افتتاحيّة
حظي استخدام الدراما في التعليمفي السنوات الأخيرة باهتمام كبير من قبل نخبة من المنظرين والممارسين للدراما في مجال التعليم. ومع أنّ عددًا من المعلّمين والمعلّمين المتدرّبين يشككّون في جدوى أسلوب الدراما في التعليم، لأسباب ذاتيّة أو موضوعيّة، إلّا أنّ التعمّق في أسلوب الدراما والتعامل معه بنوع من التبصّر والفهم، وتجريب كافة استراتيجياته، سيبدّد الشكوك بشأن جدواه، وسيفتح إمكانيّة استكمال أهداف لطالما حلمنا بتحقيقها. وبؤرة هذه الأهداف هي استكمال التربيّة والتعليم معًا.
وأقصد هنا: بالتربيّة التعلّم الشخصيّ والاجتماعيّ بما في ذلك اللغة، والتطوّر الأخلاقي، والروحي. وأقصد بالتعليم، تعليم المهارات وموضوعات المنهاج الدراسيّ. ورغم أنّ المنهاج الدراسيّ ينادي أحيانًا إلى التركيز على جوانب النموّ الشخصيّ للطلّاب، إلّا أنّنا على مستوى الممارسة نغفل هذا الجانب ونشدّد على اكتساب المعارف. ممّا يدلّ على أنّ المنظومة التعليميّة تضع الأهداف وتفتقد الأسلوب.
واستقصاء لتطوّر الدراما في التعليم، ننظر في المقاربات الثلاث لاستخداماتها كوسيط تعليميّ. وكلّ مقاربة للدراما تحمل تصوّرًا خاصًّا لتخطيط حصّة الدراما الصفيّة، مستخدمة الاستراتيجيّات، والتقنيّات، والأنشطة الدراميّة، التي تراها ملائمة للغايات التي تتمنّاها. وتتمثّل هذه المقاربات في مقاربة الدراما كشكل فنيّ، ومقاربة الدراما في التعليم، والمقاربة التكامليّة.
أولا: مقاربة الدراما كشكل فنيّ
استُخدمت هذه المقاربة بغاية دعم النموّ الشخصيّ والتشغيل الذاتيّ للمتعلّمين. وهذا النوع من الاستعمال للدراما يطلق عليه أيضًا الدراما الخلّاقة لأنّها تمنح كلّ طفل وسيلة للتعبير عن ذاته، وقيادة خياله الإبداعيّ، وتزوّده بمتنفّس انفعاليّ محصَّن، وتساعده في بناء مواقف وتقديرات جيّدة، وتعطيه فرصًا ليترعرع في جوّ التعاون الاجتماعيّ. وتبعًا لطبيعة البيئة الدراميّة التي تحتضن التعلّم، يستطيع الأطفال أن ينالوا الثقة، ويعبّروا عن أنفسهم بشكل دراميّ، ويشعروا بالرضا عن العمل بنجاح مع المجموعة، ويتعلّموا كيف يتحكّمون في انفعالاتهم وسلوكاتهم. وتستطيع الدّراما أيضا مساعدة الأطفال لنيل أهدافهم مثل الفهم العاطفيّ، والتركيز، والتنشئة على التواصل الصحيّ، وتحسين قدراتهم على التعاون والتفكير الناقد. وعموما فإنّ هذ المقاربة للدراما تشدّد على النموّ الشخصيّ للأفراد باستخدام تمارين الدراما المناسبة في مجالات سبعة هي الكلام، والتركيز، والانفعالات، والإحساسات، والخيال، والجسد، والذهن (Özbek, 2014). ويتبيّن هنا بأنّ مقاربة الدراما كشكل فنيّ تنحو إلى التبئير على تطوير مهارات مسرحيّة، وتنميّة الذوق المسرحيّ، وشحذ مهارات الأداء المطلوبة لإخراج مشهد في مسرحيّة تتجسّد فيه شخصيّة الطلّاب. وعبر سيرورة الدراما والتفاعل المستمرّ مع تجارب النصوص المسرحيّة تتنامى شخصيّة المتعلّمين.
بنية حصة الدراما من منظور مقاربة الدراما كشكل فنية
بالنظر إلى الأهداف المُراد تحقيقها بالدراما كشكل فنيّ، سنقدم للقارئ بنية تخطيط حصّة الدراما حسب المنظّرة “وارد وينفريد” (Ward Winifred). تبدأ “وارد” حصّة الدراما بأنشطة إحمائيّة، تنتقل بعدها إلى تخطيط المشاهد المراد تمثيلها، ثمّ تُمثَّل المشاهد، وتُقيَّم، وأخيرًا تأتي أنشطة التهدئة. في هذا النوع البدائيّ والخطيّ لقيادة دراما غرفة الصفّ، وبعدَ محفّزات الإحماء بهدف جعل الطلّاب أكثر استرخاءً واستعدادًا للتجربة الانفعاليّة، والبدنيّة، والمعرفيّة، فإنّ “وارد” تشير إلى تخطيط المشهد، بناءً على النصّ الذي يُختار مع الطلّاب، كما لو أنّهم سيِؤدّونه. ورغم كون المشاهد المُعدَّة للتمثيل غير موجَّهة إلى الجمهور، إلّا أنّ عمليّة الإعداد لها تُدار بغاية الجديّة. وبعد تمثيل المَشاهد، يُقيّم الطلّاب عملهم، واصفين نقاط القوّة والضعف في أدائهم. وبعد تحسّن الأداء، يُعيدون تمثيل المشاهد، إذا لزم الأمر. هذا العمل المتواصل يُتوّج بأنشطة الاسترخاء، وتقييم عام لعمل الصفّ، ويُقفل بتمارين التهدئة (Özbek, 2014).
وبالتأمّل في بنية “وارد” لتخطيط حصّة دراما، نتبيّن أنّ التبئير يكون على الشكل الفنيّ للدراما. فالمَشاهد الدراميّة التي سيؤدّيها الطلّاب بناءً على نصّ اختير مُسبقًا، تستهدف الجوانب الانفعاليّة، والبدنيّة، والمعرفيّة، وعلى الطلّاب قبل الدخول في التجربة الدراميّة تحفيز هذه الجوانب استعدادًا للاشتغال عليها، وتنميتها تفاديًا للاصطدام الفعليّ بأحداث ومضامين التجربة الدراميّة. وكما يحتاج الجسد إلى تدابير وقائيّة قبل انطلاق النشاط الرياضيّ، فكذلك هو الأمر بالنسبة إلى الانفعال والمعرفة. وفي نهاية الأداء الدراميّ يُقيِّم الطلّاب مسيرة عملهم، بالنظر في أدائهم الانفعاليّ، والجسميّ، والمعرفيّ، وتحديد نقاط القوّة والضعف فيه. ثم يُعاد التمثيل لتطوير الأداء، لأنّ تطويره في كلّ مرّة يعدّ مؤشّرا على الانتقال إلى مستوى انخراط أعلى من سابقه، وعلامة على النموّ الشخصيّ. وقبل الانتهاء من حصّة الدراما يُقيَّم العمل ككلّ، وتُدار أنشطة الاسترخاء.
ثانيا: مقاربة الدراما في التعليم
وعلى النقيض من الموقف من الدراما كشكل فنيّ يُبئّر على النموّ الشخصيّ وليس على موضوعات المنهاج الدراسيّ، وينظُر إلى الدراما كموضوع معزول في المناهج الدراسيّة، فإنّ مقاربة الدراما في التعليمتشتمل على إعداد بيئة دراميّة مبتكرة، يتعلّم فيها الطلّاب موضوعات المنهاج الدراسيّ عبر لعب الأدوار، واستعمال تقنيّات دراميّة أخرى أثناء عملهم الاستقصائيّ. ويُنظر إلى الدراما في هذه المقاربة كوسيط للتعليم والتعلّم. ويكمن سبب تمسّك المنظّرين بهذه المقاربة، في كون الدراما تشدّ المتعلّمين، حيث تبني على العفويّة، وتصنع فعل التصديق الخاصّ باللعب الدراميّ، وتُبئّر على عناصر المستوى الملموس بدل المجرّد. والأعظم من هذا كلّه أنّ الدراما عمليّة سياقيّة. وتعدّ المربّية والمنظّرة “دوروثي هيثكوت” (Dorothy Heathcote من أبرز روّاد مقاربة الدراما في التعليم، وهي تستعمل الدراما لتدريس موضوعات المنهاج الدراسيّ. وما يشدّ اهتمام “هيثكوت” هو مدى قدرة الشكل الفنيّ للدراما على استكشاف المنافذ، والأحداث، والعلاقات الإنسانيّة المهمّة. وهذا التصوّر للدراما كاستكشاف، أو كوسيط تعلّمي، هو الهدف الأبرز لعملها، وهو ما يميّزها عن سابقيها من المنظّرين (Özbek, 2014). ويبدو أنّ السمة الخاصّة لهذه المقاربة هو اعتمادها على خلق سياق دراميّ تخييليّ، وبناء الأدوار ضمن هذا السياق على التصديق (التعاقد، والالتزام به مرحليًّا)، واستكشاف الأحداث بشكل ارتجاليّ (عبر دراما الدور، أو عباءة الخبير، أو المحاكاة، أو الارتجال، وغيرها)، واستخدام المعلّم في دور. وتتّجه كافّة هذه العناصر المميّزة لهذه المقاربة نحو خلق بيئة دراميّة (غرفة الصفّ تتحوّل إلى سفينة، أو غابة، أو مقهى، أو غيرها) تصلح كوسيط للتعلّم عن موضوعات المنهاج، في بيئة وقائيّة معدّة بعناية، توفّر نسبيّا شروط التعلّم الأساسيّة، وهي عند “هيب” و”بويل”: اللعب والتعلّم في سياق، وامتلاك التعلّم، والتمثيل الرمزيّ للخبرة (بويل وهيب، 2009). ويبدو أنّ هذه المقاربة تسير نسبيّا، وبشكل ضمنيّ، في اتجاه المقاربة التكامليّة للدراما.
بنية حصّة الدراما من منظور مقاربة الدراما في التعليم
اتخذت بنية الدراما من منظور مقاربة الدراما في التعليم بنية أكثر تطوّرًا، من حيث التفاعل بين أطر التعبير، وأطر المعنى. وتعدّ عباءة الخبير مقاربة قائمة على الاستقصاء الدراميّ للتعليم والتعلّم، وطريقة متكاملة يتعلّم عبرها الأطفال كلّ مجالات المنهاج الدراسيّ، عن طريق لعب أدوار خبراء ينخرطون في مشروع رفيع المستوى لأجل زبون مُتخيَّل. في هذه التقنيّة، تنتقل السلطة والمسؤوليّة من المعلّم إلى الطلّاب، فيشعر المتعلّمون بالاحترام لاعتلائهم مواقع الخبراء، ويستكشفون بتبصّر وفهم انشغالات الخبير المختلفة، ويتزوّدون بالتماسف من التجربة عبر مدوّنات مهنيّة (Özbek, 2014).
من هنا تأتي ضرورة التخطيط بعناية لحصّة الدراما، عند اعتماد مقاربة عباءة الخبير. ويشدّد التخطيط على إعداد دقيق للمهامّ حسب مستويات الانخراط المطلوبة، والالتزام بمضمون المنهاج. ويضع كلّ من “غيفن بولتن” (Gavin Bolton) و”هيثكوت” أسئلة يتوجّب على المعلّم طرحها قبل البدء بالدراما، وهي كالآتي:
- ما صنف المعرفة/ المعلومة قيد الدراسة؟
- ما المهارات التي يتطلّبها هذا النوع من المعرفة؟
- ما الألعاب الضروريّة لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصّة في الصفّ الدراسيّ؟
- ما الذي سيجعل الأطفال يتوصّلون إلى المعايير ويتبنّونها؟
ولاستخدام ناجح لعباءة الخبير يقدّم “بولتن” و”هيثكوت” التوجيهات التالية:
- عرض مجال الخبرة بفعاليّة، بالجمع بين كلام المعلّم وصورة بصريّة.
- يأخذ المعلّمون أدوارهم، ويلعبونها مع الأطفال، ضمن عمليّة متواصلة للدراما.
- يتوجّب على الأطفال اختيار أدوارهم ليشعروا بسلطة الوظيفة التي يشغلونها (وَهْمُ امتلاك السلطة).
- عبْر هذه الأدوار على الأطفال كمجموعة نسج معالم الماضي، والحاضر، والمستقبل، للعالم الدراميّ (Özbek, 2014).
ثالثا: المقاربة التكامليّة
استجابة لازدواجيّة الموقف من الدراما، مثّل منتصف القرن العشرين انعطافًا نحو مقاربة وُصفت بالمقاربة التكامليّة. فتوجَّه العديد من المنظّرين والممارسين للدراما بدراساتهم نحو وضع الدراما في بؤرة المنهاج الدراسيّ. وفي اعتقادهم، أنّ العمليّات الدراميّة عليها أن تُستخدم في آن واحد للتعلّم عن الموضوع والارتقاء بالنموّ الشخصيّ للمتعلّمين. ووفّروا أدلّة قويّة دفاعًا عن استعمال الدراما أولًا كأداة للتعليم والتعلّم، وثانيًا كشكل فنيّ يدعم النموّ الشخصيّ. وبحسب “بولتن” الرائد في ميدان التنظير لهذه المقاربة التكامليّة، فإنّ جزءً عميقًا من التعلّم يتحقّق كما يجب، حينما تتمّ بنينة التجربة الدراميّة بطريقة تجعلها تستجيب، وبشكل تزامنيّ، لمطالب الأهداف التعليميّة وللشكل الفنيّ (Özbek, 2014). ويعدّ كتاب “تخطيط الدراما التكونيّة” لـ”هيب” (Brian Heap) و”بويل” (Pamela Bowell) مرجعًا أساسيًّا لمن يريد اختبار هذه المقاربة التي يتحقّق فيها التعلّم في تصنيفات واسعة تتضمّن؛ التعلّم عن الشكل الفنيّ، والتعلّم الشخصيّ والاجتماعيّ، بما في ذلك اللغة، والتطورّ الأخلاقيّ والروحيّ، والتعلّم عبر المنهاج. وحسب “هيب” و”بويل” فإنّ الأهداف التعلّميّة سواء كانت شخصيّة أم اجتماعيّة، تكامليّة أم حول الشكل الفنيّ، فإنّ الطريقة الأكثر فعاليّة لضمان تحقّق تلك الأهداف، تكمن في تخطيط أفضل التجارب الدراميّة الممكنة (بويل وهيب، 2009).
بنية حصة الدراما من منظور المقاربة التكامليّة
يقتضي منّا تخطيط الدراما أوّلًا تحديد مجال التعلّم أو موضوعه، وتحديد السياق الخاصّ بالدراما والذي فيه وعبره سيتمّ التعلّم، وتاليًا نحدّد أدوار الطلّاب والمعلّم، وبعدها ننتقل إلى تحديد الإطار أو التوتّر الدراميّ، ثم الإشارات أو العلامات المهمّة في الدراما، وأخيرا نختار الاستراتيجيّات الملائمة لتنفيذ الدراما (Kristiansen, 2011). ويمكن توضيحها كالآتي:
- الموضوع/ مجال التعلّم
يعدّ تحديد الموضوع أو مجال التعلّم أهمّ خطوة في تخطيط الدراما التكونيّة، ويتعيّن في هذه الخطوة الإجابة عن السؤال: في أي مجال أريد أن يتعلّم الطلّاب، وحول أيّ موضوع؟
- السياق
توجد ثلاثة أنواع من السياق حسب “هيب” و”بويل”، والتي على المعلّم أن يعرفها وهو يضع تخطيطًا للدراما. الأوّل هو السياق الواقعيّ أو الحياة الواقعيّة، والذي بموجبه يتعيّن تحديد العناصر الماديّة المناسبة مثل عمر الطلّاب، وصحّتهم الاجتماعية، ونوعهم الجنسيّ، وتجاربهم اليوميّة، وثقافتهم. هذه العناصر كمعطى أوليّ، تُمثّل منطلق بناء السياق الدراميّ. أمّا السياق الثانيّ فهو السياق التعليميّ، وهو سياق يتمّ فيه تحديد الإطار العامّ الذي يندرج تحته موضوع التعلّم، وثالثًا هناك السياق الدراميّ، وهو أهمّ سياق، حيث إنّه يجذب الطالب للانخراط انفعاليًّا ومعرفيًّا، ويثير اهتمامه وفضوله، ممّا يخلق لديه حافزيّة للتعلّم.
- الدور
بديهيّ كلّ البداهة أنّ الأدوار ذات صلة بالسياق، وحسب “هيب” و”بويل” فإنّ الأدوار عليها ألّا تكون فرديّة، حتّى يشترك الجميع في الدراما ويسهل الاتفاق. وعندما يكون الصفّ في دور، فإنّ للمعلّم أن يلعب دورين؛ الأوّل هو الدور الذي اضطلع للقيام به في السياق الدراميّ، وعلى المعلّم ألّا يكتسب من هذا الدور سلطة مباشرة (بدل دور المدير يلعب دور مساعد المدير)، بحيث عندما يفوضّ لهم السلطة، يغدو من الصعب عليهم تخيّل أنّ بإمكانهم استخدامها في أدوارهم. إنّ دور المعلّم في هذا المستوى، هو جعل الطلّاب يحتفظون بوهم السلطة. أمّا الدور الثاني للمعلّم، فيتجلّى في لعب دور الآخر، قد يكون خبيرًا، أو شاهدًا، في محكمة، أو متّهم، في حين يلعب الطلّاب دور المحامين، ويكونون بحاجة إلى محاورة المعلّم.
- الإطار
يعدّ الإطار وسيلة لإنتاج التوتّر الدراميّ، وضرورة للمشاركة النشطة، ومبرّرًا لاهتمام الطلّاب بالدور. إنّ الإطار يُحيل إلى وجهات نظر الأفراد، إنّه يعطي نظرة شموليّة عن طريقة تموضع المشاركين في علاقتهم بالفعل الذي يتكشف في الدراما. إنّه مجموع القيم والمعايير التي تؤمن بها فئات خاصّة في علاقتها بسياق خاصّ. ويُبنى الإطار الدراميّ على التوتّر والتماسف (يبرز دور التماسف بشكل كبير في التجارب الإنسانيّة الحسّاسة لتفادي الصدمات، ويعمل بشكل جدليّ مع متغيّر التوتر).
- الإشارة
لخلق معاني في الدراما التكونيّة نلجأ إلى الإشارات. فمن الأهداف الأساسيّة للدراما طريقة إعداد السياق بواسطة الخيال الجمعيّ. وقد تتضمّن الإشارات موادّ، وأشياء شخصيّة، وأصوات، وصور، وغيرها ممّا نحتاج إليه لإضفاء أهميّة على أحداث الدراما. ويتحدث “هيب” و”بويل” عن أنواع مهمّة للإشارة، منها اللاقطة والتي تخلق التوتّر الأساسيّ في الدراما، وإشارات المعلّم لبناء دوره، للإيذان بشيء ما أو الإنذار به (بما سيأتي في المستقبل)، وقيادة الطلّاب في اتجاه معيّن. والإشارات التي أعدّها الآخرون مثل أرضية المبنى.
- الاستراتيجيّات
يتعلّق الأمر بكيفيّة تنفيذ الدراما مع الطلّاب. ونظرًا لصعوبة تصنيف الاستراتيجيّات بشكل واضح، بالنظر إلى عددها الهائل، نكتفي هنا بعرض التصانيف الأربعة المؤطّرة لها، وهي: بناء السياق، وبناء الحكاية، وتعميق التجربة، والتفكير بالدراما (التأمّل). ويتمّ تنفيذ الدراما في عمليّة متواصلة لحصص الدراما، ويعود للمعلّم قرار اختيار الاستراتيجيّات، والتقنيّات، والأنشطة، لخلق أفضل التجارب الدراميّة.
يعدّ التخطيط الجيّد لهاته العناصر الستّة، والدمج بينها فنيًّا، خلقًا لدراما قويّة تشجّع على الإبداع، والتخيّل، والتذوق الجماليّ، والأداء. إنّ الدراما حسب “هيب” و”بويل”، هي وسيلة قويّة للتعاون والاتصال، اللذين يمكنهما تغيير الطرق التي يشعر بها الناس ويفكّرون ويتصرفون بها، وعن طريق عناصرها الفعّالة والمؤثّرة، فإنّها تشحذ القدرة على الفهم، وتقوّي التعبير الشخصيّ، وتنمّي المعرفة الفكريّة والعاطفيّة.
خاتمة
رغم تعدّد مقاربات الدراما في التعليم، فهي تسير في اتجاه واحد هو خلق نوع إنسانيّ متفوّق في كافّة المستويات، وتجنّب هدر الطاقة الإنسانيّة في مقاربات غير قابلة للتطبيق، وغير صالحة للأهداف. إنّ الصيغ التي نستخدمها عادة في تعليم القيم والأخلاق تتراوح بين الترغيب والترهيب، وتأتي إمّا على شكل “لا تفعل لكيلا”، أو “من الأفضل لك أن تفعل كذا بدل كذا”، أو “من الواجب القيام بكذا”. وفي ما يخصّ تعليم المعارف فإنّها تُقدّم معزولة عن سياقها، بحيث يتساءل الطلّاب عن جدوى الكثير مما يتعلّمونه في غرفة الصفّ. لذلك يأتي التعليم بالدراما التكونيّة، أو الدراما في سياق تعلّميّ، كأسلوب منفتح ومتطوّر ومجرّب في العديد من الدول، في كافّة المستويات الدراسيّة، ليمدّنا بطرق تكامليّة، تجعلنا في نهاية كلّ حصّة دراما، نسجّل مدى استجابة الطلّاب لأهداف التخطيط. وإذا كان الطالب يتعلّم موضوعات المنهاج الدراسيّ عبر الدراما وينميّ الشخصيّة ويتعلّم عن الشكل الفنيّ للدراما، فإنّ النموّ الاجتماعيّ والنفسيّ والأخلاقيّ يظلّ السمة البارزة للتعليم والتعلّم بالدراما. إنّنا في منظوماتنا التربويّة ننشغل بموضوعات المنهاج ونهمل الشخصيّة، في حين لو انشغلنا بشخصيّة الطلّاب لاهتدينا إلى الأسلوب الملائم لكافّة الأهداف التعليميّة. إنّنا في مجتمعنا، بكلّ مؤسّساته، بحاجة ماسّة إلى أفراد متعلّمين؛ ذوي تكوين معرفيّ ومهاريّ جيّد، ولكنّنا بأمسّ الحاجة أكثر إلى أفراد يحترمون المواعيد، وصادقين، ومسؤولين، ومتعاونين، ومتفهّمين، ومستقلّين، وواعين بأنفسهم وبالآخرين، وغيرها من الصفات القادرة على تغيير المجتمع والنهوض به. ويبدو لي بأنّ تجربة الدراما التكونيّة يمكنها أن تحدث فرقًا وتُحقّق المأمول.
المراجع
- بويل، ب. وهيب، س، ب. (2009). تخطيط الدراما التكوّنيّة. (ترجمة: عيسى بشارة) ط1. مؤسّسة عبد المحسن القطّان.
- مورغان، ن. وساكستن، ج. (2012). تدريس الدراما عقل لتساؤلات كثيرة. (ترجمة: عيسى بشارة) ط1. مؤسسة عبد المحسن القطان.
- Kristiansen, A., (2011). Planning Process Drama – Can Drama and Learning Styles
- improve Education? 10/12/2014. http://rudar.ruc.dk/handle/1800/6474.
- Özbek, Gökçen. (2014) Drama in Education: key conceptual features. Journal of Contemporary. Educational Studies. 1, 46–61.