منذ سنوات أؤمن أن الحديث عن دور النقد الأكاديمي القائم على حكم القيمة نوع من «العبث»، بعدما لم يعد وجود للرجل المنتمي للبرجوازية الصغيرة، المتطفل على الإبداع، ولم يعد بمقدوري أن أصدق في ذلك الناقد الذي يمنح صك الاعتراف، ومع الوقت ساعدتني رؤية الأكاديمي البريطاني رونان ماكدونالد حول «موت الناقد»، الذي فَقدَ ترحابه لصالح جمهور القراء الذين أصبحوا ذوي قدرة على اختيار ما يريدون مشاهدته وقراءته، دون حاجة إلى الانحناء لمن يدعى «خبيرًا»[1]، فضلًا عن أن انتشار المدونات والمجموعات القرائية «جروبات القراءة» كعلامة على تمكن الجماهير، ويستطيع مستهلكو الفنون الاختيار بأنفسهم ومشاركة أقرانهم في قناعاتهم، إنهم يقولون إن «سلطة الجماهير» هي القوة الدافعة السائدة الآن[2].
المقدمة السابقة والمستندة إلى رؤية ماكدونالد، الأستاذ في جامعة نيو ساوث ويلز بسيدني في أستراليا، ويدير مركز الدراسات الأيرلندية في الجامعة نفسه، تتعارض مع عنوان كتاب الأكاديمي المغربي حسن المودن «من قال إن الناقد قد مات؟» دار منشورات المتوسط 2024، الذي يطرح الموضوع ذاته في صيغة إنكارية واستنكارية، الأمر الذي يحفز على الدخول إلى عوالم الكتاب، خاصة وأنه يقدم تصورات مناقضة لما هو سائد بشأن «موت المؤلف» بإعلان رولان بارت، أو التصور المنتشر نسبيًا عن «موت الناقد»، بالتالي يُعنى المودن بالبحث عن إجابة أسئلة النهايات؛ كنهاية الإنسان والتاريخ والإيديولوجيا، «لكنه وإن كان يأخذ بعين الاعتبار التحولات الكبرى التي يشهدها هذا العصر، وتستدعي نهاية العديد من الأشياء، فإنه -مع ذلك كله- يفترض أن كل نهاية إلا وتعني بداية جديدة»[3].
نعود إلى عام 1962، عندما صرح مارشال ماكلوهان بأن وسائل الإعلام جميعها، باعتبارها امتدادًا للإنسانية، تسبب تغييرات عميقة ودائمة وأنها تغير الثقافة والمجتمع ككل. هذا صحيح بشكل خاص في العصر الرقمي للتواصل الفوري والتجربة في الوقت الفعلي التي تترجم أفكارنا وبيئاتنا – حتى الإجراءات والعلاقات – إلى عالم معلومات رقمية قابل للتصفح، وتؤثر التكنولوجيا والوسائط على كيفية فهمنا وتلقينا، كذلك كيف نمثل ونعبر عن أنفسنا كمنتجين مبدعين للثقافة والتراث، وتُحدث الإمكانات اللانهائية التي تقترحها التكنولوجيا والإعلام ثورة في عملية الإنتاج الثقافي، بما في ذلك إنشاء الأعمال الأدبية[4].
ومنذ تراجع دور الناقد الأدبي في منتصف القرن العشرين، كان لا بد من أن يسأل المجتمع نفسه أسئلة عدّة: كيف نشكل قيمة الكتاب أو الفيلم أو العمل الفني؟ ومن هو المُخول بتعيين هذه القيمة؟ وهل تجعل الخبرة والتدريب العملي من رأي الناقد أفضل من رأي أي شخص عادي آخر؟ وهل يجوز الحديث عن أن عملًا أدبيًا أفضل من عمل آخر؟ وكأنه يمكن قياس القيمة الفنية وعدها. وأخيرًا هل تٌقدر قيمة الفن داخل العمل الفني؟ أم أنها تتمثل ببساطة في رد الفعل الذاتي الخاص بالناظر لهذا العمل؟ والواقع أن هذه الأسئلة لا يمكن حسم إجابتها على نحو قاطع. في الوقت الذي يشهد عدد الصحف والدوريات الثقافية تراجعًا، يتناقص من جهة ثانية الزمن المستغرق من جانب الأفراد في قراءة المقالات الأدبية، وربما قراءة الكتب، ويبدو للبعض أن قضاء الوقت على منصات السوشيال ميديا أفضل كثيرًا من «إضاعتها في القراءة».
بائعو الملابس المستعملة
هل فعلًا نحن في حاجة إلى النقد؟ هنا يفيدنا ماكدونالد أنه منذ حقبة الثمانينيات «بدا الناقد العام، الذي يملك السلطة في تشكيل الذائقة العامة، ويتمتع بالاحترام الكافي الذي يسمح له بلفت انتباه الجمهور إلى الفنانين الجدد والحركات المستحدثة، وكأنه أصبح بائع ملابس مستعملة، أو مجرد قاطع تذاكر في حافلة، ولم يعد شخصية يحتاجها المجتمع الرأسمالي الراهن»[5]، ويعود ماكدونالد إلى اللحظة المفصلية المتمثلة في حركة 1968 المعادية لكل أشكال السلطة، «فلم يعد أصوات زمرة النخبة المكونة من عدد من السادة، المتقدمين في السن الذين يعملون في الجامعة، ويملون علينا ما ينبغي أن نقرأ وما لا ينبغي، تلقى آذانًا صاغية وسط المتاريس»[6].
وفي العام نفسه، أصدر رولان بارت مقولته الشهيرة «موت المؤلف»، ومع قتل الأخير، كذلك قتل مفاهيم أخرى متصلة مثل الإبداع والخيال والقصد والإلهام، بدأت مرحلة «تحرير القارئ ومساعدته على الانغماس في متع التأويل. لكن يبدو أنها ساعدت على التخلص من الناقد، أو على الأقل تخلصت منه بوصفه مثقفًا عامًا وحَكَمًا يحدد جودة العمل أو يقود الجمهور إلى المعنى»[7]. ولا ننسى هنا أن قبيل 1968، قضت التفكيكية على المعنى، إذ إن التفكيك في جوهره هو رفض لثبات المعنى وقدمه ووضوحه، وهو مساءلة أو تشكيك في النظريات المؤمنة بثباتية المعنى.
ويتساءل ماكدونالد عن «كم هو عدد كتب النقد الأدبي التي استطاعت أن تؤثر عميقًا في الجمهور؟»[8]، وهو ما يجيب عليه بتراجع توزيع كتب النقد الأكاديمي وانحصارها داخل أسوار المؤسسة الأكاديمية، وانصب عمل النقاد على إصدار كتب متخصصة وأبحاث للنشر في المجلات المتخصصة. وفي ظل هذا الانحصار يلعب الجميع دور النقاد، «فهناك جيش جرار من المراجعين الذين يملؤون صفحات الفنون في الصحف اليومية }..{ كما أن رد الفعل النقدي لم يعد محصورًا في الصحافة الورقية، فقد شهدت السنوات الأخيرة انتشارًا هائلًا لمجموعات القراءة ونوادي الكتب والمدونات على الشبكة العنكبوتية»[9].
أي أن كل شخص بات ناقدًا، ولكل فرد رأيه، وكل رأي مساو في أهميته للرأي الآخر، ووفرت التطورات الحديثة «منصة سهلة للقراء لكي يكون في استطاعتهم التنفيس عن غيظهم، ولكي يعبروا أيضَا عن عواطفهم، دون الحاجة للمرور بأي سلطة ومرجعية تذكرهم بمراجعي الكتب والفنون مدفوعي الأجر في الصحف»[10]. كما تزامنت مع التكنولوجيا الفائقة أشكال جديدة من الدمقرطة والحريات، التي أصبحت «متاحة على الهواء {..} تشكل حتمًا مصدر إغراء لملايين البشر. ويعتبر مفهوم الحرية المطلقة عنصرًا جوهريًا ضمن أيديولوجيا الإنترنت»[11].
وهي درجة الحرية التي أتاحتها التطورات التكنولوجية وسياقاتها الاجتماعية، للتعبير «عن أفكار غير مألوفة أو غير رائجة، فالمعروف أن المجتمعات التقليدية حالت دائمًا دون الأفراد وتقديم أفكار أو أجهزة تهدد استقرار المجتمع أو تفسد نظامه»[12]. الأمر هنا يتعلق بمعاداة السلطة والمرجعية، الرفض العملي للمؤسسات ذات الطابع التراتبي الهرمي والتشكيك في تلك التراتبية، وهو ما يتوافق مع ما ذهب إليه ماكدونالد من التأسيس للحظة بـ 1968، ومعاداة السلطات كافة، وأنظمتها وأقانيمها.
هذه الحرية التي دفعت عالمة النفس الإيرلندية ماري آيكن إلى الاحتراز من «مساحة الحرية»، مشبهة الشبكة الإلكترونية بـ «البحر الكاريبي في القرنين السابع عشر والثامن عشر، بحر متلاطم غير مسجل على الخرائط، يبحر فيه مجرمون ماهرون من العالم السيبراني، يستغلون انعدام ضوابط السيطرة والسلطة، أو ما يكفي من القيود القانونية لإيقافهم. مثلما كان يحدث في العصر الذهبي للقراصنة، نحن نعيش الآن تغيرات جذرية جيوبولتيكية، في العالمين الواقعي والسيبراني، تشجع الانتهازيين المتحررين على خرق القانون»[13].
هؤلاء «القراصنة»/ النقاد الجدد أتوا على مكانة النقاد المتخصصين، ودفعت الكتابة الأكاديمية بما لديها من عُدة نظرية واصطلاحية إلى الانسحاب من الميدان عائدة إلى الجامعة، لنصبح أمام «قوة بديلة تمتلك قوة طرد مركزي قد صنعت منا جميعًا نقادًا. هنا على الأقل، يبدو أن الوعد بولادة القارئ قد سمح بمفصلة أكثر اتساعًا لعملية رد الفعل على الفن»[14].
أزمة النقد
«من قال إن الناقد قد مات؟» سؤال المودن وإن بدا استنكاريًا فإنه يحمل في طيّه اعترافًا بأزمة نقدية، والطريف أن كلمتي نقد وأزمة قريبتان في اللغة الإنجليزية «Criticism, Crisis»، لعل هذا التقارب لم يكن أبدًا أكثر وضوحًا مما هو عليه اليوم، وهو ما سبق أن شدد عليه الناقد الأمريكي بول دي مان. فالحديث عن الحركة النقدية الراهنة يستدعي بالتبعية الكلام عن دور الناقد، الذي يحصره كثيرون في كتابة المراجعات للإصدارات الأدبية، في حين نراه دورًا ثانويًا يمكن أن يؤديه النقاد أو غيرهم من متابعي الحركة الأدبية، واللافت أنه في الثقافات غير العربية يؤدي الصحفيون وخبراء الكتابة الأدبية دور الكتابة ونشر المراجعات.
وتزخر المكتبة الغربية بعدد من المؤلفات التي تحمل عناوين «أزمة النقد» أو تتناول القضية ذاتها، فسبق كتاب بول كروسثويت، كتاب حرره موريس بيرجر، وهو صحافي بالأصل، بعنوان «أزمة النقد»[15] ودور النقاد بوصفهم طبقة نخبوية تشرع الأذواق الثقافية، وإن اهتم الكتاب بالنقد بالفني لكنّه وضع على نحو عام سلطة الناقد ومسؤولياته على طاولة المساءلة، بجانب مناقشة أسئلة من قبيل هل يمنح النقاد إذنًا ثقافيًا أم أن عملهم مجرد وصف؟ هل يوجد نشاط نقدي؟ كيف يمكن للنقاد سد الفجوة بين منتجي الفنون وبين الجمهور؟
ومع افتراض أن الأزمات ضرورية لتقدم النقد، فوجوده من الأهمية التي لا غنى عنها، فالأزمات تحتاج إلى النقد والعكس صحيح، لكن الإشكالية حقًا أن تصيب الأزمةُ النقدَ ذاته، الأمر الذي يشير إليه المودن في عنوان المبحث الخاص بنقد ماكدونالد «أهو موت الناقد؟ أم إفلاس نقد قد يحل محله نقدٌ جديد؟»، بالتالي نحن إزاء إفلاس نقدي يحاول أن يجابهه الناقد المغربي متسلحًا بـ «شعرية النقد الأدبي» للفرنسي فلوريان بينانيش، الأمر الذي يدفع بالمودن إلى الاستفاضة في طرح رؤية فلوريان أكثر من نقده لتصور ماكدونالد.
يندد ماكدونالد بالناقد البرجوازي الذي يمنح براءة التسجيل ويُبين المزايا ويستجلي العيوب، كونها وظيفة انتهت وانتهى أصحابها، كما أن الناقد الذي يسلط الضوء ويكشف عن المواهب قضت الوسائل الحديثة على دوره، وغدا بإمكان شاعر أو روائي أن يصير حاضرًا جماهيريًا من خلال فيسبوك مثلًا، في وسط كل ذلك يتوقف المودن أمام «إعادة الاعتبار للنقد الأدبي»، والدفاع عن أدبية النقد، بوصفه أدبًا، والسخرية من «عزلة النقد عن الأدب»، بالتالي لا يرد بالفعل المودن على ماكدونالد، بقدر ما ينتهي خطابه «الدفاعي» إلى الإقرار بأزمة النقد ومأزومية الناقد، والأكاديمي على وجه التحديد.
«يُمطرونهم بالحجارة»
انزواء النقاد نتيجة حتمية للنصيحة التي يلوكها البعض من وقت لآخر «لا تصغوا إلى ما يقوله النقاد»، أو التعامل مع الكتابة النقدية بوصفها «كلام نقاد»، لا يقدم كثيرًا وبالطبع لا يؤخر، و«لا أحد يزدري الناقد أكثر من الفنانين المبدعين، وكل شيء لا يحبه الجمهور في النقاد يفاقمه الخوف والبغض اللذان يشعر بهما الفنانون تجاههم»[16]. وهو مآل نصل إليه جراء الممارسة النقدية المعادية للأعمال الأدبية والفنية ذائعة الصيت، فكلما اكتسبت هذه الأعمال انتشارًا جماهيريًا لاقت معاداة واضحة من النقاد، وهي معاداة لـ«الشعبوية»، التي أشرنا إليها في موضع سابق من هذا الفصل، وهي مواقف تعبر عنها مقولة جورج برناردشو، وهو كاتب مسرحي وناقد وكاتب مراجعات نقدية، «إن ناقد المسرح هو من ذلك النوع من الرجال الذين لا يدعون مكانًا لا يمطرونه بالحجارة»[17].
الرزانة التي تتغلب على هيئة النقاد، ربما تنعكس وبطريقة ما على ذائقتهم، مما يجعلهم محافظين على «القداسة» الأدبية والفنية، وتصورات محدودة عن الإبداع، بالتالي النظر باستعلاء على الرؤية الجماهيرية، الذين قد يرونهم «قراصنة» و«مجرمين» أحيانًا، لابد من مقاومتهم، بعد أن منحتهم الفضاءات السيبرانية مساحة للتعبير وبقوة عن تفسيراتهم للعالم، دون النظر إلى أن «أي نظام مفتوح يمكنه أن يتعلم كيفية تنظيم وتسيير نفسه بالاستجابة للتحديات الجديدة، ولذا فإن أي نظام مفتوح يمكنه أن يكثف ذكاءه أو قدراته على حل مشاكله، لأن المعلومات الخاصة بأدائه الماضي يعاد إدخالها دائمًا في النظام لكي يتحكم في إدارة سلوكه المستقبلي»[18].
من جهة يتمظهر العداء لـ«الشعبوية» والرواج، ومن جهة تتمظهر التصورات المحافظة حيال النزعات الطليعية والتجريبية في عصور النقاد، فكل ما هو طليعي منفر ومحبط، ناهيك عن الاتهام بـ«الهرطقة» الإبداعية، وهي ذائقة رافضة للتحرر، إلى الدرجة التي يمكن أن يصبح معها «الجمهور أقل تعصبًا»[19]. بالتالي، يواجه المبدعون والجمهور معهم «حجارة النقد» بحجارة مضادة، فالناقد «مخلوق حقير، وطاغية، ومتحذلق، ومجنون، ومتكبر؛ قارئ غير لطيف للغاية؛ مصحح الصحافة دون مقابل»[20]، بتعبير الماقدة الأمريكية تركية الأصل ميرفي إمري.
تبادل إلقاء الحجارة أحال النقد من العداء للأحكام والآراء الجامدة المتداولة حول القيمة الفنية إلى الاعتقاد في أن «القيمة» وقتية وسريعة الزوال، وذات طبيعة نسبية، ومعيار تحديدها في يد المتلقي وحكمه، المتلقي ووحده. ومن ثمّ فـ«الجمهور هكذا يريد»، ذلك الجمهور الذي بات ناقدًا أيضًا، ومن ثم لا صوت يعلو فوق صوته. ونحن هنا لا نبشر بذلك بقدر ما نسعى لرصده وتفسيره، مما يدفعنا إلى الاعتقاد في أن الحاجة للنقد قائمة وأحيانًا «مستعرة»، لكنّ المصدر الذي يمكن أن يلبيها مغاير للصورة التي كُرست عن الناقد طوال قرون ماضية، مع التشديد على أن الفنّ شخصيّ على نحو لا مفر منه.
الحاجة إلى النقد
وسعيًا وراء النجاة من حلبة الإمطار بالحجارة، فإننا نشير إلى أن الدمقرطة التي تمنحها التكنولوجيا الفائقة يمكن أن تسمح بتجاور أرباب الخبرة الجمالية والقيمة الفنية والمدافعين عنها جنبًا إلى جنب الانفعالية والتصورات العاطفية، مع التنبيه إلى أن الديمقراطيات السيبرانية قد تعاني من مشكلة الخبرة، وهو تنبيه مزدوج، فقيمة «الخبرة» ليست دافعًا للتهديد باستبعاد الجمهور من الأحكام والقرارات. الأمر الذي فطن إليه ألفريد مور في كتابه «نخبوية النقد»، متسائلًا عن الكيفية التي تمكننا من تحقيق الشمول دون انهيار مفهوم الخبرة ذاته؟ كيف يمكن إشراك الحكم العام في ممارسات الخبراء؟ «بالاعتماد على النظرية الديمقراطية التداولية والدراسات الاجتماعية للعلوم، تقول النخبوية النقدية إن سلطة الخبراء تعتمد في نهاية المطاف على ممارسة الحكم العام في سياق توجد فيه إمكانيات حية للاحتجاج والمعارضة والتدقيق»[21].
الحاجة للنقد، بطبيعة الأمر، ستجري تلبيتها، بتصوراتها التقليدية أو ممارستها الجديدة، المنتمية للفضاءات الرقمية، بالتالي يستطيع النقد أن ينجو، كونه تابعًا للفن، وهو المعني بتبرير غايات الإبداع، وتوضيح الصيغ المناسبة للتعبير، دون أن يطرد الفنانين من «الجمهورية الفاضلة» كما فعل أفلاطون، ومن ثمّ ستسمح الساحات السيبرانية بتطوير الأدوات وفرزها مع الوقت، مع العلم بأن التجديد التكنولوجي ينزع إلى تغيير العلاقات القائمة، وأحيانًا يفضي إلى الفرض والإلزام، لكننا يمكن أن نقر على أي نحو بإمكانية العلاقات الحميمية بين التكنولوجيا والحريات، والأخيرة لن تنمو إلا في سياق نقدي، بالتالي سينجو النقد في العالم الرقمي، بيّد أن الناقدَ المتكلسَ، ذلك الرزين، ميت لا محالة، ودون عزاء أو تأبين.
[1] رونان ماكدونالد: موت الناقد، ت- فخري صالح، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2014، ص15. جدير بالذكر أن منشورات المتوسط أعادت نشر الكتاب ذاته للمترجم ذاته عام 2022.
[2] المرجع السابق: الصفحة نفسها..
[3] حسن المودن: من قال إن الناقد قد مات؟ ضد بارت، ماكدونالد، مانجينو، منشورات المتوسط، ميلانو، ط1، 2024، ص5.
[4] Donna Haraway: A Cyborg Manifesto: Science, Technology, and Socialist-Feminism in the Late Twentieth Century, in Simians, Cyborgs and Women: The Reinvention of Nature, New York; Routledge, 1991, P 149-181.
[5] رونان ماكدونالد: موت الناقد، م. س. ذ، ص20.
[6] المرجع السابق: الصفحة نفسها.
[7] المرجع السابق: ص21.
[8] نفسه: الصفحة نفسها.
[9] نفسه: ص22.
[10] نفسه: ص23.
[11] ماري آيكن: التأثير السيبراني، كيف يُغير الإنترنت سلوك البشر؟، ت- مصطفى ناصر، مراجعة وتحرير مركز التعريب والبرمجة، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2017، ص19.
[12] آر إيه بوكانان: الآلة قوة وسلطة، التكنولوجيا والإنسان منذ القرن 17 حتى الوقت الحاضر، ت- شوقي جلال، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط1، 2023، ص201-202.
[13] ماري آيكن: التأثير السيبراني، م. س. ذ، ص261.
[14] رونان ماكدونالد: موت الناقد، م. س. ذ، ص22.
[15] Maurice Berger (Editor): The Crisis of Criticism, The New Press, New York, 1998.
[16] رونان ماكدونالد: موت الناقد، م. س. ذ، ص27.
[17] نفسه: الصفحة نفسها.
[18] أليكسندر شميدت: المجتمع السيبرنطيقي، دراسات مستقبلية غربية من الستينيات والسبعينيات وتنبؤاتها لعام 2000، ضمن كتاب: ريتشارد ن. كوبر وريتشارد لايارد “محرران”: ماذا يخبئ المستقبل للعالم؟ رؤى من منظور العلوم الاجتماعية، ت- محمد رفعت عواد ومصطفى خلف عبد الجواد، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط1، 2018، ص305.
[19] رونان ماكدونالد: موت الناقد، م. س. ذ، ص29.
[20] Merve Emre: Has Academia Ruined Literary Criticism?, Newyorker, 16 January, 2023.
[21] Alfred Moore: Critical Elitism: Deliberation, Democracy, and the Problem of Expertise, Cambridge University Press, Cambridge, 2017, P2.