كلّ جملة قُبلة بحدّ ذاتِها، وكل مقطع مشروع احتِضان.
لانس أوسن، قُبلات نيتشه
«دائما أندهش بشكل كبير حين يبلغني أن أعمالي كلها فيها شيء مشترك ومميز، منذ ميلاد التراجيديا حتى آخر ما نشرت؛ مقدمة لفلسفة المستقبل؛ لقد قيل لي: «إنها كلها تحوي بحيرات وأحابيل لاصطياد الطّيور المتغافلة، وشبه تحريض، خفي لكنه مستمر، على قلب التّقديرات المعتادة والعادات المقدرة»»[1].
هكذا! وبكل يقين وصراحة صادمين أو لربما حتى وقحين، يصف نيتشه أسلوب كتابته الملهَم والملهِم، والذي يميزه عن باقي الكتّاب والفلاسفة الذين اعتبر فوكو، فيما بعد، كتبهم مملة جدًّا، لهذا يطالبنا نيتشه بألا نخلط بينه وبين أي أحد[2]، فعلى الأقل كتبه لا تدع للقارئ فرصة كي يتركها دون أن يُتمها كاملة.
الأسلوب لدى نيتشه سيكون علامة تمييز فارقة لفلسفة مُتميزة، مؤسسًا من خلاله للغة خاصة، وسياق خاص، يظلان بحاجة إلى قراءة خاصة إلى معجم خاص[3] أي إلى تعامل متميز، فكل لفظ هو ثمرة جهد مرير عنده[4]، يُظهر جرأته وحماسته ودرجة حفره، وكذا قوة التّعبير لديه، لهذا ربما استعمل نيتشه مرارًا تنبيهات ليُميّز أسلوبه عن بقية الأساليب، ولغته ومفاهيمه عن المتداول، من قبيل: «حتى أقول ذلك في لغتي» أو «أستعمل لغتي الخاصة» أو «متى تكلمنا في لغتي»[5]، و«هل يغريك أسلوبي ولغتي؟»[6]، وكأن لغة نيتشه لوحدها، وأسلوبه المتفرد هو نسيج وحده، لا شبيه، ولا نظير له، معجم خاص وتقنيات لا قِبل للآخرين بها، وبالطّبع إلى جانب حقول عمل خاصة ومرعبة يتعامل فيها نيتشه مع أشد الكائنات مكرًا وخداعًا؛ مع كيد الكهنة وخُدع المزيفين من أنصار وأتباع المتاجرين بالما وراء.
1 ـ منزلة الكتابة لدى نيتشه:
كُتُب نيتشه هي من النّوع المخيف الذي لا يُنصح به لجميع الفئات، لأنها، بشهادة صاحبها، تحوي أحابيل وفخاخ لاصطياد الطّيور المتغافلة. إنه يعترف، بحسن نية ماكرة منه، بأنه يؤدي دور ناصب المصائد، واعترافه هذا يتضمن طلبًا آخر من الطّيور السّاذجة بأن تكون حذرة أمام شِراكه المنصوبة في كذا موقع من متنه الفلسفي؛ فتحترس أكثر وتكون مستعدة لكل شيء، يُغافلها ويُعاجلها نحو مصيرها المحتوم بأن تكون ضحية سوء فهم مقيت أو تكون تابعة لصاحب النّص، وهذا ما يكرهه نيتشه أشد الكره. فأنت كقارئ أو كطائر؛ يجب أن تَخبر جيدًا كيف تقيس بجناحيك المسافة التي بين الفخ وحبّة القمح، فبينهما شعاع دائرة صغيرة يمكن أن تسميه: «حتفك».
التّعامل مع مكتوبات نيتشه يتطلب منك، قفّازات حديدية، ونظّارات سميكة، وصدرية فولاذية وكمّامة هي الأكثر سمكًا، فأنت هنا تنتحل مهمة مفكّك عبوات وخبير ألغام، لا قارئ يَهنئ بما يطالع، ما دام أن نيتشه، كما وصف نفسه في أحد أعماله الأخيرة، بأشهُر من دخوله مرحلة الجنون، أنه مجرد عبوة ديناميت، لذا فكل حركة خاطئة في قراءة النّص قد تجني عليك، قد تجرحك، وقد تخدشك، وتُفجر النّص بشكل يدمر ما قد ظننت أنك حُزته وغنمته منه. ولنبقى، كقرّاء، ضمن ذات الفصيلة؛ وهي فصيلة الطّيور، فنيتشه رغم أنه عانى دومًا من ضعف بصر حاد، فإنه مع ذلك بقي في شذراته الملهَمة حاد البصيرة، يشبه في حُسن اختياراته للاستعارات اللذيذة التي تخفي وتحتفي، وفي حسن تملّكه للكنايات البعيدة التي تقول وتتقول، وللأفكار الشّرسة التي تفتح أقواس وتغلق أقواس، وفي شدة استثماره للكلمات التي تُبدي وتشي، واستيعابه للمجازات التي تُظهر وتُضمر، حاله في ذلك تمامًا كما حال طائر يهبط إلى نقطة محددة من الأرض، بسرعة وتركيز، ليلتقط شيئًا لم نوفق نحن في ملاحظته وتمييزه.
نيتشه لم يكن يكتب بالحرفة أو تحت وطأة تقنياتها، وإنما بدوافع منبثقة من شهوة الكتابة نفسها، وبحرارة الفكرة الأولى ولأجلها، يتفادى إحراج نفسه المرحة بالكتابة تحت سطوة أسلوب بعينه، لذا كانت الكتابة لديه من صميم مجريات الحياة وتحت تأثيرٍ مباشر من دفقاتها واندفاعاتها، فيمزج في الكتابة وبها حالات النّفس كلها: خيباتها وانتصاراتها وانتكاساتها وأحلامها، لهذا يطيب اعتبار الكتابة عنده زفرة وتنهيدة[7]؛ أمام انتهاكات المنحطين لقيمة ومعنى الحياة، وتلطيخهم في المقابل لصفائها وحقيقتها، تنهيدة قد يُعاملها القارئ بنوع من الرّعب المشوب بالرّيبة أمام الموضوعات التي يختار نيتشه أن يناقشها بفأسه وبمطرقته، لا بريشة ويراع الكتابة.
رغم ما قد يحصل لقارئ متن نيتشه من لدغات وكسور، فإنه متن بكتابة تغري فضائل هذا القارئ وتستثيرها وتشجعه هو على أن يدافع، ولو لمرة واحدة، ضد أسوأ الأشياء التي كانت ضحية افتراء كبير يتحمل مسؤوليته وذَنْبه رجال الدّين والفلاسفة المقنّعين والأدباء قليلي الأدب الذين كانوا يدسون الحقيقة وراء مجازاتهم الكاذبة والخنوعة التي لا تقول الحقيقة وإنما تتقوّل عليها، وطريقة كتابتهم التي تفترع تُرعًا هامشية لتشويه حقيقة الكتابة ودور الكُتب، ضدًّا على التعبير عن حقيقة الأشياء بوضوح وبنفس درجة الفرح والاحتقان التي تتملكها.
إنه وإذ كان السّيد المسيح أو الكائن العجيب كما يصفه نيتشه[8] قد صُلب من لدن غير المؤمنين به على خشبتين متعامدتين، وضُرب بمسامير في باطن يده، فنيتشه اختار أن يصلب نفسه على صفحات مكتوباته، ويدق كذا مسمار في أنحاء جسد مكتوباته ونصوصه، ويُضمّنها زفراته، وينقل لنا فيها صفحات من عذاباته، ومعاناته، وصرخاته. صوَّر نفْسه جيدًا عبرها، وصوَّر أعداءه وجرائمهم في حقه؛ من زملاء أكاديميين ومثقفين مزيفين لم يعْتدُّوا به، ومعهم صور جرائم كثيرين في حق تاريخ الكائن البشري الأخلاقي والمنطقي، مستغلًا عزلته الشبيهة بعزلة شيشرون في الرّيف، وموجهًا لنفسه رسائلَ تعزية إلى نفسه، هذه الطّريقة التي اعتبرها إ. سيوران حصصًا علاجية لو تمّ تبنيها لأعلنت الأديان إفلاسها من زمن طويل، وهذا ما كان يريده نيتشه، مكتفيًا بقتل الأديان من خلال كتاباته[9] أو بالأحرى استخراج تصاريح دفنها.
في مقابل ما أطلق عليهم شوبنهاور، بالتّعارض مع جمهورية العلماء، بالتّأكيد فقد كان نيتشه يعتبر نفسه منتميًا جغرافيا إلى جمهورية العباقرة؛ أي داخل خط المعلمين الأوائل: طاليس وبارمنيدس وانكسيمندرس وانكساغوراس وأنباذوقليس والبقية، هؤلاء الذين كان نيتشه يشعر تجاههم بحنين جارف، يحنُّ إليهم ويحنو عليهم ويرفق كثيرًا بسيرتهم ويطنب في وصفهم، ويكفّ لسانه عنهم، وفي المقابل لا يرى في نفسه ندًّا لشكسبير الذي رأى فيه مُفسدًا لهواء الأدب، ولا ندًّا لروسو، وإنما كان يرى نفسه من طينة هيراقليطس الذي كان نيتشه يشعر بالدّفء والأمان إلى جنب أفكاره، وفي مستوى أبيقور والبقية من القدماء الذين كان يبحث عن نفسه ضمن دائرتهم، ولا يرى في أسلوبه إلا أسلوبا يحتذي بطريقة الكتابة القديمة، بحيث يظهر دانتي صاحب الكوميديا الإلهية إلى جانب زرادشت شخصًا حقيرًا، أو مجرد مؤمن عادي و”شعراء الفيدا” ليسوا سوى كهنة، وغير جديرين حتى بفك رباط أحذية زرادشت، إلى جانب أن أسلوبه ومستوى أفكار كتابه: هكذا تكلم زاردشت إنما صيغت بشكل لا يسمح حتى لغوته أو شكسبير أن يتنفسا أجواء الأعالي التي تفوح من كتابه هذا.
باعتباره «اللا أخلاقي الأول»[10] كما يصف نفسه، وبما أن «في إتقان الكتابة نوع من اللا ـ أخلاقية» كما يقول فلوبير مؤلف قاموس الأفكار الجاهزة، والذي عدّه نيتشه نسخة معدّلة من باسكال، لكنه يبقى الأكثر بُغضًا لديه[11]، فإن نيتشه يجب أن يكون بهذا الاعتبار «الكاتب الأول» الذي ستُمجِّد البَرية ذكراه، ما دامت زمرة المعاصرين له حاسري النّظر وقليلي الفهم لنصوصه الفوارة بالأفكار وطرائق التعبير المتبرعمة من حدّة نظر ودعابة شرستين، وسخرية متفوقة، فإرادة الإبداع المتوثب والمستمر تكاد تكون شيئًا لا أخلاقيا بامتياز، في أعين مناوئيه، إنها فعلٌ سوقي ينمُّ عن الحسد والغيرة والغرور والطّمع[12]، ورغبة مقيتة من كاتب ما يتغيا منها بسط نفوذه على ساحة الكتابة والتّأليف، فالكاتب هنا، لا يناضل ضد نفسه، وإنما “ضد الآخرين. إن حضورهم يُضايقه، وأن ينظر لحضورهم من موقع الحب أو الصّداقة، فهذا سيكون معجزة”[13]، لتكون عملية الكتابة محاولة لإيغار صدور الزّملاء في صفّ الكتابة والانتقام منهم عبر خلق المسافات عنهم، لهذا فحينما نكون ذوي شأن؛ فإننا لا نحتاج إلى إنتاج أي شيء وكذا فعل أي شيء[14].
2 ـ الحياة من أجل الكتابة:
الكتابة مجال آخر، خصب وغني لا لإثبات الذّات فقط، بل ولتصفية الحسابات مع الخصوم بما فيهم حتى اللّغة؛ أداة الكتابة. تصفية الحساب مع الإمكانات التي تمنحها لنا، ويمنعنا إياها الواقع، فنتَمحَّل المتاعب لرأب صدع العلاقة بين عوالم الحلم وعالم الفعل، ولو على حساب هَدْأتنا واستقرارنا. وهنا يَحكي لنا أبو حيان التّوحيدي الذي أحرق كتاباته بعد أن فشلت الأخيرة في أن تثبت له مكانة يستحقها، يحكي أن غريمه التاريخي الوزير والكاتب ابن عباد خرج من الرّي «متوجهًا إلى أصفهان ومنزله ورامين، فجاوزها إلى قرية غامرة على ماء ملح، لا لشيء إلا ليكتب: «كتابي هذا من النّوبهار، يوم السّبت نصف النّهار». حيث غيّر الصّاحب بن عباد مقصده رغم عناء المسافة والحمل[15]، وآثر أن يتكبد مشقات جمة في بلاد كريهة، لا لشيء إلا لمناسبة كلمة «النوبهار» لكلمة «النّهار». نيتشه من جهته ترك مهنته، مدينته، أسرته، زهد في كل شيء، ولَوَى عنق الحياة بأكملها صوب وجهة أخرى، لا لشيء إلا ليُوفّر لنفسه شروط وحيثيات التّأليف الجيّد والمميز، ولربما ليحضّر كل الطقوس لملاقاة أرواح كم هائل من الفلاسفة الذين أغرم بهم، وليُعدّ جميع الظّروف للهروب الجيد أيضًا عن معاصريه، هذا بالطبع إن كانت الكتابة هروبًا لا مواجهة، أو مواجهة عن بعد، وليضمن الطّقس الجيد للكتابة.
لأجل الكتابة أعطى نيتشه لنفسه عطلة وإجازة من كل شيء، ليتفرغ للإنتاج الإبداعي، وذلك عوض تصحيح أوراق طلبته في الجامعة التي لم تكن ليعجبه فيها شيء؛ لا الزملاء، ولا المناهج، ولا المقررات ولا حتى طلبتها، باحثا عن أجواء أكثر شاعرية في قرى سويسرا وإيطاليا خاصة وهو المغرم بشعراء الإغريق الكبار: إسخيليوس وبقية كهنة الشّعر، وسدنة القوافي القدماء، غير أن عطلة نيتشه لم تكن لتشبه عطلة كُدّاح البروليتاريا التي انتزعوها، زمن نيتشه بالضّبط، من أجل أن يجربوا النّوم إلى العاشرة، ويختبروا يومهم بدون ضجيج الآلات البخارية، فعُطل وإجازات نيتشه كانت بحثًا عن جو مناسب للكتابة كتب جيدة، «فالكاتب (..) يحافظ على طبيعته ككاتب أينما ذهب، وامتلاكه للعطلة يعني أنه يعلن عن إنسانيته (…) إن وظيفة رجل الأدب، بالنّسبة للأعمال البشريةـ تشبه وظيفة الرّحيق بالنّسبة للخبز: جوهر عجائبي، خالد، وإذا تنازل واتخذ شكلًا اجتماعيًا ما، فذلك لكي يُفهم اختلافه المهيب بشكل أفضل»[16].
الكاتب عند نيتشه هو ذاك الكائن الذي من لحم ودم وكثير من الأفكار، اختارته العبقرية ليتكلم بالنّيابة عنها في روع الخلائق. يجب أن يتمتع ببعض الرّاحة وسط عالم يتفجر بعيونٍ من القلق والجنون، وأن يبتعد عن الجميع أو يبتعد عنه الجميع، فهذه هي الهدية التي يقدمها رفاقه من البشر؛ والمكافأة هي حتما جولة في صحراء أو اللجوء إلى مغارة في جبل، يقول نيتشه عن نبيه “ورجع زارا إلى الجبال، إلى عُزلة كهفه ليحتجب عن الناس كالزارع ألقى بذوره في أثلام أرضه وبات يتوقع نبتها”[17]، فـ”خير الرّاحة ما تُنتجع في أعالي الجبال قرب الينابيع الباردة. إليَّ أيها الأصحاب لنحول هذه الرّاحة إلى غبطة وحبور فهذه ذروتنا”[18]، “إن مملكتي ليست من هذا العالم فلأذهبن مفتشًا على جبال جديدة.”[19].
نيتشه كائن خُلق ليكتب، ولتكون له الكتابة عوضًا عن كل الحياة، بما هما: الحياة والكتابة جمعٌ لتفاصيل مملة، التّفاصيل التي أكد غير ما واحد أنها مسكونة بالشّياطين! هذه الشّياطين التي تُلهينا عن الخشوع في الصّلاة؛ ونقصد بالصلاة هنا صلاة كافكا؛ التي لم تكن عنده سوى الكتابة، ولخشوع أكبر فالكتابة تخلي عن كثير من التّفاصيل الغبية، لصالح اللّحظات الأهم، وليعيش نيتشه حياته كتابةً وتأليفًا، عوض تلك المخالطة، تمامًا كما النّبي الشّرقي زرادشت الذي اقتبس اسمه ليكون شخصيته المفهومية، النّبي الذي كانت تتدفق يَراعه حروفًا وكلمات، إذ ينسبُ بلّينُس إلى زرادشت، نَظمَه مليوني بيت من الشّعر؛ ويؤكّد المؤرّخ أبو إسحاق الطّبري من جهته أنّ أعمال هذا النّبي الكاملة والتي خلّدها نسّاخ وخطّاطون ورعون، تتألّف من اثني عشر ألف جلد بقرة. والمعروف أنّ الإسكندر المقدوني قد أمر بإحراقها في برسيبوليس (تخت جمشيد)، غير أنّ ذاكرة الرّهبان الذين يكن لهم نيتشه العداء الأزرق تمكّنت من إنقاذ النّصوص الأساسيّة[20].
في إجادة تامة كتب: شذرة شذرة، جُرعة جُرعة، قطرة قطرة، نقطة نقطة، كلمة كلمة، يقيس درجة عمق كل فيلسوف ومعه يقيس درجة عمقه هو، وضمن إجادة الكتابة هذه، هناك إجادة أخرى تتضمنها، وهي إتقان وإجادة التّفكير واختلاق الأعداء، فعصر الخطابة وإجادة الحديث ولّى، ضاع مع المدينة اليونانية أما في زمن نيتشه فهو زمن الكتابة التي يعول عليها ليتم فهمُه في ما وراء حدود ألمانيا التي كفرت به، وأيضًا لأجل أن يكتب الألماني الذي ألِف الكتابة الرّديئة والفلسفة الغامضة مع هيغل، بشكل أحسن، لهذا كانت نصيحته بأنه «يجب على كل إنسان تُحركه مشاعر أوربية طيبة أن يتعلم الآن كيف يكتب جيدا ودائمًا أفضل: لا بد من المرور بهذه المرحلة، حتى وإن كان المرء قد ولد في ألمانيا حيث تعتبر رداءة الكتابة مزية قومية. وإجادة الكتابة تعني إجادة التفكير، العثور على شيء يستحق إطلاع النّاس عليه، ومعرفة إبلاغه لهم، تعني قابلية كتابتنا لأن تترجم إلى لغات الدّول المجاورة، أن تكون في متناول الأجانب الذين يتعلمون لغتنا»[21].
نيتشه الذي حاول أن يقلّد كبار الكتاب اللاتينيين والإغريق، وعَلَّم اللّغة والكتابة الإغريقية لسبع سنوات لتلامذته في بازل، سيحاول أن يشكل نقطة تميّز نزقة في الكتابة الألمانية غير الأنيقة بالمرة، والتي لا جمال فيها، بحسبه دوما، ليصير، إذا ما اقترضنا جملتين بسيطتين من ابن العميد حاول أن يلخّص بهما مكانة الجاحظ من الآداب العربية؛ لوصفنا لمنزلة نيتشه من اللّغة الألمانية ومن تاريخ الفلسفة: «إن النّاس عيال عليه في البلاغة والفصاحة واللّسان والعارضة»، والجملة الثّانية: «إن كتبه تعلم العقل أولًا، والأدب ثانيًا»، وعلاوة على كل ذلك تُعلم الطّريقة التي يدفع بها الكاتب الفكرة إلى حدودها القصية، مطوّعًا للغة لتعبير عنها.
3 ـ الشّذرة كصُهارات بُركانية:
إنه وإن كان إميل سيوران يتبرم من أربعين ألف سنة من تاريخ لغة الكائن البشري، إذ لا يُمكنه معها أن يجد حرفًا واحدًا يصف من خلاله الشّعور الّذي بداخله على أتم ما هو ذلك الشّعور، والعجيب أن يُسايقه خورخي بورخيس حينما يؤكد من جهته أن المرء يقرأ ما يرغب فيه، لكنه لا يكتب ما فيه يرغب، وإنما ما يستطيعه فقط، غير أن نيتشه رغم معاناته من حساسية مع كل ما هو ألماني كدِر، بما فيه اللغة الألمانية وقدراتها المصابة بالعياء والعَيّ في التعبير قولا وكتابة، حتى أنه تذهب به ـ هذه الحساسية ـ إلى درجة تفضيله قراءة شوبنهاور في ترجمته الفرنسية، رغم ندمه وتحسّره على عدم إتقانه لها من أجل قراءة فيلسوفه الأثير في لغة فولتير الأثير هو الآخر عنده، فرغم كونها لغة محرومة من أي معنى وأي أسلوب بشكل يجعله محرجًا منها، بشكل مستمر. سبب سِندِبَاديته التي تجعله يلوح لأكثر من لغة وثقافة بعين الشّوق والضيافة الفرحة، فإنه سعى إلى أن يُنطقها رغم أنفها، في نصوص تعتبر من عيون الأدب ومنابع الفلسفة على حد سواء، فيرفع عنها الحرج، غير أنه سرعان ما سيأتي بعده سارتر متأسفًا عن عدم مقدرته التعبير بطلاقة عن أفكاره بالفرنسية ناظرًا بطرف خفي إلى الإنجليزية، لكن ألا يتدخل في انبهارنا بنصوص نيتشه الآن أنها كتبت بالألمانية قبل أن تترجم؟ فمسألة الانبهار بالكتب كما ينتبه إلى ذلك بشيء من الطرافة والعمق مارسيل بروست إنما سببها أنها تبدو لنا كما لو أنها كتبت بلغة أجنبية. أو كما نبّه إلى ذلك دريدا على أنها كتبت بلغة أخرى لا بلغتنا، ولا بلغة أجنبية وهنا في الوسط يقف المترجم حيث لا يتخلى عن غرابة النّص ولا يخونها.
يصرّح نيتشه أن الكائن الذي يعمل في كتبه، هو كائن تحت أرضي، يفتح المنافذ، يحفر، وينخر، وذلك رغم ضعف بصره على السّطح؛ فإنه مع ذلك يؤكد أن عيونه لا تبصر إلا في الأعماق وفي المناطق المظلمة، يتقدم ببطء فيما يكتب، لكن بتبصر ومرونة ونضج، إنها كلها صفات من مستلزمات الجينيالوجي المحنك، ومستلزمات الحفر التّحت ـ أرضي، فنيتشه كائن سردابي بامتياز، أي خُلْدًا لا يفتأ يخلق لنفسه الممرات. فكل شذرة، هي ضربة فأس، وبحث عن العمق وتقدمٌ في متاهات تحت ـ أرض التاريخ، ودهاليز أرشيفات الكذب والكهانة البشريين، مع ما يستلزم ذلك من بؤس يُصاحبه الحرمان لمدد طويلة من الهواء والضّوء؛ وعمل متواصل في الظلمات كله تعب وويل، ولا يهوّن على صاحبه إلا إيمانه الذي يقوده، وعزاؤه في كشف كذب ثقافة بأكملها هو ما يواسيه؛ من أجل صباح خاص، وخلاص، وفجر خاصين.
شذراتٌ يقيم وَأدها من الجُمل القزمية، غير أنها مُحلاة بكلمات متوهجة بالصّور الحية والتشبيهات التاريخية اليقظة، والرؤى البعيدة التي وحدها من كانت تخفف من قصر نظره الفظيع إذ بالكاد ثلاث خطوات أمامه، والأسماء والفرق من اكزينوفان وألقسيباد إلى فاغنر مرورًا بمونتيسكيو وفرقة عيساوة الصّوفية، وعبارات الهادرة التي تكاد تخرج للقارئ كصهارات بركانية بازلتية لتنقل للعالم يأسه وأسفه، لتكون كل ثقافة الكائن على صفيح ساخن لا تزيده «مطرقة تفلسفه» إلا سخونة وتهشيما. نيتشه كان يغمس الكلمة جيدا في التاريخ بكل عفنه وأوهامه، ليضعها في المكان المناسب من نصوصه، لتلتقي البشاعة بالكلمات التي كان يحسن اختيارهن بعناية، والتي ينتزعهن الواحدة تلو الأخرى من أحشائه ومن دم قلبه.
كان كل كتاب يصدره يجعله إنسانًا غريب الأطوار، وكائنا غير مُزامن لعصره، فكل الكُتّاب المعاصرون له إما متصنّعون أو مراؤون، إلا هو وقليلون آخرون لا يتجاوزن أصبعين أو الأصبع الواحد من يحققون الفارق، وليسوا مزامنين له فهؤلاء فقد فيهم الأمل، ربما لأن المزامنة حجاب كما نبه أهل التراجم والطبقات العرب، يقول نيتشه: «أنا أعرف كاتبًا واحدًا فقط، يمكنني أن أضعه من حيث الصّدق عاليًا في مستوى شوبنهاور، وفي الحقيقة أضعه حتى أعلى منه: مونتيني. إنَّ كتابة إنسان مثل هذا. زادت حقًا من فرحة العيش على هذه الأرض»[22]، أما البقية فيشوهون الحقائق ويركبون على ميولات القارئ الذي يفوقهم سذاجة وغبشا في الفهم، ولهذا كان يُحذّر من أنه على المرء أن لا يثق في الواقع بأي شخص يكتب. حيث لا يمكن أن تضع ثقتك الكاملة في أي واحد منهم.
لهذا كان يود اختيار طريق له وحده بعيدا عن جميع الكَتَبَة، فلا يتصنع مطلقا في كتاباته، يكتب بطريقته الخاصة التي يراها تسُرّه، والتي إن رآى القارئ أسرّته تماما كما الزوجة الحسنة الوجه والأفعال، ولا يهمه أن تسُرّ غيره، في امتثال لأحد مواقف النّفري: «قال لي: اكتُب من أنتَ، لتعرفَ من أنت»، أو في تمثل لإحدى مخاطباته: «يا عبدُ اخرُج من بين الحروف تنجُ». لهذا كانت كتبه رغم ضيق تضايقه من العبارة الألمانية، كما يصفها، تُدخل الاضطراب حتى على هجعة اللّيل[23]، وهذا ما كان يجعل كتبه كتبًا جيدة، كتبًا تدمي وتغرس خناجرها في القارئ، فهو يصف قلمه الذي يحمي به جنته ويحتمي به[24]، سيفًا يشهره على معالم الانحلال في ثقافة عصره. كما يشبّه أسلوب سقراط بطعنات سكين، والسّلاح الذي لا يرحم؛ الذي يعري ويهين[25]. نحن لا نبحث مع نيتشه عن أسلوب الكتابة الذي يضحكنا ويسعدنا، وإنما إلى الكتابة التي تجعل من الكُتب تقعُ منا موقع الكارثة، الكتب التي تُحزننا بعمق مثل وفاة شخص نُحبه، أكثر من أنفسنا، كما يذهب إلى ذلك كافكا، حيث يجب أن يكون الكتاب هو الفأس الذي يكسر الجمود الذي يسكننا.
لأنه لم يرغب في أن يكون مُملًا، وعارفًا بمضرة أن يكون الكاتب ثقيلا، كان يكتب بطريقة تشد الانتباه، غنية بالأسماء وبالمعارك، لهذا كان يؤكد «من غير الممكن لأمرئ أن يدع كتابًا من كتبي إذا ما شرع في قراءته»[26]، ربما لأن فيها ما ليس في بقية الكتب: صدق، ودم، وألم، وسخرية حد الضّحك، يقول ممجّدًا كتابه ما وراء الخير والشّر بعد نكسته حينما لم يقابَل بما يستحقه كفيلسوف وككِتاب «أعرف خطئي. أنا مفرط الغنى ومفرط الشّغف. أنا أزرع البلبلة. أملك كلمات تُفتّت قلب إله. أنا موعد لقاء تجارب لا يمكن أن تتم إلا على ارتفاع ستة آلاف قدم، فوق كل التجارب الإنسانية (…) أي فكرة خطرت ببالك، يا كتابي الصّغير المسكين، حتى تنثر لآلئك … للألمان! أية حماقة ارتكبت!»[27].
وكأن نيتشه كان يكتب لنفسه فقط! نعم. وليس تحت طائل إثارة الاعجاب به أو استثارة الاستنكار ضد، بإعادة اكتشاف ما يؤمن به، وكشفه للناس بالطريقة التي تحلو له هو، لا للناس، بكتابته الخاصة، فلا أحد يستطيع تحمل ضجيج وقع المطارق، كما أنه لا يكتب ليُعجب أحدًا، أو فئة ثقافية بعينها، خاصة وأنه كان يهجم على كل من يصادفه في تاريخ الفلسفة من زمن سقراط إلى زمنه عبر إبيكتيتوس وهيغل وهلم جرا، ولَكأنه حُطيئة الفلسفة الذي كانت مهنته هي هجو الخليقة دون استثناء والاعتداء الشّعري علهيم بما في ذلك خِلقَته، حيث بإمكانك أن تقلب كذا صفحة كتاب واحد لتجد هذا البيت حاسما في اختصارها:
أبتْ شفتاي إلّا تكلُّمًا … بشرٍّ فما أدْري لِمَنْ أنا قائِلُهُ.
في الحين يعتَدُّ نيتشه بالشّذرة سلاحًا هجائيًا ضدّ راهنه الفلسفي والثّقافي المنبطح والمنحط، ولكن أليس هذا ما يُفترض في تأليف الكتب بأن «نقول فيها ما لا نجرؤ على البوح به لأحد»[28]، دون خوف ولا وجل، وبشموخ النّفس وبأنفة وعزّة الفلسفة، وهذا ما كان يهتدي به نيتشه إذ كان يرى في كل شذرة يكتبها، أنها ليست مقدودة من كلمات وحروف، بل مصنوع قوامها من شُهبِ صاعقة ومجنحة أطرافها من شرارات كذا بَرق انفلت من السّماء القاصية، ووقعها من شهقات رعد مَداري. لتظل أقرب من الكتابة المزاجية كما هي حملات المطر الاستوائية حين تغضب وحين تهدأ، تغضب من شيء، ثم تفرح من آخر، في تنوع أسلوبي مخاتل لغويا ولا ينساق بسهولة، تجعل الرّجل أديبًا أكثر مما هو فيلسوف، ثم ترجّح، فجأة، كفة الفلسفة على حساب الأدب والشّعر فيه.
يسكن أرض الفلاسفة كي يطل بأطماع توسعية واضحة على أرض الفلاسفة، لا يشبه كثيرًا أصحاب المطولات الفلسفية المعروفين، لكنه ينافسهم ويعاركهم واحدا واحدًا، مجيبًا على سؤال عنترة: هَلْ غَادَرَ الشّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ؟ بأنه ما يزال قابعا في متردمه الأول، وهو عالم الشّعر، ليظل شاعرًا يتكلم في مواضيع فلسفية كثيرة، بشكل قد يحقق إضرارًا بالفلسفة وإضرارًا بناصية الشّعر، أو قد يمنح كلا منهما أدوات عمل وخصائص يفتقدها كل منهما، تهجين الشّعري بما هو عقلي ودقيق وتحيين الفلسفي بالنّفَس البلاغي الرّشيق، وأي محاولة للفصل بين الجانبين عبر أي عملية كيميائية هو إضرار بفلسفة نيتشه وبمكانته، وبزخمه وإفقادًا للإثارة التي تحقق له مسافة الفصل بينه وبين باقي الفلاسفة.
على سبيل الختم:
نيتشه لم يرغب في أن يكون مخدوعًا من لدن أي جهة مهما كان ادعاؤها الأخلاقي أو الفلسفي، لهذا كان يكتب دون نية في أن يخدع أحدًا، ومن هنا يأتي احترامه لشوبنهاور مثلًا، لأنه «وضع أمام نفسه القاعدة التّالية: «لا تخدع أحدًا، ولا حتى نفسك ولا حتى بأكاذيب اللّقاءات الاجتماعية البيض، التي ترافق كل حوار تقريبًا»[29]، لهذا ظل عنده شوبنهاور صادقًا حتى ككونه كاتبًا لا فيلسوفًا فقط إلى جانب مونتيني[30] الذي وضعه نيتشه من حيث الصّدق عاليًا في مستوى شُوبنهاور أو حتى أعلى منه، فكتابة إنسان مثل مونتيني لا تهب للإنسان معرفة أخرى بالعالم ومعرفة بأشياء هذا العالم من زوايا أخرى، وإنما تزيد من فرحة العيش على هذه الأرض بشكل يختصر تقدير نيتشه للأساليب الجيدة في الكتابة وانتقائه الجيد لكُتَّابه الذين يواظب على التّمتع بهم، الشّيء الذي يُجمله في قوله: «هناك عدد قليل من الكتاب الفرنسيين العريقين أعود إليهم على الدّوام: إنني لا أؤمن إلا بالثقافة الفرنسية، أما كل ما عدا ذلك مما يطلق على نفسه اسم «الثقافة» في كل أوروبا فلا أعتبره سوى ظاهرة سوء فهم»[31].
في هذه المقالة لن نُعوّل على كتاب واحد لنيتشه بأن نعرضه تفصيليًا، ولن نتعرض لقيمة أعمال نيتشه من زاوية الفلسفة، وإن كان في كلامنا حديث عمّن وهب نيتشه القبول، ومنح مكتوباته كل ذاك الثّناء لدى قرّاء الفلسفة وعند الفلاسفة بالتحديد، وبه لاقى كل المديح عند أهل الأدب على حد سواء، ولكن سنتحدث عن اختيارات نيتشه البلاغية وفي نظام الكتابة لديه وفي نظام الحياة والمعيش في علاقتهما بالمبدع، وفي هذا حديث مبطن عن أثر تلك الاختيارات على فلاسفة جعلوا من النّيتشوية أبوّة لا تقبل التّشكيك، إلى جانب كوننا حينما نتلمس طرق وأساليب نيتشه في الكتابة، فإننا لا نقارب زوايا استعمالاته اللّغوية وطريقة إجاداته التّعبيرية، وإنما طريقة تفكيره أيضًا، ومعها الكيفية التي يدير بها ذهنه وتشتغل خلالها أفكارها، وتستعلي بها مقارباته للمواضيع، لا لفهم نصوص نيتشه فقط، بل لفهم كيمياء الإبداع لديه، الوصول إلى ميكانيزمات عمل الأنا العميقة التي تخلق النص أو الأثر، بطريقة عبّرت عنها الرّومنطيقية الألمانية قبلًا؛ أي فهم الكاتب/ المؤلف أحسن مما فهم هو نفسه. وبفهم طريقة الإبداع والخلق لديه بالتأكيد نتعلم منه، ونتلقى خصوصية جدا، من خلالها نحضى بدروس من المعلم نيتشه الذي ترك تلامذَته الخمسة في جامعة بازل ليتفرغ للكتابة لعدد لا يحصى من تلامذته، ما دامت الكتابة الجيدة عنده تعني في نفس الوقت الفكر الجيد والمتماسك وتعلم الكتابة الجيدة هو في الصميم تعلم لطرق التفكير الجيدة، فلِنقرأ نيتشه يجب أن ندعم أنفسنا بفهم معين لأساليب الكتابة لديه الحكيمة جدًّا والمكثفة جدًّا.
[1]– ف. نيتشه، إنسان مفرط في إنسانيته: كتاب العقول الحرة؛ ترجمة: محمد النّاجي، الدّار البيضاء: أفريقيا الشرق، 1998-2001، ج 1، ص 9.
[2]– ف. نيتشه، هذا هو الإنسان، ترجمة: علي مصباح، دار الجمل، لبنان، بيروت، ص 7.
[3]– محمد المزوغي، التّخلص من نيتشه، أفريقيا الشرق، الدّار البيضاء، 2018، ص 338.
[4]– ف. نيتشه، العلم المرح، ترجمة وتقديم: حسان بورقية، محمد النّاجي، الدّار البيضاء: أفريقيا الشرق، 1993، ص 122.
[5]– ف. نيتشه، في جينيالوجيا الأخلاق، المركز الوطني للترجمة، ترجمة: فتحي لمسكيني، مراجعة: محمد محجوب، سيناترا، تونس، 2010، ص 7.
[6]– ف. نيتشه، العلم المرح؛ ص 24.
[7]– انظر ف. نيتشه، إنسان مفرط في انسانيته: كتاب العقول الحرة، ج 1، ص 9.
[8]– ف. نيتشه، هذا هو الإنسان، ص 161.
[9] ـ إميل سيوران، اعترافات ولعنات، ترجمة: آدم فتحي، منشورات الجمل، بيروت، لبنان، ص 25.
[10] ـ ف. نيتشه، هذا هو الإنسان، ص 155.
[11] ـ ف. نيتشه، قضية فاغنر، يليه، نيتشه ضد فاغنر؛ ترجمة: علي مصباح، بيروت: منشورات الجمل، 2016، ص 96.
[12]– ف. نيتشه، إنسان مفرط في انسانيته، كتاب العقول الحرة، ج 1، شذرة: 210، خصوبة هادئة، ص 115.
[13]– بورديو، بيير (1930-1988)، نيتشه مفتتا؛ ترجمة: أسامة الحاج، بيروت: مجد، 1996، فصل الكتابة، ص 103.
[14]– ف. نيتشه، إنسان مفرط في انسانيته، كتاب العقول الحرة، ج 1، شذرة: 210، خصوبة هادئة، ص 115.
[15]– ابن عباد، بعيدًا عن الصّورة التي أحسن تزييفها التوحيدي جيدًا، كرجل يَعتبر ثروته الكتب، كان يواظب على أخذ مكتبته معه في حلّه وترحاله، ومجموع كتبه ما يُحمل على أربعمئة جمل أو أكثر كما يورد صاحب “وفيات الأعيان” (ج 1، ص 231)، وقائمة كتبه “catalogue” كانت تقع في عشرة مجلدات (الطاهر مكّي، دراسات في مصادر الأدب، ص 64.). يُعقّب كيليطو على الحكاية التي تدخل ضمن عقاب أدبي للتوحيدي اتجاه الوزير/ الكاتب، قائلًا بأن ابن عبّاد «مدد طريقه جريًا وراء لفظة غريبة، ابتعد عن هدفه اقترابًا من هدف أسمى: مناسبة السّجع. من النّاس من يموت من أجل فكرة أو عقيدة، أما هو، وكما يؤكد التّوحيدي، فإنه لن يستنكف إطلاقًا من استعمال سجعة من السّجعات، حتى ولو أدى الأمر به وهو الوزير الذي تولى صيانة أمور المسلمين أن «تنحل بموقعها عروة الملك، ويضطرب بها حبل الدّولة، ويحتاج من أجلها إلى غرم ثقيل وكلفة صعبة وتجشم أمور وركوب أهوال» (عبد الفتاح كيليطو، بحبر خفي، الدّار البيضاء: دار توبقال، 2018، (الرباط: مطبعة الأمنية)، ص 9.).
[16]– رولان بارت، أسطوريات: أسطرة الحياة اليومية؛ شذرة: الكاتب في إجازة، ترجمة: قاسم المقداد، دمشق: دار نينوى، 2012، ص ص 36. 37.
[17]– ف. نيتشه، هكذا تكلم زرادشت: كتاب للجميع ولغير أحد، ترجمة: فيلكس فارس، الطفل حامل المرآة، ص 100.
[18]– ف. نيتشه، هكذا تكلم زرادشت، ص 129.
[19]– ف. نيتشه، هكذا تكلم زرادشت، ص 129.
[20]– خورخي بورخيس، من كتاب المخلوقات الوهمية، يليه ضيفا على بورخيس، مرغريتا غيريرو. ألبرتو مانغويل؛ ترجمة بسام حجار، الدّار البيضاء: المركز الثّقافي العربي، 2006، الحمار ذو القوائم الثّلاث، ص 30.
[21]– ف. نيتشه، المسافر وظله، ضمن إنسان مفرط في إنسانيته، ج 2، شذرة: 87. تعلم إجادة الكتابة، ص 148.
[22]– ف. نيتشه، شوبنهاور مربيا، ترجمة: قحطان جاسم، الرّباط: دار الأمان؛ بغداد: دار أوما؛ الجزائر العاصمة: منشورات الاختلاف؛ بيروت: منشورات ضفاف، 2016، ص 29.
[23]– ف. نيتشه، هذا هو الأنسان، 71.
[24]– المصدر نفسه، ص 90.
[25]– ف. نيتشه، غسق الأوثان، أو، كيف نتعاطى الفلسفة قرعًا بالمطرقة، ترجمة علي مصباح، بيروت: منشورات الجمل، 2010، ص 29.
[26]– ف. نيتشه، هذا هو الأنسان، 71.
[27]– ف. نيتشه، ما وراء الخير والشر، ترجمة: حسان بورقية، الدّار البيضاء: أفريقيا الشرق، 2006، ص 9.
[28]– إ. سيوران، مثالب الولادة، ترجمة: آدم فتحي، منشورات الجمل، بيروت، لبنان، ص 35.
[29]– ف. نيتشه، شوبنهاور مربيًا، ص 14.
[30]– المصدر نفسه، ص 29.
[31]– ف. نيتشه، هذا هو الإنسان، ص 46.