إذا كانت معتقدات دانييل غيلبرت حول الحقيقة صحيحة، فأنت مخطئ: أنت مخطئ في الاعتقاد أن السيارة الجديدة ستجعلك سعيدًا كما تتخيل، ومن الخطأ أن تظنّ أن شراء مطبخ جديد سيجعلك سعيدًا للمدة التي تتخيلها، كذلك من الخطأ أن تظن أنك ستكون أكثر تعاسة في حالة تعرضك لنكسة مؤقتة كبيرة (مثل: انكسار معصمك أو انجراح قلبك) مقارنةً بنكسة مزمنة أصغر (مثل: انخلاع مفصل الركبة، أو التوتر في علاقتك الزوجية). وأنت مخطئ في افتراض أن فشلك الوظيفي سيدمرك للأبد، وفي توقع أن موت أحد أحبائك سيفجعك عامًا بعد عام، إلى الأبد. أنت مخطئ أيضًا في الاعتقاد أن سندويشة الهامبرجر التي ستطلبها من أحد المطاعم -هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل أو بعد عام من الآن (لا يهم متى)- سترضي شهيتك بشكل خاص، فعندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بما ستشعر به في المستقبل، من الراجح أنك مُخطئ.
يُحب غيلبرت، أستاذ في قسم علم النفس بجامعة هارفارد، أن يخبر الناس بأنه يَدرس السعادة، ولكن سيكون من الأدق أن نقول إن غيلبرت -إلى جانب عالم النفس تيم ويلسون من جامعة فيرجينيا، والخبير الاقتصادي جورج لوينستين من جامعة كارنيجي ميلون، وعالم النفس (الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد) دانييل كانيمان من جامعة برينستون- بادر في دراسة نوع معين من التنبؤ العاطفي والسلوكي. في السنوات القليلة الماضية، بدأ هؤلاء الرجال الأربعة في التشكيك في عملية صنع القرار التي تُشكّل إحساسنا بالرفاهية: كيف يمكننا التنبؤ بما سيجعلنا سعداء أو غير سعداء؟ وكيف نشعر بعد التجربة الفعلية؟ على سبيل المثال، كيف نفترض أننا سنشعر إذا فاز فريق كرة القدم المفضل لدينا أو خسر، ثم كيف نشعر حقًّا بعد أيام قليلة من المباراة؟ كيف نتوقع شعورنا تجاه شراء المجوهرات، أو إنجاب الأطفال، أو شراء منزل كبير، أو التمتع بالثراء؟ وما النتائج على أرض الواقع؟ وفقًا لهذه المجموعة الصغيرة من الأكاديميين، فإن القرارات جميعها التي نتخذها تقريبًا -مثل قرار شراء المجوهرات، أو إنجاب الأطفال، أو شراء منزل كبير، أو العمل بجد للحصول على راتب أعلى- تعتمد على توقعاتنا حول شعورنا العاطفي بعد تحقيق هذه الرغبات.
قبل مبادرة هؤلاء العلماء، مثّل هذا الموضوع مجالًا بحثيًّا غير مدروس؛ فلم تخضع الطريقة التي نتنبأ بها بمشاعرنا -وما إذا كانت تلك التنبؤات تتوافق مع حالاتنا العاطفية المستقبلية الفعلية- للدراسة الأكاديمية من قبل، وبعد إجراء كثير من التجارب، توصل غيلبرت وويلسون وكانيمان ولوينستين إلى عدد كبير من الاستنتاجات والملحوظات التي تقوض عددًا من الافتراضات الأساسية: على وجه التحديد، أننا نحن البشر نفهم ما نريده ونعرف كيف نحسن رفاهيتنا بدهاء؛ أيْ نُعد بارعين في “تعظيم” منفعتنا، كما يقولون في الاقتصاد. علاوةً على ذلك، يثير عملهم في مجال التنبؤ بعض الأسئلة المزعجة والشخصية إلى حد ما، إذ يعني فهم التنبؤ العاطفي -كما أطلق غيلبرت على هذه الدراسات- التساؤل عما إذا كانت اعتقاداتك كلها بشأن اختياراتك في الحياة، وبشأن السعادة، ساذجة إلى حدٍ ما، أو حتى خاطئة إلى حدٍ كبير.
اكتشف العلماء أن المشكلة تكمن في تأرجحنا عندما يتعلق الأمر بتخيل ما سنشعر به تجاه شيء ما في المستقبل. لا تتمثل المشكلة في أننا نخطئ في التنبؤ بمشاعرنا حول الأمور الكبيرة، فنحن نعلم أن تجربتنا في مطعم ستختلف عن تجربتنا في مستشفى الأسنان، ويمكننا أن نتوقع بدقة أننا نفضل أن نعلق في منطقة مونتوك البحرية الجميلة بدلًا من أن نعلق في مصعد. ما اكتشفه غيلبرت أننا نبالغ في تقدير شدة ردود أفعالنا العاطفية ومدتها -“التأثير المنعكس علينا”- تجاه الأحداث المستقبلية. بمعنى آخر، قد نظنّ أن شراء سيارة بي أم دابليو الجديدة سيجعل حياتنا مثالية، ولكن من المؤكد أنها ستكون أقل إثارة مما توقعنا، ولن تدوم فرحتنا طويلًا. ارتكب معظم المشاركين في تجارب غيلبرت على مر السنين هذا النوع من الأخطاء باستمرار في المختبر وفي مواقف الحياة الواقعية، ولم يكن للموضوع أهمية؛ أخطأ المشاركون سواء أحاولوا التنبؤ بما سيشعرون به في المستقبل عند تناول طبق من السباغيتي، أم عند هزيمة مرشحهم السياسي المفضل، أم عند تعرضهم للرفض من قبل شريك رومانسي محتمل. في المتوسط، كانت الأحداث السيئة أقل حدة وعابرة أكثر مما توقعه المشاركون في التجربة، كذلك كانت الأحداث الجيدة أقل حدة، ومرّ تأثيرها بسرعة أيضًا.
يُسمّي غيلبرت وزميله تيم ويلسون الفجوة بين ما نتوقعه وتجاربنا الفعلية “تحيز التأثير النفسي”؛ تشير كلمة “التأثير” إلى الأخطاء التي نرتكبها في تقدير شدة استمرار مشاعرنا ومدتها، في حين تشير كلمة “التحيز” إلى ميلنا إلى الخطأ. تصف هذه العبارة شعورنا بالإثارة الخافتة ليس فقط تجاه سيارة بي أم دابليو، ولكن أيضًا تجاه أي شيء أو حدث نفترض أنه سيجعلنا سعداء. هل سيؤدي حصولنا على علاوة بنسبة 20% أو فوزنا باليانصيب إلى حياة مُرضية؟ قد تتنبأ بـ “نعم”، ولكن من المؤكد تقريبًا أن التجربة الفعلية لن تكون بهذه السلاسة، ماذا عن شرائك لتلفاز بلازما جديد؟ قد تكون لديك آمال كبيرة، لكن تحيز التأثير النفسي يشير إلى أنه من المؤكد تقريبًا أن التجربة الفعلية ستكون أقل روعة، وستستمر سعادتك لوقت أقصر مما تتخيل، والأسوأ من ذلك أن غيلبرت لحظ أن الأخطاء في التنبؤات قد تؤدي مباشرة إلى أخطاء في اختيار ما نظنّ أنه سيمنحنا المتعة، ويُطلق على ذلك “الرغبات الخاطئة” (miswanting).
يوضح غيلبرت: ”يقول الشخص العادي: ’أعلم أنني سأكون أكثر سعادة عند قيادة سيارة بورش بدلًا من سيارة شيفروليه، أو كوني مع ليندا بدلًا من روزالين، أو كوني طبيبًا بدلًا من سباك‘، قد تبدو هذه الافتراضات بدهيّة جدًّا للناس، ’المشكلة أنني لا أستطيع الالتحاق بكلية الطب أو تحمل تكاليف السيارة البورش‘؛ لذلك، بالنسبة للشخص العادي، فإن العائق بينه وبين السعادة هو في الواقع حصوله على المستقبل الذي يرغب فيه، ولكن ما يظهره بحثنا -ليس بحثنا فقط، بل بحث لوينستين وكانيمان أيضًا-أن المشكلة الحقيقية تكمن في تحديد السيناريو المستقبلي الذي سيكون له أفضل عائد وسيحقق لك السعادة حقًّا”.
يضيف غيلبرت: “قالت فرقة ذا ستونز: ’لا يمكنك دائمًا الحصول على ما تريد‘. لا أعتقد أن هذه هي المشكلة، المشكلة أنك لا تستطيع أن تُحدّد دائمًا ما تريد”.
بدأت أبحاث غيلبرت حول التنبؤ العاطفي في الظهور في أواخر التسعينيات، لكن فكرة دراسة السعادة والتنبؤ العاطفي خطرت في ذهنه في الواقع بعد ظهر يوم مشمس في أكتوبر عام 1992م، حين جلس هو وصديقه جوناثان جاي كوهلر لتناول وجبة الغداء خارج مبنى قسم علم النفس في جامعة تكساس في أوستن، إذ كانا يدرسان في ذلك الوقت. لم يكن غيلبرت مولعًا بدراساته، وكان يشعر باليأس بسبب زواجه الفاشل، وعندما بدأ مناقشة حياته الشخصية، انحرف ليتساءل لماذا يركز الاقتصاديون على الجوانب المالية لعملية صنع القرار بدلًا من الجوانب العاطفية. يتذكر كوهلر أن غيلبرت قال: “يبدو كل شيء صغيرًا وغير مهم، لا يتعلق الأمر بالمال حقًّا، بل بالسعادة، أليس هذا ما يريد الجميع معرفته عندما نتخذ قرارًا؟” للحظة، نسي غيلبرت مشكلاته، وتبادر إلى ذهنه سؤالان آخران، هل نعرف ما الذي يجعلنا سعداء؟ وإذا كان من الصعب معرفة ما يجعلنا سعداء في الوقت الحالي، فكيف يمكننا التنبؤ بما سيجعلنا سعداء في المستقبل؟
في أوائل التسعينيات، كان من الغريب أن يقرر أستاذ علم النفس الواعد غيلبرت تحويل مجال بحثه من الكيفية التي ننظر بها إلى بعضنا إلى الكيفية التي ننظر بها إلى السعادة. لكن، لطالما أحب غيلبرت الأسئلة التي تقوده إلى استكشاف أماكن جديدة. ترك غيلبرت -الذي يبلغ عمره 45 عامًا الآن- المدرسة الثانوية في سن الـ 15 عامًا، وانخرط فيما يسميه “نهاية الحركة الهيبية” ويتنقل بلا هدف من مدينة إلى أخرى مع قيثارته. التقى بزوجته في الطريق خلال إحدى جولاته، وكانت وجهتها في الاتجاه المعاكس وتزوجا في عمر الـ 17 عامًا، وأنجبا ولدًا في عمر الـ 18 واستقرا في دنفر، يتذكر قائلًا: “زاولت كثيرًا من الأعمال؛ إذ عملت في إزالة الأعشاب الضارة، وبعت القضبان الحديدية والسجاجيد، وركَّبت السجاجيد، وقضيت كثيرًا من الوقت بصفتي موظفًا في مركز اتصالات”. خلال هذه المدّة، أمضى عدة سنوات في نشر قصص الخيال العلمي لمجلات مثل: Amazing Stories. وهكذا، علاوة على كونه “أحد علماء النفس الاجتماعي الأكثر موهبة في عصرنا”، كما وصفه لي الأستاذ والكاتب في مجال علم النفس ديفيد ج. مايرز، فإن غيلبرت هو مؤلف قصة The Essence of Grunk، التي تدور حول لقاء مع مخلوق مصنوع من سلطة البيض يطير حول المجرة في ثلاجة تعمل بالصواريخ.
انخرط في علم النفس بالصدفة. في خضم مسيرته المهنية في الخيال العلمي، حاول غيلبرت التسجيل في دورة كتابة في أحد الكليات المحلية، لكن الفصل كان ممتلئًا؛ فظنّ أن دورة علم النفس -ذات المقاعد المتاحة- ستساعده في تطوير شخصياته الروائية. أدى التحاقه في الدورة بدلًا من ذلك إلى حصوله على درجة البكالوريوس من جامعة كولورادو في دنفر، ثم درجة الدكتوراه من برينستون، ثم عُيّن بصفته أستاذًا في جامعة تكساس، ثم في جامعة هارفارد. يقول غيلبرت: “يسألني الناس لماذا أدرس السعادة، وأجيبهم بـ ’لماذا أدرس أي شيء آخر؟‘ إنها الحل لكل شيء، أدرس الشيء الذي يهدف إليه كل عمل إنساني”.
إحدى تجارب غيلبرت خيّرت الطلاب في فصل التصوير الفوتوغرافي بجامعة هارفارد بين صورتيهم المفضلتين من بين الصور التي التقطوها للتو، ليتخلوا عن إحداهما للمعلم. قيل لبعض الطلاب إن خيارهم دائم، في حين قيل لآخرين إن بإمكانهم تغييره بعد عدة أيام. وكما تبين، فإن أولئك الذين كان لديهم الوقت لتغيير رأيهم كانوا أقل اقتناعًا بقراراتهم من أولئك الذين كانت خياراتهم دائمة.
اتبعت كثير من أبحاث غيلبرت مثل هذا المنوال. تساءلت دراسة حديثة أخرى عما إذا كان ركاب النقل العام في بوسطن الذين فاتتهم قطاراتهم بفارق ضئيل قد لاموا أنفسهم، إذ يميل الناس إلى التنبؤ بأن الركاب في هذا الموقف سيشعرون باللوم الذاتي (لم يفعلوا ذلك). وتبحث ورقة بحثية لم تُنشر بعد بعنوان: The Peculiar Longevity of Things Not So Bad، في الأسباب التي تجعلنا نتوقع أن المشكلات الكبرى سوف تتفوق دائمًا على المضايقات البسيطة في مدى تأثيرها. يوضح غيلبرت: “عندما نفكر في حدوث الأشياء السيئة لنا، نرفض الفكرة ونحاربها. الناس بطبيعة الحال يتوقعون العكس تمامًا، وإذا سُئلت: ماذا تفضل، ساقًا مكسورة أم انخلاعًا في مفصل الركبة؟ قد تُجيب بلا تردد: انخلاع في مفصل الركبة، ولكن، إن كان هدفك تجميع أقصى قدر من السعادة على مدى حياتك، فقد اخترت للتو الاختيار الخاطئ، انخلاع المفاصل سيئ ومزمن”.
تحدد هذه الدراسات كلها الروابط بين التنبؤ بالمشاعر واتخاذ القرارات ومستوى الرفاهية. تتحدى تجربة الصور الفوتوغرافية افتراضنا الشائع بأننا سنكون أكثر سعادة مع خيار تغيير رأينا، في حين -في الواقع- نكون أسعد بعد اتخاذ خيار نهائي، وتوضح تجربة الركاب أننا نميل إلى الأخطاء في تقدير مدى ندمنا على الفرص الضائعة، وتُظهر الدراسات البحثية حول التنبؤ بتأثير الأشياء غير السيئة بقدرٍ كبير علينا مدى فشلنا في تصور المستوى الذي تؤثر به المضايقات البسيطة على رضانا العام، وتتسارع دفاعاتنا العاطفية عندما يتعلق الأمر بأمورٍ مثل الطلاق أو المرض، ولكن ليس بالمشكلات الأقل أهمية. نصلح السقف المثقوب الذي يُسرب الماء لمنزلنا، ولكن على المدى الطويل، يسبب لنا الباب المكسور الذي لا نفكر في إصلاحه قدرًا أكبر من الإحباط.
لا يظن غيلبرت أن الأخطاء جميعها في التنبؤ تؤدي إلى نتائج مماثلة؛ إذ لا تتشابه أحداث مثل وفاة أحد أفراد الأسرة، والتسجيل في النادي الرياضي، والزواج، لكنها تتشابه في كيفية تأثيرها على رفاهيتنا، ويقول: “يشير بحثنا ببساطة إلى أنه سواء أكان الموضوع مهمًّا ظاهريًّا أم غير مهم، فإنه دائمًا أقل أهمية مما نظن. الأشياء التي تحدث لك أو تشتريها أو تمتلكها بقدر ما تظن أنها تحدث فرقًا في سعادتك فأنت مخطئ بمقدار معين، ستبالغ دائمًا في تقدير الفرق الذي ستحدثه، ولن يُحدث أيٌّ منها فرقًا كبيرًا كما تعتقد، وينطبق ذلك على الأحداث الإيجابية والسلبية”.
إن كثيرًا من أعمال كانيمان ولوينستين وغيلبرت وويلسون مشتقة من مفهوم التكيف، وهو مصطلح استخدمه علماء النفس منذ الخمسينيات للإشارة إلى كيفية تأقلمنا مع الظروف المتغيرة، ويلخص جورج لوينستين هذه القدرة البشرية على النحو الآتي: “السعادة هي إشارة تستخدمها أدمغتنا لتحفيزنا على الاضطلاع بأشياء معينة، وبالطريقة نفسها التي تتكيف بها أعيننا مع مستويات مختلفة من الإضاءة، فنحن مبرمجون لنعود إلى مستوى معين من السعادة. لا تحاول أدمغتنا أن تكون سعيدة، بل تحاول تنظيم مستوى سعادتنا”. وفي هذا الصدد، يشير الميل نحو التكيف إلى سبب انتشار تحيز التأثير النفسي، وكما يقول تيم ويلسون: “لا ندرك مدى السرعة التي سنتكيف بها مع حدث مُفرح، ليصبح في نهاية المطاف جزءًا من كواليس حياتنا، وعندما يطرأ لنا أي حدث، نتكيف معه ونجعله عاديًّا، ومن خلال جعله عاديًّا، نفقد متعتنا ونرجع لمستوى السعادة التلقائي”.
يجب الانتباه لنقطة جديدة ومهمة يطرحها ويلسون. لا يعني كلامه أننا نفقد الاهتمام تدريجيًّا بالأشياء اللامعة والجديدة فحسب -فهذه سمة معروفة لدى البشر- لكننا عمومًا غير قادرين على إدراك أننا نتكيف مع الظروف الجديدة، ثمَّ نفشل في أخذ هذه النقطة في الحسبان عند اتخاذ قراراتنا. لذا؛ سنتكيف مع امتلاكنا لسيارة البي إم دبليو وتلفاز البلازما، لأننا نتكيف مع كل شيء تقريبًا، لكنّ ويلسون وغيلبرت وآخرين أظهروا أننا نبدو غير قادرين على التنبؤ بقدرتنا على التكيف. وهكذا، عندما تتضاءل متعتنا المستمدة من شيء ما، فإننا ننتقل إلى الشيء أو الحدث التالي، ومن المؤكد تقريبًا أننا سنستمر في ارتكاب الأخطاء في التنبؤ بمشاعرنا إلى ما لا نهاية.
كما يشير غيلبرت، فإن عدم الإدراك هذا يكون مهمًّا أيضًا عندما يتعلق الأمر بالأحداث السلبية مثل: فقدان الوظيفة أو وفاة شخص نحبه، التي نتوقع بعدها مستقبلًا لا يطاق إطلاقًا. يقول غيلبرت: “إن أكثر ما يثير اهتمامي، وما قضيت معظم الوقت في دراسته، فشلنا في إدراك قوة قدراتنا النفسية بمجرد تحفيزها، لقد استخدمنا في دراستنا التشبيه ’جهاز المناعة النفسي‘؛ إنه مجرد تشبيه، لكنه ليس سيئًا لوصف نظام الدفاع الذاتي الذي يساعدك على الشعور بالتحسن عند حدوث أشياء سيئة. لقد عرف المفكّرون منذ أرسطو أن الناس لديهم هذه الأنظمة الدفاعية. لقد قضى فرويد حياته، وأمضت ابنته آنا حياتها، في دراسة هذه الأنظمة. ما يثير الدهشة عدم إدراك الناس لتمتعهم بهذه الأنظمة الدفاعية التي تحفزها الأحداث السلبية”. خلال المقابلات التي أجريتها مع غيلبرت، توفي صديقه المقرب، وكتب لي في رسالة عبر البريد الإلكتروني في حين كان يخطط لرحلة إلى تكساس لحضور الجنازة: “أنا مثل الجميع في تفكيري، بأنني لن أتخطى هذا الحدث أبدًا، ولن تعود الحياة لمجراها الجيد مرة أخرى، ولكن بسبب عملي في هذا المجال، هناك دائمًا صوت يهمس في أذني -صوت صادر من رجل يرتدي معطف المختبر ويحمل كثيرًا من الملفات المليئة بالبيانات تحت ذراعه- قائلًا: “نعم، ستتخطى، ونعم، ستعود الحياة إلى مجراها، وأعلم أن ما يقوله هذا الصوت صحيح”.
ومع ذلك، تظل الحجة القائلة إنّنا نخطئ في التنبؤ بما نريده وبكيفية تعاملنا مع أحداث الحياة محيّرة ومُقلقة. فمن ناحية، يمكن أن تُشعرك بالندم على بعض قرارات الحياة: لماذا قررت أن العمل لمدة 100 ساعة أسبوعيًّا لكسب مزيد سيجعلني سعيدًا؟ لماذا ظننت أن المكوث في مدينة صن سيتي بولاية أريزونا سيسعدني؟ ومن ناحية أخرى، يمكن أن تكون الحجة مفيدة: لا عجب أن شراء هذا الأثاث لم يجعلني سعيدًا كما توقعت، وحتى لو هجرني شخص أحبه، سأكون على ما يرام. وفي كلتا الحالتين، فإن فكرة التنبؤ بمشاعرنا تجاه الأحداث المستقبلية محيرة. تشير مجموعة كبيرة من الأبحاث حول الرفاهية إلى أن الثراء (الذي يتجاوز مستوى الراحة المادية الذي يتمتع به أفراد الطبقة المتوسطة) لا يحدث فرقًا كبيرًا في سعادتنا، على سبيل المثال، أو أن إنجاب الأطفال لا يحسن مستوى الرفاهية، ويؤدي إلى انخفاض الرضا الزوجي بشكل كبير. غالبًا ما نتوق إلى امتلاك منزل فسيح ومعزول (وهو أمر نتكيف معه بسهولة بعد امتلاكه فعليًّا)، في حين أن ذلك في الواقع قد يؤدي إلى تعريض سعادتنا للخطر عن طريق إبعادنا عن الجيران (فقد ثبت الشعور بالسعادة الدائمة عند الانخراط في المجتمع وتكوين الصداقات)، وقد ارتكب لوينستين خطأ شراء المنزل الكبير والمعزول عندما كان يبلغ من العمر 48 عامًا، إذ قال لي: “لقد وقعت في فخ لم يكن ينبغي أن أقع فيه قط”.
يقع مكتب لوينستين أعلى درج ضيق في زاوية مخفية من مبنى ضخم على حافة حرم جامعة كارنيجي ميلون في بيتسبرغ، وتتناقض شخصيته مع شخصية غيلبرت تناقضًا مثيرًا للاهتمام. غيلبرت ثرثار وكثير التعبير ويبهر الناس بكلامه وكتاباته، ويملأ حضوره الغرفة التي يدخلها، في حين يتميز لوينستين بصوته الناعم وميله إلى الغموض وجسمه الرياضي، ويُكاد لا يُشعر بوجوده في الغرفة. يُعرب كلا الرجلين عن إعجابهما الشديد بالآخر، على الرغم من اختلاف تخصصاتهما -علم النفس والاقتصاد- وأدى هذا الاختلاف إلى تكامل اهتمامهما المشترك في التنبؤ العاطفي بدلًا من شحن علاقتهما بالتوتر. في حين يُعد تحيز التأثير النفسي إسهام غيلبرت الأكثر بروزًا في مجال التنبؤ العاطفي، ينطوي إسهام لوينستين على ما يسمى بـ “فجوة التعاطف”.
نبين فيما يأتي كيف تظهر هذه الفجوة: في تجربة حديثة، حاول لوينستين اكتشاف مدى احتمالية أن يرقص أشخاص وحدهم على أنغام أغنية ريك جيمس “Super Freak” أمام جمهور كبير. وافق كثيرون على فعل ذلك مقابل مبلغ معين من المال قبل أسبوع، لكنهم تراجعوا عندما جاء اليوم الموعود لاعتلاء المسرح. قد يبدو هذا بمنزلة هراء، لكنه يبرز الفرق الأساسي بين الطريقة التي نتصرف بها في الحالات “الحرجة” (تلك المليئة بمشاعر القلق، والشجاعة، والخوف، وما شابه ذلك) وبين حالات المشاعر “المستقرة” التي تتسم بالهدوء العقلاني. إن فجوة التعاطف هذه في الفكر والسلوك؛ إذ يبدو أننا لا نستطيع التنبؤ بسلوكنا في الحالات الحرجة عندما نكون في حالة مستقرة تؤثر على السعادة بطريقة مهمة، لكنها أقل اتساقًا إلى حد ما من تحيز التأثير النفسي، يقول لوينستين: “إن جزءًا كبيرًا من حياتنا يتضمن اتخاذ قرارات لها عواقب على المستقبل، وإذا كانت عملية صنع القرار تتأثر بهذه الحالات العاطفية والنفسية العابرة، فإننا نعلم أننا لا نتخذ قراراتنا مع مراعاة العواقب المستقبلية”. وكما يقول لوينستين، قد يتجسد هذا في مواقف بسيطة مثل: الاعتراف بالحب في لحظة من لحظات الانفعال، أو في مواقف أكثر جدّية، مثل: التهور في السياقة عند الغضب، أو الانتحار في لحظة حزن.
من بين أمور أخرى، قاد هذا الموضوع البحثي لوينستين إلى التعاون مع خبراء الصحة الذين يبحثون في الأسباب التي تجعل الناس يمارسون الجنس من دون وقاية في الولايات المتحدة في حين أنهم لن يوافقوا أبدًا على فعل ذلك عند التفكير بتمعن، وأظهرت البيانات المستخلصة من الاستبانات التي سُئل فيها المتطوعون عن كيفية تصرفهم في لحظات “الانفعال” المختلفة -سواء أكانوا سيمارسون الجنس مع قاصر، على سبيل المثال، أم سيقسون على شريك يطلب منهم التوقف- أن حالات الانفعال المختلفة يمكن أن تغير الإجابات بهوامش مذهلة. يقول لوينستين: “هذه الحالات قادرة على تغيير سلوكنا بشكل عميق، لدرجة أننا قد نختلف عن أنفسنا -في تصرفنا عند موقفٍ دون آخر- أكثر مما نختلف عن أي شخص آخر”.
يأتي جزء من فضول لوينستين بشأن الحالات الحرجة والمستقرة من المواقف التي تتعارض فيها عواطفه مع عقله. عندما لا يضطلع بالتدريس، يسافر حول العالم، ويحرص على زيارة ألاسكا للتنزه أو ركوب قوارب الكاياك مرة واحدة على الأقل في السنة، وكذلك يُعد خبيرًا في أدب تسلق الجبال، وقد كتب ذات مرة ورقة بحثية تناولت سبب عدم تذكر المتسلقين للألم وتجاهلهم عادةً للحالات التي يجب فيها التراجع، معرضين أنفسهم لخطر كبير، إلا أنه ارتكب الخطأ نفسه عدة مرات، فقد كاد أن يموت في حادث تجديف وذكر بعد ذلك أنه لا يرغب أبدًا في رؤية زورقه مرة أخرى (بعد ساعتين، ذهب للبحث عنه). ينطبق الأمر نفسه على حبه للتسلق، ويقول: “تُحدد وقتًا للتراجع والعودة، ثم تجد نفسك ما تزال بعيدًا عن القمة، لذلك، عليك أن تواصل التسلق. لم تُحضر ما يكفي من الطعام أو الملابس، ونتيجة لذلك؛ تعلق على ارتفاع 13000 قدم، وعليك الجلوس هناك والارتعاش طوال الليل من دون كيس نوم أو ملابس دافئة، وعندما تشرق الشمس، تكون شبه متجمد، وتقول لنفسك: ’لن يحدث ذلك مرة أخرى أبدًا‘ وعندما تصل لدفء منزلك، تبدأ فورًا في الاشتياق للتسلق مرة أخرى”. ويؤكد لوينستين هذه النقطة: “لطالما حاولت تدريب مشاعري”، لكنه يعترف بأنه قد يرتكب الأخطاء نفسها في رحلته القادمة.
هل سيكون العالم من دون أخطاء التنبؤ عالمًا أفضل؟ هل ستكون الحياة التي نعيشها من دون ارتكاب أخطاء التنبؤ أكثر ثراءً؟ ومن بين الأكاديميين الذين يدرسون التنبؤ بالمشاعر، يبدو أن هناك قليلًا من الشك في أن هذا النوع من الأسئلة سوف ينتقل من جدران الجامعات إلى العالم الحقيقي. يقول دانييل كانيمان الذي أجرى بعض التجارب الأولى في هذا المجال في أوائل التسعينيات: “إذا كان الناس لا يعرفون ما الذي سيسعدهم، يبدأ التشكيك في فكرة وضع الثقة في الناس للاضطلاع بما يمنحهم المتعة”، ويقول أيضًا إن التنبؤ العاطفي يُمكن أن يؤثر بشكل كبير على التخطيط للتقاعد، على سبيل المثال؛ إذ لا يمكن التراجع والإصلاح بعد ارتكاب الأخطاء في التنبؤ (كم نُوفّر، وكم ننفق، وكيف نختار المجتمع الذي نظن أننا سنحبه). وهو يرى دورًا للتنبؤ العاطفي في الإنفاق الاستهلاكي، إذ قد تعالج مدة “التهدئة ما بعد الانفعال” ندم المشتري. والأمر الأكثر أهمية أنه يرى تطبيقات حيوية في مجال الرعاية الصحية، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بأخذ الموافقة المستنيرة. يقول كانيمان: “نعدّ الأشخاص قادرين على إعطاء الموافقة بمجرد إخبارهم بالتأثيرات الموضوعية للعلاج”. لكن، هل يمكن للناس أن يتوقعوا مشاعرهم بعد إجراء عملية فغر القولون أو إزالة الأحبال الصوتية؟ تشير الأبحاث حول التنبؤ العاطفي إلى أن للناس قدرة قليلة على توقع تكيّفهم بعد المراحل المبكرة. لقد أجرى لوينستين، جنبًا إلى جنب مع معاونه الدكتور بيتر أوبل، قدرًا كبيرًا من الأبحاث لإظهار أن غير المرضى يبالغون في تقدير الاستياء من العيش مع فقدان أحد الأطراف، على سبيل المثال، أو مع الشلل النصفي. ويُشدد لوينستين على قيمة استخدام التنبؤ العاطفي لإثبات قدرة الناس على التكيف مع التحديات الجسدية الخطيرة بشكل أفضل بكثير مما يتخيلون، وسيكونون في نهاية المطاف أكثر سعادة مما يتصورون.
هناك جوانب سلبية لصنع السياسات العامة في ضوء هذه النتائج البحثية أيضًا. في أثناء سيري في بيتسبرج بعد ظهر أحد الأيام، أخبرني لوينستين أنه لا يرى كيف يمكن لأي شخص أن يدرس السعادة ولا يجد نفسه يميل إلى حزب اليسار سياسيًّا؛ وتوضح البيانات أن تعزيز مستويات معيشة أولئك الذين يعيشون في راحة بالفعل، عن طريق خفض الضرائب على سبيل المثال، لا يفعل إلا أقل القليل لتحسين مستويات رفاهيتهم، في حين أن رفع مستويات معيشة الفقراء يحدث فرقًا هائلًا. ومع ذلك، يبدو أنه وغيلبرت (اللذان أعلنا ذات مرة في بحث أكاديمي: “المكاسب غير المتوقعة أفضل من العثرات، والنجاح بتفوق أفضل من النجاح بالكاد، و25 ديسمبر أفضل من 15 أبريل، وكل شيء أفضل من إدارة جمهورية”) يميلان إلى الليبرالية فيما يتعلق بإعطاء التوجيهات. يقول لوينستين: “نقلق جدًّا بشأن المبالغة في تعميم نتائج البحث، ولا نريد أن نفرض (س) على الناس لمجرد اكتشافنا أن (س) تجعلهم أسعد وأنهم يختارون (ص)، لا يريحني اتباع شكل من أشكال نظام الأبوية الذي يتمثل في استخدام نتائجنا لفرض القرارات على الناس”.
ومع ذلك، لا يستطيع غيلبرت ولوينستين احتواء الأسئلة الشخصية والفلسفية التي يثيرها عملهما البحثي. بعد التحدث مع كلا الرجلين، وجدت أنه من الصعب ألا أتساءل عن توقعاتي عند كل منعطف. في بعض الأحيان، بدا الأمر كأنني أعرف السر لبعض الحيل التي يصعب تنفيذها؛ عندما ألقيت نظرة خاطفة على سيارة جديدة في وكالة هوندا في حين كنت أنتظر تركيبهم كاتم صوت جديد في سيارتي الهوندا أكورد من طراز 1992م، على سبيل المثال، أو ارتفعت حمى ابنتي ذات مساء وتخيلت شيئًا فظيعًا، ثم شيئًا أكثر فظاعة بعد ذلك. مع بعض الصعوبة، استطعت أن ألحظ تهويل ذهني للأحداث وتجاهله للعقلانية، وكان من المغري الرغبة في محاولة التفكير في المستقبل بشكل أكثر اعتدالًا، لكن الأمر بدا شبه مستحيل.
بالنسبة للوينستين، الذي يهتم بشكل خاص بالاحتكاك ما بين العواطف والسلوك، فإن الحياة من دون أخطاء التنبؤ ستكون على الأرجح حياة أفضل وأكثر سعادة، يقول: “إذا كان لديك فهم عميق لتحيز التأثير النفسي وتصرفت بناءً عليه، ويصعب تحقيق ذلك غالبًا، فتميل إلى استثمار مواردك في الأشياء التي من شأنها أن تجعلك سعيدًا”، قد يعني هذا قضاء مزيد من الوقت مع الأصدقاء بدلًا من قضاء مزيد من الوقت لكسب المال، ويضيف أيضًا أن الفهم الأفضل لفجوة التعاطف -تلك الحالات الحرجة والمستقرة التي نجد أنفسنا فيها جميعًا في مواقف متكررة- يمكن أن ينقذ الناس من اتخاذ قرارات مؤسفة في لحظات الانفعال.
يبدو غيلبرت متفائلًا بشأن استخدام نتائج عمله البحثي لتحسين “الحكم المؤسسي” -كيف ننفق الأموال المخصصة للرعاية الصحية، على سبيل المثال- لكنه أقل تفاؤلًا بشأن استخدامها لتحسين حكمنا الشخصي. يعترف بأنه أخذ بعض أبحاثه على محمل الجد. على سبيل المثال، أدى عمله على ما يسميه “جهاز المناعة النفسي” إلى الاعتقاد بأنه سيكون قادرًا على التكيف حتى مع أسوأ المواقف. علاوة على ذلك، يقول إنه يغتنم الآن مزيدًا من الفرص في الحياة، وهي حقيقة أكدها شريكه البحثي تيم ويلسون، في جانب واحد على الأقل، الذي يصف تجربة ركوب السيارة مع غيلبرت في شوارع بوسطن تجربة مرعبة ومثيرة للتوتر، ويعترف غيلبرت قائلًا: “كان ينبغي لي أن أتعلم دروسًا أكثر من بحثي مما تعلمته بالفعل، إذ سأتزوج في الربيع لأنني متيقن بأن هذه المرأة ستجعلني سعيدًا إلى الأبد”. عندما قال ذلك، ضحك غيلبرت ضحكة مدوية مفاجئة ملأت مكتبه في كامبريدج، يبدو أنه ضحك، لا لأن ما قاله غير صحيح، بل لأنه لا يوجد شيء أكثر صحة منه، وهذا ما يشعر به على الأقل، ويقول: “لا أعتقد أنني أريد أن أتخلى عن هذه الدوافع كلها، أي الاعتقاد بأن هناك مستقبلًا جيدًا وسيئًا، ووجوب التنافس لمحاولة الحصول على أحدهما وتجنب الآخر، لا أعتقد أنني أريد أن أتعلم من بحثي بهذا المعنى”.
يعمل غيلبرت حاليًّا على تجربة معقدة، إذ نجح في “إزالة” أخطاء التنبؤ العاطفي. في هذه التجربة، طلب فريق غيلبرت من أعضاء المجموعة (أ) تقدير ما سيشعرون به إذا تلقوا ملحوظات سلبية حول شخصياتهم. يبدأ تحيز التأثير النفسي بالتأكيد، ويتوقعون في الغالب أنهم سيشعرون بالسوء، في حين أنهم في الواقع سيكونون على ما يرام. ولكن، عندما أظهر غيلبرت للمجموعة (ب) أن الآخرين حصلوا على الملحوظات السلبية نفسها وشعروا بأنهم على ما يرام، توقع أعضاء المجموعة (ب) أنهم سيشعرون بأنهم على ما يرام أيضًا. يختفي انحياز التأثير النفسي، ويتنبأ المشاركون في المجموعة (ب) بمشاعرهم بدقة.
أثار ذلك اهتمام غيلبرت، ولكن في الوقت نفسه، لم ينظر للنتائج بوصفها تقنية يرغب في الترويج لها في كتب تطوير الذات، أو بوصفها أسلوبًا يمكن تطبيقه عمليًّا، ويقول: “إن الأمل والخوف من السمات الدائمة للتجربة الإنسانية، ومن غير الراجح أن يتخلى الناس عنهما في أي وقت قريب لمجرد أن أحد علماء النفس أخبرهم أنه ينبغي لهم فعل ذلك”. في كتاباته، تساءل عما إذا كانت أخطاء التنبؤ قد تخدم بطريقة أو بأخرى غرضًا وظيفيًّا أكبر لم يفهمه بعد. سألته عمّا إذا كان سيلوّح بعصا سحرية غدًا ليزيل أخطاء التنبؤ العاطفي كلها إن كان ذلك ممكنًا، وأجاب قائلًا: “يبدو أن نتيجة عدم ارتكاب أخطاء التنبؤ تتمثل في حصولك على مزيد من السعادة، عند الاختيار بين وظيفتين، لن تقلق كثيرًا لأنك ستقول: سأكون سعيدًا في كلتيهما، سوف أتأقلم مع أي من الظروف بشكل جيد، لذلك لن أعذب نفسي بالحيرة والقلق حتى الأسبوع المقبل. ولكن، قد تكون الصور الكاريكاتورية التي نرسمها للمستقبل، هذه التقييمات الوهمية المبالغ فيها حول مدى جودة الأشياء أو سوئها هي التي تحركنا في اتجاهٍ واحد دون الآخر، ربما لا نريد أن نكوّن مجتمعًا من الأشخاص الذين يهزون أكتافهم ويقولون: لن يحدث هذا فرقًا كبيرًا حقًّا”.
يضيف: “ربما من المهم أن تعلق أمامنا عصا وجزرة في العالم الواقعي، حتى لو كانت أوهامًا، لنتحرك نحو الجزرة وبعيدًا عن العصي”.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة نيويورك تايمز).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.
الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.