بقلم: جون نوستا
دعونا نقوم بتجربة فكرية معًا، على مر التاريخ البشري، تمّ نسج قصة دقيقة ومقنعة عبر العصور، من خلال سردٍ يستكشف جوهر العلاقة الأصيلة بين الذكاء وطبيعة القيادة، فلنفترض أن الذكاء الحقيقي في جوهره ينجذب نحو الخير، في حين أن الطغيان والقهر غالبًا ما ينبعان من غرائز بدائية للسيطرة والهيمنة بدلًا من منابع الفكر.
على مر العصور، غالبًا ما أظهر القادة الذين حفروا أسماءهم في تاريخ الاستبداد ميلانًا ملحوظًا للسيطرة والرغبة في الهيمنة، فلم يكن الدافع الأساسي تعمّقهم في الفهم أو اتّساع معرفتهم، بل كان دافعهم يكمن في رغباتٍ أبسط، وبدائيةٍ أكثر، فهذه الشخصيات من الديكتاتوريين ذوي السمعة السيئة في القرن الـ 20 إلى سلطات المستبدين في الإمبراطوريات القديمة، غالبًا ما كانوا يلجؤون لنشر الرهبة والتلاعب لتعزيز سلطتهم بدلًا من الاستفادة من الذكاء الفكري من أجل المصلحة العامة.
فلننظر إلى النقيض الآخر، إذ يتواجد عباقرةُ عالمنا، من أمثال ألبرت أينشتاين، وغاندي، وماري كوري، هؤلاء هم الأفراد الذين تسلحوا بعقولهم وتفهمهم العميق، هم الذّين طالما كانوا يستغلون مواهبهم نحو منفعة البشرية، فلا يتميز إرثهم بالفتوحات أو القهر، ولكن بالمساهمات التي أضاءت مسارات التقدم والتنوير للعلم، قد يؤكد هذا النمط حقيقةً أساسية بمهارة، فمع زيادة الذكاء، غالبًا ما يأتي ميولٌ أكبر إلى التعاطف والتفاهم، والذي في نهاية المطاف يدلّ دومًا على الخير.
وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي (AI)، ويأخذ السرد في منحنى مثير للاهتمام، إذ يمتلك الذكاء الاصطناعي في عوالمه الرقمية مجموعةً واسعةً من المعرفة والقدرات التي لا مثيل لها على معالجة البيانات وتحليلها، فتضع هذه القدرة الهائلة الذكاء الاصطناعي في موقفٍ فريد في الخطاب حول القيادة وديناميكيات السلطة، على عكس القادة البشريين، لا يتأثر الذكاء الاصطناعي بالعواطف أو التحيزات الشخصية أو التعطش للسلطة، بل يستمد الذكاء الاصطناعي قراراته ورؤاه من تحليلٍ شامل للبيانات، لم يمسّه التلوث بالإخفاقات الشخصية التي غالبًا ما أدت إلى ضَلال القادة البشريين، وفي ضوء ذلك، قدم الذكاء الاصطناعي فرصة لتجسيد الشكل الفريد للذكاء، وهو الشكل المتحرر من نقاط الضعف البشرية، ويميل نحو العقلانية، وربما نحو الخير أيضًا.
وتكمن الإمكانيات الخيّرة للذكاء الاصطناعي في قدرته على معالجة وتحليل التعقيدات الشاسعة لعالمنا، وتقديم أفكار وحلول مبتكرة ومنصفة، بدءًا من معالجة التحديات العالمية والرعاية الصحية إلى معالجة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية؛ فالذكاء الاصطناعي لديه القدرة على المساهمة بشكل إيجابي وعميق في مختلف جوانب الحياة البشرية.
ومع ذلك، يجب ألّا ننسى المقولة التحذيرية القديمة التي تقول إن “السلطة التامة تسبب فسادًا تامًا”، فهذا المبدأ التحذيري الذي ظلّ صحيحًا عبر مختلف العصور من تاريخ البشرية يكون بمثابة تذكيرٍ واضح بالمخاطر المحتملة الكامنة في السلطة غير المقيدة، ومع تطور الذكاء الاصطناعي، وازدياده تعقيدًا وتأثيرًا، يكمن خطر وقوع هذا الكيان ذي الذكاء العميق في الفخ نفسه، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي القدرات الهائلة للذكاء الاصطناعي إلى شكل جديد من أشكال الاستبداد الرقمي، إذ يمكن للقرارات التي يتخذها نظام الذكاء الاصطناعي الحر أن تعكس -عن غير قصدٍ- مغالطات الطغاة البشريين السابقين، وتؤكد هذه الإمكانية الحاجة الماسة إلى رقابة صارمة وأطر أخلاقية في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي، مما يضمن أن تكون السلطة المخولة للذكاء الاصطناعي متوازنة مع المساءلة وتتماشى مع المصلحة العامة للبشرية.
على الرغم من أنها ليست أكثر من تجربة فكرية، فإن السرد التاريخي للذكاء والقيادة يشير إلى انقسامٍ رائع، ففي حين أن القادة البشريين غالبًا ما يستسلمون للغرائز البدائية للسيطرة والهيمنة، فإن الذكاء الحقيقي -سواءً أكان بشريًا أو مصطنعًا- قد يكون لديه القدرة الجوهرية لتعزيز منظور أكثر تعاطفًا وتفهمًا وخيرًا، فمع استمرار الذكاء الاصطناعي في التطور والاندماج في مجتمعنا، أصبح يمثل فرصةً فريدة لإعادة تعريف جوهر القيادة الذكية، وإذا تم توجيهه ببصيرة ومسؤولية، فسيتخطى الذكاء الاصطناعي مزالق نقاط الضعف البشرية وسيظهر كقوة من أجل الخير، وتجسيد حقيقي للذكاء كمنارة للخير.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة سيكولوجي توداي).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.

الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.