فيلم ” The Platform ” من نوعيَّة الأفلام النادرة التي قد لا تراها في العُمر إلا مرَّات معدودات. الفيلم من نوع الأعمال الرمزيَّة الفلسفيَّة؛ وهي تختلف كثيرًا عن أعمال رمزيَّة سياسيَّة -مثلاً- والتي يتمّ إنتاجها بمعدَّل شبه ثابت تقريبًا. لكنْ أنْ تنتج فيلمًا يقدِّم محتوى رمزيًّا فلسفيًّا فهذا ما لا يُقدم على إنتاجه أحد بسبب صعوبة تقبُّله من الجمهور، وبالتالي شبح الإخفاق. لكنَّ فيلمنا هذا قد استطاع أن يصنع موازنة بين عوامل جذب الجمهور وبين ما يريد تقديمه كاملاً؛ ولعلَّ هذا العنصر هو الأشدّ بروزًا في نجاح الفيلم. ستشاهد فيلمًا قادرًا على جذب انتباهك من أول دقيقة إلى آخر دقيقة دون أدنى ملل، رغم عمق ما يُقدَّم. والفيلم لغرابته لا يمكن تصوره دون أن أتناول الكثير من أجزائه بالعرض الموجز.
الفيلم الإسبانيّ من إنتاج شركة “نتفلكس” عام 2019. حاز على عدد من الجوائز، وقد اهتمّ به بعض المُتحدثين العرب لكنَّهم أخطأوا في تصنيفه؛ حيث تعرض عليك منصة “ويكيبيديا” الفيلم على أنَّه فيلم خيال علميّ ساخر! وهذا غير صحيح فالفيلم تصنيفه الصحيح أنَّه خيال مطلق، أو خيال فكريّ، أو خيال شاعريّ حتى. ولنْ يُصنَّف هذا العمل تحت صنف الخيال العلميّ إلا إذا تغاضينا تمامًا عن كل ما به من رمزيات وأفكار؛ مما يدعونا إلى التغاضي عن فحوى الفيلم كلّه وهذا ما لا يمكن. وقد وقعت المنصة الشهيرة (IMDb) في هذا الخطأ أيضًا. والتصنيف الصحيح الكامل أنَّه فيلم خيال، غموض، إثارة.
الفيلم يدور عن رجل متوسط العمر يستيقظ مُشتَّت الذهن ليجد نفسه في سجن مع عجوز. وسرعان ما يبدأ الحوار بينهما؛ ليكشف لنا خلفيَّة الأحداث ونعرف أنَّ هذا السجن مُغاير عن دلالات كلمة سجن التي يستحضرها الذهن أولًا؛ فهذا السجن مُكوَّن من مئات الطوابق كل طابق منها ليس فيه شيء غير سريرين؛ كل سرير منهما على جانب مقابل للآخر وحوض للمياه. سجن ذو جدران أسمنتيَّة وكذلك أرضه وحائطه. ليس فيه باب للخروج أو الدخول، غير هوة سحيقة في منتصف كل طابق بالحجم نفسه تمرُّ منها منصة ضخمة تشبه منضدة الطعام التي في بيوتنا لكنَّها أسمنتيَّة أيضًا. هذه المنصة أو المائدة تمتلئ بأطايب الطعام تتوقف ذاتيًّا كل يوم مرةً واحدةً فقط عند كل طابق من طوابق السجن لمدة دقائق قليلة؛ لتقدِّم الفرصة الوحيدة لتأكل في ذلك المكان. وكلَّما أكل منها بشَرَهٍ سُكان أوائل الطوابق كلَّما قلَّ الأكل هبوطًا حتى لا يجد غالب سكان الطوابق السفليَّة إلا أواني الطعام وحسب!
في هذه الأجواء الغرائبيَّة يكتشف بطلُنا مدى صدمته من هذا السجن الذي يسمونه “الحُفرة”. ونكتشف أيضًا أنَّ سكان المكان غالبهم من المجرمين، بما فيهم العجوز المصاحب لبطلنا، الذي دخل إلى المكان بعد تخييره بينه وبين مشفى المجانين، بعد أن تسبب في قتل مهاجر غير شرعيّ. لكنَّ بطلنا دخل هذا المكان بإرادته لمدة ستّة أشهر يريد به الحصول على شهادة دبلوم بعد الإفراج عنه. الأهم أنَّ كل داخل لهذه الحفرة يتعيَّن عليه اختيار أيّ شيء مُصاحب له. وقد اختار بطلنا الكتاب الشهير “مغامرات دون كيخوته” أو “دون كيشوت” -كما هو مُشتهر عند العرب-. وهو الوحيد الذي اختار كتابًا فمثلاً العجوز قد اختار سكينًا ليصاحبه.
نرى كيف يدخل الناس عن طريق إدارة تُحكم سطوتها على المكان كلِّه؛ حيث يجلس بطلنا أمام موظفة تنبّهه أنه لن يستطيع الخروج إلا بعد قضائه المدة المحددة له في الداخل، ثم يُخيَّر بالشيء الذي سيصاحبه، ويُخبَر بالمدة. وبعدها يستيقظ ليجد نفسه في أيّ طابق على حسب حسن حظّه أو سوئه. والمعيار هو الاقتراب من الطابق صفر الذي تنزل منه المائدة ما زالت عامرةً بكل شيء، وكلَّما وجدتَ نفسك في طابق أقلّ فمعناه أنك ستأكل المتبقِّي من الطوابق السالفة -إنْ تبقَّى منهم شيء لتأكله-. والطابق يتغير بالسجينَينِ -إذا لمْ يمت أحدهما أو ينتحر أو تنتهي عقوبته- كل شهر؛ فمتى رماك حظك العاثر في طابق سفليّ فأمامك شهر من الجوع أو أن تقتل رفيقك لتأكل من جثته.
هذه المنصة أو المائدة تنزل من الطابق صفر الذي هو مخالف تمامًا لكل أجواء السجن؛ ففيه كلّ شيء منضبط تمام الانضباط، مُلمَّع مُنمَّق، فيه أناس يعزفون على الآلات الوتريَّة، وجيش من العاملين كأنَّهم خليَّة من النحل لا تكلّ ولا تملّ. يشرف عليهم رجل عجوز ليتأكَّد بألا هفوة تصدر عن أيّ من عامليه، وهم يهابونه للغاية، ولا يستطيع أحدهم أن يخالفه. والويل كلّ الويل لمَن يخطئ في شيء مهما كان صغيرًا؛ مثل شعرة من الرأس في الطعام. هذا هو العالم الذي يقبع فوق السجن العموديّ ذي مئات الطوابق.
وفي أحد الأيام بينما المنصة تنزل إذ يفاجأ بطلنا بامرأة شابة أصلها من آسيا، ويُفهِمه العجوز أنها امرأة شبه مجنونة تدعي أنّ لها طفلاً تظلّ تهبط بين الطوابق لتبحث عنه. ثم وفي جزء آخر من الفيلم يحبس بطلنا مع الموظفة التي قد عقدت معه لقاء التقدُّم -والتي دخلت الحفرة بإرادتها رغبةً في المساعدة- لتكشف له عددًا من الأمور التي يريد المؤلف أن نعرفها جيدًا. مثل أنَّ المكان اسمه “المركز العموديّ للإدارة الذاتيَّة”، وأنَّ الهدف منه هو الوصول إلى “التضامُن العفويّ” -أيْ الذاتيّ- بين المساجين، وأنَّ الإدارة لا تعذبهم بل تساعدهم على ترويض أنفسهم والخروج منه بهيئة أخلاقيَّة أرقى، وأنَّ الإدارة مُدقَّقة جدًّا ولا تخطئ، كما أخبرته أن الشابة ليس لها ابن، وأنَّ الإدارة لا تدخل الأطفال في هذه الحفرة.
هذا كل ما يمكن أن يُعرف للمتابعة؛ مع العلم أنّ هناك الكثير من الأمور تنتظر تجربة المشاهدة، وأن السالف ذكرُه لمْ يقضِ على متعة المشاهدة بل ستشاهد وتكمل لأنَّ الفيلم تصنيفه هو الإثارة فأنت مترقِّب لما سوف يحدث لبطلنا ولبقية الموجودين، وكيف ستنتهي قصتنا؟
قبل الدخول في أيَّة عمليَّة تفسيريَّة هذا الفيلم قد يُذكِّر السيد المشاهد بالمسرحيَّات الرمزيَّة تذكرةً أكيدةً. ولعلَّ أحدًا سيتداعى إلى ذهنه مسرحيات “جان بول سارتر” -مثل مسرحيَّة الجحيم، ولا مفرَّ- وغيرها من مسرحيات الاتجاه الوجوديّ العدميّ، لكنْ بتأثير آخر غير العدميَّة المحضة. ولمْ يكتفِ المؤلف بالروح المسرحيَّة، بل يكاد تقسيمه للفيلم يكون علة نمط المسرح في التقسيم. فالفيلم -وهذا واضح لكل راءٍ- يتكون من أربعة فصول: الأول: البطل مع العجوز -وهو مشهدان التعريف والحدث-، والثاني: البطل مع الموظّفة، والثالث: البطل مع الرجل الأسود، والرابع: البطل والحلّ. ومن الممكن داخليًّا تقسيم الفصل الأخير إلى مشهدين أيضًا.
هل إخلاصُه للمسرحيَّة في الأداء جعله فيلمًا سيئًا؟ بالتأكيد لا؛ فالفيلم بالغ الجودة، بل قد يتساءل الكثير من المشاهدين بعدها: لمَ لا يُشتهر هذا الفيلم أكثر؟ .. لقد تغلَّب المؤلف على عقبة المسرحيَّة بأمور منها الغموض الشديد المُحيط بالتجربة، والذي قد يصل بها إلى درجة الجنون أو الغرائبيَّة، وكذلك الجمل الحواريَّة المُكثَّفة التي أودعها طوال مدة الفيلم، والتي تعمل على إيقاظ عقل المشاهد وتأرجحه بين كون العمل مُسليًا أم ذا معانٍ فلسفيَّة عميقة. وأخيرًا قدرة المؤلف على الحفاظ علة وتيرة الإثارة إلى آخر لحظات الفيلم وهذا نجاح لافت.
وقبل مغادرة التأليف نوضِّح نقطة قد يشعر بها المشاهد -أو القارئ- للأعمال الرمزيَّة هي بعض الهنات أو السقطات أو الفجوات الخفيفة في البناء. والتي بدورها تطرح أسئلة في ذهن المشاهد مثل: لِمَ لمْ يلجأ أحدهم من قبل إلى الحلّ الذي لجأ إليه البطل؟ كيف لهذا الإحكام الشديد أن يقع في خطأ بالغ التفاهة؟! وأسئلة أخرى. هذه الأسئلة دائمًا ما تقلل من قيمة العمل في نظر المشاهد أو القارئ. لكنَّها فجوات مُبرَّرة جدًّا لا يعرفها إلا صُنَّاع الأعمال الرمزيَّة. فالكاتب حينما يُقدم على عمل رمزيّ يكون بين شفرتَيْن حادتَيْن هما: ما يريد أن يقدِّمه، وما ألزم به نفسه من قواعد بناء قصته أو روايته أو فيلمه. وبين الشفرتين دائمًا ما تكون هناك فجوات؛ فهناك الكثير من التصورات الأخرى. وهنا لا بُدَّ من التغاضي عن هذه الفجوات وتقييم العمل نفسه على قدر قيمته التي يريد تقديمها وإحكام صنعته أيضًا. هذا ما يجب أن يكون واضحًا للسيد القارئ للأعمال الرمزيَّة عمومًا مهما كان مجال رمزيتها.
ورغم أنَّ الفيلم يمكن رؤيته من خلال نظرات تفسيريَّة عديدة؛ لكنَّ النظرة التي أصرَّ الصانع نفسه على عرضها هي رمزيَّة للحياة نفسها، ومغزاها، وكيفيَّة إدارتها. وبالعموم تسيطر الفلسفة الوجوديَّة على مضامين الفيلم. ولعلَّ أوَّل ما يسترعي اهتمامك أمران: أنَّ الحياة مصوَّرة بصورة السجن الذي لا خروج منه، والآخر هو اسم السجن “الحُفرة” التي هي الحياة نفسها؛ حيث يُلقى فيها الناس كما يقع أحدهم في أيَّة حُفرة ولا يخرج منها إلا ميتًا. ونرى بطلنا يُنبَّه عليه أنَّه سيدخل مُعتَرَك الحياة ولنْ يخرج إلا بعد مضي المدة المُقدَّرة له سابقًا وهي عُمره فيها. ونرى البقيَّة يدخلون السجن جرَّاء جرائم.
وهنا نرى خلفيَّة المؤلف وصُنَّاع العمل المسيحيَّة التي تعتمد مبدأ الخطيئة؛ حيث كلّ شخص مولود -ابتداءً- مُدان بجُرم آدم الأول وهذا هو تفسير المكان. لكنَّ اللافت للنظر أنَّ الفيلم اسمه “المنصة” أو المائدة أيْ هذه الأرزاق التي ستصارع عليها البشر في الحياة. وهنا ستأتيك جملة “سارتر” -أحد رواد الوجوديَّة الإلحاديَّة- أن الجحيم هو الآخرون. فكل مَن هو غيرك هو عدوك في هذه الغابة المُوحشة التي تسمى الحياة أو التي تُسمَّى الحفرة في عُرف عملنا الفنيّ هذا.
الحفرة هي للأشقياء المسجونين فيها أمَّا العالم العُلويّ وهو المستوى صفر يرمز إلى العالم الفوقيّ أو “الميتافيزيقيّ” المُفارق للحياة، والمُهيمن عليها. وهي الإدارة التي هي عالم نظيف كلّ النظافة، يسير فيه كل شيء على وتيرة منضبطة لا خطأ فيها. وهو عالم كخليَّة النحل المنضبطة نرى فيه مئات من المُكلَّفين بالأعمال، ومشرف عليهم. وإدارة عُليا تُلقي بالناس في هذه الحُفرة على غير ذنب أو بذنب، مُختارين أو مُجبرين. وهنا يسترعي انتباهنا نمطان من الحياة كلُّ الناس وهم كافة المسجونين، والبطل الذي دخل إلى معترك الحياة بإرادته عالمًا بما يجب عليه أن يفعل، وما يحقُّ للآخرين أن يحصلوا عليه، وهو الوحيد الذي دخل بكتاب. ورغم هذا اختار المؤلف كتاب “دون كيخوته” أو مُحارب طواحين الهواء. وهي رواية ضخمة -أكمل ترجمة عربيَّة لها على يد أستاذ الفلسفة الكبير د/عبد الرحمن بدوي- تعرض حياة شخص لا يدري ما الهدف من حياته، يريد أن يظهر نفسه ذا غرض وهدف يحقق أفعالاً سامية للآخرين، وهو في حقيقة الأمر شخص تافه لا يحقق شيئًا إلا الضرر. وهنا نجد من الكتاب الإشارة إلى عبثيَّة الحياة أو عبثيَّة التجربة أصلاً.
وهنا يعرض علينا الفيلم الهدف من تجربة الحياة وهو هدف الإدارة الذي عرضته الموظفة السجينة. هو إدارة النفس وخلق ما يُسمَّى بالتضامُن العفويّ أيْ الذي يأتي من النفس دون تفكير؛ وهي قد لخصَّتْ كل الأمور في جُمَل منها: لو أخذ كلّ شخص في الحُفرة ما يكفيه فقط لبقيت المنصة عامرة حتى آخر طابق. وهنا يطرح الفيلم أو يطعن الفيلم في هذه المثاليَّة المُغرقة في مشهد نصيحة الموظفة لساكنَيْ الطابق الأسفل بأن يأخذا كفايتهما فقط من الطعام ليتركا للجميع فرصة العيش، لكنَّهما يهاجمانها بجرأة وسفالة، فلا يجد البطل إلا التهديد بأنَّه سيتبرَّز في الطعام كل يوم إنْ لمْ ينفِّذا أمر السيدة. فينصاعان إلى أمره لا إلى أمرها. لكنَّه يقول لها مَنْ هم أسفل منا فقط سينصاعون لأنَّني لا أستطيع التبرُّز إلى فوق! ليعرض عليها أنَّ القوة والسلطان طريقان للإقناع أيضًا لا الحوار العقليّ فقط.
وفي الفيلم نجد البطل الشاب الذي يُشبَّه بالمسيح في مشاهد عديدة -وقد هيَّئوا مظهره ليشبه لوحات المسيح الغربيَّة حقًّا في هذه المشاهد، غير ملائمته العُمريَّة له- نجده نفسه يُخيَّر بين التضامن والتبرُّز؛ أيْ بين تعقُّل الحياة وقسوتها. ونجده نفسه يأكل لحم أخيه ميتًا، ونجده نفسه يضرب الآخرين ويقتلهم لينفذ تجربة في عقله اقتنع بها. وهنا يأتي المؤلف لأمر هو أنَّ رمز الدين والتعقل والرحمة بالآخرين عندما يتعرض لضغوط هائلة يترك عنه كل هذا ليكون بشرًا أيضًا يقترف الآثام التي يقترفها البشر.
وهنا نجد أنفسنا أمام الجزء الأخير أو الفصل الأخير من الفيلم وهو كيفيَّة إنهاء هذه المهزلة التي أدخلتنا فيها الإدارة بغير إرادة أو بإرادة. وكان الحلّ في كسر الحلقة اللانهائيَّة التي صنعتها الإدارة، والإبانة عن أنَّها تخطئ، وليست مُنزهَّةً عن الخطأ كما اعتقدتْ واعتقد الجميع وأيقنت الموظفة. وتمثَّل الحل الأول في الحفاظ على أحد الأطباق سليمًا كما هو ليصعد مرةً أخرى للطابق صفر، الثاني في إيجادهم ذاك الطفل الذي ظلَّت الشابة تبحث عنه، والتي أكدَّت ممثلة الإدارة عدم وجوده. وهنا كُسر الحاجز الجهنميّ الذي فرضته الإدارة على الآخرين جميعًا. ولكنَّ الفيلم ينتهي نهاية قد يُعدّها البعض نهاية مفتوحة، ولكنَّها مُغلقة من ساعة اكتشاف الطفل أصلاً، وبذاك اكتشف الجميع خطأ الإدارة الجهنميَّة التي لا تخطئ. وحوار الإنسان بعد تحقيقه لذاته أمام هذه القوى الرهيبة التي ظنّ إحكام قبضتها عليه.
وبعد فهذا تفسير أمر العمل الرمزيّ كما أراده المؤلف، لا كما تفرضه عليه العقول ذات الثقافات المُغايرة. والمؤلف قد صنع هذا العمل وفق ثقافته الدينيَّة المسيحيَّة، وثقافته الفكريَّة الوجوديَّة الواضحة كل الوضوح. وهذا العمل لا ينتمي لا لعقلنا ولا لثقافتنا. ولقد قمت باتباع فكر المؤلف كما أراد اتباعًا للموضوعيَّة والنزاهة. أمَّا إعادة مناقشة الفكرة أو توجيهها فلا أظنُّ أنَّ وراءها طائل في هذا المقال؛ الأهمّ أنْ نشاهد ونحن ونجعل عقولنا دائمًا متيقظة في كل ما نشاهد أو نسمع.
الفيلم قد امتاز بإخراج بالغ الجودة، وبموسيقى مُكثَّفة استمرت طوال دقائق الفيلم تقريبًا، وبأداء تمثيليّ ممتاز استطاع ترك آثار واضحة على العين المُشاهدة. لكنَّ تفوق جانب التأليف والمعاني لمْ يعطنا فرصة لمناقشة الفنيات التي تستحق حيزًا مساويًا لحيز المعاني. ولا ضير في هذا فالفيلم نفسه قد اختار المعاني منذ أول دقيقة وحتى آخر دقيقة.