مراجعات

حول فلسفة “صراع العروش” وعالمه – د.بدرالدين مصطفى

مراجعة لمسلسل Game Of Thrones

 

“القوة والخداع هما الفضيلتان الأساسيتان في الحرب”

توماس هوبز

“عندما تدخل صراع العروش، تفوز أو تخسر، فلا وجود لأرض محايدة”

  سيريس لانستر

أيام معدودة تفصلنا عن النهاية المُرتقبة للملحمة الأهم في تاريخ الدراما. الملحمة التي لم يحظ عمل سواها، بهذا القدر من الجدل والنقاشات، وكذا بنسب المشاهدة التي تخطت كل الحدود المعروفة في تاريخ الدراما، تلفازية كانت أو سينمائية. صراع العروش هو فصل الشتاء الذي لا يتوقف أبدًا عن المجيء، والدراما البرية التي نسفت إلى الأبد قواعد ما كان يعتقد الجميع، صناعًا ونقادًا ومشاهدون، أنه من الممكن تحقيقها على الشاشة الصغيرة، حيث لم يسبق لأي عمل تلفزيوني أن أظهر هذا القدر من العبقرية، تقنيًا وسرديًا. وبصرف النظر عمن سيجلس على العرش في نهاية المطاف، من سيموت ومن سيحيا ليشهد فصلًا مُرتقبًا من ربيع طال انتظاره (قد لا يأتي أيضًا)، فإن ما أحدثه هذا العمل في تاريخ الدراما سيظل نقطة تحول بارزة تفصل ما قبله عما بعده.

في المجلد الأول من كتابه رأس المال يصف ماركس عملية تقديس الشيء أو عبادته بالفيتشية Fetischismus، التي يترجمها البعض أحيانًا بالتوثين. وفي الحوارات التي دارت بين فيلسوفي مدرسة فرانكفورت بنيامين وأدورنو حول السينما وموقعها في الثقافة الحديثة، جادل أدورنو بخطورة السينما لأنها تعمل على تقليص الفاعلية النقدية للمتلقي وتخلق منه مشاهدًا سلبيًا أو ذاهلًا أمام ما يترائى أمامه من صور على شاشة العرض. في اللغة الإنجليزية تستخدم كلمة cult بمعنى “عبادة” أو “طائفة تشترك في أداء طقوس معينة” للإشارة لمن يعشقون عملًا فنيًا أو فرقة موسيقية أو فنانًا أو نمطًا فنيًا ما، إلى درجة تجعل من هذا العشق علاقة تشتمل على طقوس ورموز وشعور خفي وعلني بالتضامن بين هؤلاء العشاق. ومن الدلالات شديدة الأهمية لاستخدام هذا اللفظ بالذات في هذا السياق أن “العبادة” أو “الانتماء لطائفة” يشيران إلى قدرة هذا العمل المعشوق على تشكيل ذوق خاص وفريد للعُشَّاق، ينقلهم من حالة الإعجاب العادية التي يشعر بها البشر عادة تجاه أمر جميل، إلى حالة يُصبح فيها المعشوق مصدرًا للذوق والشعور الجمالي. ليس من المبالغة القول إن هذا بالضبط ما أحدثه “صراع العروش” عبر مواسمه الثمانية، ولعل السؤال الإشكالي الذي يترتب على ما سبق هو: ما الذي تضمنه هذا العمل فحوّل مشاهديه إلى “طائفة فيتشية” إذا جمعنا اللفظان، أو مشاهدون “ذاهلون” إذا استخدمنا مصطلحات أدورنو النقدية؟

سأحاول في هذه المراجعة، مستفيدًا من بعض ما كتب باللغتين الإنجليزية والعربية، أن أوضح بعضًا من جوانب هذا العمل الثري بصريًا وتقنيًا ودلاليًا، وربما يساهم هذا التوضيح في الإجابة عن السؤال السابق. لكن نظرًا لتشعُّب أحداث المسلسل، وكثافة الشخصيات وتنوعها، يصعب على أي كاتب تقديم مراجعة شاملة عن هذا العمل أو قراءة وافية له، في شقيه الدرامي والتقني. يتطلب العمل، كيما تتم الإحاطة بكافة تفاصيله، مع ما تحمله من دلالات، مؤلفًا ضخمًا أو ربما عدة مؤلفات. والواقع أن كم الكتابات التي كتبت حول المسلسل بكافة اللغات يفوق بمراحل ما كتب عن أي عمل آخر تم عرضه على الشاشة، وهل هناك عمل درامي كتبت عنه خمسة مؤلفات (فقط بالإنجليزية)[1]، يحمل بعضها طابعًا أكاديميًا، حتى كتابة هذه المراجعة؟!. لهذا الاعتبار، سأعتمد في هذه المراجعة على السرديات التي جسدها العمل، بحلقاته التي جاوزت السبعين، مع اللجوء إلى بعض الأمثلة التي تخدم السياق.

***

من بين عوالم الفلسفة والتاريخ والأسطورة والحلم صاغ جورج آر. آر مارتنGeorge Raymond Richard Martin ملحمته الخيالية أغنية الجليد والنار Song of Ice and Fire التي أطلق على الجزء الأول منها “صراع العروش”، ثم تبعه بأربعة أجزاء أخرى، ولم يفرغ بعد، حتى كتابة هذه السطور، من الانتهاء من الجزأين الأخيرين في السلسلة؛ “رياح الشتاء” و”حلم الربيع”. عندما صاغ مارتن ملحمته، كان يخطط بالفعل ليجعل من إمكانية نقلها إلى الشاشة، أمرًا يصعب تحقيقه. أراد أن تخلق رواياته عالمًا معقدًا جدًا، ودمويًا على نحو مفرط، وباهظًا بدرجة غير مسبوقة. ببساطة أراد أن يتجاوز ما سطرته يداه إمكانات العمل الدرامي الذي يمكن تصويره على الشاشة. لكن من حسن حظ تاريخ الدراما، وربما المشاهدين أيضًا، أن مارتن قد فشل فيما أراده. استمر “صراع العروش” في صنع تاريخ التلفزيون وإعادة تشكيله عبر ترجمته لرؤية مارتن، وكل ما كان على المنتجين فعله هو تجاهل كل ما هو مفترض فعله في العمل التلفزيوني. وقد تجاوز منتجا العمل ديفيد بنيوف ودي بي فايس، في هذه المرحلة، ما وراء الرواية بأجزائها المختلفة، ودفعا بالقصة إلى أراضٍ مجهولة، حيث لا يعرف حتى المتابعين المحنكين لروايات مارتن أي نهاية قادمة قد تكون.

“إذا كنت تعتقد أن لهذا الأمر نهاية سعيدة، فأنت واهم” العبارة على لسان رامزي بولتون (الحلقة 6، الموسم 3). تتمثل إحدى السمات المهمة في الأعمال الفنية المتأثرة بالتقنيات السردية ما بعد الحداثية، خاصة على مستوى الكتابة الروائية أو الأعمال الدرامية، بالمعنى الواسع لها، في أنها تعمد إلى “كسر التوقع”. وقد نجح صناع صراع العروش بجداره، ربما على نحو غير مسبوق أيضًا، في تجسيد تلك السمة. حيث تعتمد معظم المسلسلات على بنية سردية يمكن توقعها، حتى لو تضمنت بعض عناصر المفاجأة، إلا أن أغلبها في النهاية يجري في مسار المتوقع والمألوف والانتصار للخير، ليعيش الأخيار في النهاية وتعم السعادة، أو ينجو البطل بأعجوبة بعد أن يجتاز المصاعب ويتغلب على الألم الجسدي أو النفسي الذي لحق به. جميعهم ينجون ويتزوجون من حبهم الأبدي. هذه قاعدة سائدة في معظم الدراما التلفازية، لكنها غير موجودة في صراع العروش، بحيث يمكننا أن نقول إن المسلسل في مجمله يعتمد آلية “كسر التوقع” بما في ذلك “التوقع الأخلاقي” أيضًا. فمن المستحيل على المشاهد توقع الأحداث، فهذا البطل المنقذ، الذي كان من المؤكد أنه سينجو في أعمال أخرى، لن تتوقع أبدًا إذا كان سيعيش في عالم ويستروس أم لا. فهذا “نيد ستارك”، اللورد الشمالي العظيم والحكيم، الذي بدا كأنه أحد أهمّ شخصيات القصة، يُقتل بصورة غير متوقعة في الموسم الأول. وهذا الجيش الذي يبدو أنه سيحرق الأخضر واليابس، لن يكون بمقدور أحد أن يتوقع تحوله في ثوانٍ إلى رماد وأشلاء. وملك الليل الذي لم يتوقع أحد موته ببساطة، يموت في مشهد خاطف استغرق عشر ثوان بسلاح غير متوقع (الحلقة 3، الموسم 8). هذه الأحداث، وغيرها كثير، أراد مارتن من خلالها إبلاغ المشاهدين بأنه لن يحمي شخصياتهم المفضلة مهما كلفه ذلك، وأن ما يجب أن يحدث سيحدث بلا أي تشويهات وتلاعبات بقوانين عالمه المُحكمة ببراعة. يقول مارتن في إحدى المقابلات المصورة معه: “لا أستمتع بقتل الشخصيّات، لكنّي أعتقد أنّ من واجبي فعل ذلك. الجميع يتجه إلى الموت، اعتقد أنه- الموت- جزء من الحياة… ومنذ “تولكين”، كان الكثير من الأدب الخيالي الملحمي يدورحول الحروب، وإذا أردت أنا أو أدباء غيري الكتابة عن الحرب، يتوجب علينا أن نتناول الحرب بصراحة ومن غير تجميل. وثمة شيء مؤكد أعرفه جيدًا عن الحرب، إنها تستطيع إظهار الطابع الوحشي للإنسان، وأن هناك احتمالًا حقيقيًّا بأن يموت أي أحد… وأنا سئمت الكتب والأفلام التي أشاهد بها البطل وكل أصدقائه، يمرون بالمخاطر، ولا يموت أحد منهم… أريد أن يشعر قرائي بالخوف في المشاهد التي يجب أن تُخيفهم، وليس أي خوف، ليس ذلك الخوف الذي نشعر به عندما نذهب إلى مدن الملاهي، حين نكون واثقين بأننا سنكون على ما يُرام في نهاية المطاف، أريد خوفًا من نوع آخر يمكن تجسيده بخوف حقيقي على حياتك. وعندما تموت إحدى الشخصيّات، أريد أن يشعر قرائي بالأسى العميق”.

مقتل ملك الليل (الحلقة 3، الموسم 8)

 

لكن من جهة أخرى أحد الوجوه السلبية للمبالغة في استخدام آلية كسر التوقع داخل الأعمال الدرامية، يتمثل في التقليل، بمرور الوقت، من رهبة الأحداث. فما يحبس الأنفاس ويثير الرهبة والتشويق هو كسر القانون، وتهاوي التوقعات. وهذا يستلزم  وجود قاعدة أو قانون يتوجب كسره، أما حين يشعر المشاهد أنه ما من قاعدة أصلًا لأن كل شيء ممكن الحدوث، وما من داع للتوقع أصلًا لأن كل الاحتمالات واردة، فإنه يفقد لذة كسر القاعدة ورهبة خيبة التوقع وإثارة المجهول. ما يجعل المجهول مثيرًا هو أن هناك معلومًا أو متوقعًا، ويمكن أن يأتي المجهول بخلافهما تمامًا، لكن حين لا يكون هناك معلوم أصلًا، سيغدو المجهول أقل إثارة ورهبة. على كل الأحوال جاء الموسم الثامن (حتى الحلقة الرابعة منه) استثناءً من قواعد كسر التوقع، وربما كان هذا الأمر طبيعيًا لأن الخطوط السردية للمسلسل بدأت في التجمع لتخدم النهاية وتمهد لها، فكان التركيز أكثر على فكرة “تجميع الخيوط” لا كسر التوقعات (حتى أحداث مثل مقتل التنين في الحلقة الرابعة من الموسم الثامن كان من السهل توقعها!). هذا التحول (تحديدًا في الموسم الثامن) من “كسر التوقع” إلى “تجميع الخطوط السردية”، أوقع المسلسل في سلسة من المشكلات والانتقادات العاصفة التي أثرت على التقييم الإجمالي له. وقد أبدى جورج مارتن نفسه انزعاجًا وتحفظًا على ما قام به صناع المسلسل من التسرع في المضي قدمًا بالأحداث إلى ختامها، دون مراعاة النهايات المنطقية لشخصياته، حيث كان من الأفضل، في رأيه، اختتام السلسلة في موسمين بدلًا من واحدٍ[2].

في عالم ما بعد الحداثة ليس ثمة ما يمكن أن نطلق عليه حقيقة موضوعية. لا يعني هذا أنه ليس بمقدورنا شرح الحقيقة الموضوعية وفهمها، بل يعني أنها في الأصل غير موجودة، أو كما وصفها نيتشه، “حشد من الاستعارات”. تقدم صراع العروش نطاقًا متنوعًا للغاية من وجهات النظر طوال القصة. وربما كان التحدي الرئيس الذي واجه صناع العمل، على اختلاف كتابه ومخرجيه، هو هذا الكم الرهيب من الخطوط الدرامية والسردية التي تتوفر عليها رواية مارتن. كل خط يتوفر على عالمه وتفاصيله التي تشكل منه قصة مستقلة، مضى بها مارتن إلى نهايتها. لكن الخطوط الرئيسة تتفرع إلى خطوط فرعية، وفي الوقت ذاته تتماس تلك الخطوط في علاقات لا تنتهي مع الخطوط الأخرى. والحال أن من يشاهد العمل أو يقرأ الرواية لابد أن يتساءل عن الكيفية التي تمكن بها الكاتب أن يبتكر عالمًا خياليًا بهذا العدد الهائل من الشخصيات، وكذا العائلات المتعددة التي لكل منها تاريخها وعاداتها الخاصة، والتي تتقاطع جميع شخصياتها مع بعضها البعض ضمن تسلسل وحبكة متقنين. هذه السمة واحدة من سمات عديدة جعلت صراع العروش أحد المسلسلات المميزة جدًا في التاريخ، فعلى عكس الأعمال الدرامية الأخرى مثل فايكنغزVikings ، الذي يركز على شخصية واحدة وقصة واحدة، فإنّ صراع العروش يشمل عشرات القصص التي تخدم قصته الأساسية: العرش الحديدي.

داخل تلك القصص والحبكات نستطيع أن نلمس بوضوح قضايا اجتماعية مثل النسوية والشوفينية (كما تتبدى في شخصيات سيرسي وآريا وبريان مثلًا). وقضايا تتناول الدين، الطقوس، والعادات والتقاليد. وأخرى تركز على الأخلاق، كإعادة تعريف الخير والشر. كما أن منها ما يتناول قضايا سياسية مثل طرق الحكم، ومركزية الإنسان الأبيض، والاسترقاق… حتى تكتيك الحروب والتكنولوجيا؛ فثمة منْ يدعي أن التنانين توازي اختراع المدافع الحربية، الآلة التي أنهت عصر القلاع والإقطاعية.

لنتوقف إذن عند بعض من تلك القضايا.

النقد النسوي!

بعد أن شارف المسلسل على الانتهاء، لا بد أن الجميع قد أدرك مدى أهمية الشخصيات النسائية داخله. شخصيات قيادية مرعبة جعلت رجال ويستروس يركعون لهن خوفًا وطاعةً. ورغم هذا الحضور النسائي، تعرض المسلسل لانتقادات صادرة من أصوات نسوية، أو مناصرة لها، عديدة رأت فيه نزوعًا عنصريًا ضد المرأة. يذهب بن ماك على سبيل المثال إلى “أن المسلسل مليء بمشاهد العنف غير المبرر ضد النساء، وكأن ذلك مقصودًا في ذاته. هناك وحشية في التعامل مع المرأة حتى على مستوى اللغة التي يستخدمها الرجال، من اعتداءات لفظية، أو إعلانهم بطريقة وحشية رغبتهم في اغتصاب النساء”.[3] لكن في المقابل تذهب محررة مجلة جليمور، المتخصصة في القضايا النسوية، إلى أن المسلسل رغم ما يحتويه من مشاهد عنف مفرط ضد المرأة، إلا أن العنف هو الطابع العام للعمل في أجزائه المختلفة، بمعنى أنه غير قاصر على المرأة فقط، بل هو طابع مميز للعمل بصفة عامة. إضافة إلى أن المسلسل انتصر في مجمله للمرأة وأظهرها في موقع القادرة على قهر معوقاتها وهزيمتها في النهاية لتستمر في الوجود حتى النهاية. لننظر في بعض الشخصيات النسائية التي احتواها المسلسل: سيرسي لانستر الشخصية التي تؤديها الممثلة لينا هيدي، والتي تألّقت بجبروتها وطغيانها على قادة الممالك السبعة، وخاصةً في الموسم السابع. سانسا وآريا؛ وهل بمقدور المشاهد أن يتخيل العمل دون التطور الرائع الذي تمتعت به كلا الشخصيتين، خاصة شخصية آريا التي تطورت بشكل كبير جدًا على مدار المسلسل؟. وبالمثل لن ينسى المشاهد أبدًا ” دينريس تارغيريان” أم التنانين ومحررة العبيد، الشخصية الأكثر شعبية في المسلسل بحسب صحيفة نيويورك تايمز، التي قامت بإبادة المئات من جيش الأموات بتنانينها (الموسمين السابع والثامن). العنصر النسائي في هذا المسلسل هو المحرك الرئيس للسرد وهو الذي يدفعه إلى الأمام في معظم الأحداث. وكيف لا، فإن من بدأ القصة من الأساس ومن أشعل فتيل الحرب هي ليانا ستارك، أخت نيد ستارك!

 

سانسا مع آريا ستارك أعلى الجدار

 

في الحقيقة، وبعكس كل الأصوات الناقدة للعنف الموجه ضد المرأة في المسلسل، حظيت المرأة بحضور طاغٍ داخله، ولا أعني الحضور هنا بصفتها فاعلًا جنسيًا. فالحقيقة أن المسلسل حاول قدر الإمكان الوفاء للزمان الذي يتحدث عنه[4]. وبعد 23 سنة من إصدار كتاب “صراع العروش” (1996)، شاهدنا (الحلقة 3، الموسم 8) ذات الشخصية، الطفلة الصغيرة، التي وقفت صفر اليدين أمام إعدام أبيها (الموسم الأول) الذي أحبته بشدة آنذاك، ولم تستطع إيقاف ذبح أمها وأخيها، تنقذ البشرية أجمع في اغتيالها ملك الليل، حين كان يُقبل على إعدام أخيها بران (الذي تتوقع بعض النظريات أنه هو ذاته ملك الليل اعتمادًا على فكرة الحلقة الزمنية المُفرغة التي طرحتها المسلسل سابقًا)، وهذا بعد سنين طويلة، من التدرب في فنون القتال المتنوعة.

 

بين التاريخ والأسطورة

في محاضراته “في فلسفة التاريخ” اعتبر الفيلسوف الألماني فريدريش هيغل أن “الروح المطلق”، هو الذي يحرك التاريخ ويدفعه قدمًا إلى الأمام حتى تحقيق غايته. من بعد هيغل جاء شوبنهاور الذي رأى التاريخ بمنطق إرادة الحياة الشريرة التي تسعى للاستحواذ والسيطرة والاستمرار في الوجود، ولن يتحقق لها ذلك إلا عبر التهام الحيوات الأخرى التي تشكل تهديدًا لوجودها. غير أن نيتشه، الذي اعتبر “شوبنهاور مُعلمًا” له في كتاب يحمل هذا الاسم، قد مضى بفكرة هذا الأخير إلى نهايتها. فالحياة قائمة على الصراع، والصراع لن يحسمه إلا القوي، ولا عزاء فيه للعبيد. “التاريخ يكتبه دائمًا المنتصرون”، عبارة منسوبة لونستون تشرشل واتخذت شعارًا مهمًا (تحول إلى كلشيه بمرور الوقت)، يتم استحضاره دائمًا في التأكيد على نسبية الرواية التاريخية، بصرف النظر عن الأحداث الحقيقية التي حدثت بالفعل، فالتاريخ رواية يكتبها المنتصر. أحد العناصر المهمة في صراع العروش تأكيدها على هذا المعنى. فمنطق القوة هو الذي يدفع الأحداث إلى الأمام ومن ينتصر بقوته ودهائه هو الذي يبقى، فالبقاء للأقوى لا للأصلح أو الأكثر خيرية. كيف قدمت صراع العروش تصورًا للتاريخ قائم على الفهم النيتشوي السابق؟ “إن الأسود لاتهتم برأي الخراف” (سيرسي لانستر)، كما “يوجد داخل كل رجل وحش، ويظهر هذا الوحش عندما يمتلك الرجل سيف” (جوراه مورمونت )، هاتين العبارتين يجسدان معًا، بدلالتهما المزدوجة، تصورًا للمنطق المحرك للأحداث كما تصوره المسلسل. فمن ناحية لا مكان في صراع العروش للضعفاء أو العبيد. وليس ثمة دور في الأحداث كلها، للعوام أو الطبقة المحكومة، فهم مجرد أعداد أو حشود تظهر وتختفي حالما يتم توظيفهم أو السيطرة عليهم (على سبيل المثال: جيش الدوثراكي وجيش العبيد الأنساليد، اللذان استعانت بهما دينريس تارغيريان بعد ذلك إبان غزو ويستريس). من ناحية أخرى لا وجود في هذا الصراع إلا للسادة؛ سادة الحرب أصحاب السيوف. كما لن يبقى منهم إلا الأكثر دهاءً وقوة فقط.

بالإضافة إلى التاريخ الذي يخلقه المسلسل وتتحرك أحداثه من خلال هذا المنطق فإن كثير من المُعدّات والأدوات والأزياء والعناصر الأخرى داخل العمل مُستمدّة من العصور التاريخية الأوروبية. ويظهر هذا أيضًا في تصاميم المباني والقلاع وبطولات الفرسان. وقد كانت حرب الوردتين (وهي حرب أهلية دارت معاركها على مدار ثلاثة عقود من 1455 إلى 1485 م، حول الأحق بكرسي العرش في إنجلترا بين أنصار كل من عائلة لانكاستر وعائلة يورك المنتميتين إلى عائلة بلانتاغانت بسبب نسبهما إلى الملك إدوراد الثالث) مصدر الإلهام الرئيس الذي بنى عليه جورج مارتن سلسلة رواياته. الصراع بين عائلتي لانكاستر ويورك يُمثّل الصراع بين عائلتي لانستر وستارك في المسلسل. وشخصية سيرسي لانستر مستوحاة كذلك من الملكة إيزابيلا الملقبة بذئبة فرنسا التي وُصِفَت هي وعائلتها في سلسلة الروايات التاريخية الملوك الملعونون للكاتب موريس دريون. كما استمدّ جورج مارتن الكثير من أحداث المسلسل من أحداثٍ تاريخية حقيقية، فنجد مثلاً أن “الجدار الشمالي” في المسلسل هو تجسيد لسور هادريان Hadrian’s Wall الذي بناه الإمبراطور الروماني هارديان في العام 122 م بعرض إنجلترا الحالية. وأسلوب القتال في معركة المياه الضحلة مستوحىٍ أيضًا من إحدى أساليب الإغريق في القتال، وغيرها الكثير من الأحداث التي كانت إلهامات لجورج مارتن.

لننتقل إلى الجو الأسطوري للمسلسل، الذي جاء تقريبًا بلا أساطير. وفي هذا يختلف المسلسل بقدر ما عن الرواية التي اهتمت بترسيخ بعض الأساطير، كمكون رئيس من مكوناتها. في الواقع لا يمكن تصنيف العمل سوى أنه عمل ملحمي يقدم سردية تاريخية خاصة به ويحتوي على كافة مكونات الجو الأسطوري. وعلى الرغم من أن العمل الأصلي لمارتن جاء مُحملًا بأبعاد أسطورية عميقة في رمزيتها، إلا أن الملحمة كما تم نقلها على الشاشة تخلت عن العديد منها، ولم تبق إلا على القدر اليسير. سنجد في الرواية، على سبيل المثال، استفاضة كبيرة حول أسطورة “آزور آهاي” والتي تتحدث عن بطل (أو بطلة) سيولد مجددًا بعد غياب 5000 عام لكي يحارب قوى الظلام، وأنه في حال هزيمته سيهلك العالم كله معه. في الكتاب الثاني من سلسلة مارتن، تقول النبوءة: “سوف يأتي يوم بعد صيف طويل، تٌدمى فيه النجوم وتضرب أنفاس الظلام الباردة هذا العالم. وفي هذه الساعة المفزعة يأتي أحد المقاتلين، ويستخرج سيفًا حارقًا من وسط النار. وهذا السيف سوف يجلب النور، فهو سيف الأبطال الأحمر.” آزور آهاي هو الشخصية الأسطورية الواضحة حتى الآن داخل المسلسل. وهي نصف مقاتل ونصف إله جاء من العصور القديمة بعد أن انتصر على الظلام في معركة عظيمة ويحمل سلاحًا سحريًا باركه إله النور (إله النور هو إله الزرادشتية). وقد تناول قراء السلسلة هذه الأسطورة بكثير من التحليل والتفسير (حيث تتقاطع هذه الإشارة مع بعض المعاني الدينية). وكذلك بكثير من التوقعات التي حاولت توقع شخصية “آزور آهاي”، حيث يميل معظمهم لاعتبار “جون سنو” هو هذا المخلص الذي تحدثت عنه الأسطورة.

غابت الأساطير عن العمل الدرامي، ووصف في المقابل بالواقعية المفرطة، ومع ذلك كان الجو الأسطوري حاضرًا بالتأكيد منذ الحلقة الأولى وحتى الأخيرة، بل هو عماد المسلسل. فكل مفردات العمل من تنانين وموتى يعودون للحياة وسحره في كل مكان وأدوات (من سيوف وغيرها) وأفراد ذات قدرات غير عادية، هي مفردات أي أسطورة. وهي مفردات يسيل لها لعاب أي مؤلف، ولكن صراع العروش بالرغم من احتوائه على العديد من هذه العناصر إلا أنه افتقد، في أغلبه، للأساطير نفسها، فلا وجود للأسطورة كسردية متماسكة في بنية دراما المسلسل وخيوطه السردية المتعددة، بل تأتي أحيانا كحلية على الهامش كما رأينا في مشهد استدعته سيرسي من ذاكرتها، حينما قابلت ساحرة تنبأت بمصير أبنائها، ولكن كان ذلك في الجزء الخامس (الحلقة الأولى) أي بعد أن عرفنا بالفعل مصير أبنائها طيلة الأجزاء السابقة.

لكن ربما كان غياب الأساطير في المسلسل عاملًا مهمًا في غياب خط الدراما الرئيس، فالمسلسل ظل، طوال مواسمه الثمانية، يبحث عن خط درامي رئيس يدور في فلكه، ولكنه فشل، مع توالي موت/ قتل الأبطال وتدمير الخطوط الدرامية الواحد بعد الآخر. ومع حذف العديد من الأساطير بدت العناصر الأسطورية القليلة داخل الصراع كما لو كانت منتزعة من سياقها، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، نشهد وجودًا مترددًا للموتى الأحياء، فأحيانًا يظهرون، ثم يختفون بشكل غريب، حتى أن المشاهد يحار في فهم مدى تقدمهم نحو الحائط الكبير من عدمه، بينما كل أحداث المسلسل ومؤامراته المتتالية لا تكترث فيما يبدو بأمر الموتى الأحياء. حتى عندما يظهر خط درامي يمكن البناء عليه مثل قضية الحرية والعبودية التي نشأت مع اختيار دينريس تارغيريان المكوث في المدينة لتحكمها، فإنه تم تجاهل هذا الخط وإهماله حتى بدا في وقت من الأوقات أن قصة دينريس منفصلة عن بقية سياق السلسلة، مثلما كانت قصة ما وراء الجدار أيضًا.

ومع ذلك لا يخلو العمل من بعض التوظيفات الأسطورية، لكنها ربما تحتاج إلى مزيد من البحث والتنقيب كيما يتم اكتشافها. على سبيل المثال، عندما نبحث في الميثولوجيا الكلتية لأوروبا القديمة سنجد تشابهًا مثيرًا بين شخصية بران ستارك وأشهر الآلهة عند الشعوب الكلتية، وبشكل خاص بريطانيا، إله النبوءة والغربان المقدسة. ويبدو أن المسلسل قد استوحى شخصية بران منه. والواقع أنه ما من طير ينافس الغراب على حضوره الكبير في ثقافات العالم، ورمزيته الوثيقة الصلة بالمفاهيم الاجتماعية والوجدانية. وقد تعددت أنماط التعامل مع الغراب لدى الشعوب القديمة، غير أن ما يجمعها هو اعتبار هذا الطير، دون غيره من الطيور، صلة الوصل ما بين العالم بحاضره وحقائقه الملموسة من جهة والغيب المجهول من جهة أخرى. كانت الغربان رمزية ميثولوجية تقوم بدور الرسل من العالم الغيبي لعالمنا؛ فهي من تقوم بنقل رسائل الغيب إلى بني البشر. والأمر ذاته نجده في المسلسل حيث كان بران يتواصل مع العالم الغيبي عن طريق الغربان. كان هذا المعتقد سائدًا لدى الشعوب الكلتية ثم انتقل بعد ذلك إلى الرومان ومنه إلى المسيحية. وقد كان للغربان حضورًا كبيرًا في حضارات كثيرة غير تلك؛ في الأساطير الصينية وثقافتها، هناك الغراب ذو الأرجل الثلاثة الذي يعيش في قلب الشمس، وتمثل أرجله الثلاث الأوقات المختلفة من النهار: الصباح والظهيرة والمساء. كما يَعُد اليابانيون الغراب طيرًا عظيم الدلالة على إرادة السماء وتدخلها المباشر في شؤون الإنسان. (وفي القرآن، كما ورد في سورة المائدة، بعد حادث قتل قابيل لأخيه هابيل أرسل الله غرابًا يعلمه كيف يواري سوءة أخيه عن طريق قيامه بدفن غراب آخر قام بقتله؛ أي يعلم قابيل الدفن بصورة عملية. وهو (أي الدفن) رسالة من الغيب تم إرسالها بواسطة الغراب).

 

رمزية الغراب في الصراع

 

 

كان الطابع المعماري الذي ظهرت فيه الأحداث، من الأمور التي ساهمت في إضفاء الجو الأسطوري على العمل. ومن المعروف أن المسلسل تم تصويره عبر عدة مدن حول العالم، فمن إسبانيا إلى كرواتيا، مرورًا بإنجلترا مع بعض المشاهد في المغرب العربي. لم يتعامل صناع العمل مع مواقع التصوير، باختلافها، من منطلق كونها مجرد خلفية مناسبة، وإنما هي جزء لا يتجزأ من السرد القصصي داخل العمل، وهنا تلعب الهندسة المعمارية دورها المهم. حيث جاءت متوائمة مع المشاهد والأحداث بصورة مدهشة. على سبيل المثال في الموسم الأول، تم الاستفادة من اللون الهادئ والدافئ لحجارة مالطة في اسبانيا لتصوير معالم الحياة في أكثر مدينة حضرية في المسلسل، مع تسليط الضوء على مشهد الإعدام في نهاية الجزء الأول وذلك في المعلم التاريخي فورت مانويلFort Manoel  في مالطة. أما في الموسم السادس، فإن الأسطح الحمراء والجدران الضخمة لمدينة دوبروفنيك في كرواتيا، جعلت منها موقعًا مثاليًا لتصوير العاصمة وخاصة أثناء الحدث الأكبر والأقوى في الحلقة الأخيرة من هذا الجزء. تلك المدينة الكرواتية التاريخية مع المناطق المحيطة بها تحتوي على عدة مواقع جيدة لتصوير على الصخور التي تعلو أمواج البحر المتوسط. فعلى جرف بارتفاع 125 قدم وجدران بعرض 40 قدم تقع القلعة الأثرية لوفرايناك المدهشة Fort Lovrijenac، أو ما يعرف في المسلسل بالريد كيب Red Keep، مكان العرش الحديدي ومركز حكم الممالك السبعة.[5] وقد تحولت أماكن التصوير تلك إلى مزارات سياحية لدرجة تحول الأمر معها إلى ظاهرة (أطلقت عليها وكالة أنباء رويتر في تقرير لها بتاريخ 10 أبريل 2019 “تأثير صراع العروش The Game of Thrones Effect)[6].

وفي حين أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في الممالك، إلا أن الخبير اللغوي ديفيد. ج. بيترسون قام باستحداث لغة جديدة كليًا لتكون اللغة المتداولة في قبيلة الدوثروكي، ولغة أخرى تسمى باللغة الفاليرية. وقد بُنيت هذه اللغات على أساس كلمات قليلة وردت في سلسلة الروايات. وتُترجم حوارات لغة الدوثروكي والفاليرية إلى الإنجليزية عادةً أثناء الحلقة. وقد قالت بي بي سي في تقرير لها أن عدد الذين يسمعون تلك اللغتين أكثر من الذي يسمعون اللغة الأسكتلندية والويلزية والإيرلندية مجتمعين. ومن المهم أن نذكر أيضًا أن عدد الكلمات في اللغة الدوثروكية وصلت إلى 3700 كلمة.[7]

الإنسان الأعلى (السوبرمان)

لا فرار من نيتشه! حتمًا سنصطدم به مرارًا وتكرارًا في الطرق الرئيسة لويستروس وداخل ممراتها الفرعية أيضًا. ويبدو أن جورج مارتن قام برسم ملامح شخصية جيمي لانستر على ضوء فكرة الإنسان الأعلى (السوبرمان) لنيتشه. ولنتأمل في صفات الإنسان الأعلى التي يحددها نيتشه في كتابه “هكذا تكلم زرادشت” مستحضرين في الوقت ذاته شخصية جيمي لانستر: الإنسان الأعلى عند نيتشه ليس لديه سوى هدف واحد هو الانتصار والسيادة، بصرف النظر عن الوسائل التي تمكنه من تحقيق ذلك أو حتى الضحايا التي قد تنتج عن هذا. هو إنسان حر قادر على تحطيم كل القيود، لا يتقيد بالحدود الأخلاقية الموروثة للخير والشر، وإنما يخلق منظومته القيمية بنفسه. إنه إنسان متميز متفرد لا يعنيه المجموع في شيء، وبالتالي فهو يُغلب الكيف على الكم، ولا يؤمن بفكرة المساواة. مُترفع لا يسير وفق ما يسير عليه العامة بل ينشد السمو الدائم. كما أنه لا يستهزئ بالجسد ويزدريه، فهو يؤمن أن الجسد، وليس العقل، والشهوة والغريزة أساس الحياة. لا يعرف الشفقة، فالشفقة ضعف ولا ينبغي إظهارها إلا من أجل التخلص منها وعدم كبتها لكن يتوجب على الإنسان الأعلى أن يمتلك القدرة على التحكم فيها. إنه، هذا الإنسان، لا يعيش حياة المسالمة والدعة، بل يعيش حياة الحرب والخطر، حتى إذا لم يكن ثمة خطر فليخلقه هو بنفسه. أخيرًا فالإنسان الأعلى، بعد تمثله للقيم السابقة، يشبه الإله، بل هو إله في ذاته، مكتف بنفسه، لا يعتمد على أحد في وجوده، وليس في حاجة إلى قوة خارقة ميتافيزيقية تدعمه وتقدم له العون.  ينتمي جيمي لانستر لنوعية البشر القابعين في اللون الرمادي، فيصعب تصنيفه في خانة الشر أو الخير. شخصية رمادية تجعلنا نشعر بأنها الأقرب إلينا، فنتعاطف معها لأنها تذكرنا بما هو طيب فينا، ونعزف عنها لأنها تواجهنا بما نتهرب من الإقرار بوجوده في أنفسنا. ترتكز غالبية حياته حول القوة والواجب، الرغبة في السيطرة وعشق التحدي. لانستر رجلًا لا يؤمن بشيء اسمه الشفقة، مستعد لرمي طفل من نافذة لسلامة عائلته، يقتل أحد أفراد عائلته من أجل سلامته الشخصية. وهو، مع توالي المواسم، نجده وقد تجرع الذل والعذاب والعناء على يد أعداءه، اعتقل وأهين وقطعت يده، وتجلى نبله في اعترافه بما حدث مع الملك الذي قتله، حكى لنا جيمي في بركة الاستحمام وقائع الحادث وأفصح عن كرهه للقب ذابح الملك قائلًا “جيمي.. اسمي جيمي”.  “لا يوجَد شيء يستطيع إيقافه” كما قيل عنه، وستتأكد لنا هذه المقولة كلما تعمقنا في متابعة الخط الدرامي لشخصيته. يقول جيمي عن نفسه: “لا يوجد رجل مثلي، هناك أنا فقط”، من هذه اللحظة يبدأ جيمي مهمة السيطرة عبر تأسيسه لقيمه الخاصة، فقد بدأ جيمي المنبوذ في خلق عالم جديد، ويبدو أن شخصية جيمي لانستر، بالنسبة للكثيرين، هي الأكثر حبكة وصياغة في عالم صراع العروش.[8]

 هل ثمة منطق أخلاقي يحرك الصراع؟

رغم صعوبة الإجابة عن هذا السؤال، خاصة مع استحضار فكرة نسبية الخير والشر التي سنناقشها في العنوان التالي، إلا أننا إذا حاولنا البحث عن منطق أخلاقي اعتمد عليه مارتن في تبرير بعض الأحداث المفصلية داخل العمل، سنجد أن هذا المنطق يعتمد على قاعدتين رئيستين هما: القاعدة النفعية، والشعار الذي صاغة المنظر السياسي الأشهر نيكولا مكيافيلي القائل بأن”الغاية تبرر الوسيلة”.

تشير النزعة النفعية Utilitarianism بالمعنى الكلاسيكي لها إلى صيغة أخلاقية قدمها الفيلسوفين الإنجليزيين جيرمي بنتام (1748-1832)، وجون ستيوارت ميل (1806-1873). يلخص بنتام هدفنا الأخلاقي بأنه يتمثل في تحقيق “أكبر قدر ممكن من السعادة”. وبعبارة أخرى، تدعي النفعية أن الفعل يكون مبررًا أخلاقيًا إذا كان يساعد على الإضافة إلى الكمية الإجمالية للسعادة في العالم، من خلال مضاعفة المتعة، وتقليل الألم، أو كليهما. وتؤكد هذه الصيغة على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ليس فقط مقدار السعادة أو الألم الذي يشعر به فرد معين، ولكن عدد الناس الذين يشعرون بالمتعة أو الألم. وبالتالي، قد يجد أتباع المذهب النفعي أن التعذيب المتواصل لشخص ما، له ما يبرره إذا كان سيؤدي إلى جلب السعادة لكثير من الناس. هو الأكثر ملاءمة. في الحلقة التاسعة من الموسم الثالث من المسلسل والمسماه “أمطار كاستمير the rains of castamere ” التي تضمنت مشهدًا من أكثر المشاهد الوحشية والمعروف بـ”الزفاف الأحمر Red wedding”، تمرد جورج مارتن على قالب التأليف القائم على أن الأبطال يصلون لنهاية القصة بسلام أو على الأقل يكمل عنهم شخص ما رحلة البطل، هذه الحلقة فرضت نفسها كواحدة من أبشع الحلقات في تاريخ الدراما، في هذه الحلقة يستقبل اللورد والدر ال ستارك رغم الخلاف بينهما، لكن حصلت المأساة وانطلقت موسيقى الأزمات التي تنذر بوقوع شيء بشع، فوقعت المذبحة. كان المشهد هو الأهم لدى متابعي المسلسل (يتشابه الحدث تاريخيًا مع المذبحة التي قام بها والي مصر “محمد علي باشا” وقضى بها على المماليك والتي عرفت تاريخيًا بـ “مذبحة القلعة عام 1811”). لكن من نظرة مغايرة، يمكن تبرير هذه المجزرة فلسفيًا وأخلاقيًا حسب الفيلسوف الإنجليزي جيرمي بنتام. في الزفاف الأحمر، أراد روب ستارك الانتقام لأبيه نيد ستارك، فكان قول تايون له: “أيهما أفضل؟ أن أقتل مئات الآلاف في المعركة أم أقتل حفنة أناس في حفل زفاف وأتجنب مقتل مئات الآلاف.” وهذه روح الفلسفة النفعية التي تقوم على أن الخير هو مايأتي بأكبر سعادة لأكبر عدد من الناس دون النظر لتداعيات ذلك على الآخرين ماداموا في النهاية هم الفئة الأقل. الأمر ذاته يمكن أن يقال على “جيمي لانيستر” الذي يعيش حياته كلها ضحية لفعلٍ ارتكبه، اعتبرته المرجعية الداخلية للقصة نوعًا من الخطيئة. ما فعله هو أنه قتل الملك الذي أقسم على حمايته، لكنه في الواقع قتل الملك لأن هذا الملك زرع عددًا ضخمًا من “القنابل” تحت المدينة، وأراد تفجيرها وتنفيذ مجزرة مروعة ستودي بحياة الآلاف. رغم ذلك، يظل جيمي مجرمًا في عينِ الجميع لأنه أخل بقسمِه، لكن المشاهدَ الحديث سيعتبرُ فعل جيمي أخلاقيًا يمكن تبريره لأنه أنقذ آلاف الأبرياء من نزوة ملك طائش. وهنا ينتصر المبدأ النفعي مرة أخرى.

كيتلين في مشهد الزفاف الأحمر

 

من جهة أخرى نستطيع أن نرصد لمحات كثيرة في صراع العروش تتقاطع مع ما ورد في كتاب الأمير (De Principatibus, 1532) لنيكولا ماكيافيلي Niccolò Macchiavelli. حيث يقدم كتاب الأمير مجموعة من النصائح المهمة للحاكم تدور حول كيفية امتلاك السلطة والاحتفاظ بها، دون الاحتكام إلى المُثُل الأخلاقية التي يلتزم بها الأشخاص العاديون داخل المجتمع، ومع ذلك لا يشكك الكتاب في جوهر الفضيلة ذاتها. يحذر ماكيافيلي الأمير الجديد من أن هناك نوعان من الوحشية، أحدهما حسنة، والأخرى سيئة؛ الصيغة الأقرب لها “هناك شر سيء وهناك شر جيد”. فإذا كان الأمير لديه الرغبة في الحفاظ على السلطة، فعليه أن يمارس القسوة ويجب أن يفعل ذلك على نحو دائم، دون التنازل عنها على مر السنين. كان عمل مكيافيلي محاولة منه لفصل المجال السياسي عن المفاهيم المرتبطة بالخير والشر. وهو لا ينكرهم أو يعيد استجوابهم على الإطلاق، بل ينادي فقط بتنحيتهم عن مجال السلطة السياسية. لذلك، وفيما يتعلق بالمقارنة التي نقيمها، فإن الأمر يختلف كثيرًا حال استحضار صراع العروش في مواجهة روايات ج. ر. تولكين “سيد الخواتم”، لأنه لم يعد في الصراع أمير جيد وآخر سيئ، فهما يتعايشان على النحو ذاته. ومع ذلك، فإن حكايات شخصيات مارتن لا يمكن اختزالها في الجانب السياسي فقط لأن الدراما تدور حول شخصية الفرد في مجملها. إنها تتعلق بدواخل الشخصية ككائن بشري فريد في ذاته لا يتكرر. وهكذا، إذا كانت الحدود الفاصلة بين الخير والشر غير واضحة على المستوى السياسي، فإن الموقف الأخلاقي لا يزال غامضًا على المستوى الشخصي باعتباره سرًا لا يعرفه أحد. كل شخصية في المسلسل، من جون إلى تيريون، ومن جيمي إلى دانيريس، تواجه الخيانة والتضحيات- سواء عانت منها أو ارتكبتها. إن انتقال الشخصيات من الخير إلى الشر، يثير معضلات تتعلق بالهوية. ربما يدفعنا ذلك إلى التساؤل عن طبيعة الخير والشر وعلاقتهما بالهوية الذاتية لشخصيات العمل.

ما وراء الخير والشر

شخصيات تتسم بالشر المطلق، وتجد لذّةً بممارسة التعذيب والقتل، وشخصيات يظهر عليها النبل والخير والعدل، شخصيات خبيثة وأخرى خيّرة. جميع أنواع الشخصيات الجيّدة والمختلّة والخبيثة والطيّبة والحكيمة والغبية والجبانة، وحتى المنحرفة ستجدها مجتمعة معًا في هذا المسلسل. جميعهم تتقاطع طرقهم مع بعضهم البعض بما يخدم حبكة العمل.

ربما تكون فكرة انتصار الحق دومًا هي الفكرة الأكثر مدعاة للسخرية والتنفير في معظم ما نشاهده من أفلام ومسلسلات، وفيما نقرأ من قصص وروايات، إذ تكفي نظرة إلى توزيع الثروات في هذا العالم، أو إلى تاريخ الاستعمار والمستعمرات، أو إلى واقع العالم اليوم وغدًا، لجعل فكرة انتصار الخير على الشر فكرة سخيفة وطفولية.

رغم صعوبة تبيُّن الحدود الفاصلة بين معسكريْ الخير والشر، نظرًا للالتباس الشديد بين الجانبيْن، في شخصيات المسلسل وأحداثه، وحشد كل الأطراف لما لا حصر له من التبريرات المساندة لأقوالهم وأفعالهم، فإن بعض الشخصيات لاقت ما يشبه الإجماع بين المشاهدين في الإعجاب بصفاتهم واختياراتهم في واقع المسلسل، رغم كونها صادمة للبعض، وخادشة لمثالية البعض الآخر.

إذا تأملنا في الشخصيات الرئيسة للعمل، التي حركت الأحداث في الأجزاء الأولى، سنجد أن كل شخصية تشكل عالمًا مستقلًا بذاته يخلق مرجعيته القيمية بنفسه ويتكئ عليها في تصرفاته وأفعاله. ومن ثم يصعب الحديث عن معيارية أخلاقية داخل العمل، حيث تختلط مفاهيم الخير بالشر على نحو يصعب التمييز بينهما. كثيرًا ما يقوم نجاح العمل الدرامي على رسم أزمة أخلاقية يتداخل فيها الصواب بالخطأ، أو يكون جميع أطرافها على صواب من منظور ما، أو يكون جميعهم مخطئين من منظور ما، أو كل ما سبق، بل يمكن القول بثقة إن الأعمال الدرامية العظيمة ليست إلا هذه الأزمة الأخلاقية وتجلياتها وبراعة تشكيلها وتصويرها. في معظم الأعمال الدرامية والأدبية أيضًا يخلق مؤلف العمل شخصية معيارية تقاس عليها الشخصيات الأخرى، لكن في صراع العروش لا نجد مثل هذه الشخصية. فكل الشخصيات تتساوى، الشريرة الخيرة، النبيلة والوضيعة، الشجاعة والجبانة. “آريا ستارك”، أميرة الانتقام، التي كان المشاهدون يرددون معها قائمتها السوداء التي تحمل أسماء من تستهدفهم انتقامًا لأسرتها المغدورة، والتي أنشأت لنفسها مخالب من صدمة الطفولة، وبراءتها التي طارت مع رأس أبيها في ميدان الغدر، في رحلة طويلة من المغامرة والعنفوان، وقودها أحلام الانتقام في اليقظة والمنام، حتى منحت المشاهدين واحدة من أبرز لحظات النشوة في المسلسل حتى الآن عندما أكلت من لحم بعض قتلة أخيها حرفًا لا مجازًا!. “تيريون لانيستر”، الذي لم يتردد لحظة في قتل أبيه القاسي، والفرار لينضم إلى معسكر أعدى أعداء أسرته وراء البحر، واضعًا نفسه في خدمة “دينريس تارغيريان” ابنة الملك المجنون الذي قتله أخوه، والتي يتحرق صدرها بنيرانٍ للانتقام لا تباريها في حرارتها إلا نيران تنانينها الثلاثة. “دينريس”، التي تقدم نفسها كزعيمة ثورة، كللتها بتحرير العبيد في معقل تجارتهم، فانضم لها الكثيرون منهم، وأتت بالدوثروكي من تيه الصحاري إلى مرابع ويستروس، وتقدم نفسها للجميع كحل وحيد لأزمات العالم، تبني جزءًا من شرعية طلبها للحكم على إرث أبيها، الملك المجنون الذي كاد يحرق عاصمته قبل سقوطه. ولا تتردد لحظة في استخدام القوة الباطشة لسحق من تراهم أعداءها. وحتى “جون سنو” المنقذ المنتظر، والأقرب في مثاليته إلى نيد ستارك، لم يصل إلى الموسم السابع إلا بعد أن أنقذت حياته كاهنة تقدم الأطفال قرابين! فعاد وضرب أعناق من خانوه من حراس الليل الذين كان يقودهم. ولم ينتزعه من بين مخالب رمزي السادي أمام أسوار وينترفيل إلا جيش الإصبع الصغير داهية المسلسل، وقوَّاد ويستروس الأول! والذي استنجدت به أخت جون سنو– ابنة خاله حقيقة، لكن لهذا قصة أخرى– التي عركتها التجارب المريرة، سانسا ستارك[9].

وعلى الرغم من أن المسلسل قد تمكن من إضفاء البطولة المثالية على بعض الشخصيات، وهو الأمر الذي قادها لأن تنال حب المشاهدين حول العالم، حسب استطلاعات الرأي، إلا أن المسلسل استطاع أيضًا المحافظة على ذات الخط من الواقعية، فيرينا أن هذا الخير لا ينتصر، وأن هذه الشخصيات التي اختارت لذاتها البطولة المطلقة ستعرف الموت بطرق لم تكن تتخيلها يومًا، ولو لأعدائها. في الحلقة الثالثة من الموسم الثامن داعب صناع العمل فكرة انتصار الخير بمقتل “ملك الليل” في معركة وينترفيل على يد آريا ستارك مستخدمة “مخلب القطة” في ذلك، بحركتها التي نفذتها مع بريان أوف تارث (ترك السلاح والتقاطه باليد الثانية). لكن هذا لا يغير من بناء المسلسل في شيء، بل بالعكس يؤكد أنه لا يوجد قالب ثابت للمسلسل، حتى لو تمثل هذا القالب في انتصار الشر دومًا. لأن الخير قد ينتصر أيضًا في هذه الحياة وليس شرطًا أن تلاحقه الهزيمة أينما كان.

في الواقع لا تقوم صراع العروش على أية مرجعية أخلاقية يمكن لإنسان العصر الحديث أن ينطلق منها أو يختلف معها. ولتوضيح ذلك يمكننا القول أن هناك ثلاثة تصنيفات رئيسة في النظرية الأخلاقية: أخلاقي Moral، غير أخلاقي Immoral،   و ما لا يمكن الحكم عليه أخلاقيًا Amoral. وينتمي عالم صراع العروش إلى هذا الأخير، بمعنى أن الأحكام القيمية التي تنتمي لواقعنا المعيش لن تكون فاعلة في هذا العالم، أو ستتوقف عن العمل. وهذا الانحسار للمرجعية الأخلاقية المعيارية، في مقابل هيمنة الدوافع الأدنى، ينطوي على إغراء شديد، يمكن تفسيره باعتباره فرصة نادرة للمشاهد الحديث لتعليق حدوسه الأخلاقية وإيقافها عن العمل، لصالح الاندماج البدائي أو الطفلي مع الحدث. هذه فرصة لا تحدث إلا نادرًا، فأكثر أفعال الإنسان ومشاعره متداخلة، بقدر يزيد أو ينقص، مع شبكة من القيم والأحكام الأخلاقية، وينطوي التحرر -ولو جزئيًا وآنيًا- من هذه الاعتبارات كلها على إغراء تصعب مقاومته، إغراء العيش في لحظة سائلة منفصلة عن الزمان والمكان المألوفين، لحظة “هنا والآن” بلا مشاعر إلا اللذة والألم، أو كما قال ماركس وإنجلز في بيانهما الشيوعي واصفين منظومة القيم الحديثة بأنها تبخرت مثلما “كل ما هو صلب قد تبخر في الهواء”. وكما أكدنا في بداية هذا المقال على أن العمل في مجمله يعتمد آلية “كسر التوقع” بما في ذلك “التوقع الأخلاقي”، بحيث لا يضع المشاهد أمام أزمة أخلاقية من أي نوع، بل يقوم بالعكس تمامًا، بمعنى أن المشاهد يدخل إلى العمل برؤية أخلاقية ما، سرعان ما تتوقف عن العمل، فتغدو الأحكام الأخلاقية مُعلقة أو موضوعه بين قوسين.

إن عالم صراع العروش، مثله مثل العالم الذي نعيش فيه، معقد للغاية. لديه مئات الاتجاهات التي تتغير باستمرار. ومن بين هذه الاتجاهات يطل علينا هذا العالم بابتسامته الساخرة ليهمس سرًا عظيمًا في آذاننا- بأنه يتجاوز الخير والشر، لأن الخير والشر لا وجود لهما. إن ثنائية “الخير والشر”، التي نصنف الأفعال دائما وفقًا لها، سينتهي بها المطاف إلى التوقف عن العمل، في حال تخلت الشخصيات عن وجودها، فالشخصيات وحدها هي من تهبهما الحياة عبر كافة تناقضاتها؛ بمعنى أنه لا يوجد خير أو شر في ذاتهما. فشخصيات المسلسل تتردد جميعًا داخل بنية أخلاقية قامت هي ببنائها، وبالتالي، تصوغ تصرفاتها وتمنح أفعالها المعنى، لكن بصورة فردية خالصة.

أخيرًا، يمكننا القول إن الأعمال العظيمة بقدر ما تثير من قضايا مُلهمة مُحملة بدلالات لا تنضب تستدعي القراءات تلو القراءات، فإنها لا يمكن أن تخلو أيضًا من بعض العيوب والسقطات، سواء احتكم البعض في مواقفه الناقدة إلى مرتكزات إيديولوجية أو عقائدية أو قيمية (وهذا أمر جائز) أو جاء النقد موجهاً لنواحٍ فنية وتنفيذية (أخطاء في الإخراج، التصوير، الحبكة)[10].  لكن في كل الأحوال لا يمكن أن يقلل هذا كله مما أحدثه هذا العمل من قفزة هائلة في الأعمال الدرامية على الشاشة الصغيرة بحيث أنه سيتحول لنموذج تقاس عليه الأعمال القادمة، فما قبل صراع العروش ليس مماثلًا لما بعده.

لقد حان فصل الشتاء، ونهاية الصراع على وشك الحدوث، مع ما يستدعيه ذلك من مشاعر متباينة لدينا نحن المشاهدين يدور أغلبها حول الحزن والشجن، بعد أن ترك هذا العمل بصمته التي لا يمكن نسيانها بداخلنا. ومن المؤكد أن الحنين إليه سيراودنا من حين لآخر، ربما لأنه دونًا عن سواه يخاطب المناطق المجهولة بداخلنا، المناطق التي لا نستطيع الإمساك بها، والتعبير عنها، ما يعجز عنه نطاق القول إن جاز التعبير. وربما لأن في شخصياته الغارقة في عوالمها الغامضة والمراوغة، ليس من الصعب التعرف بداخلها على أنفسنا وعالمنا. يمكننا أن نجد، على الرغم من التنانين والمعارك السياسية السحرية والوحشية التي لا تضاهى، صراعات مماثلة لواقعنا. أو ربما لأن سردها المذهل يعكس معاركنا اليائسة للدفاع عن أنظمة القيم التي بدورها تدافع عن شعورنا المتواصل بالهزيمة. فهل سيمضي بنا الصراع إلى الربيع إذن أم سينذر بشتاء جديد أكثر قسوة؟.

 

 


 

[1] على سبيل المثال لا الحصر:

–          Henry Jacoby, Game of Thrones and Philosophy: Logic Cuts Deeper Than Swords.

[2] https://www.express.co.uk/entertainment/books/1123230/Game-of-Thrones-George-RR-Martin-HBO-ending-books-change-differences-Iron-Throne-die

[3] Ben Mack, Is Game of Thrones feminist?

https://www.villainesse.com/culture/game-thrones-feminist

[4] https://www.7iber.com/culture/game-of-thrones/

[5]  معلومات مواقع التصوير مقتبسة من:

https://www.arageek.com/art/2016/08/09/got-architecture.html

[6] https://www.reuters.com/article/us-film-easteurope/the-game-of-thrones-effect-central-european-film-industry-on-a-roll-idUSKCN1RM1A4?feedType=RSS&feedName=entertainmentNews

[7]  ثمة تحليل شيق قدمه أنطونيوس نادر عن لغة الدوثروكي في سياق مناقشته لموضوع “اللغة الاصطناعية وحلم الانصهار اللغوي” نشر على موقع منصة معنى على الرابط التالي:

https://mana.net/artificial/

[8] Nietzsche and Jaime Lannister: There is Need of the Lion

https://www.reddit.com/r/asoiaf/comments/6zifox/spoilers_extended_nietzsche_and_jaime_lannister/

[9] Francesco Ziveri, Game of Thrones from the eyes of Machiavelli and Nietzsche.

https://www.polemicsnpedantics.com/single-post/GoT,

https://www.ida2at.com/game-of-thrones-about-good-evil-and-other-things/

[10]  على سبيل المثال لاقت الحلقة الرابعة من الموسم الثامن انتقادات ضخمة بسبب ظهور كوب من قهوة ستاربكس Starbucks داخل أحد مشاهدها، واعتبر البعض هذا الخطأ الفج مؤشر عام على المستوى الضعيف الذي أصبح عليه المسلسل في موسمه الأخير.

https://www.youtube.com/watch?v=x_r7d6PHsYc

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى