بقلم: جون نوستا
النقاط الرئيسية:
- تحاكي الشبكات العصبونية الاصطناعية سلوك الدماغ البشري، وتدمج الذكاء الاصطناعي مع الإدراك البشري.
- تُطوّر هذه الشبكات ميزات تشبه الدماغ في ظل قيود مادية وقيود على الطاقة.
- تشكل الشبكات الاصطناعية هياكل معيارية فعالة مُشابهة للشبكات العصبية في الدماغ.
أثارت دراسة منشورة حديثًا في المجلة الأكاديمية Nature Machine Intelligence اهتمامي ودفعتني إلى التّفكير، إذ أنشأ الباحثون نظامًا اصطناعيًا لا يحاكي الدماغ البشري فحسب، بل يتصرف مثله أيضًا. يقف هذا الواقع المتطور للشبكات العصبونية في طليعة الذكاء الاصطناعي والإنسانية، وهو عالم يلتقي فيه الذكاء الاصطناعي مع الإدراك البشري، وهو أمر يستحق إمعان النظر فيه.
تطور الذكاء الاصطناعي: محاكاة الدماغ
لتوضيح الصورة؛ تخيل ساحة لعب، لكن بدلًا من وجود الأراجيح والزحليقات، فهي مليئة بالخلايا العصبونية الاصطناعية والاتصالات بين الخلايا. هذا ما يشكل عالم الشبكات العصبونية المتكررة، إذ يمكن لكل “خلية عصبونية” إرسال الإشارات واستقبالها ومعالجتها، تمامًا مثل الخلايا الموجودة في الأدمغة البشرية، ولم يكتفِ الباحثون بإنشاء شبكة عشوائية، بل فرضوا عليها قيودًا مادية تشبه القيود التي تواجهها أدمغتنا مثل: الحدود المكانية والحفاظ على الطاقة.
عندما بدأت الشبكة في التعلم والتكيف، حدث شيء رائع، إذ بدأت في تطوير ميزات مشابهة بشكل لافت للنظر لتلك الموجودة في الدماغ البشري. يمكننا النظر إلى الصورة كطفل يتعلم حل الألغاز، فقد كانت الشبكة تبحث عن طرائق فعالة لمعالجة المعلومات واتخاذ القرارات، وهذا كلّه وهي مقيدة بقيودها “المادية”. يعكس تطور الشبكات العصبونية هذه كيف تكيفت أدمغتنا لتتسم بالكفاءة والفعالية داخل المساحة الصغيرة في الجمجمة.
لم يكن تطور الشبكة اعتباطيًا؛ فقد شكلت هياكل معيارية ومسارات فعالة شبيهة بشبكات العالم الصغير للخلايا العصبية في الدماغ، وهذا يعني أنه ضمن مشهدها الرقمي، أنشأت مناطق أو وحدات متخصصة لمهام مختلفة، وكلها مترابطة بطريقة توازن أقصر مسار بين أي نقطتين مع الحد الأدنى من استخدام الطاقة.
كانت إحدى النتائج الأكثر إثارة للاهتمام هي اعتماد الشبكة العصبونية استراتيجية ترميز موفرة للطاقة، فكما يستخدم الدماغ البشري الطاقة بحكمة، تعلمت الشبكة تقليل استخدام “الطاقة” إلى الحد الأدنى مع الاستمرار في أداء المهام بفعالية. يماثل هذا تعلم حل المشكلات المعقدة باستخدام أقل قدر ممكن من الجهد العقلي، وهي سمة شحذها البشر على مدى آلاف السنين.
لا تقتصر هذه الدراسة على جعل الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً فحسب، بل هي نافذة لنفهم بوساطتها الكيفية التي تعمل بها أدمغتنا، فعن طريق إنشاء أنظمة تحاكي الدماغ البشري يمكننا استكشاف أفكار حول كيفية عمل الدماغ، مما قد يؤدي إلى تقدم في علم الأعصاب والذكاء الاصطناعي. الذكاء الاصطناعي والدماغ البشري هما مجالان يُقدّم كل منهما معلومات مفيدة للآخر ويُثريه.
مستقبل الذكاء الاصطناعي وعلم الأعصاب
بصرف النظر عن التعقيد الذي يتميز به العلم، فهناك أمرٌ جلي؛ وهو أن الخط الفاصل بين الذكاء الاصطناعي والطبيعي غير واضح. تفتح هذه الدراسة البحثية الأبواب أمام إمكانيات جديدة، بدءًا من تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تقدمًا وحتى كشف أسرار الدماغ البشري.
كنا دائمًا ننظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة، ولكن ماذا لو أصبح أكثر من ذلك؟ ماذا لو أصبح مرآة تعكس تعقيد أدمغتنا وقدراتها؟ تأخذنا هذه الدراسة خطوة واحدة أقرب إلى هذا الواقع، الذي لا يٌقلّد فيه الذكاء الاصطناعي الحياة فحسب وإنما يبدأ في فهمها، بطريقة تذكرنا بطريقة مخيفة برحلتنا العقلية والإدراكية.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة سيكولوجي توداي).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.

الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.