بقلم: روث إ. ستيت | Ruth E. Stitt
النقاط الرئيسية:
- للأشخاص طُرق متنوعة عند التعامل مع الخلاف، تتأثر بشخصيتهم، وطباعهم، وخلفيتهم العائلية.
- عندما يُنظر إلى الخلاف على أنه سلبي بالطبيعة، قد نعود إلى سلوكيات غير صحية تعلمناها في الماضي.
- يمكن أن يؤدي الخلاف إلى تغيير إيجابي في العلاقات إذا تعلمنا البقاء متصلين بالآخرين خلاله.
يشكل الخلاف بالنسبة لمعظمنا شعورًا غير مريح، ومع ذلك، فإنه حقيقة لا مفر منها في الحياة.
لدينا مستويات تحمُّل متفاوتة للخلافات، تتأثر بالشخصية، والطباع، وتجارب الحياة، عند مواجهة الخلاف، قد نعود إلى وضع افتراضي يستند إلى هذه العوامل، وغالبًا ما يستدعي الخلاف آليات القتال أو الفرار أو التجميد البيولوجية لدينا.
أساليب التعامل مع الخلاف
قد يتعامل الأشخاص ذوو الشخصيات العدوانية والتنافسية عادةً مع الخلاف من خلال المواجهة، إذ يحتاجون إلى “الفوز” وإثبات صوابهم في أي نزاع، يتصف هؤلاء الأشخاص بكونهم قتاليين.
قد يجد آخرون أي نوع من الخلاف مخيفًا أو خطيرًا على نحو طبيعي لأنهم في الطفولة شهدوا خلافات أسفرت عن عنف أو طلاق أو تخلٍّ، لذا فإنهم سيهربون من الخلاف أو سيتجنبونه.
الذين شهدوا سلوكيات غير صحية سلبية مثل الانغماس في الحزن، والمماطلة، أو “المعاملة الصامتة” قد يعودون إلى هذه السلوكيات، يمكن أن تؤدي هذه السلوكيات في نهاية المطاف إلى سلوكيات أكثر تدميرًا ظاهريًّا.
البعض يتجمد كالحيوان المحاصر أمام الخلاف، إذ يفتقدون المهارات التي تمكنهم من التعامل مع العواطف الصعبة التي يثيرها الخلاف.
بغض النظر عن نمط الخلاف، قد يتحول عدم الاتفاق السائد إلى عداء مع مرور الوقت وتدمير الروابط العائلية الهشة، ويقتل الازدراء والقسوة الحب والاحترام الذي كان الناس يكنونه لبعضهم بعضًا.
هل الخلاف دائمًا مدمر؟
يقول العديد من الأزواج إنهم يتجنبون المشاجرة أمام أطفالهم، معتقدين أن رؤية والديهم في صراع يؤثر سلبًا على أرواحهم الصغيرة.
ولكن هناك وجهة نظر بديلة: التعبير عن الخلافات أمام الأطفال ليس في حد ذاته مؤلمًا، ما دام ليس عنيفا أو يتضمن إساءة لفظية.
يتعرض شعور الأطفال بالأمان للتهديد نتيجة للمعارك المتكررة بشأن قضايا لا تُحل والتي تنهش في الأسرة حتى تنهار على نحو لا يمكن إصلاحه، يتعلمون أن الخلاف -والغضب الذي يرافقه غالبًا- يقتل العلاقات.
ثم قد يحملون هذا النمط من الخلاف إلى علاقاتهم البالغة، وبذلك تستمر الأنماط المنقولة عبر الأجيال.
لكن ماذا لو استطعنا تعديل رؤيتنا للصراع كفرصة للنمو، لفهم الآخرين وأنفسنا على نحو أفضل، وتعزيز علاقاتنا؟
التوجه بعيدًا، ضد، أو نحو
كتب جون جوتمان، الباحث وخبير الزواج المعترف به دوليًّا، كثيرًا عن كيفية استجابتنا بالتوجه نحو بعضنا بعضًا، حتى في وسط الخلاف، سواء في العمل، في المنزل، أو مع الأصدقاء.
في كتابه “علاج العلاقات”، يوضح جوتمان ثلاثة خيارات لدينا عندما يقدم شخص محاولة للتواصل معنا.
يمكننا التوجه بعيدًا، أو تجاهل محاولة شخص آخر جذب انتباهنا، عندما تكون هذه هي الاستجابة السائدة، سيعيش الشخص الآخر الرفض وقد يتوقف في النهاية عن بذل جهود للتواصل.
الخيار الثاني هو التوجه ضد، بدلًا من قبول محاولة الشخص الآخر للتواصل، نقاوم بالغضب، مما يؤدي غالبًا إلى بدء صراع، وإذا كانت هذه هي استجابتنا السائدة، فقد تتصاعد الخلافات وتدمر الثقة والأمان في العلاقة.
أما الاستجابة الأكثر إيجابية وفعالية هي التوجه نحو، نتوقف عما نقوم به ونحترم احتياج الشخص الآخر أو رغبته في التواصل.
مثال على الحالة
أصبح الزوجان، مارا ومايكل، متوترين للغاية في أثناء مناقشتهما مشكلة حدثت مؤخرًا وأثارت الكثير من الاضطراب العاطفي والخلاف، كان لدى كليهما أساليب تجنبيَّة في التعامل مع الخلافات.
شاركت مارا بأنها شعرت بالوحدة في ألمها بسبب الحادثة، عبرت عن حاجتها لبقائه متصلًا عاطفيًّا بها، كانت هذه خطوة تقدم مهمة بالنسبة لمارا بعد أن كانت تخضع للعلاج لأكثر من عام، كانت قادرة على تحديد ما تحتاج إليه وطلب ذلك، كانت مارا بحاجة إلى أن يتجه مايكل نحوها بدلًا من أن يتحول ضدها أو يبتعد عنها.
استمع مايكل بانتباه، مستعدًّا ليعكس بدقة كلًّا من الحقائق والمحتوى العاطفي لرسالتها، كما تعلم في العلاج الزواجي.
بعد أن خضع لعدة تدريبات، عكس مايكل الرسالة على نحو جيد، ولكن لم يبد أنه استطاع تحقيق اتصال مع زوجته، نظرت إليه مارا، وهو يكتف ذراعيه، وعيناه موجهتان إلى الأسفل وبعيدًا عن زوجته.
كانت كلمات مايكل صحيحة، ولكن مارا بدت أكثر إحباطًا وضيقًا، فأدركت حينها ما هي المشكلة.
طلبت من مايكل أن يعيد ما قاله لمارا -لكن هذه المرة- مع تغيير وضعيته ليواجهها، ويمسك بيديها، وينظر إلى عينيها أثناء الكلام.
بطبيعة الحال، أحدث ذلك تأثيرًا كبيرًا، فبمجرد أن بدأ مايكل في الحديث، انهارت مارا، وأفرجت عن ألمها، واستقبلت كلماته المريحة على نحو كامل.
قامت مارا بمحاولة واضحة للتواصل مع مايكل، كانت قد تحدثت معه وهو استمع إليها وفكر فيما قالته، لكن الاتصال كان غير كامل وغير فعال حتى قام بتغيير وضعيته على نحو كامل نحوها، بجلسته، ويديه، وعينيه، وكلماته، وحبه.
أظهر ذلك احترامه لحاجتها في البقاء على اتصال به بغض النظر عن ألم صراعهما، بدأت علاقتهما في التحسن على نحو فعلي بدءًا من ذلك اليوم.
هذه المبادئ يمكن تطبيقها على أي علاقة
على سبيل المثال، فإن معظم الآباء والأمهات والمعلمين والأطباء وغيرهم من الأشخاص البالغين الذين يتعاملون بانتظام مع الأطفال يفهمون مبدأ التحول نحوهم، إما على نحو حدسي، أو من خلال التجربة، إذا أردنا أن يشعر الأطفال بالأمان، وأن يكونوا مسموعين، ومفهومين، ومعتنى بهم، فإننا نجلس على مستوى أعينهم، ونجلس متقابلين معهم، ونعطيهم انتباهنا كاملًا.
حتى عندما نشعر بعدم السعادة والإحباط من الناس في حياتنا، فإن الاستجابة بالتوجه نحوهم تمنحنا أفضل فرصة لنتائج جيدة.
إذا اتخذنا عادةً خيارًا آخر لأننا نعد الخلاف على نحو طبيعي سلبيًّا، فإن الازدراء أو الانتقام يترسخان، ونشعر بأننا مبررون للتوجه -ضد أو بعيدًا- عن الطرف الآخر، لكننا نفعل ذلك على حساب صحتنا العقلية ورفاهية الشخص الآخر وبقاء العلاقة.
المراجع:
Gottman, J. M., & DeClaire, J. (2001). The relationship cure: a five-step guide for building better connections with family, friends, and lovers. New York, Crown Publishers.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة سيكولوجي توداي).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.

الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.