النقاط الرئيسة
- إن أغلبية الناس لا يتطلعون إلى التواصل مع غرباء جدد.
- ومع ذلك، يجد معظم الناس أن مثل هذه التجارب مجزية أكثر مما يتوقعون.
- يتطلب التَّعَوُّد على عادة الأحاديث القصيرة الممارسة والتدرب.
أريد أن أكون شخصًا طيبًا وودودًا.
لكنني لا أعرف كيف أتصرف كذلك – ديفيد بيرمان
منذ عدة سنوات، كنت أصطف أمام الجمعية التعاونية المحلية ورأيت زميلة ترتدي قميصًا لفرقة Old 97’s، فاجأت نفسي عندما قلت بهدوء عبارة بدت بليغة “آه، Old 97’s!” مع حركتي المعتادة، رُفِعَ حاجبي بشكل غريب.
ولحسن الحظ، فإن محاولتي الفاترة للتواصل الإنساني نجحت بشكل أدهشني، والمرأة التي كانت ترتدي القميص، وزوجها وطفلها وحتى والديها أصبحوا الآن أصدقاء مقربين للعائلة ودونهم ستكون حياتي ناقصة بعض الشيء، وبناءً على ذلك، قد يعتقد المرء أنني اعتدت تكوين العلاقات على أساس التصريحات العامة بالاهتمامات المشتركة، أليس كذلك؟
عزيزي القارئ، أصدقك القول إن ذلك ليس صحيحًا.
في الواقع، أنا وأصدقائي كثيرًا ما نمزح حول مدى عدم توافق طبيعتي مع هذا التبادل، وكيف يمكن أن يفسر ذلك أن لدي 7 أصدقاء فقط، مثل الرجل في الإشارة الغنائية المذكورة أعلاه، أنا بشكلٍ أو آخر متقارب مع الود، ربما تكون هذه هي الطريقة الخاطئة للعيش، وعلماء النفس يعرفون ذلك.
تعرف على جيليان ساندستروم، (إذا كنت تعيش في منطقة معينة في إنجلترا، فإن حسابها المفيد والمسلي على تويتر يقودني إلى الاعتقاد بأنك ربما تعرفها بالفعل)، إنها طبيبة نفسية مختصة في علم النفس الاجتماعي والشخصية في جامعة ساسكس، وكانت تدرس تأثير العلاقات الضعيفة -في المختبر وفي العالم- فترة من الوقت.
الرابطة الضعيفة هي علاقة اجتماعية عابرة مع شخص ليس له أهمية خاصة في حياتك، على عكس الروابط القوية التي تُشَكِّلُ علاقات أعمق وأوثق، ولقد تبين أن العلاقة التي ذكرتها أعلاه كانت عبارة عن رابطة ضعيفة -فقد كنا نعمل في المكان نفسه- وأدى ذلك في النهاية إلى تكوين رابطة قوية.
ولكن ليس بالضرورة أن تتحول الروابط الضعيفة إلى روابط قوية حتى تؤثر بشكل إيجابي على سلامة الشخص، وهذا ما استنتجتاه جيليان ساندستروم وإليزابيث دان (2014م) عندما طلبتا من الأشخاص التحدث عن سعادتهم وربطها بعدد علاقاتهم الضعيفة والقوية خلال فترة معينة من الزمن، وقد أظهر الأشخاص الذين كانت لديهم الكثير من العلاقات سعادة أكبر في تلك الفترة.
لا يمكن تفسير ذلك بأن الأشخاص المنفتحين أكثر احتمالًا للتحدث مع الغرباء، وأكثر عرضة للعاطفة الإيجابية (كلاهما صحيح)؛ لأن الناس يُظْهِرون قدرًا أكبر من السعادة في الفترات التي تكون لديهم فيها علاقات ضعيفة مقارنة بالأيام التي يتواصلون فيها مع من حولهم كالمعتاد، وقد بدا مجرد التعامل مع الآخرين مفيدًا للترفيه عن النفس، حتى مع الأشخاص غير المهمين.
وفي العام نفسه، أجرى نيكولاس إيبلي وجوليانا شرودر دراسة أصبحت الآن مشهورة جدًا، إذ حثوا ركاب المواصلات العامة على التواصل مع أشخاص جدد في رحلاتهم، ووجدوا أنه على الرغم من أن اهتمامنا بالقيام بذلك محدود إلى حد كبير، إلا أننا غالبًا ما نشعر بالتحسن بعد القيام بذلك. يمكن أن ينبع النفور من المحادثات الصغيرة مع الغرباء من القلق بشأن قدرات الشخص في تجاذب أطراف الحديث، أو من الشكوك حول الفوائد المحتملة للأحاديث القصيرة، (أستطيع شخصيًّا أن أقول إن كلا الأمرين محبطان)، ولكن نظرًا لأن لدينا الآن قدرًا لا بأس به من الأدلة التي تشير إلى أن الانخراط في علاقات ضعيفة أو غريبة يمكن أن يُحَسِّنَ مزاجنا -حتى بالنسبة للانطوائيين- فقد يكون الوقت قد حان للنظر في كيفية حث الناس على التصرف من أجل مصلحتهم في هذا الصدد.
للوهلة الأولى، قد يبدو من الطبيعي أن نشارك في أحاديث قصيرة، ويخبرنا قانون التأثير أنه إذا أعقب الفعل شعورٌ جيدٌ ونوعٌ من الشعور الجيد، فمن المرجح أن يتكرر هذا الفعل، ولقد اتضح أن الناس قد يدركون فوائد التعامل مع الآخرين بعد ذلك مباشرة، لكن التأثيرات تكون عابرة.
ولكن بالفعل، أشارت كل من ساندستروم ودان عام 2014م إلى أن دراسات أخذ العينات من التجارب، مثل دراساتهم، أظهرت أعدادًا أكبر من العلاقات التي تُجوهِلَت وأُنهِيَت مقارنة بالدراسات الاسترجاعية النموذجية للعلاقات الاجتماعية، مما يشير إلى احتمال أنه بغض النظر عن الإيجابية، فقد ننسى ببساطة العديد من علاقاتنا بعد وقت قصير من حدوثها، وبالتالي، من الممكن أن يتلاشى الأثر القصير للمشاعر الإيجابية بسرعة، ولا يحظى بدء العلاقات الضعيفة بفرصة التَّحَوُّل إلى عادة.
لحسن الحظ، لدى ساندستروم بعض الأفكار الجيدة هنا، والتي نشأت على فكرة أن الأمر يتطلب مجموعة من السلوكيات والشعور الجيد اللاحق حتى يترسخ السلوك. في الواقع، تشير الأبحاث إلى أن تكوين العادة عن عمد غالبًا ما يستغرق بضعة أشهر (Lally et al., 2010).
في هذه الحالة، توجد آليتان رئيسيتان محتملتان لتحويل الأمر إلى عادة؛ تتضمن الآلية الأولى فرص التعزيز المذكورة أعلاه: نظرًا لأن العديد من أنواع التواصل إيجابية، فإن المشاركة في المزيد منها سيعزز العلاقة بين السلوك والاستجابة، أما الآلية الثانية، فمعاكسة إلى حد ما، وتأتي في شكل إزالة التحسس المنهجي؛ إذ يتعلم الناس أن العقوبات المتوقعة (على سبيل المثال، الرفض الاجتماعي) لا تحدث كما هو متوقع، وبالتالي يقل القلق.
درست ساندستروم وآخرون هذين الاحتمالين في دراسة حديثة، هذه المرة، قدم فريقها “تحديات” للأشخاص؛ إذ كان عليهم مقابلة أشخاص غرباء في الخارج يتناسبون مع معايير معينة، على سبيل المثال، بدء محادثة مع شخص لديه حذاء مثير للاهتمام أو لديه وشم، أو يبدو رياضيًّا.
فيما يلي القائمة الكاملة التي تضم 29 اقتراحًا:
بعض الأفكار لتجاذب الحديث مع الغرباء | |
الاسم | التعليمات |
الهواء الطلق | ابحث عن شخص ما في الهواء الطلق وتحدث معه بضع دقائق |
ابتسامات | ابحث عن شخص يبدو ودودًا وتحدث معه بضع دقائق |
الاكتشاف الفني | ابحث عن شخص مبدع وتحدث معه بضع دقائق |
الحزن | ابحث عن شخص يبدو حزينًا وتحدث معه بضع دقائق |
المتسلط | ابحث عن شخص يبدو قياديًّا وتحدث معه بضع دقائق |
محطة الكافيين | ابحث عن موظف في مقهى وتحدث معه بضع دقائق |
وقت القهوة | ابحث عن شخص يشرب قهوة وتحدث معه بضع دقائق |
فاعل الخير | ابحث عن شخص يبدو لطيفًا أو طيّبًا وتحدث معه بضع دقائق |
الفاشينيستا | ابحث عن شخص يرتدي إكسسوارًا (مثل وشاح أو قبعة) وتحدث معه بضع دقائق |
قماش ممتع | ابحث عن شخص يرتدي قماشًا مميزًا (مثل لباس مخطط، طبعة جلد الحيوان) وتحدث معه بضع دقائق |
قميص مع طباعة | ابحث عن شخص يرتدي قميصًا مثيرًا للاهتمام وتحدث معه بضع دقائق |
الاكتشاف الجذاب | ابحث عن شخص تجده جذابًا وتحدث معه بضع دقائق |
الاكتشاف الجائع | ابحث عن شخص يأكل وتحدث معه بضع دقائق |
الموشوم | ابحث عن شخص لديه وشم وتحدث معه بضع دقائق |
الاكتشاف الداخلي | ابحث عن شخص في الأماكن الداخلية وتحدث معه بضع دقائق |
الاكتشاف الرياضي | ابحث عن شخص رياضي وتحدث معه بضع دقائق |
المتسكع | ابحث عن شخص يرتدي حذاءً مميزًا وتحدث معه بضع دقائق |
الطابور | ابحث عن شخص ينتظر في الطابور وتحدث معه بضع دقائق |
اكتشاف الحلاقة | ابحث عن شخص لديه لحية وتحدث معه بضع دقائق |
اكتشاف العامل | ابحث عن شخص يرتدي زيًّا رسميًّا وتحدث معه بضع دقائق |
الأظافر | ابحث عن شخص لديه أظافر غير تقليدية (مثل لون طلاء مميز، أو تصميم فاخر) وتحدث معه بضع دقائق |
الجيل القادم | ابحث عن شخص من جيل مختلف عنك وتحدث معه بضع دقائق |
على الرأس | ابحث عن شخص يرتدي قبعة وتحدث معه بضع دقائق |
المشع | ابحث عن شخص يبدو سعيدًا وتحدث معه بضع دقائق |
الاكتشاف الجذاب | ابحث عن شخص من الجنس الآخر وتحدث معه بضع دقائق |
البشرة | ابحث عن شخص لون بشرته مختلف عن بشرتك وتحدث معه بضع دقائق |
التوأم | ابحث عن شخص مظهره يشبه مظهرك (التسريحة نفسها أو القميص نفسه أو الحذاء نفسه أو غيره…) وتحدث معه بضع دقائق |
أحادي القرن | ابحث عن شخص لديه شعر لافت للنظر (مثل أطراف شعر وردية) أو شعر مصبوغ، أو تسريحة رائعة، وتحدث معه بضع دقائق |
الورقة الرابحة | ابحث عن أي شخص من اختيارك وتحدث معه بضع دقائق |
مقتبس من ساندستروم، جي إم، بوثبي، إي جيه، وكوني جي. (2022) |
المصدر: أندرو بير
كان على كل شخص أن يشارك في نشاط واحد من اختياره من القائمة مرة واحدة على الأقل يوميًّا مدة أسبوع، في حالة المجموعة الضابطة، طُلب من الأشخاص ببساطة مراقبة الشخص الذي يحمل وشمًا، بينما في حالة المجموعة التجريبية، طُلب منهم التحدث إلى هذا الشخص. في بداية الدراسة، أفاد الأشخاص في الحالتين عن مستويات مماثلة من القدرة على المحادثة، والحرج في التحدث مع الغرباء، والاستمتاع بالتحدث مع الغرباء، وإيجابية الانطباع الذي تركوه على الآخرين.
وبعد أسبوع، أفادت المجموعة التجريبية عن مكاسب كبيرة -استمر معظمها في المتابعة بعد أسبوع- في هذه المقاييس كلها: تقليل الإحراج، وزيادة في كل شيء آخر، ولم تُظهِر المجموعة الضابطة مثل هذا النمط، وأفاد الأشخاص في المجموعة التجريبية أيضًا أنهم بدأوا المزيد من المحادثات مع الغرباء في الأسبوع الذي تلا التدخل، ربما لأنهم ذكروا أيضًا ملاحظتهم المزيد من الفرص للقيام بذلك.
أخيرًا، والأهم من ذلك، شعر المشاركون بأنهم أقل عرضة للرفض الاجتماعي بعد الانخراط في التجربة، ويبدو أن السبب في هذا ليس لأن الرفض الذي تعرضوا إليه كان غير مؤلم إلى حد ما، بل لأنهم لم يواجهوا رفضًا على الإطلاق، ويتناول البحث تفاصيل أكثر مما ذكرته هنا، لكن النتائج كانت واضحة إلى حد ما في قراءتي: إن إجبار نفسك على التعامل مع أشخاص غير معروفين يمكن أن يساعد في تغيير مواقفك فيما يتعلق بالنشاط، والذي لديه القدرة على تغيير السلوك وخلق لحظات سعادة أكثر، ومن منا لا يحتاج لهذه اللحظات؟
الخاتمة
بينما كنت أعمل على هذا المقال، كنت أسير مع عائلتي نحو منزل صديقتي التي تعرفت عليها من خلال قميص فرقة Old 97’s لتناول العشاء، عندما هتفت طفلة صغيرة في سيارة مارة بشيء ما لطفلتي البالغة من العمر 5 سنوات، كنت على بعد خطوات قليلة ولم أسمع ما قالته فسألت: لماذا قد يصرخ علينا أحدهم من سيارة متحركة؟ ثم أخبرتني زوجتي أنهم قالوا: “مرحبًا! أعجبتني تنورتك!”
ضحكت وأنا أفكر في الرد المحتمل لو فعلت الشيء نفسه، ثم أدركت أنني بهذا التفكير كنت أخضع للمغالطة المعتادة القائلة بأن لا أحد سيكون سعيدًا إذا أجريتُ أي نوع من التواصل الاجتماعي العشوائي معهم، وأنه من المحتمل أن تكون تجربة سلبية، لكن هل تعلمون من لا يعاني من هذه الشكوك السلبية؟ طفلتي البالغة من العمر 5 سنوات، فلديها القدرة على بدء العلاقات الضعيفة والتحدث مع الغرباء لتثني عليهم بأي شكل من الأشكال، سواءً أكان بتعليق لطيف على كلبهم، أم أحذيتهم، أم ربطة شعرهم، وما إلى ذلك، لا يسعني إلا أن أحزن بعض الشيء عندما أتخيل أنها يومًا من الأيام قد تكون مثلي، تُعجب بأحذية من مسافة بعيدة، وتحتفظ بذلك لنفسها.
في أغنية Purple Mountains المشار إليها في الأعلى، يرثي المغني حال شريكه في قدرته على تكوين الصداقات وتحوله إلى شخص غريب، لقد أصبحت بالتأكيد غريبًا، لكن ليس علينا أن نشعر كذلك، أما مهمتنا في هذا الأسبوع، فهي العثور على شخص يرتدي حذاءً مميزًا.
المراجع
Epley, N., & Schroeder, J. (2014). Mistakenly seeking solitude. Journal of Experimental Psychology: General, 143, 1980.
Lally, P., Van Jaarsveld, C. H., Potts, H. W., & Wardle, J. (2010). How are habits formed: Modelling habit formation in the real world. European Journal of Social Psychology, 40, 998-1009.
Sandstrom, G. M., & Dunn, E. W. (2014). Social interactions and well-being: The surprising power of weak ties. Personality and Social Psychology Bulletin, 40, 910-922.
Sandstrom, G. M., Boothby, E. J., & Cooney, G. (2022). Talking to strangers: A week-long intervention reduces psychological barriers to social connection. Journal of Experimental Social Psychology, 102, 104356.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة سيكولوجي توداي).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.

T1718
الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.