في قاعة موينيهان للقطارات، تعمل قطعة جوشوا فرانكل، سواء أأراد ذلك أم لا، بوصفها إعلانًا آخر لنتجاهله.
بليك جوبنيك
توجد زندايا، الممثلة الرائعة، أمام تمثال النصر العظيم من ساموثراكي في اللوفر، ينسجم الرداء الأسود الذي ترتديه مع أجنحة التمثال الكلاسيكي البيضاء، مكونًا مشهدًا بصريًا مميزًا. ويتوسط المشهد عبارة “الجمال فن حي”، ضمن إعلان أنيق لمستحضرات تجميل لانكوم يُعرض على شاشة فيديو واسعة تمتد 160 قدمًا في قاعة موينيهان للقطارات.
ثم تعرض تلك الشاشات -الأربع منها- بعض الصور الثابتة، أقل أناقة، للرباع جالين هيرتس في قميصه الأخضر لفريق النسور، مع نص يعلن “هولو لديها رياضات مباشرة”.
وأخيرًا، تمتلئ برسوم متحركة مرسومة يدويًّا، بخط أبيض على خلفية سوداء، لجموع من الشخصيات تعبر وتعيد عبور بعض المساحات الحضرية الفارغة، يمكنك أن تخمن النص الذي قد يتبع: “سيتي بنك: من نيويوركيين، لنيويوركيين”.
أو ربما: “زولوفت: عندما تشعر بالضياع في الحشد”، ثم تلحظ النص الفعلي الذي يظهر مدّة وجيزة عبر الشاشة اليسرى: “جوشوا فرانكل: داخل الحشد هناك جودة” من دون وجود اسم شركة في الأفق ونص أكثر من غامض قليلًا، قد يتعرف المشاهد الذكي إلى هذا بوصفه فنًّا.
الرسوم المتحركة التي تستغرق 42 ثانية لفرانكل، بالتناوب مع أكثر من 14 دقيقة من الإعلانات، هي في الواقع أحدث عرض في برنامج الفن العام في قاعة موينيهان للقطارات، الذي يقدم أعمالًا دائمة لشخصيات بارزة مثل كيهيند وايلي وستان دوغلاس، إضافةً إلى قطع مؤقتة مثل فن الفيديو لفرانكل، التي ستعرض على شاشات القاعة حتى 14 نوفمبر بوصفها جزءًا من سلسلة الفن في أمتراك. سيتبع فرانكل على شاشات موينيهان قائمة من الفنانين البارزين التي تشمل شاهزيا سيكاندر، الأمريكية الباكستانية المستوحاة من المصغرات الفارسية والهندية، وويليام كنتريدج، الجنوب الإفريقي المعروف برسومه المتحركة ذات الوعي الاجتماعي.
تثبت تلك الشاشات نفسها مدى مركزية الفيديو في ثقافتنا؛ لقد أصبح حاضرًا في هواتفنا وأجهزة التلفاز، في ملاعبنا وحاناتنا، وحتى في قاعات القطارات لدينا. لقد جعل هذا الحضور الدائم للفيديو وسيلة الاختيار لبعض أفضل الفنون في العقود القليلة الماضية. تأخذ قطع الفيديو الرائدة مثل: “الساعة” لكريستيان ماركلي أو “الحب هو الرسالة، الرسالة هي الموت” لأرثر جافا، تجاربنا العادية على الشاشة وتدفعها إلى أماكن جديدة ومفاجئة.
التحدي لفيديو فرانكل هو تحقيق ذلك في قاعة القطارات، ولا يمكنه ذلك، إذ تبدو رسومه المتحركة، الحساسة وغير المتكلفة، نوعًا من الصور اليدوية التي قد يستخدمها بنك أو شركة أدوية لتجسيد صورتها العامة لتفصلها. على سبيل المثال، عن لمعان مستحضرات التجميل الفاخرة. تتماشى قطعة فرانكل مع توقعاتنا للعرض على الشاشة بدلًا من تجاوزها، ما يعني أنه من غير الرّاجح أن نلحظها إطلاقًا. وفعلًا، على نحو 45 دقيقة من المراقبة في موينيهان مساء يوم الجمعة المزدحم، لم أتمكن من رؤية مسافر واحد يعطي عمل فرانكل أكثر من نظرة عابرة.
لكن ذلك ليس خطأ فرانكل.
لم أتمكن من رؤية أي شخص في القاعة يستوعب أيًّا من الصور الأخرى التي عُرضت بوساطة شاشاتها الأربع العملاقة؛ سواء في إعلان عن سيارة، أم خدمة توصيل، أم فيلم ضخم، أم حتى لأمتراك نفسها. الآن بعد أن تسمح لنا الهواتف الذكية ببرمجة شاشاتنا بمحتوى اخترناه فعليًّا، أصبحنا أفضل من أي وقت مضى في تجاهل المحتوى الذي تختاره الشركات ومديرو الإعلانات، على الشاشات التي لا يمكننا التحكم بها، وبدلًا من الاضطرار إلى المنافسة من أجل جذب انتباهنا، يمكنك أن تقول إن فرانكل يجب أن يتنافس من أجل عدم انتباهنا، وهي مهمة أصعب بكثير.
مثل عدد من النقاد والقيّمين والفنانين، لطالما اعتقدت أنّ من المنطقي إدخال فن الفيديو، أو الفن من أي نوع تقريبًا، إلى حياتنا اليومية وأماكننا العامة، لقد مضى على ذلك 70 عامًا على الأقل، وفي الواقع، منذ أن بدأ عالم الفن يتحدث عن تقليص الفجوة بين الفن والحياة، وكنت واحدًا من الذين تحدثوا في الآونة الأخيرة، لكن قطعة فرانكل جعلتني أعيد التفكير في ذلك.
لدي شعور بأن الفيديو الخاص به سيكون له تأثير أكبر بكثير ويعني لي أكثر -كان سيحصل على نظرة أطول بكثير من أي شخص رآه- لو تم عرضه في مساحة مصممة خصوصًا لنا للتفكير في الأفكار الفنية. سأذهب إلى حد القول إن هذا السياق هو ما يجعل الفن فنًّا: علق “نافورة” مارسيل دوشامب في مرحاض عام، وستكون مجرد مرحاض. ضع الموناليزا على ملصق، ومن المحتمل أن تعمل بوصفها مجرد ديكور أو تذكار، وليست موضوعًا لتأمل فني حقيقي. يمكنك أن تقول إن أي صورة أو كائن هو فن حقًّا عندما يكون مشغولًا بالعمل كذاك فقط، عادةً لأن هناك بعض الدلائل تخبرنا بذلك، وعلى الشاشات في موينيهان، تعمل قطعة فرانكل، سواء أراد ذلك أم لا، بوصفها إعلانًا آخر لنتجاهله. ستواجه الفيديوهات التالية في سلسلة الفن في أمتراك التحدي نفسه؛ إذ سيتعين علينا أن نرى ما إذا كانت الرسوم المتحركة الشهيرة لويليام كنتريدج ستنجح في مواجهته. يبدو من المحتمل أنها، أيضًا، ستواجه أعينًا ماهرة في النظر بعيدًا عن الإعلانات على نحو لا يمكن معه إقناعها بالنظر إلى الفن الذي يملأ المساحة نفسها.
يجب أن يبرز الفن بوصفه إشارة من ضوضاء كل ما هو غير فنيّ هناك، وفي بيئة عامة مثل قاعة موينيهان، لن تكون هناك فرصة لذلك إلا لشيء غير قابل للتجنب جذريًّا. تترك دقة فرانكل قطعة غارقة، لكن هل سيقابل عمالقة الشركات رؤية إعلاناتهم تُعرَض بجانب فن يكفي من الجنون للتفوق عليهم؟ قد يكون الفيديو محاولة لتقديم نسخة عصرية من تمثال “نصر ساموثراكي”، لكنه في النهاية يلقي بظلاله على الغرض الأساسي: الترويج لأحمر شفاه لانكوم.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة نيويورك تايمز).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.

الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.