
من مقدمة كتاب The Rise of the Arabic Book
والذي ستصدر ترجمته للعربية عن دار معنى للنشر والتوزيع.
مقدمة المترجم
“احتوت أكبر مكتبة في أوربا […] في القرن الثالث عشر [ الميلادي] على أقل من 2000 مجلد، وفي الوقت ذاته، ضمَّت خمس مكتبات في بغداد وحـدها -كل مكتبة منفردة- ما بين ٢٠٠ ألف ومليون مجلد”[1].
“خلّف الواقدي بعد وفاته ست مائة قمطر كتبًا، كل قمطر [منها] حمل رجلين. وكان له غلامان مملوكان، يكتبان الليل والنهار، وقبل ذلك بيع له كتب بألفي دينار”[2].
يُذهل القارئ للتراث العربي من أمثال هذه الأخبار المتواترة عن تلك المكتبات العظيمة التي تزخر بها المدونات العربية من نحو معجم الأدباء لياقوت الحموي، وتاريخ بغداد للخطيب، ونزهة الألباء لابن الأنباري، وغيرها مما لا يتسنى حصره، أما الفهرست للنديم فيذكر من أخبار التآليف والمؤلفين ونهضة التأليف ما لا ينقضي منه العجب. وتشكّل الوِرَاقة والورّاقون جانبًا آخر يجلّي جوانب هذا الازدهار العلمي، فتمتلئ شوارع بغداد بحوانيت الوراقين في مطلع القرن الثالث الهجري، لتبلغ أكثر من مئة حانوت[3] .كل هذا دعا إلى نشوء نهضة علمية وحركة تأليف ما تزال آثارها شاهدة في صورة تراث خالد حتى اليوم، رغم ما طاله من ضياع وإهمال وتدمير، فيشير بعض الباحثين إلى أنَّ عدد المخطوطات العربية في العالم يُقدَّر بنحو ثلاثة ملايين مخطوط[4].
ولعل السؤال المهم كيف كان التحول من الثقافة الشفاهية إلى الكتابة؛ وكيف انحسرت الرواية والنقل الشفهي وازدهر التدوين وشاعت الكتابة في ثقافة تشغل فيها الشفاهية مكانة رفيعة ويتردد فيها مقولات من نحو “مَن كان شيخه كتابه فخطؤه أكثر من صوابه” لفظًا وضمنًا. هل حلَّت الكتابة محل الحفظَ وألغت أهميته؟ وكيف هي العلاقة بينهما؟ وكيف أصبح الكتاب وسيلة شرعية لنقل المعرفة؟ وكيف استُعملت المخطوطات وتُصوّرت؟ وما آثار انتقال المعرفة من الذاكرة إلى الورق الذي يكفل امتداد الأثر والانتشار؟ وما آثار معرفة العرب للورق ثقافيًا وعلميًا؟ ثم كيف حدثت كل هذه التحولات بتلك السرعة المدهشة ضمن مدة زمنية قصيرة نسبيًا؟ وماذا عن الوراقين الذين أدَّوا دورًا محوريًا في نشأة الكتاب العربي، وإن كانوا غُفْلاً وظلّ دورهم متواريًا غالبًا.
تسعى بياتريس غروندلر في كتابها الصادر حديثًا بعنوان The Rise of the Arabic Book، الذي تنشر منصة معنى جزءًا من مقدمته، للاشتغال بهذه الأسئلة وإجاباتها عبر اختيار متبصّر لقصص عميقة ونقاشات دقيقة لعلماء وشعراء ووراقين وكتبيين وقرّاء منذ القرن الثاني الهجري، ضمن قصة نشأة الكتاب (المخطوط) وازدهار حركة التأليف في العصر العباسي، أو ما تسميه المؤلفة “ثورة الكتاب العربي”، بما نشأ عنها من رواج الكتب والمكتبات والثقافة الكتابية عمومًا. والمؤلفة بياتريس غروندلر أستاذة اللغة العربية وآدابها في جامعة برلين الحرة، والأستاذة سابقًا في جامعة ييل، نالت الدكتوراه من جامعة هارفارد في 1995م، وتتركز اهتماماتها البحثية في الأدب العربي القديم وتاريخ الكتاب والكتابة العربية وتطورها، تُرجم لها إلى العربية كتاب تاريخ الخطوط والكتابة العربية من الأنباط إلى بدايات الإسلام، وصدر لها ضمن مشروع مكتبة الأدب العربي لجامعة نيويورك أبو ظبي ترجمتها إلى الإنجليزية وتحقيقها لكتاب أخبار أبي تمام لأبي بكر الصولي، والأستاذة الدكتورة غروندلر مستعربة ألمانية وباحثة رصينة لها إسهامات علمية متنوعة ومتعددة.
النصّ
لم تكن المخطوطات (الأوراق المطوية والمجموعة المكتوب فيها نصّ باقٍ) في حدّ ذاتها اختراعًا جديدًا عندما دخلت العالم العربي في آخر القرن الثامن وبداية القرن التاسع، الموافق لآخر القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث في التقويم الإسلامي[5]. فقد عرفها الرومان منذ عهد شيشرون، وكانت قد تفوقت على أوراق البردي ]القرطاس[ في العصور الوثنية.كان شكل الكتاب في نهاية القرن الثالث الميلادي قد اُعتمد لثلاثة أرباع النصوص، وحقق هيمنته الحقيقية خلال القرن الرابع في بيزنطة المسيحية[6]. عرفت الحضارة العربية شكل الكتاب منذ مراحله الأولى. فقد كانت فكرة مجيء المعرفة في شكل كتب (حتى لو لم تكن بلغة المرء) مألوفة في الحضارة العربية؛ بقربها من العملاقين الثقافيين المجاورين في بيزنطة وبلاد فارس في ظل السلالة الساسانية، واتصالها بهما. أنتجت المجتمعات المسيحية القريبة من أوطانها في جميع أنحاء الشرق الأدنى كتبًا من الرق باليونانية والقبطية، والسريانية، وهي لغة وكتابة آرامية متأخرة.
وسرعان ما فعل العرب هذا مع القرآن، كتابهم المُؤسِس الذي كان له تأثير يتجاوز الدين بكثير، مما أدى إلى انتشار اللغة العربية وصقل نظام الكتابة، وحفّز مجالات متعددة من العلم، من التلاوة والتفسير إلى دراسة اللغة العربية من جميع جوانبها. في الواقع، كان “الكتاب” هو الكتاب العربي الثاني بعد القرآن، وهو قواعد منهجية لما أصبح يُعرف الآن بالعربية الفصيحة، كتبه الفارسي سيبويه (ت. 793) في نهاية القرن الثامن. ورغم أن (الكتاب) أول كتاب للقواعد النحوية، إلا أنه ظلّ أساسيًا منذ ذلك الحين .ما دفع أحد معاصري سيبويه الأصغر سنًا ليقول: “وعمل كتابه الذي لم يسبقه إلى مثله أحد قبله، ولم يلحق به من بعده”. وأضاف: “من أراد أن يعمل كبيراً في النحو بعد كتاب سيبويه فليستح”[7]. ورغم أن التأليف في النحو سيكثر لاحقًا، إلا أن عرض سيبويه الشامل والمنهجي كان فريدًا، وكل الكتب النحوية اللاحقة عالة عليه[8].لم يكن النحو العلم الوحيد الذي بدأ بداية لافتة؛ بل أُلّفت كتب في العديد من العلوم منذ بداية القرن الثامن وبوجه عام في القرن التاسع.
انتشرت الكتب الورقية انتشارًا حثيثًا في القرن التاسع؛ لأن شكل الكتاب كان مستخدمًا. يمكن قياس نهضة الكتاب، على سبيل المثال، عبر الارتفاع الحاد في تجارة الوِرَاقة (انظر الفصل الثالث)، وأيضًا من خلال الفهرست (الفهرست كلمة فارسية دخلت اللغة العربية) الذي صنفه ابن النديم (ت. 990) في أواخر القرن العاشر، وهو المرجع الأشهر لهذه الحرفة ومصدرنا القيّم[9]. أدرج ابن النديم في الفهرست الذي رتبه بحسب الفنون تراجمَ المؤلفين وعناوين جميع كتبهم “المخطوطة”، تلك التي كان يمتلكها أو عَلِمَ عنها من مصدر موثوق[10]. ويُقدّر عدد المؤلفين الذين أدرجهم بصورٍ مختلفة بـنحو 3,500 أو 3,700 [11]. جلّهم في نهاية القرن الثامن وأثناء القرن التاسع بأكمله، وأعمالهم -وإن فقدت أصولها- بقيت في شكل نسخ كاملة أو اقتُبست واستشهد بها مؤلفون لاحقون؛ نظرًا لكون التصنيف في مختلف الموضوعات كان أحد أشكال التأليف في الأدبيات العربية. يُشار إلى الأعمال الموجودة في الطبعة الجديدة من الفهرست لأحمد فؤاد سيد، ومن الأمثلة على الكتب التي أعيد بناؤها الإصدارُ الحديثُ من معارك ما قبل الإسلام (أيام العرب) لأبي عبيدة (ت. نحو 822-828) [12]. استشهد بهذا المرجع البارز في هذا الموضوع في المصادر العربية الكلاسيكية، وقد جُمعت هذه الاستشهادات في كتاب من تأليف عادل جاسم البياتي. ورغم أن هذا المنهج يمكن مساءلته -قد يُوصف بأنه لا تاريخي (ahistorical)، فبعض المواد ربما نُقلت شفهيًا ولم يكتبها المؤلف بنفسه قط- إلا أنه يُظهر إعادة استخدام الكثير من الدراسات المبكرة والحفاظ عليها ونقلها في صورة كتابية.
نجد في الفهرست كتابات كاتب سيرة الرسول ابن اسحاق (ت.767)، وعالم الأنساب هشام الكلبي (ت.819)، والمؤرخ الواقدي (ت.823)، والمدائني (ت.843)، والعالم اللغوي محمد بن حبيب (ت.860)، حيث تأخذ عدة صفحات مكتظة بعناوين الكتب. ونحن نُغفل النطاق الكامل لأحجام كتبهم وتنسيقاتها؛ لأنه لا يوجد سوى عدد قليل من المخطوطات أو الأجزاء المتبقية من هذه الكتب قبل القرن التاسع، وقد حذر ستيفان ليدر (Stefan Leder) من أنه لا ينبغي عدُّ كل عنوان على أنه كتاب مستقل[13]. فمنذ ذلك الحين، أدرجت هذه الكتابات، مثل كتابات أبي عبيدة، في تصنيفات لاحقة وفقدت صورتها الأصلي. كما أننا لا نعرف الكثير عن أشكالها المادية أو كيفية تنظيم محتوياتها، التي كانت في طور الظهور (تفصيل أكثر عن هذا في القسم التالي)، وقد يكون حجم بعض الكتب متواضعاً. أما الأعمال الأكبر، فغالبًا ما يوفر الفهرست قوائمًا بعناوين الفصول، أما تلك الكتب التي تمكّن ابن النديم من معاينتها، فإنه يعرض أعداد الأوراق بزيادات عشرية.
وعلى أي حال، وجدت أعداد كبيرة من الكتب والكراريس المطوية ذات الأوراق المفكوكة أو المخيطة معًا من الرق والقرطاس عندما بدأ استخدام الورق؛ مما سرّع إنتاج الكتب. وفي حين كُيّف الورق بسرعة، فإنه لم يُزح مواد الكتابة القديمة مباشرة، كالرق والقرطاس. فقد استمرت كتابة القرآن والأناجيل على الرق الأكثر ديمومة. وأقدم نسخة ورقية من القرآن تعود إلى القرن العاشر.
لغة مشتركة وأدب شفاهي وورق
كيف حدث هذا؟ لماذا اكتسبت المخطوطات الورقية العربية نجاحًا سريعًا؟ من استخدم الكتب وأنتجها؟ وكيف؟ ماذا تعني هذه الوسيلة الجديدة لأولئك الذين قرؤوا وكتبوا، وأعادوا الكتابة واستخلصوا، وجمعوا وصنفوا، أو لأولئك الذين اشتروا الكتب وباعوها؟ هذه هي الأسئلة التي يسعى هذا الكتاب إلى الإجابة عنها. لا يوجد عامل واحد يمكن أن يكون كافيًا لتفسير التقبل السريع للمخطوطات -كما هي الحال في جميع العمليات الثقافية المعقدة- بل تزامنت عدد من العوامل لإنتاج هذا التأثير. فيما يلي قائمة بأهمها.
بداية، يتطلّب إنتاج الكتب لغةً مشتركة وموضوعات ذات اهتمام مشترك وملّح لكتابها وقرائها. وفي الواقع، سار ازدهار المخطوطات جنبًا إلى جنب مع اللغة العربية الكلاسيكية المقننة حديثًا، التي سرعان ما أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية[14]. أقرت اللغة العربية في عامي 697 و700 لغة للدولة في العراق وسوريا تحت رعاية الخليفة الأموي عبدالملك (حكم. 785-705)،[15] باني قبة الصخرة، وحاكمه في العراق الحجاج (ت.714). حلّت اللغة العربية عمليًا محل اللغة الفارسية الوسطى واليونانية المستخدمة سابقًا في الإدارة[16]. وآذن هذا الحدث بإتاحة العربية عمومًا لأغراض أخرى. استخدمت اللغة العربية منذ الأمويين في كل شيء، من النقوش والمسكوكات إلى الرسائل الخاصة.
من السمات المميزة لهذه اللغة العربية الكلاسيكية أنه لم ينشأ معها أحد. لقد كانت لغة رسمية تُكتسب بالدراسة. وصلت السلالة العباسية اللاحقة (750–1258) إلى السلطة عبر تعزيز التعددية الثقافية) الكوزموبوليتانية الثقافيةcosmopolitanism cultural)، حيث جاء المشاركون فيها من عدد من الخلفيات اللغوية: كانوا يتحدثون الآرامية أو الفارسية أو اليونانية أو الرومانية. كان الوضع اللغوي للغة العربية معقدًا أيضًا، لكونه حالة متعددة لغويًا تشكلت من العديد من اللهجات بالإضافة إلى العربية.
كان سكان المدن يتحدثون بلهجة يُشار إليها باللهجة الهجينة (المولدة)، عُدَّت غير صالحة للكتابة. عوضًا عن ذلك، فإن اللغة العربية المكتوبة استُحدثت من الشعر الجاهلي المرموق (كما عرفته القبائل البدوية، لا سيما في الصحاري الشرقية لشبه الجزيرة العربية) ومن القرآن. عُدَّت هذه المادة اللغوية نموذجًا، وجُمعت ونُظّمت ووُضعت في كتيبات وكتب نحوية وقواميس للدراسة. كانت المكانة العالية للغة العربية المكتوبة، إضافة إلى وجوب تعلمها على كل شخص، سواءً أكان عربيًا أم غير عربي، أمرًا جوهريًا: فقد أتاح هذا لأفراد مختلف المجموعات العرقية والدينية الوصول إليها، وأتاح إتقانَها العملَ في إدارة الدولة، بما يشمله ذلك من الترقي الاجتماعي والرواتب المرتفعة، وبالتالي قدَّم ذلك حافزًا كبيرًا لبذل الجهد. احتاجت الإمبراطورية إلى عددٍ ضخم من الكَتَبة الإداريين (الكتّاب)، وقد تبوأ هذا المنصب عددٌ من عائلات كبار المسؤولين من أصول آرامية وفارسية حتى كاد أن يرتبط اسمها به. سافر العلماء والشعراء من قرطبة البعيدة (إسبانيا الحديثة) في الغرب أو هراة (أفغانستان الحديثة) في الشرق للدراسة أو بحثًا عن رعاة في بغداد، التي أصبحت المركز الثقافي للخلافة، وحيث تُنال الرعاية السخيّة والصيت[17]. كان أحد الآثار الجانبية لطوفان الكتب هو ظاهرة المتعلم ذاتيًا الذي يمكن أن يكسب رزقه بوصفه مؤلفًا مستقلًا، وبحسب وصف هيو كينيدي :(Hugh Kennedy) “ربما كانت بغداد العباسية أول مكان في العالم حيث يمكن للمؤلف أن يكسب رزقه من تأليف كتب تُباع في السوق للعامة المتعلمة، وليس عبر كونه ثريًا مستقلًا أو لديه راعٍ ثري، أو حتى كونه جزءًا من مؤسسة مثل الدير تدعم أنشطته”[18]. كما وفَّر نسخ الكتب مصدر دخلٍ سهلٍ للأفراد المتعلمين الذين عانوا من أوقات عصيبة، مثل الشاعر بكر بن خارجة الورَّاق (عاش في نهاية القرن الثامن)[19]. وهذا يعني أنه يمكن كتابة الكتب في أي موضوع دون مساعدة راع. أدَّى تأثير توحيد العربية إلى تشكّل مجموعات متنوعة من المؤلفين وجمهور قراء امتد إلى ما وراء الطبقة الحاكمة المتعلمة إلى النخبة الحضرية الجديدة[20].كان مؤلفو الكتب الأوائل من الرجال غالبًا، حيث تطلّب تعليم النساء دعم عائلاتهن، واختارت النساء المتعلمات في كثير من الأحيان مهنة التدريس. ومع ذلك، فقد جُمعت وحُققت أعمال الشاعرات المتقدمات مثل الخنساء (تُوفيت بعد 644)، ووُجدت أبيات لشاعرات أقل شهرة أو مجهولات في كتب المختارات المكرَّسة للنساء فقط، مثل بلاغات النساء لابن أبي طاهر (ت.893)، أو في حماسة أبي تمام (ت.845 أو 846)، حيث تشكَّل النساء (المجهولات غالبًا) جزءًا كبيرًا منها.
بالإضافة إلى وجود لغة مشتركة، كان العامل الثاني الذي حفَّز استخدام الكتب هو القَدْر الكبير من الأدب الشفاهي المتداول، المحفوظ عبر الرواية المهنية؛ فلم يتطلَّب سوى وضعه على الورق. تشكَّل هذا التراث الشفاهي من مجموعة أعمال قديمة ما تزال باقية وأعمال مؤلفة حديثًا. وكان الحفاظ على الأعمال القديمة مسألة ملحة. بات الشعر الشفاهي الغزير والمرموق معرَّضًا لخطر الضياع؛ نظرًا إلى أنَّ العديد من الشعراء قد لقوا حتفهم في الفتوحات الإسلامية، إضافة إلى ظهور أسلوبٍ جديدٍ للشعر، عُرِف بالشعر المحدث (البديع)، حيث تغيرت الطريقة التقليدية في حفظ شعر شاعر ما وتداوله عبر شاعر مبتدئ. شاع البديع في القرن التاسع، وكان يُنظَم في كثير من الأحيان كتابة. لكن الشعر الأقدم هو ما عُدَّ فقط المادة النقية التي لا تشوبها شائبة لغويًا والتي لا يمكن الاستغناء عنها، ويمكن أن تكون بمثابة أنموذج لتدوين القواعد والمفردات، وتحديدًا بوصفها أداة لتفسير الآيات المستغلقة من القرآن. أخرج النحويون العاملون في الميدان المسلحون بالمحابر نسخًا من القصائد المجموعة لأي شاعر (المأخوذة من راويه الذي كان ما يزال حيًا). وفي الوقت نفسه، ظهرت فروع جديدة للعلم: أدَّت مجموعة الأعمال والأقوال النبوية (الحديث) إلى ظهور العقيدة والفقه. وحفَّزت مجموعة المعارك القبائلية قبل الإسلام وسرديات الفتح الإسلامي كتابة التأريخ [21]. أظهر الحديث خصوصًا انقسامات مثيرة للاهتمام، حيث لم يُنظر إلى تدوينه في البداية على أنه مزية. فالحديث بوصفه أساسًا للفقه والعقيدة، بات مصدرًا مرجعيًا في العديد من مجالات الدراسة والحياة اليومية، وسيسهل على العلماء السيطرة عليه وتعديله وفقًا للظروف المتغيرة إذا ظل غير مكتوب، وهذا ما دعا علماء الحديث ليكونوا أكثر صراحة في احتجاجهم على التحول إلى الكتابة في القرن الثامن[22]. ورغم ذلك، فإن مقاومة الكتاب -وهو موقف لمجرد التظاهر في كثير من الأحيان أكثر من كونه انعكاسًا للواقع- على نحو مفاجئ لم تدم طويلاً، واختفت في الربع الأول من القرن التاسع. ومع صناعة الكتاب المزدهرة، أصبح الأمر مسألة فيها نظر. كل هذا حدث بسرعة غير عادية. ولتتسنى المقارنة، فقد استغرقت النخب الصينية قرنين (من القرن الحادي عشر إلى الثاني عشر الميلادي) “ليخفّ عداؤها للتكنولوجيا الجديدة” الطباعة بالقوالب[23].
ورغم ذلك فلم تقضِ الكتابة على الشفاهية، ولا حتى تدريجيًا؛ بل اندمج النمطان بطرق متنوعة. بل يمكن القول: إن ثقافة الكتاب العربي احتضنت واحتفلت بالممارسات الشفاهية. تُظهر الكتب آثارًا متعددة لهذا، اعتمادًا على موضوع الكتاب. كان الشعر، على سبيل المثال، أول شكل رئيسي من أشكال التعبير العربي، واعتمد على الذاكرة البشرية بوصفها ناقلًا له: حيث قام الشعراء بنظم الشعر شفهيًا وأدّاه الناقلون (الرواة، الذين غالبًا ما كانوا أنفسهم شعراء مبتدئين)، وحفظوه، ونقلوه. استقر الشعر عبر هيكله الداخلي من الوزن والقافية، والنسيج الدلالي اللغوي، والذاكرة المدرَّبة لممتهنيها. وهكذا بقيت القصائد لقرنين من الزمان قبل أن تُثبت في الكتابة (رغم الاختلافات الجوهرية في التراث الشفاهي)[24]. أصبح التدوين للشاعر وناقله (الراوي) وجمهوره (المتلقي المذكور في قصائد المدح) خيارًا جديدًا وسّع الوصول إلى الأبيات وسهّله، وساعد في الحفاظ عليها. كما شجع البحث العلمي والنقدي في الشعر. كان أول عمل للطائفة اللغوية الناشئة هو الذهاب إلى ضواحي المدن أو إلى الصحراء وكتابة التراث القبائلي المتُلقّى عن الشعراء الأعراب أو رواتهم[25].
أعرب الشعراء عن تقديرهم ووفاقهم مع كتابة أعمالهم، حمايةً لها من نزعة الرواة إلى “تحسينها” (على سبيل المثال، في حالة الشاعر ذي الرمة 735) أو عضدًا لضعف الذاكرة (كما في حالة عمارة بن عقيل، ت. بين 847-861)[26]. كان الشعراء قبل منتصف القرن التاسع، أمثال كلثوم بن عمرو العتابي (ت. 823 أو 835) وأبي تمّام، قد بدؤوا أيضًا في الرجوع إلى أعمال من قبلهم في شكل مجموعات مكتوبة (دواوين) بوصفها مصدرًا للإلهام لنظمهم[27]. كانت المخطوطات وسيلةً مكّملةً، وعُدَّ الانتفاع بها خيارًا عزّز تراثًا شفاهيًا مستمرًا ومتجذرًا بعمق في الحياة الخاصة والعامة.
وعلى الطرف الآخر من الطيف ترجمات الأعمال الأجنبية. كانت بداياتها أيضًا في النصف الثاني من القرن الثامن في مجتمع السلالة العباسية الحاكمة ذي الطابع العالمي (cosmopolitan)، وأنتجت بدعم من الحكومة وبخبرة الكتَّاب غير العرب وتحفيزهم[28]. ترجم الكتَّاب الحكوميين الأوائل العلوم اليونانية وفنون الحُكْم الفارسية إضافة إلى المعارف الشعبية مثل سالم أبو العلاء (المتوفى بعد 743) وابن المقفع (ت.757)، الذين كانوا غير عرب اعتنقوا الإسلام (موالي)، وهي فئة كان من شأنها أن تكون مفيدة في الفسيفساء الثقافية العباسية[29]. فنحن ندين لسالم بترجمة رسائل أرسطو للإسكندر، التي صيغت من متفرقات بيزنطية مترجمة[30]. وندين لابن المقفع بمرآة الأمراء كليلة ودمنة، المتوارية في شكل خرافات حيوانية، مؤطرة بحوار تعليمي بين البراهمي الذي أصبح فيلسوفًا ومَلِكَه، وقد صُنّفت لأول مرة في نسخة فارسية (مفقودة) اعتمادًا على مصادر هندية[31]. جاءت هذه الكتب على صورة واردٍ ثقافي مُثمَّن لحضارة كان ممثلوها يطمحون إلى الارتقاء إلى مستوى سلالات غربية آسيوية سالفة. أعيدت صياغة الترجمات -وهذا بحد ذاته إنجاز إبداعي، حيث وسَّع اللغة العربية عبر عملية الترجمة بأساليب مبدعة ومصطلحات جديدة- في عملية تملك ثقافي، شملت مقدمات وإضافات، وخضعت للتكييف. ازدهرت اللغة العربية عبر استيعاب العناصر الأجنبية وإدماجها.
تكمن العلوم الضخمة والمتنامية للدراسات القرآنية والحديث النبوي وعلم اللغة والتاريخ في الموضع بين ترجمة الكتب الأجنبية والتقاليد الشعرية المحلية[32]. يصعب أحيانًا فصلها عن بعضها البعض؛ لأن العديد من العلماء كانوا منخرطين في كثير منها، لا سيما أن القرآن والشعر كانا بمثابة المادة الأساسية نحو الوصول إلى اللغة العربية الكلاسيكية. على سبيل المثال، كان العلماء الأوائل من الكوفة (الذين أطلق عليهم لاحقًا اسم “المدرسة الكوفية”، رغم أنهم لم يبتدعوا منهجًا مثل نظرائهم في البصرة) قراءً محترفين للقرآن ومعجميين في الغالب[33]. وأدَّت العلوم الأربعة المذكورة إلى ظهور المزيد من التنوع والمواقف الدقيقة تجاه الكتاب.
سرعان ما تحول النص القرآني نفسه إلى وثيقة مكتوبة (بقيت نماذج بالخط الحجازي من القرن السابع)[34]. يتصور القرآن نفسه على أنه كتاب، لا سيما في الفصول اللاحقة (السور). ومن ثم غدا استنساخه منطقيًا، وأصبح شكله المجلَّد (غالبًا على ورق البرشمان) هو أول موضوع في فن النسخ[35]. وكان الناسخ الأول المعروف ببيع القرآن هو مالك بن دينار (ت.748)[36].
وُجد النص المكتوب جنبًا إلى جنب مع التلاوة الشفوية، التي قام بها قراء محترفون (القُرَّاء)، معرفتهم بالقضايا الخلافية موثوقة أكثر من النسخ المكتوبة للنص[37]. وكان لهذا علاقة جزئيًا بطبيعة الكتابة العربية، التي تحوي العديد من الأحرف المتشابهة (المتجانسة) ولا تشير إلى الحركات. تبدو حروف الباء والتاء والثاء والنون والياء في وسط الكلمة متشابهة (كما يظهر في نماذج القرآن من القرن السابع). أتاح النص المكتوب منذ ظهوره خيارًا لتمييز تلك التشابهات بالنقاط أو الميلان. ثم طُوّرت علامات لحركات إضافية بحلول نهاية القرن الثامن، رغم أن استخدامها لم ينتظم حتى القرن التالي وفي نصوص معينة فقط. لم يكن هذا أمرًا بالغ الأهمية لقرَّاء القرآن ولغيرهم من العلماء؛ حيث لم يكن القصد من المخطوطات توفير نسخ صوتية، بمعنى نسخ مكتوبة لشريط صوتي -فمجال القراءات أدَّى هذا الغرض- ولكن القصد بالأحرى عضد الذاكرة (أكثر من وظيفتها الرمزية بوصفها شيئًا مقدَّسًا). إضافة إلى ذلك، فإن النص الناقص جزئيًا سمح بوجود اختلافات طفيفة في التمييز الصوتي؛ ستُحضر لاحقًا إلى مجال القراءات المعتمدة المقبولة. شكّلت عدم الدقة ميزة الشمول لمجتمع ديني واسع الانتشار جغرافيًا، يتألف من متحدثين باللغة العربية (بلهجات مختلفة)، والفارسية، والآرامية، واليونانية، والرومانية[38].
كان الحديث النبوي الموضوع الذي أثار تدوينه معظم الجدل. للوهلة الأولى يثير هذا الدهشة، باعتبارها ثقافة تبنت بعض أوساطها الكتاب بسرعة كبيرة، وبالتالي ينبغي النظر إلى هذا الأمر من منظور أيديولوجي أوسع. جمع رواة الأحاديث النبوية (المحدّثون) مجموعة من النصوص التي قدّمت (مع القرآن) أساسًا لصياغة الشعائر والعقيدة والشريعة الإسلامية، وكان لنشاطهم سلطة دينية. ونقلوا علمهم على أساس شفاهي وشخصي، وفي حالة استخدام الكتابة (بقيت صحائف، وأوراق متفرقة تحوي أحاديث نبوية من بين أقدم القراطيس) فإنها لا تُشارك خارج دائرة الزملاء والطلاب[39]. نشأ الإحجام عن إتاحة الحديث في شكل مخطوط من الرغبة في عدم التخلي عن السيطرة الفكرية على هذه المدونة، وللاحتفاظ بالمرونة لتكييفها مع الظروف المتغيرة، أكثر من كونه تخلفًا في استخدام الوسائط. أُلّفت كتب الحديث الأولى بضغط من الحكومة؛ لرغبتها في الوصول المستقل إلى الحديث، الذي كان بمثابة أساس للقانون[40]. وعلى النقيض، أصبح عدم استخدام الكتب أساسًا يوضّح الذاكرة الفائقة لهؤلاء العلماء الذين نقلوا علمهم شفاهيًا. ورغم هذا، فإن العديد ممن أُثني على مآثرهم في الحفظ وعلى “عدم لمس كتاب أو الرجوع إليه” استخدموا كرراريس في خلواتهم بمنازلهم[41].
وحينما أن أصبح الكتاب شيئًا لا غنى عنه، أُبقي على شفاهية الحديث عبر التقليد الذي يدوِّن في بداية كل حديث الأفراد الذين رووه، اسمًا تلو اسم (ما يسمى بالإسناد)، وبربط النصوص عبر عملية نقل شفاهية. سعى الحديث يائسًا ليظل شفاهيًا، وقد يتسنى للمرء أن يجادل بأن هذه الطريقة في الكتابة عزّزت الشفاهية[42].كان الوصول الكتابي الخالص إلى الحديث مستهجنًا، وعُدَّ التعليم منه غير مشروع، بل وتُتلف في بعض الأحيان تلك الأحاديث المنسوخة غير المجازة عبر اتصال شخصي بعالم، كما حدث لكاتب الحديث أبو بكر محمد بن الحسين ابن الخفاف (ت.1027)[43].
يتألف مجال اللغة من الصناعة المُعْجَمية والنحو والمعرفة بعلم الأنساب العربي، المستخلصة والموثقة من الشعر. ورغم أن اللغة لم تملك مكانة الحديث، إلا أنها كان مرتبطةً بعملية التدريس الشخصي ذاتها. استُخدمت الكراريس، لكنها لم تُتداول إلا داخل حلقة التدريس. حاول علماء اللغة الكوفيون ذات مرة إيقاف جلسة إملاء أسبوعية للنحوي الفرَّاء (ت. 822) عبر مقاطعتها. كانوا قد طلبوا منه أن يملي كتابًا عن آيات عسيرة نحويًا (أبيات النحو)، لكنهم أدركوا بعد المجلس الثالث أنه “إن دام على هذا، عَلَّم النحوَ الصبيان”، ولذا قاطعوا المجلس لإيقافه. لكن الفرَّاء تعهّد حانقًا بالاستمرار حتى لو حضر شخصان فقط، فاستمر يُملي ست عشرة سنة.[44]
قدَّم علماء اللغة الترفيه التعليمي للحكّام وكبار الشخصيات، مثل الإنشاد المتبادل للشعر (التذاكر) أو الروايات والأخبار التاريخية (الأخبار، أو الأيام). لم يكن مستنكرًا أن يستدعي مسؤول مسافر أو إن جافاه النوم عالمًا ليُعينه على قضاء ساعات الليل في محادثة تعليمية. وقد جعل الحكّام أيضًا هذا محور الاجتماعات المنتظمة (المجالس) ووظّفوا علماء اللغة حاشية لهم أو معلمين لأبنائهم، ودفعوا لهم رواتب وهدايا دورية. وغالبًا ما يُدوَّن هذا كلام المجالس الشفاهي في كتب بعد ذلك دون أي تغيير في تنسيق المحتويات أو في تنظيمها. وُضعت الكتب المبكرة الأخرى وفقًا لغاية شاملة (بدلاً من كونها نسخًا مكتوبة لمحادثات في المجالس الأدبية أو العلمية) تلبيةً لأمر خليفة أو وزير أو إيحاء كاتب في الحكومة[45]. ومن أمثلة الكتب المكَّلف بها مجموعة الشعر المفضَّليات، التي سميت على اسم مؤلفها المفضَّل الضبي (ت بعد 780)، والتاريخ الشامل للإسلام لابن إسحاق، الذي بقي منه ما نقَّحه ابن هشام لاحقًا (ت .834)[46]. ولذا كان علماء اللغة جزءًا أساسيًا من الحياة الأدبية. لقد ساعدوا في إتاحة الكتب للمجتمع أثناء نقلهم وشرحهم وتحريرهم للشعر، وهو مجموعة نصية أقدم وأكبر وأكثر تنوعًا من القرآن، فأتاح القرآن والشعر المواد اللغوية لصياغة قواعد اللغة العربية الكلاسيكية.
عمل المؤرخون على المواد الأولية نفسها التي عمل عليها علماء اللغة -تدوين المحفوظات الشفوية كتابةً- ولكن الأمر استغرق بعض الوقت حتى يُعترف بهم بوصفهم فرعًا متميزًا من العلماء. أولاً، أشير إليهم أنهم إخباريين لا أكثر، مختلفين عن غيرهم من المصنفين في ترتيبهم الزمني إلى حد ما للروايات المجموعة فحسب. ركّز المؤرخون رغم ذلك، تدريجيًا، على هوية ورسالة الإمبراطورية الإسلامية المتشكّلة حديثًا، وأعادوا تشكيل الروايات السابقة وفقًا لرؤيتهم لها. [47]
المكوّنان الأساسيان، لغة مكتوبة مشتركة وأدب ثريّ، كانا موجودين عندما أصبح المكوّن الثالث، ورق الخرق متاحًا في بغداد في نهاية القرن الثامن. قَدِمت هذه المادة الكتابية الوفيرة وذات الأسعار المعقولة من الصين عبر آسيا الوسطى بعد قرن من وفاة النحوي سيبويه. اطّلع الفضل بن يحيى البرمكي (ت. 808) خلال حكمه القصير لخراسان (شمال شرق إيران) في 794 إلى 795 على الورق السمرقندي، وجلبه إلى العاصمة بغداد. كان الورق العربي مصنوعًا في البداية من ألياف لحاء شجرة التوت في الصين، وكان يُنتج من الخرق البالية وبقايا النسيج والحبال المصنوعة من القطن أو الكتان أو القنب. على الرغم من أنه كان عاملاً في الانتشار اللاحق للورق، إلا أن الإنتاج غير المحدود للورق، الذي كان في أصله بقايا مُعاد تدويرها، يبدو أنه لم يكن السبب الرئيسي لاعتماده الأولي[48]. كانت مادة الكتابة السابقة (القراطيس) المنتجة في محافظة واحدة فقط من محافظات (مصر)، تجعل الإدارة عرضة للخطر. وقد قاد هذا الخليفة المنصور (حكم. 754-775) حين وقف على كثرة القراطيس في خزائنه للقول: “نحتاج إلى أن نكتب فيما لم نعوّده عمالنا”، وأمر كاتبه: “دع القراطيس استظهارًا على حالها”[49]. كان الورق إضافة إلى ذلك أكثر أمانًا لتسجيل المستندات لأن الحبر يتسرب إلى أليافه، بعكس المخطوطات والقراطيس التي يبقى الحبر فيها على سطحها ويمكن غسلها أو حكها. وبمجرد توفر الورق، سرعان ما أصبح استخدامه في البيروقراطية العباسية مادة واسعة الانتشار والرواج[50].
في السابق، كانت التكلفة العالية للرق، والمحدودية الجغرافية والعمل الشاق الذي يتطلبه إنتاج القرطاس مقيّدًا لصناعة الكتب. غيَّر الورق هذا، كما أنه وفَّر فرصَ عملٍ للعديد من الوراقين، فزادت أعدادهم عشرة أضعاف بين 767 و1010 م. يعتمد هذا التقدير الكمّي على أكبر معجم عربي موجود للتراجم، المؤَلّف من حوالي 30 ألف مدخل (انظر الفصل الثالث)[51]. وفي حين أن الورق لم يكن ضروريًا لإنتاج الكتب؛ فقد وجدت الكتب قبل الورق، إلا أنها سرَّعت إنتاجها جدًا. أصبح الورق حافزًا لثورة الكتاب العربي ليكتسب زخمًا، إضافة إلى جميع العوامل الأخرى: شكل الكتاب، واللغة العربية، والعلوم الناشئة وممارساتها العلمية.
[1] Gruendler, Beatrice: The Rise of the Arabic Books, Harvard University Press, 2020, p. 2
[2] النديم، محمد بن إسحاق: الفهرست، تحقيق: أيمن فؤاد سيد، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، 2009، ج2، ص308.
[3] الحلوجي، عبدالستار: المخطوط العربي، مكتبة مصباح، جدة، الطبعة الثانية، 1989، ص119.
[4] سيد، أيمن فؤاد: الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1997،ج1، ص1.
[5] الأصل أن التواريخ المثبتة هي بالتاريخ الميلادي، وقد يُثبت التاريخ لهجري (توافق بدايته عام 622 م) والتاريخ الميلادي مع الفصل بينهما بشرطة مائلة، في التعليقات والحواشي. عن وعي العرب بالمخطوطات منذ القرن الأول/السابع، انظر:
Roper, “History of the Book in the Muslim World,” 524–552 , esp. 524.
[6] Werner Faulstich, Das Medium als Kult: Von den Anfängen bis zur Spätantike (8. Jahrhundert) (Gottingen, ermany: Vandenhoeck and Ruprecht, 1997), 57–58; Herbert Hunger, Schreiben und Lesen in Byzanz: Die byzantinische Buchkultur (Munich: Beck, 1989), 25–26.
[7] السيرافي، أخبار النحويين البصريين، تحقيق: طه محمد الزيني ومحمد عبدالمنعم الخفاجي (القاهرة: مطبعة مصطفى البابي الحلبى 1374/1955)، 37، 39.
[8] انظر:
Michael Carter, Sībawayhi (Oxford: Tauris, 2004); Ramzi Baalbaki, The Legacy of the Kitāb: Sībawayhi’s Analytical Methods within the Context of the Arabic Grammatical Theory (Leiden, Netherlands: Brill, 2008), 33–38; and Amal E. Marogy, Kitāb Sībawayhi: Syntax and Pragmatics (Leiden, Netherlands: Brill, 2010).
[9] فيما يخص استخدام مصطلح stationer، انظر الفصل الأول، قسم “الملكية الفكرية مقابل ريادة الأعمال”.
[10] ابن النديم، الفهرست، تحقيق: رضا تجدد (عمَّان: دار المسيرة، 1408/1988؛ إعادة طبع: طهران، 1350/1971)/ تحقيق: أيمن فؤاد سيد، جزءان. في 4 مجلدات. (لندن: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي 1430/2009). يُستشهد بكلا الطبعتين فيما يلي بهذا الترتيب، مفصولة بشرطة مائلة. عن المؤلف، انظر:
Devin Stewart, “Abūl-Faraj Muḥammmad ibn Isḥāq Ibn al-Nadīm,” in Essays in Arabic Literary Biography 925–1350, ed. Terri De Young and Mary St. Germain (Wiesbaden, Germany: Harrassowitz, 2011), 129–142
[11] للرقم الأدنى، انظر:
Hugh Kennedy, “Baghdad as a Center of Learning and Book Production,” in Blair and Bloom, By the Pen and What They Write, 89–103, esp. 95; and for the higher figure, Bloom, “How Paper Changed the Literary and Visual Culture,” 108.
[12] أبو عبيدة، أيام العرب قبل الإسلام لأبي عبيدة: ملتقطات من الكتب والمخطوطات، تحقيق: عادل جاسم البياتي (بغداد: دار الجاحظ للطباعة والنشر، 1976).
[13] Stefan Leder, “Grenzen der Rekonstruktion alten Schrifttums nach den Angaben im Fihrist,” in Ibn an-Nadîm und die mittelalterliche arabische Literatur. Beiträge zum 1. Johann Wilhelm Fück–Kolloquium Halle 1987 Wiesbaden, Germany: Harrassowitz, 1996), 21–31.
[14] حول أهمية اللغة المشتركة، انظر أيضًا:
Kennedy Kennedy, “Baghdad as a Center of Learning,” 97.
يستشهد كينيدي كذلك بانتشار القراءة والكتابة ونمو الطلب على الكتب. لا يذكر بلوم هذا العامل، لكنه يضيف عوامل أخرى (إلى جانب الورق) نحو إجلال الكلمة المكتوبة، ونشر الكتب عبر الإملاء، والمكانة العامة للكتابة، والقرآن بوصفه نموذجًا للكتاب. انظر:
Bloom, “How Paper Changed the Literary and Visual Culture.”
[15] حكم الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان بين (685-705م) ولا شك أن المثبت أعلاه خطأ مطبعي (المترجم).
[16] يُسمّى تعريب الإدارة النقل أو التحويل. تلحق مصر في 87/705 وخراسان في 124/742. تعريب سك النقود في 76/674 – 675. انظر الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد ابو الفضل إبراهيم (القاهرة: دار المعارف، 1960-1968)، 4: 256؛ أبو بكر الصولي أدب الكتّاب، تحقيق: محمد بهجة الأثري (القاهرة: المكتبة السلفية 1341 / 1922-1923)، 192–193 / تحقيق: أحمد حسن بسج (بيروت: دار الكتب العلمية 1415/1994)، 200 – 201 (يُستشهد بكلتا الطبعتين فيما يلي بهذا الترتيب، مفصولة بشرطة مائلة)؛ أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري، الوزراء، تحقيق: هانز مزيك (von Mžik)
]based on unicate MS Vienna Cod. mixt. 916, dated 546 / 1151] (Leipzig: Harrassowitz, 1926–1928), 33, 35, 64–65 /
تحقيق: إبراهيم صالح (أبو ظبي: هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، 1430/2009)، 79، 81، 115-116 (يُستشهد بكلتا الطبعتين فيما يلي بهذا الترتيب، مفصولة بشرطة مائلة؛
Abdalʿaziz Duri [al-Dūrī], “Dīwān 1.The Caliphate,” in EI2, 2:323–327, esp. 324a.
[17] حول الرعاية الأدبية في بغداد:
Hugh Kennedy, When Baghdad Ruled the Muslim World: The Rise and Fall of Islam’s Greatest Dynasty (Philadelphia: Da Capo Press, 2004), 243–260.
[18] Kennedy, “Baghdad as a Center of Learning,” 103.
[19] أبو علي بكر بن خارجة الورّاق من الكوفة كان مولى لبني أسد. انظر أبو الفرج الأصبهاني، الأغاني، تحقيق: محمد قميحة (بيروت: دار الثقافة، 1374/1955 ؛ أعيد طبعها 1401/1981) 23: 66-70؛ الشابشتي، كتاب الديارات، تحقيق: كوركيس عواد (بغداد: مطبعة المعارف، 1951)، 156 ؛ والصفدي. الوافي بالوفيات
[Das biographische Lexikon des Sạlāhạddīn Ḫalīl ibn Aibak aṣ-Sạfadī],
Helmut Ritter et al. (Istanbul: Deutsche Morgenländische Gesellschaft / Franz Steiner Verlag, 1931–2013), 10:204–205.
[20] انظر:
Shawkat Toorawa, Ibn Abī Ṭāhir Ṭayfūr and Arabic Writerly Culture:
A Ninth-Century Bookman in Baghdad (London: RoutledgeCurzon, 2005), 31–34.
[21] فيما يلي، أميز بين نص الحديث (بالحرف الكبير وبالحروف اللاتينية Ḥadīth)، أي مجموعة الأفعال والأحاديث النبوية المدونة التي تشكّل السنة والحديث الواحد (بحرف صغير ومائل ḥadīth).
[22] انظر: Gregor Schoeler, The Oral and the Written in Early Islam, trans. Uwe
Vagelpohl, preface by James E. Montgomery (New York: Routledge, 2006), 28–44, Engl. trans. of Schoeler, “Mündliche Thora und Ḥadīt: Überlieferung, Schreibverbot, Redaktion,” Der Islam 66 (1989): 213–241; and Michael Cook, “The Opponents of the Writing of Tradition in Early Islam,” Arabica 44 (1997): 437–530.
[23] انظر: Ronald Egan, “To Count Grains of Sand on the Ocean Floor: Changing Perceptions of Books and Learning in the Song Dynasty,” in Knowledge and Text Production in An Age of Print: China, 900– 400, ed. Lucille Chia and Hilde De Weerdt (Leiden, Netherlands: Brill, 2011), 33–62, esp. 42.
[24] Michael Zwettler, The Oral Tradition of Classical Arabic Poetry: Its Character and Implications (Columbus: Ohio State University Press, 1978).
[25] بعض الأعراب مثل محمد بن زياد الكلابي (توفي أواخر القرن الثاني/ الثامن) وأبي مشحل (توفي منتصف القرن الثالث/ منتصف التاسع)، انتقلوا إلى المدن (بسبب الجفاف على سبيل المثال) وتيسرت استشارتهم.
[26] عن عمارة، انظر الفصل الأول، قسم “الملكية الفكرية مقابل ريادة الأعمال”، وعن ذي الرمة، انظر الفصل الثالث، قسم “رواة الكتب”.
[27] انظر: أبو بكر الصولي، أخبار أبي تمام، وبأوله رسالة الصولي إلى الليث بن مزاحم بن فاتك في تأليف أخبار أبي تمام وشعره، تحقيق وترجمة: بياتريس جريندلر
Abū Bakr al-Ṣūlī, The Life and Times of Abū Tammām by Abū Bakr
Muḥammad ibn Yaḥyā al-Ṣūlī, Preceded by al-Ṣūlī’s Epistle to Abū l-Layth Muzāḥim ibn Fātik, ed. and trans. Beatrice Gruendler (New York: New York University Press, 2015) §86.3
(يشير رقم الفقرة إلى النسخة العربية والترجمة الإنجليزية على الصفحة المقابلة)/ أخبار أبي تمام، تحقيق: خليل محمود عساكر، محمد عبده عزام، نظير الإسلام الهندي (القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر 1937؛ أعيد طبعه بيروت: دار الآفاق الجديدة 1400 / 1980), 173 (يُستشهد بكلتا الطبعتين فيما يلي بهذا الترتيب، مفصولة بشرطة مائلة).
[28] انظر: Dimitri Gutas, Greek Thought, Arabic Culture: The Graeco-Arabic Translation Movement in Baghdad and Early ʻAbbāsid Society (2nd–4th / 8th–10th Centuries) (London: Routledge, 1989;
جورج صليبا، الفكر العلمي العربي: نشأته وتطوّره (طرابلس: مركز الدراسات المسيحية الإسلامية، جامعة البلمند، 1998).
[29] أنجز العلماء ترجمات أخرى أو كُلّفوا بها. انظر:
Gutas, Greek Thought, Arabic Culture, 133–143.
[30] انظر: Miklós Maróth, The Correspondence between Aristotle and Alexander
the Great: An Anonymous Greek Novel in Letters in Arabic Translation (Piliscaba, Hungary: Avicenna Institute of Middle East Studies, 2006); and the review article by Dimitri Gutas, “On Graeco-Arabic Epistolary ‘Novels,’ ” MEL 12 (2009): 59–70.
[31] انظر: François de Blois, Burzoy’s Voyage to India and the Origin of the Book of Kalilah wa-Dimnah (London: Royal Asiatic Society, 1990); and Chapter 4, section “A Book that Failed.”
[32] علم التأريخ هو مجال علمي آخر ظهر خلال أواخر القرن الثاني/ الثامن وأوائل القرن الثالث/ التاسع.
انظر:
Chase Robinson, Islamic Historiography (Cambridge: Cambridge University Press, 2003), 18–38.
[33] يجب أن تُفهم المدرسة ليس بوصفها مؤسسة، بل بالأحرى بوصفها سلالة من العلماء الذين بنوا على عمل بعضهم البعض. في أواخر القرن الثالث/ التاسع، جلس الطلاب من حين لآخر في تجمعات المدرسة المنافسة، وعندما انتقلت المجموعتان إلى بغداد، أصبح التمييز غير واضح، حيث درس العديد من المعلمين في المدرستين. ورغم هذا فقد بقي هذا المفهوم بوصفه طريقة ملائمة لترتيب معاجم التراجم ونموذجًا أدبيًا لكتب الخلافات النحوية.
[34] عن المصاحف بالخط الحجازي، انظر:
François Déroche, Qurʾāns of the Umayyads: A First Overview (Leiden, Netherlands: Brill, 2014) and The Abbasid Tradition: Qurʾans of the 8th to the 10th Centuries AD (London: Nour Foundation, 1992), 27–33; and online, Corpus Coranicum, https://corpuscoranicum.de/.
[35] تجعل بعض الدراسات اختلاف القراءات السبب المباشر لأمر الخليفة عثمان بإصدار نسخة أساسية (حَكَم 23-35 / 644-656). وهناك مؤلفات كثيرة عن كتابة القرآن. انظر:
Frederik Leemhuis, “Codices of the Qurʾān,” in EQ, 1:347–351 and John Burton, “Collection of the Qurʾān,” in EQ 1:351–361. On the self-referentiality of the Qurʾān, see Stefan Wild, ed., Self-eferentiality in the Qurʾān (Wiesbaden, Germany: Harrassowitz, 2006).
[36] عنه، انظر: GAS 1: 634.
[37] انظر، على سبيل المثال، الخبر عن النحوي المبرّد الذي استدعي إلى العاصمة لتسوية خلافٍ حول القراءة الصحيحة لآية من لقرآن، ففعل دون إحراج الخليفة المخطئ، انظر: الزبيدي، طبقات النحويين واللغويين، تحقيق: أبو الفضل إبراهيم (القاهرة: دار المعارف، 1392/1973؛ أعيد طبعه: 1984)، 101-103؛ ابن القفطي، إنباه الرواة على أنباه النحاة تحقيق: أبو الفضل إبراهيم (القاهرة: مطبعة دار الكتب، 1369/1950 – 1393/1974)، 3: 243 – 244. أصبحت الاختلافات في قراءة القرآن (القراءات) حقلاً علميًا. ويعني الفعل “قرأ“: “يقرأ” و”يتلو”، وكلا المعنيين هنا ينطبقان؛ لأن القارئ كان يحفظ القرآن عن ظهر قلب، ويمكنه أيضًا أن يقرأ النص المكتوب جهرًا، الذي كان في المخطوطات المبكرة مجرد شكل ساكن (رسم) دون علامات تشكيل. انظر:
Anna M. Gade, “Recitation of the Qurʾān,” in EQ, 4:367–385.
[38] Conversely, in high literature the elliptic denotation served as a threshold. See Samer Ali, Arabic Literary Salons in the Islamic Middle Ages: Poetry, Public Performance, and the Presentation of the Past (Notre Dame, IN: University of Notre Dame Press, 2010), 52–53.
[39] فيما يتعلق بشكل الصحائف (صحيفة( انظر:
Beatrice Gruendler, “Sheets,” in EQ,– 4:587 589
[40] Schoeler, The Oral and the Written, 111–141; Schoeler, “Mündliche Thora und Ḥadīt”; Talya Fishman, “Guarding Oral Transmission: Within and between Cultures,” in “Oral Tradition in Judaism, Christianity and Islam,” ed. Werner H. Kelber and Paula Sanders, special issue, Oral Tradition 25, no. 1 (2010): 41–56.
[41] انظر:
Schoeler, The Oral and the Written, 28–44; Schoeler, “Mündliche Thora und Ḥadīt”; and Cook, “Opponents of Writing,” 447–450, 489–491, for an alternate opinion.
[42] انظر: Ali, Arabic Literary Salons, 41–42.
[43] أحمد بن علي الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، تحقيق: بشار عواد معروف (بيروت: دار الغرب الإسلامي 1422/2001)، 3: 45.
[44] ابن النديم، الفهرست، 73 / الجزء الأول، 199.
[45] Gregor Schoeler, The Genesis of Literature in Islam: From the Aural to the Read (Edinburgh: Edinburgh University Press, 2009), English trans. of Schoeler, Écrire et transmettre dans les débuts de l’Islam (Paris: Presses Universitaires de France, 2002).
[46] انظر:
Schoeler, Genesis of Literature in Islam, 60–63.
[47] انظر:
Robinson, Islamic Historiography, 24–38.
[48] عن اختراع الورق وانتشاره في البلاد الإسلامية، انظر:
Jonathan Bloom, Paper before Print: The History and Impact of Paper in the Islamic World (New Haven, CT: Yale University Press, 2001), 32–45.
وعن تقنيات الإنتاج، انظر:
Bloom, “Papermaking: The Historical Diffusion of an Ancient Technique,” in Mobilities of Knowledge, ed. Heike Jöns, Peter Mensburger and Michael Hefferman (Cham, Switzerland: Springer, 2017), 51–66.
انظر أيضًا:
François Déroche et al., Islamic Codicology: An Introduction to the Study of Manuscripts in Arabic Script, trans. Deke Dusinberre, and David Razinowicz (London: al-Furqan Islamic Heritage Foundation, 2015), 49–52; Johannes Pedersen, The Arabic Book, trans. G. French (Princeton, NJ: Princeton University Press, 1984), 60–62; and Clément Huart and Adolf Grohmann, “Kāghad,” in EI2, 4:419–420.
والدراسات القديمة كذلك مفيدة:
Helen Loveday, Islamic Paper: A Study of an Ancient Craft (London: Don Baker Memorial Fund, 2001), 20; and Joseph von Karabacek, Arab Paper, trans. D. Baker and S. Dittmar (London: Islington Books, 2001), 27,
عن ابن الأثير، الكامل في التاريخ، تحقيق: س.ج. تورنبرج (ليدن، هولندا: بريل 1851-1876 أعيد طبعه: بيروت: دار صادر، 1965-1967)، 4:96، 100 ، 101. تورد المصادر تواريخ ولاية الفضل، لكنها لا تشير إلى أي صناعة ورق فعلية في بغداد.
[49] انظر الجهشياري، الوزراء، 158 / 211-212.
[50] انظر أيضًا:
Bloom, “How Paper Changed the Literary and Visual Culture,” 115
[51] انظر أيضًا المخطط الزمني في:
Beatrice Gruendler, “Aspects of Craft the Arabic Book Revolution,” in Globalization of Knowledge in the Post-antique Mediterranean, 700–1500, ed. Jürgen Renn and Sonja Bentjes (London: Routledge, 2016), 31–66, esp. 66.