
1- لنبدأ بنظرة عامة استهلالية، هل يمكن أن تخبرنا، باختصار، عن مسيرتك الأكاديمية وأساتذتك السابقين ومجالاتك البحثية الرئيسية؟ وكيف تطورتَ فلسفيًا؟
– درستُ، كطالب جامعي، الرياضيات والفلسفة في جامعة أكسفورد (1973- 1976). ثم حصلت على درجة الدكتوراة في الفلسفة، أيضًا في جامعة أكسفورد، وهي عن فكرة أن النظريات العلمية يمكن أن تكون تقريبات أفضل فأفضل للحقيقة، حتى لو لم تصل إليها أبدًا وصولًا تامًا. وكان المشرفون عليَّ هم فيلسوف العلم بيل نيوتن-سميث Bill Newton-Smith وفيلسوف المنطق واللغة والرياضيات مايكل دوميت. بعد ذلك، كنتُ محاضرًا في كلية الثالوث في دبلن Trinity College Dublin، في أيرلندا (1980- 1988)، ثم عدتُ إلى أكسفورد للتدريس هناك لعدة سنوات، قبل أن أصبح أستاذًا في المنطق والميتافيزيقا في جامعة إدنبرة، في اسكتلندا (1995- 2000). وقد بدأتُ وظيفتي الحالية كأستاذ ويكهامي[1] للمنطق في جامعة أكسفورد عام 2000؛ وهو نفس المنصب الذي شغله أستاذي السابق مايكل دوميت. ومنذ عام 2018 درّستُ أيضًا لمدة خمسة أسابيع سنويًا كأستاذ زائر في جامعة ييل. كان بحثي الرئيس في المنطق الفلسفي، وفلسفة المنطق واللغة، والإبستمولوجيا، والميتافيزيقا، والميتا-فلسفة metaphilosophy (منهجية الفلسفة). لا أعتقد أنني تغيرت كثيرًا كفيلسوف خلال مسيرتي المهنية. فلطالما كنت مهتمًا بنفس أنواع الأسئلة المتعلقة بالواقع والمعرفة والفجوة بينهما. ولطالما كانت وجهة نظري واقعية بقوة: معظم الواقع يكون كما هو على نحو مستقل عما يفكر فيه أي شخص. وكان أسلوبي دائمًا هو ممارسة الفلسفة في إطار عمل قوي من المنطق الصوري، باستخدام مزيج من الأساليب الصورية وغير الصورية. ربما تكون الطريقة الرئيسية التي تطورتُ بها فلسفيًا هي أن أصبح أكثر نظامية. وبمرور الزمن، أصبح ما أفكر به حول الأسئلة الفلسفية المختلفة أكثر تكاملًا وتوحدًا.
2- إن شعار كتابك الذي صنع عهدًا جديدًا، «المعرفة وحدودها» (أكسفورد، 2000)، هو «المعرفة أولًا»، هل يمكن أن تشرح لنا هذا الشعار؟
– يعني هذا الشعار أنه عند تفسير الأمور الإدراكية cognitive، يجب أن نبدأ بالتمييز بين المعرفة والجهل، وليس بالتمييز بين الاعتقاد وعدم الاعتقاد، كما كان معتادًا في الإبستمولوجيا الغربية لمعظم القرن العشرين. وبشكل أعم، يجب أن نفهم الأشياء التي لا تسير على ما يرام (على سبيل المثال، حالات الجهل والاعتقاد الزائف) على أنها انحرافات عن الأشياء التي تسير على ما يرام (على سبيل المثال، حالات المعرفة). وتحديدًا، يجب أن نفهم الاعتقاد على أنه حالة مثل المعرفة، لكن ربما يكون معيبًا بطريقة ما. هذا هو تفسير الاعتقاد بالمعرفة. على النقيض من ذلك، يريد العديد من الفلاسفة تفسير المعرفة بالاعتقاد. يمكن للمرء أن يفكر في المعرفة كمقولة category إيجابية والاعتقاد كمقولة محايدة. وبالمثل، من الناحية العملية، يمكن للمرء أن يفكر في الفعل القصدي باعتباره مقولة إيجابية والقصد باعتباره مقولة محايدة. في بعض الأحيان، عندما يكون لديك اعتقاد، يكون لديك أيضًا معرفة، لكن أحيانًا لا يكون لديك معرفة، تمامًا كما هو الحال أحيانًا عندما تنوي القيام بشيء ما فأنت تقوم به، لكن في بعض الأحيان لا تقوم به. من وجهة نظري، يجب على المرء أيضًا أن يفسر القصد بالفعل القصدي، لا أن يفسر الفعل القصدي بالقصد.
3- هل هناك أوجه تشابه بين نقدك للتصور الداخلاني/الديكارتي للعقل ونقد فتغنشتاين المتأخر للّغة الخاصة؟
– أنا، مثل فتغنشتاين، أرفض التصور الداخلاني للعقل بوصفه عالمًا داخليًا يمكن فهمه من حيث المبدأ على نحو مستقل عن البيئة الخارجية. وينبع هذا الرفض من منهجي «المعرفة أولًا». فعندما تعرف شيئًا عن بيئتك، مثلًا أن الجو حار بالخارج، فإن تلك الحالة العقلية تعتمد جوهريًا على كون الجو حارًّا بالخارج. لكنني لا أقبل نقد فتغنشتاين للغة الخاصة. فحتى الكائن المعزول تمامًا قد يعرف أن الجو حار خارج كهفه. وأخطأتْ حجة فتغنشتاين لأنها افترضت وجود علاقة وثيقة للغاية بين الحالة العقلية وإمكانية التحقق من وجود شخص ما في تلك الحالة.
4- كانت أطروحتك لنيل الدكتوراة عن فلسفة كارل بوبر (على وجه الخصوص، مفهوم «رجحان الصدق verisimilitude»). كيف أثرت فلسفة كارل بوبر على نظرتك للعلاقة بين العلم والفلسفة، وانتقادك للاستخدام الضيق لمصطلح الطبيعانية؟
– أتتْ فكرة رجحان الصدق من بوبر، لكن أطروحتي للدكتوراة كانت تدور بالأساس حول تطوير تفسير غير بوبري [عنها]، ولم تكن عن عمل بوبر. لقد وجدتُ مواقفه الواقعية القوية حيوية وصحية، لكنّ جانبًا من فلسفته غير ناضج. إذْ هو يميز العلم عن الفلسفة لأنه يستخدم معياره الخاص «قابلية التكذيب» لتمييز العلم وليس الفلسفة. وتفسيره عن التكذيب غير كافٍ لأن النظريات العلمية عادة ما تقدم تنبؤات لا تكون قابلة للاختبار إلا عندما تكملها فرضيات مساعدة، لذلك إذا تبين أن التنبؤ خاطئ، فقد تكون المشكلة تكمن في فرضية مساعدة ما وليس في النظرية نفسها. وبالتالي فإن التكذيب أقل وضوحًا مما يوحي به بوبر. وفي كثير من الأحيان لا يمكن دحض النظريات العلمية إلا بمعنى فضفاض جدًا. وقد تكون النظريات الفلسفية قابلة للتكذيب بهذا المعنى أيضًا. وفي رأيي، الفلسفة علم، لكنها ليست علمًا طبيعيًا مثل الفيزياء أو البيولوجيا. ومن الأمثلة الأخرى للعلوم غير الطبيعية الرياضيات والتاريخ. فهذان العلمان منهجيان وصارمان على النحو الخاص بهما، لكن لا يعتمدان على التجريب. يؤدي مصطلح «الطبيعانية» إلى الكثير من الالتباس، لأنه لا يوضح ما إذا كانت الرياضيات تُعتبر علمًا عندما يُطلَب منا محاكاة العلم. إن العلم هو نموذج أضيق بكثير، وغير مناسب للفلسفة، إذا كان العلم مقصورًا على العلوم التجريبية.
5- هل يمكن أن تشرح لنا، باختصار، لماذا فشلت التفاسير المعيارية للتبرير في التعامل بشكل مقنع مع مسألة التبرير اللامتناهي التقليدية (الارتداد اللانهائي)؟
– ما الذي يبرر المبرِّرات؟ تتمثل المشكلة التقليدية المتعلقة بارتداد التبرير في إيجاد نقطة انطلاق مناسبة لسلاسل التبرير. يبدو أننا بحاجة إلى نقطة بدهية ومبرَّرة ذاتيًا. لكن يمكن للفلاسفة أن يجدوا طريقة ما للتشكيك في أي نقطة بداية. وإذا لم يكن هناك نقطة بداية، فإن لدينا دوائر أو سلاسل لانهائية من التبرير، لا يبرِّر أي منها شيئًا في الحقيقة. تكمن المشكلة في أن التبرير يُنظر إليه كثيرًا على أنه اكتساب حجة ضد جميع الخصوم، بغض النظر عن مدى معقوليته. إذ إن بعض الخصوم في غاية الجنون، ومستعدون جدًا لإنكار أي شيء، ولا يمكن حتى لأعقل الناس الفوز في حجة ضدهم، فلا جدوى من المحاولة. من وجهة نظري، أي شيء نعرفه هو جيد بما في الكفاية للبدء به، حتى لو لم يقنع المجانين.
6- ما الدور الذي يؤديه المنطق في حل المشكلات الفلسفية، بعيدًا عن دوره في فلسفة الرياضيات؟ وبشكل عام، ما العلاقة بين المنطق والفلسفة حاليًا؟
– كل من المنطق الفلسفي وفلسفة المنطق جزء من الفلسفة. فالمنطق الفلسفي هو فرع من فروع المنطق يهتم بالأسئلة ذات الدوافع الفلسفية في المنطق. وفلسفة المنطق هي فرع من فروع الفلسفة التي تدرس الأسئلة المتعلقة بالمنطق: على سبيل المثال، الأسئلة المتعلقة بكيف نعرف القوانين المنطقية. تُستخدم أنواع مختلفة من المنطق الفلسفي لتوفير إطار عمل صوري لدراسة الأسئلة في مختلف فروع الفلسفة: المنطق الإبستيمي والمنطق الاعتقادي doxastic (منطق المعرفة والاعتقاد) للإبستمولوجيا، والمنطق الجهوي (منطق الإمكان والضرورة) للميتافيزيقا وفلسفة الدين، والمنطق الواجبي (منطق الجائز والواجب) للفلسفة الأخلاقية وفلسفة القانون. وبشكل أعم، في أي فرع من فروع الفلسفة، يمكن للمرء استخدام المنطق لاختبار صحة الحجج من خلال ترجمتها إلى لغة صورية، ولاستخلاص النتائج من النظريات الفلسفية. في الفلسفة، لا يكون المنطق أبدًا غير ذي صلة.
7- نعلم أنك ضد اختزال كل المعرفة البشرية في الفيزياء، بالرغم من إصرارك على وجود منهجية فلسفية، فكيف يمكن لفيلسوف أن يتحرر إلى حد ما من النموذج الفيزيائي؟
– إن الفيزياء لديها الكثير لتعلمنا إياه، وكذلك الرياضيات وعلم النفس والتاريخ. فهذه العلوم معًا تذكّرنا بأن الأسئلة المختلفة غالبًا ما تتطلب أساليبًا مختلفة للإجابة عليها. قلة من الأسئلة الفلسفية يمكن الإجابة عليها بإجراء التجارب، على الرغم من أن التجارب في علم النفس تلقي الضوء، مثلًا، على فلسفة الإدراك. وتُعتبر نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين وثيقة الصلة بفلسفة الزمن، والطريقة التي يستخدم بها الفيزيائيون معايير مثل الدقة والبساطة لتحديد النظريات الفيزيائية الأفضل تمدنا بدروس في كيفية تحديد النظريات الفلسفية الأفضل. ما هو هزيل ومضر جدًا هو التعامل مع الفيزياء على أنها النموذج الوحيد للفلسفة.
8- لقد قلتَ إن «مناقشة المنهجية الفلسفية هي نفسها جزء من الفلسفة»، وتجنبتَ مصطلح «الميتا-فلسفة meta-philosophy»، هل يمكنك تلخيص حجتك ضد وجهة النظر القائلة إن الميتا-فلسفة ليست جزءًا من الفلسفة («النسخة ذات الرتبة الثانية»)؟
– لا أمانع استخدام مصطلح «الميتا-فلسفة»، لأنه أقصر ومريح، طالما كان من المفهوم أن الميتا-فلسفة هي جزء من الفلسفة. تَدرِس الميتا-فلسفة موضوعات مثل إبستمولوجيا الفلسفة، التي هي جزء من الإبستمولوجيا العامة، وعلم دلالات semantics الفلسفة، الذي هو جزء من علم الدلالات العامة وبالتالي هو أيضًا جزء من فلسفة اللغة واللغويات، وميتافيزيقا الفلسفة، التي هي جزء من الميتافيزيقا العامة. ومن ثم فإن الميتا-فلسفة هي الدراسة الفلسفية للفلسفة. وإذا نُسيت هذه الروابط العامة، تصبح الميتا-فلسفة مجرد وسيلة للتحيزات المتعلقة بالفلسفة.
9- كيف يمكن أن تكون معادلتك الرائعة «المعرفة = الدليل» ردًا على المذهب الشكوكي؟
– يجادل العديد من الشكوكيين أنه لا يمكننا معرفة أننا لسنا في سيناريو شكوكي (مثلًا، أننا أدمغة في أوعية) لأن دليلنا هو نفسه سواء كنا في السيناريو الشكوكي، الحالة السيئة، أو الحالة الطبيعية، الحالة الجيدة، لأن الأشياء تظهر على نفس النحو في الحالتين. إذا كانت معرفتنا هي أدلتنا، فإن الأدلة لا تعتمد فقط على المظاهر. على سبيل المثال، في الحالة الجيدة أنت تعرف أن لديك يدين، لذا فإن دليلك يتضمن أن لديك يدين، في حين في الحالة السيئة لا تعرف أن لديك يدين، فأنت تعتقد فقط أنك تعرف (لأنك لا تملك يدين)، لذلك فإن دليلك لا يشمل أن لديك يدين. ووفقًا لهذا الرأي غير الشكوكي، فإن لديك أدلة أكثر في الحالة الجيدة من الحالة السيئة؛ فجانب مما هو سيئ في الحالة السيئة هو أنك، في هذه الحالة، لديك أدلة أقل مما يبدو لديك. ولا يستطيع الشكوكيون أن يجادلوا بأن لديك نفس الأدلة في الحالتين من غير المصادرة على المطلوب ضد هذا التصور للدليل.
10- قال أولاف جيلسفيك Olav Gjelsvik: «جادل وليامسون بوجهة نظر لا تختلف عن وجهة نظر [ويلارد] كواين فيما يتعلق بالعلاقة بين التحليلي وغير التحليلي، وبذلك ألزم نفسه بعدد أقل بكثير من الافتراضات المثيرة للجدل التي افترضها كواين»، هل توافق على وصف جيلسفيك لموقفك؟ وإن أمكن أرجو أن توضح لنا الاختلافات التي بينك وبين كواين بشأن ذلك باختصار.
– نعم، أعتقد أن وصف جيلسفيك صحيح. أما الفرق الرئيس بيني وبين كواين فيما يتعلق بهذه المسألة فيكمن في أنه شكوكي في المعنى بشكل عام، أما أنا فلست كذلك. تستند شكوكية كواين إلى مقاربة سلوكية للغة؛ ونظرًا لأن الفروق الدلالية لا يمكن اختزالها في سلوك مستخدمي اللغة، فإنه يتعامل مع هذه الفروق على أنها غير واضحة على نحو ميؤوس منه. إن شكوكيته المتعلقة بالتمييز التحليلي-التركيبي (analytic-synthetic distinction) هي مجرد تطبيق لهذا الموقف. وقد جعلتْ حجج نعوم تشومسكي (خاصة في مراجعته لكتاب سكينر «السلوك اللفظي Verbal Behavior») هذه السلوكية بالية. تجاهل كواين حقيقة أن علم الدلالة غير السلوكي هو فرع مزدهر للغويات العلمية. وما يثير إعجابي هو أنه على الرغم من أن علم الدلالة الحديث هو دراسة ناجحة للمعنى، إلا أنه لا يعطي دورًا مهمًا للتمييز التحليلي-التركيبي. حاول الفلاسفة تفسير التمييز التحليلي-التركيبي باستخدام فكرة أن فهم كلمة ما يتطلب منك قبول « البدهيات platitudes» المتضمنة في تلك الكلمة. وأنا أزعم أنه لا توجد هذه الشروط المسبقة الخاصة للفهم. يمكن للمنظّر أن يرفض أيًّا من هذه البدهيات بناء على أسس نظرية (ربما تكون مخطئة)، ولكنه رغم ذلك يفهم الكلمة. إن اللغة هي، من بين أمور أخرى، ميدان للاختلاف حول أي عبارة يريد متحدثوها الاختلاف حولها.
11- لقد قلتَ إن «معظم الفلسفة المعاصرة هي «فلسفة عادية normal philosophy»، تقوم على الافتراضات دون التشكيك فيها؛ ومن ثم يؤدي تاريخ الفلسفة دورًا ثانويًا فقط» («المنهج الفلسفي: مقدمة قصيرة جدًا» Philosophical Method: A Very Short Introduction، 2020)، هل يمكن أن تقدم لنا أمثلة على «الفلسفة الثورية»؟
– أفترض أنك تقصد أمثلة معاصرة للفلسفة الثورية. من الواضح أن كتاب «التسمية والضرورة» لسول كريبكي كان له تأثير ثوري على الميتافيزيقا وفلسفة اللغة، كما كان لكتاب «نظرية العدالة» لجون راولز تأثير ثوري على الفلسفة السياسية. وفي الآونة الأخيرة، كان لبعض أوراق كيت فاين Kit Fine تأثير ثوري على الميتافيزيقا. وساعد عمل ميراندا فريكر Miranda Fricker في الإجحاف الإبستيمي epistemic injustice على فتح مجال الإبستمولوجيا السياسية. وأترك الحكم على مدى ثورية عملي للآخرين.
12- إن للحس السليم (common sense) دورًا واضحًا في فلسفتك، وتجعله نقطة انطلاق للفلسفة. كيف يمكن التغلب على المشكلة المشهورة المتمثلة في اختلاف الحس السليم من مجتمع إلى آخر؟
– هناك أرضية مشتركة واسعة. فمثلًا، أنا لا أعرف أي مجتمع لا يكون فيه من الحس السليم وجود أنواع مختلفة من النباتات والحيوانات. هناك أيضًا أساليب للحس السليم، مثل الإدراك الحسي، وهي مشتركة في كل المجتمعات. وعلى الرغم من أن العلم قد يحدد بعض الأوهام الإدراكية، إلا أنه سيكون مستحيلًا بدون الاعتماد الواسع على الإدراك الحسي. إن الحس السليم هو نقطة انطلاقنا، لكن من هذه النقطة يمكننا الوصول إلى مكان أفضل، حيث يمكننا تطبيقه على نفسه بطريقة نقدية ومنهجية وحذرة، في عملية تحسين ذاتي. هكذا تطوَّر العلم الطبيعي. ويمكننا أن نقوم بالشيء نفسه في الفلسفة.
13- ما هو العمل الذي تعمل عليه حاليًا؟ وفيما هو قادم، ما هي الموضوعات أو الأفكار التي تأمل في العمل عليها؟
– الآن أراجع مراجعة أخيرة مسودة ورقة تدمج مقاربتي «المعرفة أولًا» مع وجهة نظري (التي طورتها مع فيلسوف جامعة ييل جيسون ستانلي Jason Stanley) القائلة إن معرفة-كيف knowing-how هي حالة خاصة لمعرفة-أن knowing-that. وبدأتُ أيضًا في العمل على ورقة حول ما إذا كان المنطق هو دراسة صحة الحجج. وقبل أيام قليلة، بدأت في التخطيط لورقة بحثية عن دور الخيال في فهم الثقافات الأجنبية، اعتمادًا على خبرة علماء الأنثروبولوجيا. ولدي مسودة لورقة تدافع عن الواقعية الأخلاقية على أسس دلالية، بالمعنى الواسع لـ«أسس دلالية». هناك دائمًا مسائل جديدة بحاجة إلى الكتابة فيها، أحتاج فقط إلى الوقت للقيام بذلك.
14- ما هي الهوايات التي تساعد عقلك السؤول على التركيز في هذا الزمن حيث تحيط منا المشتتات من كل حدب وصوب؟
– أحب المشي في المناطق الجبلية، في السنوات الأخيرة بشكل رئيس في اسكتلندا، إما بمفردي أو مع العائلة أو الأصدقاء. إنه استراحة من الفلسفة: إذ عليك التركيز على المكان الذي تضع فيه قدميك حتى لا تسقط. ولسوء الحظ، أنا في السادسة والستين من عمري، أقضي معظم وقتي في العمل كأستاذ جامعي، وأجد معظم الأنشطة الأخرى مملة، لذلك من الصعب الحفاظ على اللياقة الكافية لزيارات عرضية للجبال. أما في المنزل، فأنا أحب قراءة الروايات، خاصة الروايات الواقعية (وعلى عكس العديد من الفلاسفة، أكره الخيال العلمي). والروائية المفضلة لدي هي جين أوستن، واحدة من أعظم كتّاب النثر الإنجليزي، وهي ذكية وواضحة ودقيقة مثل أفضل الفلاسفة، لكن تفوقهم بحس السخرية والفكاهة. إنها ترى الأهمية الأخلاقية حتى لأصغر الأفعال البشرية. وقد قرأتُ كل رواياتها عدة مرات. ومؤخرًا استمتعتُ بقصص التحقيق والتحري لجورج سيمنون Georges Simenon، الذي كتب ما يكفي لإمدادي بمؤنة القراءة لسنوات. عندما أعود إلى الفلسفة، أستمتع بالحديث عنها والكتابة فيها كثيرًا بحيث لا أجد صعوبة في التركيز.
[divider style=”solid” top=”20″ bottom=”20″]
[1] نسبة إلى وليام الويكيامي William of Wykeham (ت 1404)، الأسقف الكاثوليكي والسياسي الشهير، وهو من أسس كلية نيوكوليج في أكسفورد، لذلك هناك أكثر من منصب للأستاذية مسمى على اسمه في أكسفورد (المترجم).