلى مرحلة أقرب زمنًا إلى أفلاطون تصل إلى تلاميذ أكاديميته.

ولحدّ اليوم، تعد – حسب علمنا – الدارسة التي أنجزها جيرار بوترG. J. Boter  (1989) في شأن مخطوطات “جمهورية” أفلاطون أوسع دراسة لتاريخ نقل النص، حيث حاول في القسم الأول من الكتاب استحضار ما غاب عن الدراسات السابقة عليه، أي تعداد “المخطوطات الإغريقية المباشرة” ([10]). غير أن مشروعه لا يعني حسمًا للإشكالات العالقة، بل فائدته أنه يحفز الدراسات الأفلاطونية نحو مسارات بحثية، نرى أنه لم يُشتغل في إطارها لحد الآن.

وإذ أقول ذلك، أشير أيضًا إلى أن ثمة استدراكات كثيرة يمكن أن تُستدرك على عمل بوتر، نُشير هنا على سبيل المثال إلى الاستدراك النقدي الذي كتبه ميكائيل هاسليم  Michael Haslam  في دراسته “عن المخطوطات القديمة للجمهورية” ([11]).

وإذا جاز لنا أن نتعلق بأمل واهم، فيمكن أن نحفز الحلم بفعل المكتشفات الحاصلة في القرن العشرين، أي مخطوطات نجع حمادي بمصر، التي وجدت فيها شذرة من جمهورية أفلاطون، وبالضبط من الفقرة (588 ب – إلى 589 ب) ([12])، إذ أن هذا الكشف يبقي قليلًا من الأمل في أن تظهر مستقبلًا من الشذرات والنصوص ما يمكن أن يضيء مسائل تخص توثيق النص وفهم السرّ في تعدد صيغه.

معلوم أنه كان من عوائد فيلسوف أثينا الإكثار من مراجعة كتبه والتعديل فيها. لكن فيما يخص”الجمهورية”، فإننا نقصد أبعد من ذلك وهو احتمال أن أفلاطون أجرى في المتن تعديلًا لا يخلو من توسّع وشمول؛ الأمر الذي يسمح لنا بأن نفترض أنه انتهى إلى نصين اثنين، أحدهما يمكن أن نسميه بـ”الجمهورية” القديمة، والثاني ب”الجمهورية” الجديدة.

فما الدليل على ذلك؟

هذه الفرضية التي نميل إلى ترجيحها مقاربة لما قال به فوهلنز Pohlenz و بوست Post اللذين رَأَيَا أن “الجمهورية التي بين أيدينا اليوم ليست سوى الطبعة الثانية، المنقحة والمزيدة” ([13])، وأن النسخة القديمة لم تكن تضم سوى الكتاب الأول و”المعطيات الرئيسة ” للكتب الأربعة التالية له، أي من الكتاب الثاني حتى الخامس.

ومن بين أهم مستندات الاستدلال على هذه الفرضية أن أولو جول Aulus Gellius تحدث في متنه “ليالي أثيكية” Noctes Atticae عن وجود نسخة تحمل كتابين فقط من “الجمهورية”، وذلك في سياق حديثه عن “أن كزينوفون لما ظهر كتاب أفلاطون الذي يبحث عن أفضل الوسائل لحكم المدينة /الدولة، قرأ تقريبًا كتابين نشرهما أفلاطون في البداية، ثم كتب ردًّا عليه بكتاب يرتكز على مبادئ مناقضة، حول الحكم الملكي عنونه ب”كيرو بيديا” Κύρου παιδεία (Cyropaedia) أي  “تربية كيروس ([14])”.” ([15])  .

كما تفيد الصفحات الأولى من كتاب طيماوس (من الفقرة 17 ج حتى الفقرة 19 أ) أن أفلاطون قدم تلخيصًا لمتن الجمهورية، لكن الملاحظ أنه لم يذكر سوى الموضوعات التي بحثها في الكتب الخمسة الأولى من متنه ذاك. أقول خمسة كتب أي نصف الكتاب باحتساب النسخة الموزعة بتقسيم ثراسيل إلى عشرة كتب. غير أنه لو قابلنا مضمون تلك الكتب الخمسة على ما قيل عن نسخة أرسطوفان المكونة من أربعة كتب، صار النصف معادلًا لكتابين اثنين من الجمهورية.  ومن هنا يطرح الاستفهام لماذا لم يستحضر أفلاطون في إيجازه ذاك بقية الكتب؟ ألا يفيد ذلك إمكان الظن بأن “الجمهورية” خضعت لاحقا لزيادة حتى استوت في شكلها المعروف؟

ألا يشكل ذلك بعض السند للظن بأن فكرة صدور نسخة من الجمهورية بمقدار نصف المتن، هي ما عارضه كزينوفون في البداية بكتاب”تربية كيروس”؟

من بين المؤرخين الذين رفضوا القول بأن خلاصة متن “طيماوس” تطابق الكتب الخمسة الأولى من متن الجمهورية، الفيلسوف الفرنسي روبير باكو، ومستنده في الرفض أن في “طيماوس” إشارتين موصولتين بالكتابين السادس والسابع. لكننا نخالفه بالسند السابق أي بالإشارة الواردة عند أولو جول، وكذا للفارق الملحوظ بين الكتاب الأول “ثراسيماخوس” والكتب الأخرى مما يرجح فرضية أن نص الجمهورية خضع لتعديلات متلاحقة.

 

-3-

في توقيت كتابة “الجمهورية”

متى كتبت محاورة “الجمهورية”؟

قلنا في البداية إن كتاب “الجمهورية” صار خلال تاريخ الفكر أشهر محاورة أفلاطونية؛ بل إن تلك الشهرة أدت إلى “الإساءة إلى كيفية قراءة أفلاطون، حيث صار يقدم في كثير من الكتابات الدارسة له كنسق مقفل، لا كصيرورة من المراجعات النقدية المتتالية.”

فماذا نقصد بهذا التقويم؟

إن مفتاح فهمه يحتاج منا ابتداءً الى بحث توقيت النص.

ومن أجل ذلك لا يمكن أن نستهدي بالتراتيب القديمة؛ لأن أغلبها وُضع على مقصد التعليم لا على مقصد التأريخ لصيرورة التأليف الأفلاطوني، ففي مدونة ثراسيل Thrasylle مثلًا، وضعت “الجمهورية ” بعد محاورتي “ميكسين” و” كليطوفون”، وقبل محاورتي “طيماوس” و”كريتياس”. وجلي أن الداعي لهذا الوضع لم يكن هو الترتيب الزمني، وهو ذات الأمر بالنسبة للترتيب الذي وضعه، قبل ثراسيل، أرسطوفان البيزنطي ([16]Aristophane de Byzance (257 – 180 ق م)، حيث رتّبها كأول محاورة أفلاطونية. وداعيه إلى ذلك كان هو القصد التعليمي، إذ كان يعتقد أن تدريس الفلسفة الأفلاطونية يستلزم البدء بالجمهورية. وهو ذات اللحاظ التعليمي الذي يحتمل أنه كان حافزا لألبينوس Albinus (القرن السادس الميلادي) عندما رتب الجمهورية بعد محاورتي “ألسيبياد الأولى” و”فيدون”، وقبل محاورة “طيماوس”.

وهكذا نلحظ أن التراتيب القديمة كان يحكمها في الغالب القصد التعليمي لا المعيار الزمني للكتابة. هذا وإن كان بالإمكان أن نلقى أيضًا، في بعض مواضع تلك التراتيب، تتابعًا اعتباطيًا لا تحكمه الغاية التعليمية.

إن إشكالية ترتيب المتن الأفلاطوني تحتاج بحثًا مفصلًا لا يتناسب مع المقام، لكن لا بأس من تقديم رأينا بإيجاز؛ فنقول إن الترتيب الأكثر رجاحة هو أنّ متن “الجمهورية” ينتمي إلى مرحلة “محاورات النضج” التي كانت تأسيسًا لنظرية المثل. وبهذا يصح أن نضم الجمهورية إلى محاوريتن اثنتين هما ” المأدبة” و”فيدرس”. ويرتكز هذا الترتيب على لحاظ تطور الموقف الفلسفي الأفلاطوني، إذ نحرص على وضع الجمهورية قبل أربع محاورات نراها متأخرة، وهي “ثياتيتوس”، و”برمنيد”، و”السوفسطائي”، و”السياسي”، أي تلك المحاورات التي أخضع فيها أفلاطون نظريته في المثل للمراجعة والنقد.

لكن هل يمكن بعد تعييننا لمرحلة متن “الجمهورية” أن نحدد زمن كتابته بالضبط؟

اجتهد كثير من المؤرخين من أجل ضبط زمن كتابة النص؛ فانتهوا الى تزمينات مختلفة، والتوقيت الأكثر رجاحة حسب الكثير من الباحثين هو التاريخ الذي اختاره زيلر، أي بين 374- 372 ق م.  وهو التوقيت الذي وافق عليه أيضا ويلاموفيتز. لكن ثمة اجتهادات أخرى لا تفتقر الى المسوغ، منها ما ذهب إليه تايلور حين حدد زمن الكتابة بين 388 و 389 ق م.

ورغم أننا نحترس كثيرًا من تعيين تاريخ دقيق، فإننا نفترض أن نصّ الجمهورية كُتِبَ في لحظة قريبة من زمن تأسيس الأكاديمية، أي بين 384 -377 ق م. وهو اجتهاد وجدنا أوغست دييس ([17]) قد قال به. وإذ نأخذ به نحن أيضا فذاك لأننا، بالاضافة الى ماسبق، نراه مناغما لأطروحتنا في ترتيب هذه المحاورة قبل المحاورات التي نقد فيها أفلاطون نظرية المثل، أي قبل “طيماوس” و”ثياتيتوس” و”برمنيد”…

ذاك عن زمن الكتابة بالقياس الى تآليف أفلاطون، أما الزمن السردي، فيمكن أن نلتقط من المتن إشارات تفيد بأن الأحداث تجري خلال حرب البلوبونيز. ومعلوم أن تلك الحرب وقعت بين عامي 404 و431 قبل الميلاد.

 

 


[1] – Yvon Lafrance, Pour interpréter Platon – Vol.I : La Ligne en République VI, 509d-511e. Bilan analytique des études ( 1809-1984), Montréal : Bellarmin, Coll. «Noêsis», 1984, 275 p.

[2] – Yvon Lafrance, Pour interpréter Platon – Vol. II: La Ligne en République VI, 509d-511e. Le texte et son histoire, Montréal : Bellarmin, Coll. «Noêsis», 1994, 459 p.

[3] – نشرة ثراسيل ذات قيمة كبيرة في جمع التآليف الأفلاطونية، غير أنه لم يكن أمينًا في نسبة المكتوب إلى أفلاطون، حيث نلقى في تلك النشرة ثلاثًا وأربعين محاورة. غير أن النقد التوثيقي خلص الى أن خمسًا وثلاثين منها أصيل، أما الباقي فمنحولٌ.

[4] – ليس ثمة دليل جازم على أن ابن رشد كان بين يديه نص ترجمة متن أفلاطون إلى العربية، و يمكن الافتراض بأنه اطلع على محتوى ذلك المتن من “جوامع ” جالينوس، ومعلوم أن هذا هو ما ينافح عنه إرفن روزنثال؛ لكننا نجد ابن رشد، خلال النص، يستدرك على جالينوس في أكثر من موضع، ويخطئه، بل يبين ما استشكل عليه، وهذا أمر يثير فرضية مقابلة وهو أنه يحتمل أنه كان بين يديه نص آخر غير متن جالينوس، أو ربما ترجمة ما لكتاب “الجمهورية” إلى العربية استطاع بها أن يستدرك على جالينوس.  وما يمكن أن يعزز هذا الفرض هو قول ابن النديم في “الفهرست” – وكذا القفطي في “تاريخ الحكماء” – بأن حنين بن إسحاق “فسر” كتاب “السياسة” لأفلاطون، فهل نقول بأنه كان يعني “نقل” أي ترجم ومن ثم يكون لكتاب السياسة نص ترجمة عربية من حنين؟

أجل إن اللفظ المستعمل في كتاب ابن النديم وكتاب القفطي هو لفظ ” فسر” وليس “نقل الى العربية”:

حيث يقول ابن النديم ” كتاب السياسة. فسره حنين بن إسحاق”.

ابن النديم البغدادي، الفهرست، تح رضا – تجدّد، ص 306.

لكن رغم استعمال لفظ “فسر” يرجح عبد الرحمن بدوي بأن معناه هنا هو ” ترجم”، انظر:

Abdurrahman Badawi,La transmission de la philosophie grecque.Vrin,Paris1968,p37

فما الفرض الذي نذهب في مساقه؟ أصوب ما نرى انتهاجه هنا هو القول بأن هذه الفروض جميعها تبقى عالقة؛ لأنه لم يثبت لحد الآن ما يسمح بتوكيد أحدها، هذا فضلًا عن أن ترجمة حنين مفقودة للقياس عليها.

[5] – وعلى ذكر الوارد في “الذيل” و”التكملة” يجوز أن نتساءل: هل عدل المراكشي في العنوان فأخطأ في إثبات نعت الجوامع الذي له دلالة خاصة في توصيفات ابن رشد لنصوصه، متمايزة عن دلالة المختصر؟

هل نذهب مذهب من يشكون في إثبات لفظ الـ”جوامع” في عنوان متن بن رشد؟

ليس المقام مناسبًا لبحث مسائل كهذه خارجة عن موضوع دراستنا هنا، فلنكتف بالإشارة إليها، ولنستبق منها ما يهمنا وهو عنوان كتاب بن رشد بصرف النظر هل هو جوامع أم مختصر، حيث غرضنا هو أن اللفظ الذي استعمله الفلاسفة العرب القدماء للدلالة على كتاب أفلاطون هو “السياسة” وليس “الجمهورية”.

[6] – ابن رشد، الضروري في السياسة، مختصر كتاب السياسة لأفلاطون، ترجمة د. أحمد شحلان، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة 1، بيروت 1998، ص 71.

[7] – H.Usner,Platontext,NGG 1892,nr.2,25-50,nr.6,181-215,reprinted in kleine Schriften,III(Leipzig-Berlin 1914),cité Par Gerard. J. Boter The Textual Tradition of Plato’s Republic, BRILL, 1989 ,p19.

[8] – H.Usner,Platontext, kleine Schriften,III,Leipzig-Berlin 1914,p155,cité Par G. J. Boter The Textual Tradition of Plato’s Republic ,ibídem.

[9] – انظر:

  1. J. Boter The Textual Tradition of Plato’s Republic ,ibidem.

[10] – G.J. Boter The Textual Tradition of Plato’s Republic ,ibid,pp25-100.

[11] -Michael Haslam, On Ancient Manuscripts of the “Republic”, Mnemosyne, Fourth Series, Vol. 44, Fasc. 3/4 (1991), pp. 336-346.

[12] – الملمح الفكري المميز لمخطوطات نجع حمادي هو النزوع الغنوصي، ولذا حتى الترجمة التي قام بها المترجم القبطي لشذرة “الجمهورية” تنم عن سوء فهم للفلسفة الأفلاطونية، وحرص على إسقاط الدلالات الغنوصية عليها.

[13] – Robert Baccou, Platon, œuvres complètes , la république , Librairie Garnier freres ,Paris,pII.

نخالف روبير باكو في نفيه لهذه الفرضية.

[14] – كيروس اسم ملك فارسي.

[15] – Aulu-Gelle, Noctes Atticae,XIV,3,3.

[16] – ترتيب أرسطوفان البيزينطي يستحضره ديوجين اللايرسي.

[17]– Auguste DIÈS,Introduction à la République (éd. Chambry, Paris, Les Belles-Lettres,

1932),p. CXXIV à CXXXVIII .cité par Robert Baccou,Platon, œuvres complètes ,la république,ibidem.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى