بقلم لويلين إي فان زيل، درجة الدكتوراه
النقاط الرئيسية:
- يعاني علم النفس التنظيمي الإيجابي من الركود ويحتاج إلى إطارات جديدة ذات صلة بعالم العمل الجديد.
- يتبنى علم النفس التنظيمي الإيجابي 2.0 أساليب تعتمد على التكنولوجيا والبيانات لتحقيق الرفاهية مع التركيز على الإنسان.
- يتبنى نهجًا يعتمد على الأنظمة ويتعاون مع الجهات المعنية ويأخذ في الحسبان الثقافات المختلفة في تطوير أماكن العمل المزدهرة.
- تتضمن التحديات الصعوبة في الحفاظ على الصرامة والأخلاق والصلة بالمشاكل الحقيقية في العالم.
إن أسلوب العمل ومعايير بيئات العمل التقليدية آخذة في التغير بسرعة كبيرة، إذ إن العمل عن بُعد، وبيئات العمل الرقمية، والزملاء الروبوتات، والذكاء الاصطناعي التوليدي، والاضطراب الرقمي المستمر، قد تغير بسرعة كيفية عملنا، ومع ذلك، لا تبدو النماذج التقليدية لعلم النفس التنظيمي، والأدوات، والتقنيات، مفيدة في مساعدة الأفراد والمنظمات على التنقل في عالم العمل الجديد! فمن دون التوجيه، قد يشبه الأمر التجديف ضد التيار بدون مجداف، ولكن كيف لنا ألا نتمكن من البقاء في هذه البيئة العملية الجديدة فحسب، بل الازدهار فيها كذلك؟ قد يكون علم النفس التنظيمي الإيجابي هو المفتاح.
في ورقتنا البحثية الجديدة، نقترح تطورًا لعلم النفس التنظيمي الإيجابي في العمل، والذي نسميه “علم النفس التنظيمي الإيجابي 2.0 (POP 2.0)”، وتهدف موجة البحث والممارسة هذه إلى مساعدة الأفراد والمنظمات على التنقل في تحديات عالم العمل الجديد من خلال تبني التقنيات الجديدة والتصميم لتعزيز الرفاهية الفردية والتنظيمية، ولكن هل سيؤدي هذا النهج الجديد المبني على التكنولوجيا والبيانات لتحسين الأداء والرفاهية إلى الازدهار في العمل، أم أنه سيشكل مخاطر أخلاقية؟
ما هو علم النفس التنظيمي الإيجابي؟
يركز علم النفس التنظيمي الإيجابي على الجوانب الإيجابية في أماكن العمل التي تسمح للأفراد والمؤسسات بالازدهار، وهو يتعلق بفهم وتنمية الحالات الإيجابية (مثل الرضا الوظيفي)، والصفات (مثل نقاط القوة)، والسلوكيات (مثل القدرات)، وتجارب العاملين والمنظمات (مثل المناخات الإيجابية) كوسيلة لتعزيز الرفاهية والأداء وتحقيق الازدهار التنظيمي.
ظهر هذا المجال في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إذ أدركت الشركات أن السعادة والرفاهية تدفع الأرباح، لقد بدأت المؤسسات تقدر وتتبنى النهج القائم على نقاط القوة، والذي يدفع الأداء الفردي ووظائف المؤسسة، ومع ذلك، فقد ركد التقدم في السنوات الأخيرة، في حين ارتفعت المنشورات بشكل كبير، إلا أن الأفكار الجديدة والتطبيقات العملية لأدوات وتقنيات علم النفس التنظيمي الإيجابي قد تأخرت.
لماذا يحتاج علم النفس التنظيمي الإيجابي إلى إعادة تشغيل؟
ولكن لماذا ركد علم النفس الإيجابي في مجال العمل؟ يبدو أن عدة عوامل ساهمت في تراجعه في الابتكار والصلة:
- تغيرت ملامح العمل بشكل جذري، لكن النماذج التي تشرح مثل هذه التغيرات لم تتطور بالقدر الكافي، فمع الوظائف عن بُعد والوظائف الحرة والوظائف التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي التي غيّرت كيفية تعاوننا ومشاركتنا، لم تعد النماذج التقليدية لعلم النفس التنظيمي الإيجابي تتضمن أو تفسر الديناميكيات الجديدة.
- أدت المنافسة المتزايدة من مجالات مثل إدارة الموارد البشرية والتدريب وعلم النفس الاستهلاكي إلى تشويش القيمة المميزة لعلم النفس التنظيمي الإيجابي.
- فشل في تبني التكنولوجيا الجديدة مثل تعلم الآلة، والرقمنة، ومساحات العمل الافتراضية.
- هناك نقص في النظريات والأفكار الجديدة التطويرية، وأصبحت النتائج متكررة.
- يبالغ في الوعود بكثرة النتائج وصحتها، في حين تفتقر إلى أدلة قوية وإمكانية تكرار النتائج.
- يركز على الأفراد أكبر بينما قد تكون المسائل التنظيمية أهم.
- يركز على الولايات المتحدة أو الغرب، ويتجاهل الفروق الثقافية.
- هناك تأثير رأسمالي محتمل يجعل الإيجابية سلعة بدلًا من تمكين الأفراد.
تجعل هذه المشاكل علم النفس التنظيمي الإيجابي غير مجهزٍ للتعامل مع تحديات المنظمات الحالية، لذلك يحتاج إلى إعادة نظر.
تبني إمكانيات علم النفس التنظيمي الإيجابي 2.0
لمعالجة هذه التحديات، اقترحنا إطارًا للأبحاث والممارسة المبتكرة القادمة، يُعرف علم النفس التنظيمي الإيجابي 2.0 بأنه مجال للتحقيق العلمي والممارسة القائم على الأدلة والبيانات، الذي يتبنى التطورات التكنولوجية ومبادئ التصميم والابتكارات لفهم وتحسين السمات الإيجابية الفردية والتنظيمية والاجتماعية المطلوبة للوظائف النفسية الأمثل، والرفاهية، والأداء.
من خلال اعتماد التطورات التكنولوجية وتطويرها بسرعة، واعتماد التصميم الذي يركز على الإنسان، يهدف علم النفس التنظيمي الإيجابي 2.0 إلى خلق بيئات حضورية وافتراضية إيجابية تدعم الرفاهية الفردية، والتعاون بين الفِرق، والقيادة الإيجابية، والعلاقات الإيجابية، والفاعلية والاستدامة التنظيمية، وازدهار المجتمع، ويطوّر ويتبنى نهجًا حساسًا للثقافة مدمجًا في التقاليد والقيم المحلية، مستفيدًا من القوى الفريدة للتنوع، ويستخدم نهجًا متقدمًا قائمًا على البيانات، مثل التعلم الآلي الموجه، والتعلم الآلي غير الموجه، والتعلم الآلي المعزز، وتحليلات البيانات الضخمة، ومعالجة اللغة الطبيعية، لاستقصاء وتطوير العناصر اللازمة “للمنظمة الإيجابية” المثلى.
خصائص علم النفس التنظيمي الإيجابي 2.0 المحددة
يمثل في جوهره تطورًا في هذا المجال للاستفادة من التكنولوجيا الناشئة والتعاون متعدد التخصصات لفهم كيفية تمكن المؤسسات من الازدهار. ويتميز علم النفس التنظيمي الإيجابي 2.0 بعدة خصائص محددة:
- يعتمد رؤية الأنظمة لوظائف المؤسسات التي تدرك الروابط بين الأفراد والفرق والمؤسسات والمجتمع.
- يؤكد على التعاون البيني ومتعدد التخصصات.
- يستخدم تحليلات البيانات المتقدمة والنمذجة لاستخلاص الأفكار والتحليلات المؤسسية.
- يدمج بسرعة التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي الإنتاجي والواقع الافتراضي.
- يُركّز على تصميم بيئات العمل الإيجابية الحضورية والافتراضية.
- يطوّر ويستخدم المساعدين الاصطناعيين والروبوتات لتعزيز التعاون في الفرق.
- يطوّر استراتيجيات للتعاون الفعّال بين الإنسان والروبوت.
- يستفيد من التقييمات الفعّالة في الوقت الحقيقي لمراقبة الاندماج والرفاهية.
- يدعو إلى ممارسات تجارية مستدامة تحقق توازنًا بين الرفاهية والبيئة.
- يقدر التنوع والعدالة والاندماج وزيادة قدرات الفئات المهمشة.
- يشرك بنشاط مختلف أصحاب المصلحة لمواجهة التحديات الحقيقية في الوقت المحدد وحسب المواصفات.
يستخدم علم النفس التنظيمي الإيجابي 2.0 التكنولوجيا، ولكن يحافظ على نهج متمحور حول الإنسان، والهدف هو فهم كيفية تمكن الابتكارات من زيادة النتائج الإيجابية، وليس استبدال التجارب البشرية.
تحديات علم النفس التنظيمي الإيجابي 2.0: التصدي للتحديات المتلاحقة المقبلة
يجب على الممارسين والباحثين الراغبين في تطوير علم النفس التنظيمي الإيجابي 2.0 اتخاذ بعض الإجراءات لتحقيق إمكانياته الكاملة:
- يتطلب أساسًا علميًّا جديدًا ومتينًا.
- يجب أن يتضمن التعقيد التنظيمي بشكل يتجاوز مجرد تجميع التجارب الفردية.
- يتعين علينا التخفيف من التأثيرات المحتملة لفقدان دور الإنسان نتيجة الاعتماد المفرط على التكنولوجيا والبيانات لتوجيه الأفكار العملية.
- يجب علينا وضع لوائح تنظيمية عن إنشاء وتطبيق التقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي التكويني واستخدام البيانات الضخمة.
- يتعين علينا الحفاظ على الدقة والتكيف السريع مع التقنيات المتغيرة بسرعة.
- يتعين علينا توليد حلول في الوقت المناسب تحل المشكلات الحقيقية التي تواجهها المؤسسات في الوقت الحالي.
ستزداد الفرص إذا استطاع علم النفس التنظيمي الإيجابي 2.0 أن يفكر بشكل مدروس بتحقيق بعض التوازن بين اعتماد التقنيات والمحافظة على الدور البشري، والسعي النشط للتطرق إلى التحديات التنظيمية الحقيقية في العالم الحقيقي، فمن خلال التطور مع التقنيات الناشئة والتركيز في الوقت نفسه على الأخلاق والتجربة، سيفتح العصر الجديد لعلم النفس الإيجابي في العمل إمكانيات الإنسان بطرق مختلفة ومبتكرة.
بينما نتجاوز هذه التحديات والفرص، نمهد الطريق لنظام بيئي في مكان العمل ليكون غنيًّا علميًّا ومتوافقًا تمامًا مع التجربة الإنسانية داخل المؤسسات، من خلال التفوق في التعامل مع التغيير بإبداع، يمكننا فتح إمكانيات الإنسان في العمل بطرق جديدة ومثيرة.
المراجع:
Van Zyl, L. E., Dik, B. J., Donaldson, S. I., Klibert, J. J., Di Blasi, Z., Van Wingerden, J., & Salanova, M. (2023). Positive organisational psychology 2.0: Embracing the technological revolution. The Journal of Positive Psychology, 1-13.Van Zyl, L.E., Gaffaney, J., Van der Vaart, L., Dik, B.J., & Donaldson, S.I. (2023). The Critiques and Criticisms of Positive Psychology: A Systematic Literature Review. The Journal of Positive Psychology, 1-30
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة سيكولوجي توداي).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.
الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.