تُعرف رواية يوليسيس -أعظم روايات جايمس جويس- بريادتها لتيار الوعي في طريقة السرد؛ حيث يتجلى فيها تدفق أفكار الشخصية على الورق تِباعًا، وقد سجلت الرواية -في إحدى الابتكارات العديدة التي صدمت المشاعر التقليدية- انطباعات غير أدبية، مثل: التخيُّلات الجنسية، واللغة العامية الشائعة، وتدخل الإعلانات العامة في الأفكار الخاصة.
صار من الصعب، بعد قرن من الزمان، تخيل أماكن عامة لا تتغلغل فيها الإعلانات أو الأفكار الخاصة غير المُشكَّلة -وإن كان على نحوٍ يكاد لا يُلاحَظ- من خلال التعرُّض على مدى الحياة للكلمات والصور المُستخدَمة لبيع أشياء كثيرة لنا. إذ إن تصوراتنا عن الجاذبية، والحياة الجيدة، والشكل الذي يجب أن يبدو عليه المواطن، وغيرها، تتشكَّل من المساحات التي تُمنح باطراد للمصالح التجارية.
هل هناك طريقة لاستعادة تلك المساحة؟ تتمثل إحدى الإجابات -التي يطلق عليها أحيانًا التشويش الثقافي باتباع نفس مبدأ تشويش الإشارات اللاسلكية- في تقويض الإعلانات أو حظرها تمامًا. وهناك طريقة فجَّة، ولكنها فعالة، وهي طريقة جداريات الشوارع: لا يعجبك إعلانًا ما؟ غطِّه فحسب بالطلاء البخاخ، أو غيِّر الكلمات إلى رسالة مقبولة أكثر. صنعت مجموعة Adbusters الكندية المناهضة للاستهلاك في عام 2005م، على نحوٍ يتسم بحذاقة أكثر، جهاز TV-B-Gone؛ وهو جهاز تحكم عن بُعد عام يمكنه إغلاق أي تلفزيون تقريبًا حتى الشاشات المنتشرة في الأماكن والساحات العامة.
انتقلت الإعلانات، مثلما انتقلت حياتنا، إلى الإنترنت. ثمة محاولات هنا أيضًا للتشويش على إشارة الإعلانات. إذ يمكن، بدرجات متفاوتة من النجاح، تثبيت «أدوات حظر الإعلانات» في متصفحات الإنترنت؛ لإلغاء الإعلانات، أو تحويلها إلى صور قطط إذا كنت تفضل ذلك. وتقدم الكثير من الخدمات الآن، استجابةً لإرهاق الإعلانات، خيارات الاشتراك المجاني “فريميوم” والاشتراك المتميز “بريميوم”، مما يتيح للعملاء الدفع مقابل ميزة عدم رؤية الإعلانات. إنه ليس العالم الذي تخيله مشوشو الثقافة: المساحات الخالية من الإعلانات هي المجتمعات المغلقة للأغنياء.