The Eight Hundred: عند «الثمانمئة» توقَّف التاريخ – عبدالمنعم أديب

سيرى المُشاهِد في فيلم “The Eight Hundred” ملحمةً صاغ فيها المُخرج والمؤلف الصينيُّ “غوان هو” معاني عديدةً؛ سيرى كيف يلتحم الكتفُ بالكتف ليُكوِّنا بناءً أشدَّ صلابةً ورُسوخًا من بناءات المِعمار الخرسانيّ، سيرى أثر البطولة والتضحية على قلب الإنسان وضميره ومدى ما تُغيِّرانه فيهما، سيرى كيف تتبدَّل سيكولوجيَّة النَّفس البشريَّة في محنة الحرب لتصير خلقًا آخر، حتى إذا رأى الإنسانُ نفسَه لأنكرها أشدَّ الإنكار، سيرى كيف ينظر بَنُو الأُممِ الوَاعونَ المُستقبلَ لا اللحظةَ الآنيَّة وحسب، سيرى هذا كلَّه وغيره الكثير في فيلم من أبدع الأفلام الحربيَّة؛ لكنَّه سيتذكَّر القول الذي كُتب في مُقدمة الفيلم على لسان الأبطال: “سترى ابتسامتي عندما يُواريني التراب”.
فيلم “The Eight Hundred” أو “الثَّمانمئة” فيلم صينيّ خرج إلى النور عام 2020، فيلم يتحدَّث عن المُقاومة والتضحية. ولمْ يكُن يعلم صُنَّاعُه أنَّ الفيلم السينمائيّ نفسه سيقاوم الظروف والمُعوِّقات كلها التي وقفتْ أمامه ليصير أكبر مُحقِّق للإيرادات في العالَم في هذا العام. الفيلم حقَّق أكثر من 470 مليون دولار رُغم ظروف الوباء الشديدة التي ضربتْ العالَم السينمائيّ في مقتل، ورغم الإغلاق الكُلِّيّ للسينمات. ولو كانت الظروف مُواتيةً – أو حتى عاديَّةً – لتجاوز المليار بسهولة. مع العلم أنَّ هذه الإيرادات قد أتتْ من ميزانيَّة بلغتْ ثمانين مليون دولار، وهو من أغلى الأفلام الصينيَّة تكلفةً.
يقع الفيلم زمانًا في عام 1937 حينما غزتْ إمبراطوريَّة اليابان شمال الصين، واكتسحتْ الجيشَ الثوريَّ الصينيَّ البالغ عدده سبعمئة ألف جنديّ. ويقع مكانًا في “شنغهاي”، في مُستودَع “سيهانج” الذي احتمى فيه جنود الفرقة 88 المُتراجعون أمام القوات اليابانيَّة. ويستعرض الفيلم قصَّة أربعة من الأيام وما وقع فيها من مُقاومة بضع مئات من القوَّات الصينيَّة لهجوم الجيش اليابانيّ المُسيطر على الأصعدة كافةً؛ وحيث إنَّ الفيلم لمْ يُركِّز على الجانب السياسيّ بل على الجانبَيْن المعنويّ والإنسانيّ فسنحاول هُنا استجلاء أهمّ الفنيَّات التي ارتكز عليها الفيلم، وأبلغ المعاني التي أراد صُنَّاعه أنْ تصلنا.
نقف مبدئيًّا عند حيثيَّة الحدث والموقع في نجاح الفيلم؛ فمُستودع “سيهانج” الذي تدور فيه الأحداث حصن حصين؛ فقد كان مَقرًّا لأربعة بنوك، ويبلغ سُمك جداره أكثر من متر، وهو الآن مقرّ الفرقة 88، وقد تجمَّعَ فيه رجال الفوج 524 وبقيَّةٌ من الفارِّين من الجنود الصينيِّين وبعض التائهين من أفواجهم وفِرَقهم. يبلغ عدد الجنود 420 جنديًّا، لكنَّ قائدهم العقيد “شيه جينوان” أشاع أنَّ عددهم ثمانمئة – ومن هُنا أتى اسم الفيلم – ليُعظِّم شأنهم في عيون الأعداء.
وقد استخدم المُخرج مركزيَّة الموقع بشدَّة؛ فكان بالنسبة إليه مُعبِّرًا بدقَّة عن مُصطلح “مسرح الأحداث”، فالمُستودع يفصله نُهَيرٌ صغيرٌ عن الجانب الآخر الذي يُسمَّى “الامتياز الأجنبيّ” الذي تتمركز فيه نقاط الإشراف الدوليّ على الأحداث، ويوجد فيه العديد من الصحفيِّين من بقاع العالَم الغربيّ، وكذلك تتجمَّع فيه الجماهير الصينيَّة المدنيَّة، والذي لا تستهدفه القوَّات اليابانيَّة، وكأنَّه جمع هؤلاء كلَّهم في منصَّة المُشاهد الذي يُطالع “مسرح الأحداث” طوال الوقت على الضفَّة الأخرى، وبذلك استطاع أنْ يختبر ردَّ فعلهم على أحداثه كلها، ويُوصل من خلالهم الكثير من المعاني. أمَّا عن حيثيَّة الحدث فقد كانت موقعة المُستودع آخر المواقع قبل سقوط “شنغهاي” في يد اليابان، وكذلك كانت نقطة أمل في جلب إجماع دوليّ ضدّ اليابان، من هُنا اكتسب عُنصر “الحدث” في فيلمنا وجاهةً وتبريرًا؛ مِمَّا يدفع المُشاهد إلى التعاطف بإدراكاته الظاهرة والخفيَّة كلها مع ما يدور أمامه.
قسَّم الصانع فيلمه إلى خمسة أقسام واضحة مَفصولة عن بعضها فصلًا عن طريق كتابة اسم كلِّ يوم من الأيام الأربعة على الشاشة، مَجموعًا إليها فصل المُقدِّمة لتصير خمسة، وقد حافظ على بثّ جرعات المعاني مُتضافرةً مع جرعات من التشويق والإثارة والمُتعة البصريَّة المشهودة، فلمْ يقع في فخّ عدم التوازن أو حشد أوْجِ الفنيَّات في فصل دون آخر؛ بل قدَّم في كلّ فصل معركةً ومعنى وكذلك تطوُّرًا في الحدث.
صُنعت شخصيَّات الفيلم بذكاء مَنسوجةً مِمَّا يمكن أنْ نسميه بـ”فُسيفساء الشخصيَّات” – نسبةً إلى فنّ الفُسيفساء المعروف -؛ إذ لمْ يرتكز على الخطَّة المُعتادة في الأفلام الحربيَّة والتي تتمثَّل في اختيار شخصيَّة أو أكثر لتكون محور الفيلم ومَنظور الأحداث للمُشاهد؛ بل كان الصانع أشدَّ ذكاءً وتماشيًا مع هدفه ومعانيه – وكذلك أكثر مُغامرةً – ليُفتِّت محور “الشخصيَّة” على عشرات من الشخصيَّات، وكأنَّه يقول كلُّهم أبطال ومحاور، أو هؤلاء هُم الأبطال لا قوَّاد الحروب؛ ورغم ذلك نستطيع أنْ نرى بيِّنًا أنَّه اختار مجموعة الفارِّين والتائهين الذين التحقوا بالمُستودع ليكونوا مَنظور رؤيته، وأبطاله – مع تجوُّزٍ شديدٍ في استخدام الكلمة اصطلاحيًّا -.
وبالعموم تركَّزتْ البطولة في شاب تاهَ من فوجه، ورجل يعمل مُحاسبًا يُسميِّه أصدقاؤه “العدَّادَ القديم” وهو شخصيَّة شديدة الجُبن، وآخر جسور لكنَّه غير مُبالٍ بشيءٍ إلا بسجائره، فضلًا عن العقيد قائد الفرقة. ونجد أيضًا أنَّ الصانع لمْ يهتمَّ بشخصيَّة عُظمى في أفلام الحروب هي “شخصيَّة العدوّ”؛ وهذا أيضًا من ذكاء الصناعة للتركيز على هدفه في إيراد المعاني التي يستهدفها؛ فهو لا يريد أنْ ينال معنويًّا من العدوّ؛ بل أنْ يُركِّز على فعل أُمَّته وأبنائها بين الماضي واليوم.
وكانت وسيلتاه العُظميانِ للتعبير عن المعاني هُما الحوار والجانب البصريّ، وامتاز الحوار في الفيلم بالتوازن كَمًّا وكيفًا؛ وعلى أساس فُسيفساء الشخصيَّات أتتْ أيضًا مراتب عديدة للحوار الدراميّ في الفيلم؛ لتُناسب حوار غمار الجنود وتحمل إلينا أحلامهم وآمالهم ومخاوفهم، ولتُناسب القائد العسكريّ والمَندوب السياسيّ الصينيّ في حوارهما الذكيّ الألمعيّ، ولتنقل لنا مواقفَ الغمار من المواطنين الصينيِّين على جانب الامتياز الآخر تجاه الحرب وما يجري، وكذلك مواقف الأجانب والمُراقبين. لكنَّ الشيء الجدير بالانتباه أنَّ الصانع استطاع أنْ يبثَّ وسط هذه الأجواء الدامية الكثيرَ من جرعات الكوميديا من خلال حواره الفيلميّ.
ولمْ يكن حصد الفيلم لهذه الإيرادات كلِّها من فراغ؛ فقد كان الفيلم تحفةً بصريَّةً لا تُقاوم، اعتمد المُخرج فيها على العديد من الأدوات البصريَّة؛ ابتداءً من المكان نفسه وتلك المَشقَّة الهائلة والصبر والتأنِّي في تكوين محلَّات التصوير – سواء داخل المُستودع وخارجه على الضفَّة الأخرى – حتى تصير مُلامسةً أشدَّ المُلامسة للواقع الحقيقيّ، وكذلك الاهتمام البالغ في نواحي الملابس والتزيين الذي لا يكون لأيّ فيلم تاريخيّ تأثير مُباشر دونهما، ثُمَّ اعتماده على كاميرات “آيماكس” وهي كاميرات ذات مُتحسِّسات عملاقة تصوِّر مشاهد أوسع من الكاميرات العاديَّة، وكذلك اعتماده على كثير من المُؤثِّرات البصريَّة الناجحة – التي تكشفها عينُ المُشاهد في قليل من المَشاهد -.
وليس أدلّ على نجاح الصورة من إدارة بارعة لمشاهد بالغة الطول من المعارك، مع العلم أنَّ تصوير دقيقة واحدة من معركة بشكل جيِّد هو عمل شاقّ وصعب، فما بالنا بعشرات الدقائق التي تشهد بكمّ الجهد والإتقان على جانبَيْ المُمثلين – أساسيِّين وهامشيِّين – وتحرُّكاتهم داخل كلّ لقطة، وعلى جانب تحرُّكات الكاميرا التي تصوِّرهم داخل المشهد نفسه. ويرى أيُّ أحد هذا الجهدَ البالغَ مُتمثِّلًا في مشاهد ناجحة مُتقنَة أدَّتْ إلى جذب اهتمام المُشاهد وتعاطفه مع الحدث ووجهة النَّظر المُقدَّمة، وكذلك تستلفت نظرنا الصبغة اللَّونيَّة الخضراء التي استولت على غالب الفيلم، وتغييرها بذكاء إلى صبغة لونيَّة حمراء في مشاهد الصمود الأخيرة؛ مِمَّا يطلعنا على الاهتمام بالتعبير بكلّ وسيلة مُمكنة من قِبَل صُنَّاع الفيلم الذي تطلَّبتْ صناعتُه سنوات طويلة.
وقد اختار المُخرج -وهو المُؤلف- أنْ يَخرُجَ بذكاء من مستوى الواقعيَّة الذي بثَّه طوال الفيلم إلى مستويَيْن تعبيريّيْنِ آخرَيْنِ: هُما المستوى الرَّمزيّ في صورة الحصان الأبيض الجامح الذي يرمز إلى الأُمَّة الصينيَّة، فنرى الحصان في أوَّل ظهوره هاربًا من القيود، ثمَّ نراه في مشاهد الحرب جريحًا مُتأثِّرًا يشوب بياضَه بعضُ الدماء، ثمَّ يظلّ الحصان موجودًا إلى أنْ يظهر في آخر الفيلم قويًّا مُعافًى يصول ويجول ويصهل، ويقف وقفة الثبات والفخر وهو هُنا هذه الأمَّة التي استطاعتْ أنْ تقلب هزيمتها انتصارًا ودمارها ازدهارًا، والمستوى الآخر هو المستوى الخياليّ الذي يفرضه حُلم يقظة لطفل صغير مُجنَّد وهو يسبح بخياله ليستدعي الماضيَ وأمجادَه أيَّام القتال بالحربة والسيف والخيول، وهو يرى صمود أمَّته في هذا المشهد، وهذا الظهير الخياليّ مُستدعٍ للماضي على خلاف الرَّمزيّ المُستدعي للمُستقبل.
وقد حشد الصانع حشودًا من المعاني في فيلمه، يظهر أوَّلها وتأسيسها في إطلاع مُشاهده على ملامح من الحضارة الصينيَّة وشكل مدينتها آنذاك، وفنادقها، وبيوتها، ووسائل المواصلات فيها، وعلى ملامح من الثقافة والقِيَم في الحياة الصينيَّة سمعنا بعضها في أقوال الجنود المُحاولين اللحاق بالمُستودع في أوَّل الفيلم مثل: شرِّفْ الكبار، اعتزَّ بحياتك، انظر إلى النصف المليء من الكوب، لتكُن شخصًا جيِّدًا، لتُصرَّ على فعل الخير، وغيرها من نواحي المنظومة القِيَميَّة الصينيَّة التي استطاع الصانع بدهاء أنْ يبثَّها في ثنايا فيلمه.
ولعلَّ من أبرز ما جاء في الفيلم من معانٍ هي المُتعلِّقة بالحرب ووحشيَّتها وأثرها في النفس البشريَّة. وقد مركَزَ المُخرجُ معنى أثر الحرب في مشهد استخدم فيه الحركة الدائريَّة للكاميرا ليُصوِّر الفارق الهائل بين الجانبَيْن: جانب الامتياز اللامع البرَّاق الذي يعجُّ بالمارَّة والمَحالّ والفنادق ويغرق بالأضواء المُتعدّدة الألوان، ثمَّ بالكاميرا التي تُفاجئنا باستدارتها إلى الجانب الآخر المُدمَّر من الصين الذي نالته الحرب بفعلها المُخرِّب على مظاهر الحضارة، وهو أحد ألمع المشاهد في الفيلم، كذلك رصده لتغيُّر نفسيَّة الإنسان في حال الحرب عن حال السِّلم؛ وكمّ هذه التفاعُلات داخل النفس البشريَّة حينما تتغيَّر المُثيرات أمامها؛ لترى الأرض يبابًا خرابًا، وترى الرزق قليلًا، وترى الموت دانيًا والحياة بعيدةً. وقد نجح الفيلم في رصد اختبار هذه العوامل كلّها على النفس البشريَّة وتفاعُلاتها.
ولنْ يغيب من ذاكرة المُشاهد مشهدٌ أساسٌ في معاني الفيلم، وهو مشهد إسناد إعدام بعض الجنود اليابانيِّين للجنود الهاربين -الذين سبق حديثهم-، وها نحن نرى الشابّ المُسالِم الوديع يُمسك بالبُندقيَّة ويتَّجه إلى شابّ مثله يرجوه ألَّا يقتله، وها نحن نشهد هذه العوامل التي تصطرع في ضمير الشابّ بين نَفس تدعوه ألَّا يقتلها أمامه، ونَفس تستعدِيْه للقتل وراءه وتُذكِّره بأنَّ مَن أمامه قتل أخاه، ودمَّر أرضه، واعتدى على وطنه. وهُنا نرى أنَّ ما يفصل النفس البشريَّة عن فعل القتل الوحشيّ – وهو فعل قاسٍ سواء في القتل بالحقّ أم بالباطل – هو ضغطة على زناد! وكمْ يتغيَّر بعدها الإنسان الذي يستسيغ فعل القتل، ويألفه بعدما كان يستوحشه.
ولعلَّ من أبرز ما ناقشه الفيلم هو تعدُّد وجهات النظر للأحداث. دار هذا في حوار مندوب الحكومة الصينيَّة المُرسَل إلى القائد الحربيّ، وهو من أبرز حوارات الفيلم وأشدّها دلالةً معنويَّة. هذا الحوار تضادٌّ بين وجهتَيْ نظر – أو بالأحرى – بين فلسفتَيْن؛ إحداهُما هي البرجماتيَّة العمليَّة ومثَّلها السياسيّ، والأُخرى هي المِثاليَّة المَبادئيَّة – أيْ النابعة من المبدأ الأعلى – ومثَّلها الجُنديّ. يصدمنا السياسيّ عندما يُعلم الجنديّ أنَّه لا يتصوَّر أنَّ أقلَّ من أربعمئة شخص سيفعلون ما لمْ يقدر عليه سبعمئة ألف شخص من الجيش الثوريّ، ويبلغه أنَّ قتالهم المجيد – أو الذي ينظر إليه الجُنديُّ على أنَّه مجيد – هو مُجرَّد عرض دعائيّ في نظر السياسيّ، وورقة يلعب بها ليس أكثر!.. أمَّا الجُنديّ فيُصرِّح أنَّه لا يرى الموقف من هذه الوجهة؛ بل وجهة المبدأ الأعلى الذي يرى في معركة الجهاد والتضحية سبيلًا لانتصار أُمَّة، وأنَّ صمودًا في مستودع من مئات الجنود البُسطاء قد يغيِّر التاريخ.
أمَّا عن أبرز معاني الفيلم فتمثَّل في خُلُق التضحية وإيثار المعنى الأعظم على الحياة. ويا له من مشهد! هذا الذي نرى فيه الجنود الصينيِّين يصدُّون هجوم اليابانيِّين ومُحاولةَ تفجير جدران المستودع بالمُتفجرات. نرى جنديًّا صينيًّا وقد تيقَّنَ أنَّ الحلّ الوحيد كيْ ينقذ زملاءه كلهم – الذين سيقع عليهم هلاك مُحقَّق حال دخول العدوّ – هو أنْ يُلقي نفسه من أعلى مُتدرِّعًا بالقنابل، مُفجِّرًا الجنود اليابانيِّين، ثمَّ نطالع أثر هذه التضحية الفرديَّة على بقيَّة زملائه الذين كوَّنوا صفًّا ليفعلوا الفعل نفسه، كلُّ واحد منهم يقفز وهو يُردِّد اسمه أو يهدي تضحيته لأُمِّه أو أبيه. ثمَّ ينتقل الفيلم ليُريَنا أثر التضحية على الجانب الآخر من النهر في المَدنيِّين الذين أقدموا هُم أيضًا على التضحية بحياتهم ليُشاركوا الجنود بما يقدرون.
أضاف فيلم “الثمانمئة” للتراث السينمائيّ جديدًا؛ بل إنَّه فيلم قلَّ أنْ ينساه المُشاهد أو يزول أثره من ضميره سريعًا، وليس أدلّ على النجاح من أثر كهذا الأثر. فيلم تعالى فيه صانعُه عن استثماره في تحليل أسباب الغزو من منظور بلده أو الانتقام والنَّيْل من العدوّ إلى مرتبة المعنى النافع المُفيد، هذا المعنى الذي رَبَطَه المُخرج ببراعة في آخر مشهد من الفيلم حين نرى المُستودع لا يزال في مكانه كما هو، شاهدًا على التضحية، ثمَّ تصعد الكاميرا لتُرينا الصين الآن لتدلَّ على أثر هذه التضحية، ولتُؤكِّد على انحيازها إلى جانب الفلسفة المَبادئيَّة التي إذا دقَّقنا سنرى أنَّها لا تنفصم عن الواقع والعمل، وأنَّها تصنع التاريخ. كما توقَّف عند الثمانمئة وتضحيتهم درسُ التاريخ.